المجلس اليمني بدأ عمله منذ الثمانينيات وكان هيئة موحدة بذلت جهودا إيجابية


■ لجان متخصصة درست كل القضايا قبل إعلان قيام الوحدة من لجنة الدستور حتى لجنة المرتبات

■ لا توجد علاقة واضحة بين الثروة والتقدم.. والإنسان هو من يصنع التنمية

■ اليمن بحاجة إلى أمن وإدارة وتخطيط للخروج من الأزمات

في ذكرى الاحتفال بالعيد الـ24 للوحدة المباركة نسترجع مرحلة تاريخية معينة صنعها اليمنيون وهندسوا خلالها لمشروعهم الوطني المجيد..
قادنا البحث إلى أحد الكيانات أو الهيئات التي أنشئت قبل إعلان الوحدة من أجل التنسيق والإعداد لبناء دولة يمنية واحدة عانى أبناؤها التشرذم والتشطير وفي مرحلة التحضير لإعادة تحقيقها نلتقي بأحد أعضاء المجلس اليمني الأعلى الدكتور محمد أحمد السعيدي ونناقش معه الأدوار التي قام بها المجلس باعتباره جهة فنية مشتركة من شطري الوطن آنذاك تولت الإعداد والتنسيق التحضير لإعلان منجز اليمن الغالي في 22 مايو 1990م.
وفي هذا اللقاء يروي لنا أيضاٍ كخبير اقتصادي أهمية تحقيق وحدة الوطن من منظور تنموي تقدمي واقتصادي وعن مخاطر دعوات التشرذم على الوطن وأبنائه.
* ونحن نحتفل بالعيد الـ24 لإعادة تحقيق الوحدة اليمنية لو عدنا معكم إلى المجلس اليمني الأعلى وما الدور الذي لعبه في هذا الشأن¿
– الوحدة اليمنية موجودة منذ الأزل ومن الأمور المسلمة ولكن الإنسان اليمني يظل تواقاٍ للوحدة اليمنية والعربية والإسلامية وكان هناك إجماع شعبي على مصير اليمن الواحد ولعب اليمنيون دورا هاماٍ في إعادة تحقيق وحدة البلد في عام 1990م المجلس اليمني الأعلى كان أشبه بنواة تعمل على الخطوات العملية لتجسيد حلم أبناء الشعب على أرض الواقع من خلال المسؤولين على البلد آنذاك.
* هل بالإمكان إعطاء لمحة عن هذا المجلس وآلية عمله في سبيل تحقيق الوحدة¿
– المجلس كان يتكون من رئيسي الشطرين فيما كان هناك لجنة وزارية مشتركة تتكون من رئيسي الوزراء في الشطرين ووزراء آخرين أما سكرتارية المجلس هم وزيرا شؤون الوحدة وخبراء في الاقتصاد والأمن من شطري الوطن كنت أنا خبيراٍ اقتصادياٍ من الشمال ومن الطرف الآخر الشطر الجنوبي محمد جعفر الزين وهو خبير اقتصادي.
* منذ متى بدأ المجلس عمله وكم استمر¿
– كما قلت لك الوحدة كانت ولا زالت هي الهاجس لكل اليمنيين والعمل على إعادة اللحمة الوطنية كانت منذ ثورة سبتمبر وأكتوبر لكن المجلس الأعلى بدأ اجتماعاته عام 1981م وكانت كل 3 أشهر لمتابعة الأعمال والتحضير لاجتماعات اللجان الوزارية ويتم تقديم التقارير المهمة للمجلس وتقييم الاعمال المنجزة وسأطلعكم على بعض الوثائق والمراسلات التي تؤكد عمل المجلس ودوره في التنسيق والإعداد لموضوع الوحدة.
* الفترة الفعلية للعمل على تحقيق هذا الهدف السامي “الوحدة اليمنية” كان منذ توقيع الاتفاقيات في مصر وليبيا أليس كذلك¿
– الفترة كانت منذ سبعينيات القرن الماضي وكانت اللجان حين ذاك شكلت لكل مكونات الدولة من لجنة الدستور حتى لجنة الأجور والمرتبات بمعنى أنها شملت ودرست مختلف القطاعات في الشطرين.
وكانت هذه اللجان تدرس مختلف القضايا قضية قضية وكنا في المجلس نتابع اللجان ونأخذ نتائج اجتماعها وإقرارها أيضا كان للمجلس مهام منها التنسيق في السياسات اليومية للشطرين وتوحيد السياسة الخارجية وتفاعلها مع العالم الخارجي وتحديد مواقف البلد حيال القضايا الخارجية وغير ذلك.
* ما هي العراقيل التي كنتم تشعرون بها أثناء مهامكم¿
– كان هناك بعض التخوفات من بعض القوى الإسلامية من التيار الاشتراكي المتطرف وكذا تحوف التيار الاشتراكي من القوى الإسلامية التي كان يظن أنها ضد الدولة المدنية الحديثة وغيرها ولكن كنا نعمل على التنسيق وإزالة هذه المخاوف بين الطرفين .. وهذه الوظيفة أو المهمة للمجلس لم تكن ظاهرة على السطح في مهامنا فما الحقيقة أننا مندمجون منذ الأزل فبعد تشطير البلاد كان هناك رجال عملوا في الشطرين شماليين في الجنوب وجنوبيين في الشمال قحطان الشعبي كان مستشارا للرئيس السلال بمعنى أن الوحدة كانت مصيرية ويتعطش لها الشعب اليمني على الدوام.
