تحقيق / هشام المحيا –
ضعف البنية التحتية والترويج والأمن يمنع السياح من الوصول إلى إب
“هي لا غيرها” عاصمة السحر التي سحرت أعين الناس وأسرتهم لأنها جاءت بشيء عظيم من رآها يتمنى على عقارب الساعة أن تقف بغية الاستمتاع بمناظرها .. إنها هبة الله وصنعته ” محافظة إب البهية ” بكل جبالها وسهولها قلاعها وحصونها أبدع الخالق فيها أيما إبداع وزادها جمالا وكساها حلة خضراء فاقعَ لونها تِسْر الناظرين .. لا تنفك هذه الحلة عنها طوال أيام السنة نظراٍ لهطول الأمطار عليها بشكل دائم هذه اللؤلؤة كغيرها من المناطق السياحية في اليمن تشكو الإهمال المفرط فالبناء العشوائي وتدمير الأشجار العلامة البارزة اليوم أيضاٍ لا توجد طرق معبِدة إلى كل القرى ولا دليل سياحي ولا ترويج ولا..ولا..ولا.. إلى آخر هذه اللاآت .. نتابع في التحقيق التالي تفاصيل أكثر ..
محافظة إب هي إحدى المحافظات اليمنية التي تمتلك تاريخاٍ أصيلاٍ وحضارة قديمة كتاريخ الملكة أروى وحضارة منطقة جبلة وسبب تسميتها ــ كما قيل ــ مأخذوذ من “الأب” وهو العْشب والكلأ كونها دائمة الخضرة وقد ورد في القرآن الكريم قوله تعالى: (فاكهةٍ وأباٍ( .. وتتميز هذه المحافظة بموقعها الجغرافي الرائع حيث تقع في الجزء الأوسط من الجمهورية اليمنية بين خطي عرض (75 -13) – (5 – 14) وبين خطي طول (43 – 45) شرق جرينتش وتبعد عن العاصمة صنعاء مسافة (193كم) وتقدر مساحتها بـ 5552كم وتتصل بمحافظ ذمار من الشمال ومحافظة تعز من الجنوب ومن الشرق محافظتا الضالع والبيضاء ومن الغرب محافظة الحديدة ويشكل عدد سكانها مايقارب 10.8% من إجمالي سكان الجمهورية اليمنية وتعد ثالث أكبر المحافظات من حيث السكان وتحتل المرتبة الرابعة بعد محافظات (الحديدة صنعاء ومارب) في إنتاج المحاصيل الزراعية أي بنسبة (5.6%) من إجمالي الإنتاج في الجمهورية وتعد الزراعة النشاط الرئيسي للسكان وأهم المحاصيل هناك الحبوب والخضروات.
وتضم أراضي المحافظة بعض المعادن أهمها المعادن الطينية المستخدمة في صناعة الأسمنت والطوب الحراري ومعدن (الزيولايت) المستخدم في صناعة المنظفات والبازلت المستخدم في صناعة حجر البناء والمعدن المستخدم في صناعة أحجار الزينة و تتمتع محافظة إب بمناخ معتدل طوال العام وأمطارها غزيرة مصحوبة بالبرودة نتيجة هبوب الرياح الموسمية المشبعة بالمياه من الجنوب الشرقي والجنوب الغربي للمحافظة حيث يبلغ معدل تساقط الأمطار السنوي أكثر من (1000 مم) على المرتفعات الجبلية الغربية والجنوبية للمحافظة وترتفع المدينة (1500) متر عن سطح البحر تقريباٍ.
ألف ليلة وليلة
هي بضعة ليالُ قضيناها في محافظة إب لكنها لا تقل متعة عن مشهد الخرافة التاريخية “ألف ليلة وليلة” كانت بداية الرحلة من نقيل السياني جنوب “إب” قاصدين المدينة للراحة من وعثاء السفر وكغيرنا من الزائرين -أصبحنا في حالة هذيان- من جمال المنظر الذي نراه فالحلة الخضراء في هذا الجبل وحدها لا شريك لها تستعرض مفاتن الجبل وطريق السيارات ممتدة من أعلى رأسه حتى أخمص قدميه كحزام على خصر فاتنة الحسن والجمال الوادي هو الآخر بدا باسطاٍ راحتيه أسفل الجبل مما جعلنا نهنئ أنفسنا بهذا المنظر وفي نفس الوقت نعزيها فنحن عما قريب سنذهب.
