يثار التساؤل حول جواز إفطار المسلمين في رمضان بسبب “فيروس كورونا” ، استنادا إلى أن الإنسان بحاجة إلى شرب المياه دائما، وذلك لأن انتقال الفيروس يكون غالبا عند جفاف الحلق.؟
وقد تسابقت هيئات الإفتاء والمفتون في مصر إلى الإدلاء بالرأي في ذلك، وانقسمت دوائر الإفتاء في مصر، بين قائل بالجواز وقائل بالمنع ومتوقف.
ومن المائلين إلى القول بجواز الإفطار الدكتور علي جمعة، مفتي مصر الأسبق، الذي رأى أن الأمر يرجع فيه إلى الأطباء، لأنهم الأعلم بالواقع.
وأنه يجب اتباع إرشادات الأطباء إذا رأوا الإفطار في رمضان للوقاية من “فيروس كورونا”، وذلك بنصحهم بشرب الماء بشكل مستمر.
وهو ما قال به مستشار مفتي مصر وأمين الفتوى بدار الإفتاء المصرية الدكتور مجدي عاشور.
واستند علي جمعة في فتواه إلى ما يلي:
1 – أن الأمر يتعلق بالطب، والواجب اتباع أهل الاختصاص، لأنه جزء من فهم واقع المسألة.
2 – أن عدم الأخذ برأي الأطباء فيه ضرر على صحة الإنسان، فتكون مخالفتهم محرمة، ومخالف الأطباء عاص، بل هو في حكم المنتحر!
3 – إذا كان الصيام سيؤدي إلى الضرر يكون حراما، ويعاقب فاعله، ولا ثواب عليه.
في حين توقفت دار الإفتاء المصرية، ونفعت أن يكون قد صدر منها أي فتوى في الشأن، وأنها متوقفة حتى تطلع على آراء الأطباء في ذلك الشأن.
على أنه من العجيب توصيف الدكتور علي جمعة أنه في حال نصح الأطباء بالفطر أن مخالفهم يأخذ حكم المنتحر، وهو شذوذ في الفتوى، فالقياس على الانتحار قياس مع الفارق.
لجنة الفقه والفتوى بمجمع البحوث الإسلامية بالأزهر:
وعلى خلاف رأي علي جمعة، فإن لجنة الفقه والفتوى بمجمع البحوث الإسلامية – أعلى سلطة دينية في مصر- قد رأت أنه يحرم على المسلمين الإفطار في رمضان بسبب التخوف من “فيروس كورونا”.
واستندت اللجنة إلى رأي عدد من الأطباء المتخصصين في الفيروسات والعدوى ومنظمة الصحة العالمية، وأن الجميع أكد عدم وجود دليل علمي على وجود ارتباط بين الصيام والإصابة بالفيروس، وأنه بناء على ذلك، فإن أحكام الصيام تبقى على حالها من وجوب الصيام وحرمة الإفطار، إلا أصحاب الأعذار الذين رخص لهم في الإفطار من المرضى الذين لا يقدرون على الصيام، وغيرهم من أصحاب الرخص.
مركز الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية:
وممن نفى رخصة الصيام بسبب “فيروس كورونا” وأوجب الصيام مركز الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية الذي أفتى أنه ” لا يجوز للمسلم أن يُفطِرَ رمضان إلَّا إذا قرَّر الأطباء وثبت علميًّا أن الصِّيام سيجعله عرضةً للإصابة والهلاك بـ “فيروس كُورونا”، وهو أمر لم يثبت علميًّا حتى هذه اللحظة”.
وقد استندت فتوى مركز الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية إلى سؤالين وجها إلى منظمة الصحة العالمية – المكتب الإقليمي للشرق المتوسط:
الأول: هل شرب الماء يخفف من التهاب الحلق؟ وهل يقي من العدوى بمرض “فيروس كورونا” (كوفيد-19)؟
فأجاب: من المهم شرب الماء للحفاظ على مستوى الرطوبة في الجسم مما يحفظ الصحة العامة، ولكن لا يقي شرب الماء من العدوى بمرض كوفيد – 19.
الثاني: هل تساعد الغَرْغَرَة بغسول الفم على الوقاية من العدوى بفيروس كورونا المستجد؟
فأجاب: «لا، لا توجد أى بيِّنة على أنَّ استخدام غسول الفم يقي من العدوى بفيروس كورونا المستجد.. هناك بعض العلامات التجارية لغسول الفم قد تقضى على جراثيم معينة لبضع دقائق في اللُّعَاب الموجود بالفم، لكن لا يعنى ذلك أنها تقى من العدوى بفيروس كورونا المستجد – 2019م
وعقب مركز الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية: ” وإذا أراد الصائم لأى سببٍ آخر أن يجعل فمه رطبًا، فقد سَنَّ له الإسلام المضمضة حال الوضوء، فيستعين بها على ترطيب فمه؛ شريطة ألَّا يُبالغ في ذلك؛ كي لا يدخل الماء إلى جوفه فيبطل صومه؛ وذلك لما جاء عن سيدنا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ قَالَ هَشَشْتُ فَقَبَّلْتُ وَأَنَا صَائِمٌ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ صَنَعْتُ الْيَوْمَ أَمْرًا عَظِيمًا، قَبَّلْتُ وَأَنَا صَائِمٌ، قَالَ: «أَرَأَيْتَ لَوْ مَضْمَضْتَ مِنْ الْمَاءِ وَأَنْتَ صَائِمٌ» قُلْتُ: لا بَأْسَ بِهِ، قَالَ: «فَمَهْ» [أخرجه أبو داود]، فقوله: «أَرَأَيْت لَوْ مَضْمَضْت مِنْ الْمَاء»: فِيهِ إِشَارَة إِلَى أن مجرَّد المضمضة حال الصوم ليس فيها شيء إذا لم يدخل الماء في جوف الصائم”.
بيان حكم الصيام
ومن المعلوم شرعا أن الصيام واجب على كل مسلم بالغ عاقل قادر مقيم، كما قال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ . أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [البقرة: 183، 184].
ودلالة الآية الأولى العموم، وخصصت الآية الثانية الآية الأولى، فرخصت للمرضى والمسافرين وأصحاب الأعذار، ومن سواهم يجب عليهم الصيام ويحرم عليهم الإفطار.