اسطوانات الغاز التالفة.. ألغام في المطابخ

تحقيق/ رجاء عاطف – أمل الجندي

من الطبيعي أن تخضع أسطوانات الغاز المنزلي لمواصفات قياسية معينة حيث تعتبر منتجاً استهلاكياً ذا خطورة (قنبلة موقوته) داخل المنازل..
لكن السؤال: هل يعي المواطن  هذه المواصفات؟ وهل يعلم أن هذا المنتج له عمر افتراضي كباقي المواد الاستهلاكية ويجب أخذ الحيطة والحذر عند التعامل معه؟ أم أن التعامل معه يتم بشكل عفوي بسبب قلة التوعية من قبل الجهات ذات الاختصاص؟
وهل  يعلم المواطن أن هذه الاسطوانات تحتاج إلى صيانة وإعادة التالف منها..؟كل هذا السيل من أسئلة القلق لنستبين حقيقة ما يجري محليا..وكيف يمكن تلافي مخاطر هذه القنابل الموقوتة..

ونحن نتقصى طبيعة المشكلة  وجدنا أن الكثير من المواطنين عند تعبئة الأسطوانات يتعاملون مع الوزن لا اللتر!!وهذا أمر يتسبب بإشكالات إضافة إلى أن بعض المستهلكين يقومون بنقل اسطوانات الغاز من مكان الشراء إلى منازلهم بطريقة الدحرجة على الأرض أو رميها أثناء النقل وهذا بدوره يحدث تلفا للأسطوانة قد يحولها إلى كارثة..
حلول ترقيعية
الأشد خطراً من بين كل ما ذكر هو أن الكثير من المواطنين يستخدمون أسطوانات الغاز في المنازل حتى وإن كان صمامها تالفا وهناك تسريب للغاز منه..
وعندما سألنا الناس لماذا ؟ وجدنا إجابة موحدة لدى كل من سألناهم :  لا بديل لدينا إلا استخدامها إلى أن تنتهي الكمية الموجودة بداخلها لأن  صاحب المعرض سيرفض تبديلها إضافة إلى أن المواطن بالكاد حصل عليها خصوصا في هكذا أوضاع صعبة مهما كانت حالتها رديئة.
وأمام هكذا مخاطر يبتكر الناس طرقا مختلفة ظنا منهم أنها قد تبعدهم عن الخطر فلننظر ماذا يفعلون وكيف يتعاملون مع المشكلة؟..
تختلف الطرق من شخص إلى آخر في تلافي خلل الصمام الذي يعجزون عن إصلاحه في المنزل في الوقت الذي لا يوجد فيه من يتابع الاسطوانات التالفة أو يقوم بتوعية الناس بالطرق السليمة لتفادي أي خطورة حال تلف الصمام والاسطوانة ذاتها..
تقول صالحة علي– ربة بيت: أحيانا نكتشف بعد شراء الاسطوانة أنها تسرب ولكن نتلافى ذلك بتبليل قطعة ثقيلة من القماش ( منشفة ) ووضعها مباشرة على صمام الأسطوانة وبهذه الطريقة يخف التسريب قليلا إلى أن تخلص كمية الغاز داخل الاسطوانة لأنه ليس لدينا حلا آخر.
وبنفس الوعي تقوم أم رمزي الوتاري، ربة بيت بوضع عجينة على منطقة تسرب الغاز من الصمام أو وضع شيء ثقيل على رأس الصمام يمنع التسرب قدر المستطاع..وهذا هو الحل المؤقت بالنسبة لها كما حكت لنا.
أما المواطن علي الحرازي ما أن يرى أن هناك تسرباً من الأسطوانة فإنه يقوم بإصلاح صمامها من خلال إشعال قطعة من الفلين وجعلها تنقط مباشرة على الصمام وبهذا يكون قد تلافى خلل الصمام الذي يعطب حال فتح الاسطوانة كما يزعم.