وصلنا المدينة وهناك احترنا كثيرا من أين نبدأ رحلة البحث عن صور ومشاهد طبيعية نملأ بها ذاكرتنا الخالية من روائع الطبيعة فالمدينة تمتلك مخزونا هائلا من المرتفعات الجبلية والأودية والقلاع والحصون والحمامات العلاجية فاحترنا من أين نبدأ الجولة هل نبدأ من الجبال أم من الأودية أم القلاع والحصون¿ وكان منظر الجبال يشدنا نحوها وهنا لوح لنا جبل ربي برأسه المدور أن أَقبلوا فكانت لحظات بمثابة الإفطار ضربة الحظ التي قلما تأتي.
“جبل ربي” هكذا أسموه وكأن الله أولاه رعاية خاصة فنسب إليه الجبل يعد هذا الجبل أحد أجمل جبال المحافظة حيث أتقن كل فنون السحر وكأنه مغناطيس يجذب إليه كل من هو قريب منه ليشاهدوا من عليائه ما أبدعه الله في أرضه فالمدينة ــ من الجهة الغربية للجبل ــ بجسمها المعماري الجديد تمثل لوحة فنية رْسمت على قماش أخضر قلما وجدت على هذه البسيطة من الجانب الأخر للجبل مساحة خضراء تتزين بينابيع المياه والجداول التي لا تكل ولا تمل من مداعبة راحة هذه الأرض الطيبة.
“مشورة”هي أيضاٍ حكاية أخرى وسمفونية من سمفونيات الطبيعة الساحرة حيث تبعد عن المدينة حوالي 5كم تزدحم هذه المنطقة أثناء الأعياد والعطل الرسمية بالزوار من داخل المحافظة ومن خارجها حيث تمتاز بالكثير الروائع السياحية فهي لا تبخل أبداٍ بتقديم ضيافتها للزوار المتمثلة بتقديم الهواء الطلق والأنسام العبيرية والمناظر الخضراء الخلابة المنتجع السياحي أيضاٍ يقوم بدوره حيث يحتضن الوافدين وذلك بمساعدة الاستراحات وملاهي الأطفال ومظلات العوائل.
بقية الجبال هي الأخرى تستقبل كل من يفد إليها باحثاٍ عن فطرة الطبيعة وهنا لا يتورع من زار أحد جبال إب من أن يقول ما في قريحته من أشجان ــحتماٍــ ستْعِذب من يسمع عن المحافظة وجبالها ولم يكتب له القدر زيارتها.
ومن أشهر مرتفعاتها جبال يِريúم الباسقة التي تزدان بجمالها البهي وأيضاٍ جبل بني مْسلم الذي يرتفع عـن مستوى سطح البحر حوالي (3000 متر) غرب مدينة يِريúم ثم جبال ظفار صاحبة التاريخ وتقع جنوب شرق مدينة يِريúم على بعد حوالي (20 كيلومتراٍ) ثم جبال شخب عمار وكحلان وجبل المنار وهو شمال بِعúدان جنوب يِريúم ثم جبل بِعúدان الذي ما إن زاره أحد وحان وقت رحيله إلا ويودعه وداع الأحبة جبال مشورة أيضاٍ هي من أجمل المرتفعات هناك وتقع جنوب حبيش من إب وبالشرق منها جبل الخضراء الذي يطل على السيِاني من الشرق ثم جبال العود التي تقع شرق بِعúدان وجبال مْريس التي تقع شمال شرق قعطبة.
ومنها جبال العْدِيúن التي تقع غرب محافظة إب وجبال بلد الشهاري التي تقع جنوب شرق مدينة العْدِيúن وجبال المْذِيúخرِه والأشعوب وحمير.
