السعودية توظف التفجيرات لتبرئة نفسها من “داعش” !!

عبدالباري عطوان

بعد ثلاثة أيام من التفجيرات التي قيل أنها استهدفت ثلاث مدن سعودية بينها المدينة المنورة، حيث الحرم النبوي الشريف، طار السيد عادل الجبير وزير الخارجية السعودي إلى واشنطن حاملا عرضا بامكانية إرسال قوات سعودية إلى سوريا لدحر تنظيم “داعش”.
المتحدث باسم الخارجية الامريكية جون كيربي صرح لصحيفة “الشرق الأوسط” ان السيد الجبير “عرض توفير قوات للمشاركة في حملة مكافحة تنظيم “داعش”، وناقش مع كيري الحاجة إلى تحقيق انتقال سياسي في سوريا، إضافة إلى التطرق لعدة قضايا من بينها الوضع في ليبيا واليمن وفلسطين المحتلة، وجاء هذا العرض أثناء اجتماع غير مدرج على جدول أعمال وزير الخارجية الأمريكي.
هذه ليست المرة الأولى التي تعرض فيها السلطات السعودية إرسال قوات إلى سوريا، فقد تقدمت في العام الماضي بعروض مماثلة، ولكن بهدف قتال النظام السوري واطاحة حكمه، وأرسلت أربع طائرات حربية إلى قاعدة انجرليك الجوية التركية في إطار الحرب على الإرهاب التي تشنها طائرات التحالف الستيني، ولكنها كانت مساهمة رمزية تضامنية فقط.
الوزير كيري أكد ما ذكرناه عندما قال المتحدث باسمه: “ليس سرا أننا نناقش الجهود ضد “داعش” والسعودية لها دور مهم، ونأخذ المقترح السعودي بجدية ولم نصل إلى قرار نهائي حوله”.
السيد الجبير تحدث في لقائه مع نظيره كيري عن انتقال سياسي في سورية، ولم يكرر عبارته الأثيرة التي اشتهر بها، وهي حتمية رحيل الرئيس بشار الأسد، سواء بالحل السياسي أو العسكري، فهل هذا يعني حدوث “مراجعات” في السياسات السعودية تجاه الملف السوري وتغيير سلم الأولويات بالتالي، تماهيا مع الموقف الأمريكي الروسي الذي يعطي الأولوية القصوى “لاجتثاث” تنظيم “داعش” باعتباره الخطر الأكبر على المنطقة ويتقدم على النظام السوري بمراحل؟
***
من الواضح ان الحملة الإعلامية السعودية التي ضخمت حادثة التفجير في الحرم النبوي الشريف، وجندت كل ما يمكن تجنيده من المسؤولين في الدول الإسلامية والعربية الحليفة لإدانة هذه الجريمة الارهابية، ربما تكون بهدف التمهيد لهذه “المراجعات” والانقلاب في سلم الأولويات.
كان لافتا أن القاسم المشترك في الانفجارات الثلاثة التي جرى الإعلان عن وقوعها في اليوم قبل الأخير من شهر رمضان المبارك في كل من مدن القطيف (شرقا)، وجدة (غربا)، والمدينة المنورة (شمال غرب المملكة)، أنها وقعت في مواقف سيارات، ولم يقتل فيها أي مدني، ولم يتم حتى الآن الإعلان عن أسماء المتورطين فيها وجنسياتهم، باستثناء منفذ عملية تفجير موقف سيارات الدكتور سليمان فقيه في مدينة جدة الذي قيل انه باكستاني، دون أي إشارة لخلفيته العقائدية أو السياسية.
جميع العمليات الهجومية التي نفذها تنظيم“داعش” في المملكة العربية السعودية والكويت استهدفت مساجد لأبناء الطائفة الشيعية، وأسفرت عن وقوع ضحايا مدنيين بما في ذلك التي تم إحباطها، والحملة الإعلامية الضخمة التي ضخمت جريمة التفجير الإرهابي في الحرم النبوي وركزت على انه فريد من نوعه، وتواضعت أمامها عملية اقتحام جهيمان العتيبي والعشرات من أنصاره الحرم المكي الشريف في ديسمبر عام 1979م وانتهت بمجزرة، أي أنها ليست المرة الأولى التي يتم فيها استهداف أماكن مقدسة في السعودية.