وعن جودة الأسطوانات وجدنا الكثير من الناس يفضلون المنتج المحلي على المستورد حيث أكد الكثير من المواطنين أن أسطوانات المصنع اليمني للغاز تضاهي المصانع العالمية سواء الإيطالية أو السعودية حيث انتشرت الكثير من الأسطوانات المستوردة في السوق المحلية سريعة التلف.
عينات للفحص
ولأن الحال يستدعي معرفة ما إذا كان هناك متابعة مستمرة للأسطوانات التالفة وصيانتها ومنها المستوردة ،من قبل الجهات المختصة تؤكد نائلة القباطي – مديرة إدارة ضبط المنتجات الصناعية بهيئة المواصفات : أن الاسطوانات والصمامات تخضع لرقابة المواصفات والمقاييس قبل دخول الشحنة للمنافذ في الحديدة وعدن ويتم سحب عينات عشوائية وإرسالها لمختبرات الهيئة.وأضافت: لدينا إمكانية لفحص اسطوانات الغاز أما الصمامات فيتم إرسالها لمختبرات خارجية محايدة وبعد ظهور نتائج الفحص وكانت مطابقة فإنه يتم الإفراج عن الشحنة أما الشحن غير المطابقة نقوم باتخاذ إجراءات قانونية تجاهها.
أسباب تلف الصمامات
في شركة الغاز تبدو الصورة الأوضح للمشكلة، يقول المهندس محسن محمد – مدير الدائرة التجارية بالشركة اليمنية للغاز: إن التعامل بطريقة غير صحيحة وسوء استخدام الأسطوانات من قبل المواطن هو ما يقلل من العمر الافتراضي لها مما يسبب  تلف الصمامات التي قد تؤدي إلى مخاطر كبيرة إضافة إلى أن الرطوبة الزائدة في بعض المناطق الساحلية كالحديدة وعدن وحضرموت يعرضها للصدى.
ويشير إلى أنه يتم عمل صيانة واستبدال للأسطوانات التالفة والتي تخرج عن الخدمة من خلال كبسها وتبديلها بأسطوانات جديدة إلى جانب صيانة أو تغيير صمام لكثير من الأسطوانات ولكن وفق المبالغ المعتمدة والمحددة من وزارة المالية.
محدودية الإنتاج
وعن مواصفات الصمامات يقول محمد: نشترط بالنسبة للمصنع اليمني أن يكون صمام الأسطوانات ايطالياً ومن شركة معينة لها مواصفات تتلاءم مع الاستخدام في اليمن وأن يتم عمل فحوصات للتعبئة من الصمامات الجديدة بحيث يمتلك المصنع مختبراً وفريقاً فنياً متخصصاً من الشركة والمصنع.
مؤكدا أنه لا يمكن قبول أي كمية إلا بعد إجراء الفحوصات اللازمة.
واستطرد :  لا يوجد  مرتجع من الإنتاج المحلي وجميعها تنزل السوق وبمواصفات جيدة، ونحن نشجع صناعة الاسطوانات المحلية في بلادنا لكن الإشكالية أن طاقتهم الإنتاجية محدودة و نتمنى أن تزيد لتغطي احتياج  السوق ونخفض نسبة الاستيراد من الخارج لأن هناك كثيراً من الأسطوانات الصينية المستوردة بها  تسرب رغم أنها  جديدة نتيجة استخدام صمام سيئ وسريع التلف.
تزايد التالف
ولفت مدير الدائرة التجارية بشركة الغاز إلى أن عدد الاسطوانات التالفة وغير الصالحة للاستخدام الموجودة في السوق تتراوح  بين 4و 5 ملايين اسطوانة وهي بحاجة إلى استبدال.
وقال :  الشركة حريصة على عمل برنامج لإتلاف الكمية الموجودة وفق برنامج زمني خلال 4-3 سنوات حرصا على وجود اسطوانات سليمة %100 لكن ما يعيق الأمر الإمكانيات المادية الشحيحة.