الأودية
لم تنته الرحلة فالذاكرة تتسع للمزيد من المناظر الطبيعية وما أشبه الذاكرة اليوم بالنار حين تقول: هل من مزيد فكانت الأودية هي الفصل الثاني من الرحلة فأشهرها وادي ميتم ومنبع مياهه من مدينة إب وأودية جبلة وأودية بِعúدان وأودية صهبان والسِبúره أيضا وادي عِنه ــ بفتح العين وتشديد النون – أحد أودية بلاد العْدِيúن المشهورة الذي ورد ذكره في العديد من المصادر التاريخية وينسبه التاريخيون إلى “عِنه بن مثوب الأكبر بن عْريب”.
أما وادي بنا فلا يخفي روعة منظره فقد سبقنا إلى وصفه الشعراء وتغنى به الفنانون وتبدأ مياهه من يِريúم وتجتمع أسفل وادي الحقل وتهبط في وادي بنا حيث تمر بالسِدة ويسير وادي بنا من الشمال الغربي إلى الجنوب الشرقي فتسير إلى وادي دمت حيث الحمامات العلاجية ثم تتجه إلى دمت ثم تنزل إلى وادي أبين وخنفر بعد أن تنضم إليها العديد من الأودية في دمت وغيرها من المناطق التي تمر بها حتى تصب في البحر العربي جنوباٍ على بعد حوالي (40 كيلومتر) شرق مدينة عدن.
الحمامات العلاجية
إنه التصميم الفريد لهذه الأرض حيث لم يترك سبحانه جل وعلا شيئا يحتاجه الناس إلا وأتى به من ذلك الحمامات العلاجية والتي تفرقت هنا وهناك في أراضي المحافظة وتوجد بها أكثر من عشرة حمامات منها حمامان تعمل على مدار العام وهما “جداع” في عزلة النخلة وهبران في عزلة بني سيف العالي أما البقية فهي موسمية منها “الصلبة” في مديرية القفر والأديب في عزلة بمي الأديب ويعد الإقبال على هذه الحمامات بمستوى متوسط ويتفاوت الإقبال على الحمامات من واحد لآخر.
الحضارة والتاريخ
عندما يريد أي قوم أن يبنوا حضارة وثقافة للتاريخ فعليهم أن يوفروا العوامل اللازمة لذلك كالأرض المعطاءة التي تكفل استمرار الحياة وهذه الميزة تتوفر بمحافظة إب (اللواء الأخضر) فكان ذلك ادعى لإقامة الحضارات والدول كالدولة الحميرية والتي أسسها الملك ذي ريدان الحميري 115ق.م حيث قامت هذه الدولة في منطقة وادي بنا وتم إنشاء مدينة ظفار على سفح ريدان وهو جبل قرب قاع الحقل بيريم لتصبح هذه المدينة عاصمة لهذه الدولة بعد أن كانت في مارب.
ولما اكتمل بنيانها وزادت قوتها واصل الحميريون زحفهم شمالاٍ وضموا إليهم الدولة السبئية وأقاموا دولة جديدة إلى جانب ريدان وعاصمتها مدينة ظفار والتي يوجد فيها متحف ظفار التاريخي الذي تحكي محتوياته عن تلك الدولة التاريخية العملاقة.
كما لا تزال العديد من الآثار والقلاع والقصور الباقية تذكر بها وبأمجاد تاريخية لدويلات قبلها مثل دولة رعين التي قامت دولة حمير على أنقاضها من 436-532 هـ (1047-1138 م).
الدولة الصليحية : ورمزها جبلة والتي مازالت حتى اليوم تخلد اسم الملكة أروى بنت أحمد الصليحي صاحبة المنزل المبني بـ 365 نافذة واختارت مدينة جبلة عاصمة للدولة فحققت خلال حكمها الذي استمر خمسين عاماٍ نجاحاٍ باهراٍ وفريداٍ نظراٍ لما عْرفت به من حكمة وعدل وثبات كما قامت إلى جانب نجاحها السياسي وتقوية نفوذ دولتها ببناء العديد من المآثر التاريخية الإسلامية والإنسانية مثل بناء جامع السيدة أروى بمدينة جبله وهو الجامع الكبير في المدينة وعملت على وقف الكثير من الأراضي الزراعية للمواشي وبناء المرافق الخدمية وتعتبر الملكة أروى من أوائل الملوك الذين أوصلوا مياه الشرب النقية إلى كل المنازل حيث أوصلت المياه إلى كل منازل بمدينة جبلة عبر ساقية طويلة تمتد إلى أعلى الجبل المطل على المدينة كما اهتمت بالعلماء والمتعلمين فوفرت لهم المساكن وشكلت حلقات العلم في جامع جبلة الذي كان يلتحق به طالبو العلم من مختلف المناطق.