ربما من السابق لأوانه القفز إلى أي نتائج أو تكهنات، فالتحقيقات الأمنية التي تجريها وزارة الداخلية السعودية وخبراؤها، ما زالت في بداياتها، ولكن كيف يمكن كشف هوية الإرهابي الباكستاني بعد ساعات معدودة، بينما ظلت هويات المتورطين الآخرين مجهولة حتى كتابة هذه السطور؟ وكيف دعي الإرهابي الذي تزنر بحزام ناسف إلى مشاركة الجنود الإفطار، ثم تصدوا له في رواية أخرى ومنعوه من اقتحام الحرم، وهل كان في مدخل الحرم أم في مرآب للسيارات، ولماذا هناك، وحسب الصور، أكثر من عشرين سيارة مدمرة ومحروقة؟ ونحن نسأل هنا وهذا من حقنا.
“داعش” المتهم الرئيسي في الوقوف خلف هذه التفجيرات، والتي يشار إليها في الأدبيات السعودية بـ”الفئة الضالة”، لم تعلن مسؤوليتها حتى الآن عن تنفيذها، وهي التي سارعت بعد ساعات معدودة تبني انفجارات بروكسل وباريس وبنغلاديش وحي الكرادة في بغداد، الأمر الذي يطرح علامات استفهام أخرى اكبر من كل سابقاتها.
تبني “داعش” المذهب الوهابي كعقيدة لها، عرض المملكة العربية السعودية لاتهامات من جهات غربية عديدة بدعم هذه “الدولة” بطرق مباشرة أو غير مباشرة، وبصفة رسمية او غير رسمية، ولا نستبعد أن توظف الحكومة السعودية هذه التفجيرات الثلاثة من اجل نفي هذه التهمة عمليا، والقول بأنها مستهدفة مثل الإطراف الإقليمية الأخرى بما فيها سوريا والعراق ومصر (سيناء) وليبيا (سرت)، والعرض الذي حمله السيد الجبير إلى واشنطن عن استعداد بلاده لإرسال قوات برية لقتال هذه “الدولة” على الارجح في سوريا، هو تأكيد أضافي لهذا التوجه السعودي الجديد وتعبئة الشارع السعودي خلفه.
***
السلطات السعودية، وفي ظل فشل الحل العسكري في اليمن وانهيار مفاوضات الكويت للتوصل إلى حل سياسي يمكن ان يوفر مخرجا مشرفا من الأزمة، وعدم نجاح سياساتها وضغوطها في إسقاط نظام الأسد سلما أو حربا في سوريا، وفتور علاقاتها مع حليفها التركي الذي اتجه نحو التطبيع مع موسكو وتل أبيب، وبدأ في موجة غزل مع دمشق والقاهرة، لا تريد البقاء في قفص هذه السياسات “الصقورية” التي باتت عبئا ثقيلا عليها.
نستطيع أن نؤكد أن هناك اصواتا تتردد حاليا على أعلى المستويات في دائرة الحكم السعودي، تتساءل عن الحكمة من الاستمرار في التدخل في الحرب السورية، وتشير إلى ان سوريا لم تكن طوال الثلاثين أو الأربعين عاما الماضية تشكل أي خطر على السعودية وأمنها، بل كانت حليفا قويا لها في اللحظات الصعبة، وآخرها الوقوف إلى جانبها في حرب الكويت الأولى التي أخرجت القوات العراقية، وإذاً كانت هذه العلاقة التحالفية اهتزت ففي أيام الملك الراحل عبد الله بن عبد العزيز، وبسبب حديث الرئيس الأسد عن “أشباه الرجال” دون أن يسمي أحداً، مضافا إلى ذلك أن هذه الأصوات تتساءل أيضا عن مصلحة السعودية في إسقاط الديكتاتوريات و”الطغاة”، وهي التي اعترضت بقوة على عدم تدخل أمريكا عسكريا لانقاذ الرئيس حسني مبارك من الثورة الشعبية التي كانت على وشك الإطاحة بنظامه في حينها، ولم تكن مطلقا مع أي تغيير ديمقراطي في المنطقة، واشتكت كثيرا من الديمقراطية الكويتية والأردنية وأخيرا المصرية.
نشعر أن الضحية الأكبر للتفجيرات التي “استهدفت” السعودية، وتضاربت بعض الروايات حولها، ليس الجنود السعوديين الأربعة الذين سقطوا في المركز الأمني قرب الحرم النبوي، وانما شخصيات أمنية وسياسية ستوجه اليها الاتهامات بالفشل وتحميلها نتائجه بالتالي، ولعل استقالة وزير الداخلية العراقي بعد تفجير حي الكرادة في بغداد الذي أعلن تنظيم “داعش” وقوفه خلفه بعد ساعات احد المؤشرات في هذا المضمار، والله اعلم.
*نقلا عن “رأي اليوم”

قد يعجبك ايضا