ووفقا لــ محمد، فإن البرنامج المعدل لسنتين الماضية كان يحدد إتلاف 8 آلاف  اسطوانة وإنزال جديد بدل إتلاف كلي  وتقريبا صيانة ما بين 15- 20 ألف اسطوانة شهريا.
وناشد كل المنافذ اليمنية أن لا تقوم بإدخال أي اسطوانات إلا بعد موافقة ورسالة من الشركة اليمنية للغاز بحيث تعطى شهادة على أن هذا المنتج والاسطوانة المتداولة في السوق سليمة سواء إنتاج محلي أو مستورد ووفقا للمواصفات اليمنية.
وشدد على أهمية  تكثيف برامج التوعية بدرجة أساسية للتعامل مع الاسطوانة تجنبا للمخاطر وكي تخدم عمرا أطول.
موازين خاصة
أصحاب مصانع اسطوانات الغاز تحدثوا أيضا حول المواصفات وهذا من صميم عملهم..وهنا يقول علي عبدالله المفزر – نائب مدير عام المصنع اليمني لاسطوانات الغاز:عمر الاسطوانة الافتراضي 10 سنوات لكن التداول الحاصل في البلاد لأسطوانات  الغاز عشوائي.
مبينا  أن المواطنين لا يتعاملون مع الأسطوانات بوعي خاصة وأنها تعتبر قنبلة موقوتة في المنزل ويتطلب الاحتفاظ بها وعياً كافياً لأنها قد تتسبب بمشاكل إذا ما  انتهى عمرها الافتراضي إلى جانب الاستخدام العشوائي للأسطوانات الذي يؤدي إلى تلفها سريعاً وهنا يجب التعامل معها بشكل سليم.
لافتا إلى خطورة انتشار محطات التعبئة السريعة في الشوارع ( الطرمبات الصغيرة ) كبديل للمحطات المركزية الأكثر أمانا..
وتابع :صحيح كان لديها تعاون مع شركة الغاز من خلال تبادل اسطوانات جديدة تباع للمواطنين ولكن في هذه الظروف أصبح المواطن يحتفظ بنفس الأسطوانة كيفما كانت حالتها رديئة ويقوم بتعبئتها من الطرمبات والتي بدورها تعتبر سببا كثير من المشاكل من حيث تأثيرها على الصمام وإتلافه.
ويقارن  المفزر بين الحالتين: يوجد في المحطات المركزية موازين مصممة لتعبئة أسطوانات الغاز لكن  التعبئة من الطرمبات خطير لأن  الضغط على الاسطوانة بتعبئتها كمية زيادة عن المقرر مرة تلو أخرى قد يتسبب بانفجارها.
متابعا : كثيرون يتعاملون عند تعبئة الأسطوانة بالوزن وليس باللتر ويفترض أن يكون الوزن الحقيقي للأسطوانة فارغاً 15 كيلو وممتلئة 26 كيلو..وهنا المشكلة.
جودة عالية
وأكد المفزر أنهم يقومون بالتنسيق مع الشركة اليمنية للغاز لصيانة أسطوانات الغاز وكذلك استبدال التالف الذي يتم كبسه بأسطوانات جديدة من إنتاج المصنع اليمني، ويتم إتباع مواصفات ومقاييس دولية في وزن الأسطوانة وسماكة الحديد وطريقة اللحام.
وقال: إن خط الإنتاج مصمم على  المستوى الإيطالي، إضافة إلى  استخدام مواد خام ذات جودة عالية من خلال كادر محلي مدرب على أعلى مستوى و كادر فني من قبل الشركة اليمنية للغاز للإشراف على مراحل التصنيع والصيانة وهذا يؤكد عدم وجود أي مرتجع من شركة الغاز.
ويعترف أن شركة الغاز لا تقوم بصيانة كميات كبيرة من الأسطوانات خصوصا في المناطق الساحلية كعدن والحديدة لتعرضها للصدأ وتوجد كمية من الاسطوانات هناك ليست صالحة للاستخدام منذ ٥ و٦ سنوات ولا يزال تداولها بين المواطنين قائما و من الضروري إتلافها واستبدالها بجديدة.
