العقاد.. إبداع يتجدد

كتب/ خليل المعلمي


يصادف العام 2014م مرور نصف قرن على وفاة الكاتب والأديب عباس محمود العقاد والذي توفي في 12 مارس 1964م بعد حياة استمرت 75 عاما حافلة بالعطاء والإبداع حيث بلغت حياة الأدب في العالم العربي بجهده ويقظته مرحلة لم تكن لتبلغها بدونه كان العقاد كاتبا موسوعيا محيطا شارك مشاركة قوية في فنون المعرفة الإنسانية وظفر بمقام الأستاذية بمعناها الصحيح فكان في حياته وأحاديثه ومؤلفاته أستاذا أصيلا ضليعا.
لقد تذكرته عدد من المجلات الثقافية العربية بنشرها ملفات عن هذه القامة الأدبية والمعرفية فيما أصدرت مجلة الرافد كتابا تحت عنوان “العقاد في ذكراه الخامسين” للدكتور عبدالعظيم محمود حنفي ضمن عددها الصادر في أبريل 2014م.
وفي عشرة فصول استعرض الدكتور عبدالعظيم محمود نشأة العقاد والعوامل المؤثرة في أدبه وتناول شخصية العقاد كصحفي وكاتب وشاعر وفيلسوف وناقد وإنسان ومؤلفاته المختلفة.
نشأة العقاد
ولد العقاد في مدينة أسوان بصعيد مصر في 28 يونيو سنة 1889م كان له صلابة في الطبع وإصرار على الحق مهما كلفه وصبر وجلد وقوة احتمال مكنته من الانتصار في معاركه من أجل العيش في سبيل الحياة ورث عن والديه صلابة الخلق والترفع عن الرياء والصغائر وفوق كل ذلك النظام الذي حكم حياة العقاد اليومية وأعماله بعد اتمامه الدراسة الابتدائية استطاع أن يظفر بوظيفة بالقسم المالي في مدينة قنا لكنه استقال من وظيفته فجأة بعد عام والتحق بمدرسة الفنون والصنايع ثم تركها إلى وظيفة في مصلحة التلغراف.
يقول المؤلف: لم يكن من طبع العقاد أن يخلد إلى الوظيفة وهو الرجل الحر الأبي الذي يرفض القيد أو الخضوع لذلك نراه يتنقل بين الوظائف المختلفة والصحافة إلى أن ينتهي به المطاف إلى التفرغ للأدب الذي وهبه حياته العريضة المباركة فظل يثري لغتنا العربية بدواوينه وكتبه ونفحات فكره إلى آخر لحظات حياته.
ولعل ولعه بالبطولة هو ما يفسر روح النضال والتحدي التي صبغت حياته كلها وظهرت في معاركه الأدبية العديدة مع أدباء عصره كشوقي والرافعي وكان أول ناقد عربي قديما وحديثا أعاد إلى ابن الرومي مكانته ووضعه في موضعه الذي يعرفه الآن سائر النقاد والأدباء كما أن روح التحدي هذه جعلت من العقاد أول أديب متفرغ عرفته مصر بعد أن كان كبار الأدباء إما من الأغنياء أو كان الأدب ثانويا في حياتهم.
العقاد الكاتب والصحفي والناقد
بعد امتلاك العقاد لعدة الأديب وإلمامه من كل علم بطرف أخرج نتاجه الغزير للناس في الشعر والنقد والسياسة والدين والفلسفة حتى غدا بين الناس موسوعة ضخمة يملأ دنيا الثقافة بحضوره كان يكتب لقرائه ما يحب هو أن يكتبه لا ما يحبون هم أن يقرأوه.
يؤكد المؤلف أن العقاد في كل ما كتب تميز أسلوبه واتخذ طابعا خاصا هو طابع العقاد الذي أخضع كل شيء للفكر ومنطق الفكر محاولا بهذه النزعة الفكرية الفهم والتفسير معتبرا الاحتكام إلى غير الفكر رعونة حقيقة بالرثاء وقد بالغ في الركون إلى الفكر وجعله يسود كل أعماله حتى لتخاله يمسك بمبضع الجراح ليحلل لنا دوافع العاطفة والوجدان.
ويضيف: وبهذا الأسلوب الناضج الواعي استطاع العقاد أن يقوم بدور أصيل في نهضتنا الفكرية دور يقوم على نقل الفكر الغربي إلى أوعية لغتنا مع فحصه وطرح ما لا يلائمنا منه بل أيضا مع تصحيح الخطأ في بعض شعبه وبيان ما فيها من عوج وانحراف وكان له نصيب كبير في تيسير اللغة ونصيب أكبر في مرونتها لأنه كان من أكثر معاصريه انغماسا في الفكر الأوروبي ومعظم إنتاج العقاد الذي زاد على الثمانين كتابا كتبه نثرا ولو أن بعض نثره تخالطه الرقة المتناهية حتى يحاكي الشعر الوجداني.
وتطرق المؤلف إلى شعر العاقد الذي قيل عنه الكثير من قبل الأدباء والشعراء أمثال طه حسن ونزار قباني وزكي نجيب محمود وغيرهم كما يرى بأن العقاد كان أيضا فيلسوفا من خلال كتاباته الفلسفية فاعتقاد الإنسان المعاصر هو الموضوع الذي شغل العقاد وكان يرى أن القرن العشرين يشهد عودة إلى الاعتقاد وأن أسباب الإنكار للعقائد في القرون الماضية فد فقدت قوتها في القرن العشرين.
العقاد والعبقريات
لقد أولى العقاد علم النفس اهتمام خاصا وظهر ذلك من خلال كتاباته خاصة في “العبقريات” التي كتبها حيث اعتمد كما يقول المؤلف على تحليل نفسية كل شخصية تحليلا شاملا عميقا بعد أن يتوصل إلى مفتاح شخصيته وهذا ناتج عن تفسيره لاهتمامات الناس بسير العظماء وسير البلغاء حيث يقول العقاد: تعود بعض الناس أن يعطلوا عقولهم عند وزن الكلام الذي يعرض عليهم فلا يزنونه بميزان النقد والعلم والخبرة الصادقة ولكنهم يتركون حقائق الأقوال ويغترون بمظاهر القائلين فإن كان قائل الكلام غنيا أو وجيها أو صاحب نفوذ فكلامه صادق وبليغ ومقبول وإن لم يكن كذلك فحكمته

قد يعجبك ايضا