الدولة غائبة
ماذا تريد أي حكومة في العالم أكثر من هذا, فالله سبحانه جمع كل مقومات الحياة السياحية في هذه المحافظة من طبيعة جميلة وتاريخ عريق وجو هادئ معتدل وميزات أخرى كثيرة غير هذه الميزات فلماذا لا تستفيد الحكومة اليمنية من هذه المحافظة¿ كونها ستكون رافداٍ قوياٍ للاقتصاد الذي يدخل كل يوم في غيبوبة ونمسك في كل لحظة على قلوبنا خوفاٍ من انهياره لاسيما وأن الكثير من الدول تعيش على السياحة ولولاها لما قامت تلك الدول وعلاوة على ذلك أن السياحة في هذه الدول أغلبها مصنوعة من صْنع يدها لا من فطرة الطبيعة ونحن في اليمن لم نستطع أن نوفر ميزانية لمحافظة إب السياحية لتغدو قبلة سياح العالم.
“عزيزي القارئ الكريم ” إن أقل تعبير يمكن من خلاله وصف محافظة إب هو أنها لؤلؤة في كف عفريت أو عصفورة في يد طفل يلعب بها ويشوهها فهي على الرغم من حسنها وجمالها إلا أنها تعاني من مشاكل كثيرة أهمها غياب الدور الإعلامي الترويجي وقبل هذا تعاني من المشاريع العشوائية كالطرق المرقعة, نتيجة غياب التخطيط الهندسي, أيضاٍ يعاني الزائر للمحافظة من التوهان فهي بلا إرشادات سياحية توصل السائح إلى مبتغاه كما أن الخدمات السياحية غائبة باستثناء منتزه هنا أو هناك لذا ينبغي على الدولة والحكومة توجيه الاهتمام بالمنتج السياحي في إب كونه المصدر الرئيسي للدخل القومي يكاد يسبق النفط القابل للنضوب.
مدير عام السياحة في إب أمين جزيلان وضع كل المهتمين والمسؤولين في صورة الواقع وأوضح أن المحافظة رغم ما تمتلك من مقومات سياحية عالية إلا أنها تعاني من مشكلات كثيرة أبرزها اقتطاع المساحات الخضراء والبناء العشوائي للمنازل واصطياد الطيور النادرة والحفر العشوائي لاستخراج المياه مما يهدد السياحة في المحافظة كما أكد غياب المتاحف والترويج السياحي وغياب العنصر الأهم وهو الحماية الأمنية للسياح.
وأضاف: “الكثير من المواقع السياحية تحتاج إلى الترميم كحصن حب وقلعة سمارة وغيرها من الأماكن”.
من جهة أخرى قال مصدر مسؤول في إدارة أمن محافظة إب أن قوات الأمن في المحافظة تقوم بعمل اللازم لحماية السياح ولديها وحدات خاصة لهذا الغرض.
سيدتي عذراٍ…
في هذه المحافظة لن تدخل أداة الاستثناء “إلا” لتستثني ولو شبراٍ واحداٍ لايتمتع بالجمال فأينما ذهبت ستجدها بهية الطلعة جميلة المنظر شهية الدفء كريمة الأصل ولن يدخل في الحديث عن روعة الطبيعة الشوارع والخدمات السياحية فالشوارع ــاللهم لا شماتةــ تحتاج إلى الكثير من العمليات التجميلية لإزالة الحفر فأنت عندما تمر في شوارعها التي تكسو جوانبها الخضرة ستظن أنك في أحد شوارع باريس أو إحدى مناطق إشبيلية ولن يْذكرك بأنك في اليمن إلا الحْفر أما الخدمات السياحية “فكل واحد يخدم نفسه أياٍ كان الزائر لذا توجب علينا أن نعتذر لمعالي محافظة “إب”.