لكنه يبرر عدم الصيانة “بأن الشركة تعاني من عدم توفر المخصص المالي الكافي لمواجهة الكم الهائل من الاسطوانات التالفة”.
تعاون..ولكن!
وشدد نائب مدير عام المصنع اليمني لاسطوانات الغاز على ضرورة متابعة أسطوانات الغاز التالفة وصيانتها من قبل الشركة بالتعاون مع المصنع لتوصيل الخدمة للمواطن بشكل آمن.
وقال :بدورنا سنقوم بهذه الخطوة وسنخصص دينات نقل تمر على معارض الغاز لأخذ الأسطوانات التالفة وإحضارها للمصنع وصيانتها وهذا قد يساعد المواطنين ولكن بتكليف من الشركة كما سنتعاون معها بقدر الإمكان ومستعدين لاستخدام أسطول النقل الخاص بالمصنع لأخذ الأسطوانات التالفة من كل محافظة رغم الظروف  الأمنية الصعبة وعدم توفر مادة الديزل.
تكثيف التوعية
وعن الإسهام في أعمال التوعية أكد المفزر أن هناك تعاوناً مع شركة الغاز بالنسبة لتوعية المواطنين في كيفية التعامل مع الاسطوانات لكنه ليس بالشكل المطلوب.
وتمنى دور أكبر للإعلام في هذا السياق خاصة وإنهم لا يعرفون أن هناك صناعة محلية جيدة لاسطوانات الغاز وبمواصفات عالية إضافة إلى أن كمية الأسطوانات التالفة في السوق وأوساط المجتمع كبيرة.
ويرى أن نسبة الوعي في محافظة تعز عالية بالنسبة للتعامل مع الاسطوانات ومعرفة المنتج الرديء من الجيد عكس بقية المحافظات التي تقل فيها نسبة الوعي بهكذا أمور.
وتحدث المفزر عن استيراد أسطوانات صينية وصمامات تالفة غير مطابقة للمواصفات وقال :إن المصنع اليمني أكثر منشأة متأثرة من الاستيراد لأن المنتج المحلي مُكلف كما يراعي مواصفات ومقاييس عالمية إلى جانب استخدام مواد تطابق المواصفات وتخضع لرقابة من عدة جهات بينما التي تأتي من المنفذ ليس لديها إلا رقابة المواصفات والمقاييس وبسبب الأوضاع الراهنة قلت المتابعة حيث دخلت كمية كبيرة إلى اليمن مخالفة للمواصفات كما ان هناك نحو150 الف أسطوانة في السوق دون أي رقابة.
حالات حروق
بلا شك أن  النتائج ستكون وخيمة عند التعامل مع اسطوانات الغاز بدون وعي سواء في المنزل أو خارجه..
وحول هذه النقطة يقول  الدكتور صالح الحيضاني – رئيس قسم الحروق والتجميل بمستشفى الجمهوري: إن أكثر أسباب الحروق ناتج عن  تسرب الغاز المنزلي طبعا هذا قبل: إن يشن العدوان حربه الهمجية على اليمن حيث بلغت نسبة الحروق %70 في العام 2014م،مقارنة ببقية الحروق التي وصلت إلى المركز وناتجة عن التعامل مع المشتقات النفطية والكهرباء وغيرها.
وأكد الحيضاني أن عدد حالات حريق الغاز المنزلي وصل إلى 181 حالة من جميع محافظات الجمهورية وصلت إلى المركز.واتهم شركة الغاز بالتقصير في عدم وضع المادة النفاذة التي يجب أن تكون موجودة في الاسطوانة بحيث إذا حصل تسرب تكون الرائحة مؤشرا قويا لتفادي أي أضرار بإمكانها أن تحدث، إلى جانب التقصير من مصنع اسطوانات  الغاز الذي من المفترض أن يقوم بدوره في الصيانة الدورية للأسطوانات الموجودة في الجمهورية بالإضافة إلى عدم توعية المواطن.

قد يعجبك ايضا