العمارة اليمنية عمارة الطين وعمارة القلوب

هشام علي


“لك يا منازل في القلوب منازل..”
لا أقدر في مقال قصير أن أقدم كتابا موسوعيا في بنائه ومضمونه مثل كتاب” العمارة في اليمن” للباحثة العراقية الدكتورة سلمى سمر دملوجي التي ارتبطت بموضوع الكتاب منذ أكثر من ثلاثة عقود ولذا اكتفي بعرض جوهر الكتاب وموضوعه العام أي فنون العمارة اليمنية وعلاقتها بالبيئة والإنسان وكذا بالشكل الحضري الحضاري وغير ذلك من الموضوعات التي تمكنت الكاتبة من جمعها بطريقة ساحرة وجذابة قدمت من خلالها العمارة اليمنية كصناعة ثقافية لا تقل شأنا عن الصناعات الثقافية الأخرى مثل السينما أو الموسيقى أو الشريط السمعي البصري وغيرها من صناعات عرض الصورة وتكوين الوعي وهي صناعات تسهم في تشكيل الهوية الثقافية وصياغتها كذلك استطاعت الباحثة أن تمد دراستها لأنماط العمارة لتصل إلى عمران المجتمع بالمعنى الخلدوني بحيث يتجسد المجتمع وعلاقاته من خلال المباني والفراغات التي يشكلها نمط العمارة.
ومن تقاطعات العمارة والفضاء تشكلت هوية وتجسد مجتمع ومن هذه الخارطة للمكان قامت الدكتورة سلمى دملوجي بقراءة المجتمع والتاريخ دخلت إلى البيوت والتقت بالبنائين والمعلمين الذين يخلطون الطين والأعشاب الجافة لينشئوا منها عمارات تناطح السحاب في شبام أو يقطعون أحجار الجبال في يافع أو جبلة ليبنوا البيوت العالية والمساجد بمناراتها البيضاء ومن هذا الخليط تنشأ عمارة القلوب.
لم تأخذ سلمى الدملوجي مناظر البلاد من خارجها أو من بعيد كما فعلت فريا ستارك في كتبها عن تريم وسيئون التي كانت تمثل جزءا من الرؤية الاستشراقية والكولونيالية للبلاد. على العكس من ذلك كانت سلمى دملوجي تنتمي فكرا أو أيديولوجية إلى مدرسة نقد الاستشراق وتفكيكه التي عبر عنها إدوار سعيد بالإضافة إلى ملامح ماركسية تختفي في ثنايا تحليلها لجدل العمارة والإنسان في اليمن وهو ما نجده في إشاراتها إلى منازل الفقراء التي لم تكن تحمل شيئا من جماليات العمارة التي درستها في بيوت التجار أو قصور السلاطين التي بقيت بعد أن غادر أصحابها وقد تعرضت بعض تلك القصور للإهمال والدمار في بعض الحالات كشكل من أشكال الانتقام الشعبي من تلك الفئات الإقطاعية أو التجارية التي ارتبطت بالاستعمار.
ورغم الدراسة الدقيقة المعززة بالقياسات والأبعاد والمساقط الهندسية للمنازل التي قامت بدراستها وتخطيط عمارتها فإن القارئ غير المتخصص مثلي لا يشعر بالملل أو التكاسل عن استئنان القراءة فقد صاغت الباحثة كتابها بطريقة سردية جعلتها تخترق جمود الأشكال الهندسية وزينته بالصور الجذابة.
وهي تمزج دراسة العمارة بأدب الرحلة الذي عرضته بصورة شيقة خاصة أنها ذهبت إلى مناطق وعرة وصعبة المنال وقامت بوصفها بطريقة تجعلنا نحس كم نحن غرباء داخل بلدنا أذكر على سبيل المثال طريقة وصفها للطريق إلى يافع وكيف قطعت تلك الطريق الوعرة في جبل” ثرى” قبل وصفها دون أن تغفل عن ذكر أشجار البن والقات التي تملأ الوادي وفي يافع تتعرف سلمى دملوجي على نمط العمارة الفريدة المبنية من الحجارة كما تتعرف على البنائين من الـ” بن صلاح” الذين شيدوا تلك المباني الحجرية التي تتكون من أكثر من ستة طوابق ومن اتحاد بنائي” بن صلاح” وأهل عرمان ينتشر نمط العمارة اليافعية ليشمل الضالع والبيضاء ودثينة ولودر وإب وبيحان وتعلق الكاتبة أن مالفت انتباهها أن ” لبن صلاح” في تجوالهم في اليمن شمالا وجنوبا لم يتجاوزا نمط المعمار اليافعي الذي كانوا مشدودين إليه ومتحيرين إزاءه فقد كان نمطا فريدا بين العمارة الحديثة والعمارة التاريخية.
ليست العمارة اليافعية وحدها فريدة ومتميزة حسب قول د.سلمى الدملوجي فالمرأة اليافعية كذلك فريدة ومتميزة إنها متميزة بنشاطها وبإسهاماتها العامة في المجتمع أو أنها كانت كذلك حتى منتصف عام 1990م كما تقول الدكتورة سلمى أن تقاليد القبيلة العربية كانت تمنح المرأة قدرا من الاحترام والوقار.
وكانت المرأة تخرج سافرة ترتدي حلة مزخرفة طويلة ووشاحا مزينا بالمخمل أو الحرير كانت المرأة تحظى بموقع مهم في قطاع العمل ولها مكانة مقبولة في المجتمع.
قبل أن يتراجع موقعها مؤخرا سواء في الحياة العامة أو في خروجها للعمل لم تكن وجوه النساء ظاهرة وحسب فقد كن يطلين وجوههن بالهرد لحمايتها من أشعة الشمس كانت النساء تخرج فرادى أو جماعات للعمل وكانت المرأة تعمل في الحقل أو في بناء الطرقات وطلاء البيوت وفي نقل الماء من البئر إلى البيوت. وكانت ملامحهن جميلة وشعرهن طويلا وتعتبرهن سلمى دملوجي أجمل نساء اليمن ولكن أوضاع النساء في يافع تراجعت مؤخرا فقدت المرأة ذلك الطابع المتحرر في لباسها وارتدت العباءة السوداء لم تفقد المرأة اليافعية جمالها رغم ارتداء العباءة السوداء لكنها فقدت شيئا من مكانتها الاجتماعية وحيويتها ودورها.. صمدت العمارة اليافعية أمام تقلبات الزمان لكن قلب المجتمع لم

قد يعجبك ايضا