عامٌ على الفقد الكبير، عامٌ على المصاب الأليم، عامٌ على الحزن العميق، عامٌ على الرحيل المر، عامٌ على الفاجعة الكبرى، عامٌ على مصاب الأمة الجلل، عامٌ على استشهاد القائد اليعربي الفذ، والمناضل الجسور، والمجاهد المقدام، والبطل الهمام، مرعب الصهاينة، وفاضح العملاء والخونة، الصادق قولًا وعملًا، الحاضر سلمًا وحربًا، سيد المقاومة وعقلها المفكر، وحكيمها المدبّر، وحصنها الحصين، وسدّها المنيع، سيد الشهداء، شهيد الإسلام والإنسانية سماحة السيد حسن نصر الله ورفيقه الأمين سماحة السيد هاشم صفي الدين – رضوان الله عليهما وطيّب الله ثراهما.
عامٌ مضى وانقضى ولا تزال يا نصر الله حاضرًا في أوساطنا، مستوطنًا سويداء قلوبنا، بمواقفك الجهادية النضالية، وإرثك التاريخي العامر بالألق والشموخ والإباء، ما تزال موجهات خطاباتك وكلماتك السياسية ومحاضراتك الثقافية التعبوية التنويرية ملهمةً لنا، وزادًا نتزود منه ما يعزز من ثباتنا على الموقف الحق الذي ثبتَّ عليه، وما يرسخ ويجذر صمودنا في مواجهة قوى الطاغوت والاستكبار العالمي التي لطالما كنت لها بالمرصاد، ولا يزال صدى صوتك يدوي في آذاننا، ومشهد رفع إصبعك محذرًا الأعداء ومتوعدًا إياهم بالويل والثبور وعظائم الأمور يُشعِرنا بالأمان والاطمئنان، ولا تزال ذكريات إطلالتك البهية على شاشات التلفزة الوقود الذي يشعل في داخلنا جذوة البذل والعطاء والتضحية والفداء، سيرًا على خطاك، واقتفاءً لأثرك، ووفاءً لعظيم تضحياتك التي لا يمكن أن يبلغ مداها وحجمها سواك.
افتقدناك كثيرًا على مستوى الأمة العربية والإسلامية، لأنك لم تكن أمينًا عامًّا لحزب الله اللبناني فحسب، بل كنت أمينًا عامًّا للأمة بأكملها، دافعت عنها وعن قضاياها وفي مقدمتها القضية الفلسطينية التي أخلصت لها وسخرت جل وقتك وجهدك من أجل الانتصار لها، وفي سبيل الله ونصرةً لها قدمت ورفيقك ومعتمدك الأمين الشهيد هاشم صفي الدين وكوكبة الشهداء العظماء الذين ارتقوا على طريق القدس أرواحكم الطاهرة قربانًا لها، نعم لقد حملت هَمَّ الأمة، وشكّلت جبهةً قويةً في مواجهة أعدائها وفي مقدمتهم كيان العدو الصهيوني وأمريكا الشيطان الأكبر، لقد كنت وفيًّا في زمن الغدر، ومخلصًا في زمن الخيانة، وصادقًا في زمن الكذب، وشامخًا في زمن الانبطاح، وصريحًا في زمن النفاق والمداهنة.
وقفت عقبة كؤودًا أمام المشاريع والمخططات والمؤامرات الإسرائيلية والأمريكية، لم ترتعد لك فريصة، ولم تنحنِ لك هامة، ولم يتضعضع لك موقف، ولم توهن لك عزيمة، ولم يداخلك يأس أو إحباط، كنت بحق الأمين المؤتمن، والقائد الذي يشكّل حضوره أمنًا وأمانًا لكل من حوله، حملت على عاتقك نصرة الأمة ورفعتها وشموخها وعزها يا نصر الله، صنعت من حزب الله والمقاومة اللبنانية قوة ردع عربية وإسلامية للدفاع عن لبنان وسيادتها وكل البلدان العربية والإسلامية، لم تتخلف عن نصرة مستضعف، ولا عن إغاثة ملهوف، ولا عن الدفاع عن مظلوم، ولا عن مقارعة قوى الشر والإجرام والتوحش والتغول، ولم تدخر أي وسيلة أو مجهود في سبيل تحقيق ذلك، رغم كل الضغوطات التي تعرضت لها، والتهديدات التي وجهت لك، والمخاطر المحدقة بك، ولكنك وقفت كالطود الشامخ.
لقد فزت يا نصر الله عن جدارة واستحقاق بوسام الشهادة الذي كنت تحلم به، وبلغت المكانة التي كنت ترنو إليها، بعد أن نجحت بامتياز مع مرتبة الشرف في بناء وتشكيل أجيال ألهمتها بفكرك ووعيك وجهادك ونضالك ومواقفك وسيرتك وبذلك وعطائك وتضحيتك، جيل نشأ وتربى على يديك وفي رحاب مدرستك الجهادية التي أثمرت عزًّا ونصرًا وكرامة.
جيل أسرته عظمة شخصيتكم، ورباطة جأشكم، ورجاحة عقلكم، وقوة منطقكم، وصلابة مواقفكم، وفاعلية تأثيركم، جيل استلهم من قوة إيمانكم روح العزيمة والإصرار في نصرة دين الله وإعلاء رايته ومقارعة الطغاة الأشرار، ومن تحليلاتكم العميقة للواقع، ورؤيتكم الثاقبة للأحداث، وفهمكم الواسع للمؤامرات والمشاريع والمخططات التي تحاك ضد لبنان وفلسطين خاصة والشرق الأوسط عامة، ما يجب عليهم القيام به، لمواجهة ذلك، استكمالًا لمسيرتك الجهادية، ومشروعك التنويري التحرري، ووفاءً لتضحياتك المصبوغة بألوان الدماء الحسينية الكربلائية التي سفكت في أرض الكرب والبلاء على يد اليزيد الفاسق وأزلامه الأرجاس الأنجاس.
فهنيئًا لكم يا سيد الشهداء هذا الفوز وهذا الارتقاء، هنيئًا لكم هذه المكانة وهذا الاحتفاء، بكت وتبكيك الأعين بعد عام على استشهادك ورحيلك الجسدي عن عالمنا، عام مر سريعًا ما نسيناك فيه ولن ننساك ما حيينا، عام افتقدنا خلاله إطلالتك البهية، وحضورك الطاغي على من سواك، نم قرير العين أيها الأمين المؤتمن، وثق كل الثقة بأنّا على العهد باقون يا نصر الله، لن نحيد ولن نميل، حتى تنتصر غزة وفلسطين، وتتحرر لبنان وسوريا من دنس ورجس الصهاينة المحتلين، لم تخذلنا في حياتك، ولن نخذلك بعد استشهادك، وهذا عهدنا ووعدنا لك يا نصر الله وكل رفاقك الشهداء العظماء على طريق القدس.
والعاقبة للمتقين.