وعندما كنا طلاباٍ ندرس في الخارج أثناء التشطير كانت سياستنا واحدة وعملنا النقابي واحداٍ فكانت الرابطة القومية وكان اتحاد الطلاب من طلبة الشطرين والقوميين أيضا من أبناء الشطرين واتحاد الطلاب لم يكن يسمى اتحاد طلاب شمال اليمن وعلى جيل الشباب اليمني اليوم أن يرفض كل دعوات التشطير والعودة بنا إلى الوراء ويقرأ التاريخ فالوحدة منجز لكل يمني ومتجددة تاريخيا بين أبناء الشعب.
* هل كانت هذه هي مهامكم في المجلس فقط¿
– الحقيقة كانت لنا مهام هامة من الجانبين نحن نتابع استكمال مهام الوحدة الوطنية إذاٍ يعد المجلس هيئة موحدة من الشطرين قادرة على تحقيق كل الأحلام ومتابعتها ودراستها باعتباره يضم صناع القرار ومختصين وخبراء لعبوا دورا في متابعة اللجان الاقتصادية والدستورية ولجنة الأمن وغيرها من اللجان التي كانت تنعقد بشكل مستمر.
* ماذا عن اللجان الوزارية¿
– اللجان الوزارية كانت تعقد اجتماعاتها وتعمل على حل الإشكاليات القائمة تدريجيا فاللجنة الاقتصادية مثلا كانت تدرس كافة الجوانب الافتصادية والتنموية بما فيها ملفات لموظفين في الشطرين وكيفية دمج الهيئات والمصالح الحكومية وتأهيلها لتكون موحدة بالإضافة إلى دراسة ومراجعة القوانين والنظم لدولة الوحدة.
* كيف كان المزاج العام للمواطنين في الشطرين في فترة ما قبل إعلان الوحدة¿
– الوحدة مطلب شعبي وإنساني سامي ونبيل نجح اليمنيون في صناعة هذا الهدف وعلى الرغم من أن الشطرين كان فيهما نطامان متضادان متضادين إلا أن المزاج العام للمواطن في الشطرين كان مندفعاٍ للوحدة وكانت اجتماعات اللجان في كل المحافظات ولم تكن في مدينة واحدة وكانت مشاعر الوئام والألفة غير عادية ولم تكن نزعات البغضاء والكراهية كما هي عليه اليوم فالجيل الذي عمل وعايش التشطير يصاب اليوم بوجع الرأس وهو يسمع دعوات الكراهية البعض يهز البيت اليمني ويحاول هدمه على رؤوس أبنائه.
* بما أنكم عايشتم المرحلتين والمسؤولين آنذاك هل كان لديهم ريبة أو شك من هذا¿
– صدقني أن هؤلاء وحدويين ويحبون الوحدة لكنها المصالح من وجهة نظري فالقيادات الجنوبية التي تنادي بفك الارتباط أو غيرها هي من عملت على هذا المنجز لكن الأطماع والأحداث التي شهدتها اليمن والحروب عملت على إشاعة كل هذه الدعوات الخطيرة ولكن المستفيد الأول من الوحدة هم أبناء الشعب وجميعهم متمسكون بوحدة وطنهم والسياسيون قد يخطئون في بعض القرارات حيال قضايا الوطن.
مثلا حرب صيف 1994م شملت البلاد وكانت بين طرفين سياسيين لم تكن مناطقية أو شطرية كما يظن البعض فهناك شماليون قاتلوا في عمران وكانو يؤيدون البيض قبل إعلانه الانفصال والحقيقة كل تلك المشاحنات والعداوات وبما أنني مطلع وفي السكرتارية وعضو في المجلس اليمني وهذه شهادة للتاريخ أن الجميع آنذاك كان يعمل من أجل اليمن واليمنيين وكانت الأفكار بفريق واحد على مستوى القيادات العليا من أجل اليمن الواحد لا من أجل شطر ومصلحة شطر معين حسب ما يتم الترويج له اليوم.
* الآن هل بالإمكان أن تذكر لنا بعض المواقف التي تؤكد ذلك¿
– لعبت القيادات جميعها دوراٍ هاماٍ وعملت من أجل الوحدة فقد استطاعوا إزالة كل الاشكاليات التي منها رجال الأعمال الجنوبيون المتواجدون هنا صنعاء وايضا الخوف من التيارات الدينية المتشددة التي كان لها مواقف من الاشتراكية فكانوا يوجهون ويعملون على ازالة هذه التخوفات من خلال تقريب وجهات النظر والزيارات المتبادلة فعندما يزور رئيس الشطر الشمالي جنوب الوطن يأخذ معه بعض رموز التيارات الدينية وكذا الرئيس في الشطر الجنوبي عند زيارته لصنعاء يأتي ببعض الإعلاميين الذين لهم مواقف من هذه التيارات المشددة في شمال الوطن بهدف القضاء على هذه التخوفات والتهيئة للوحدة في نفوس الجميع وهذه المراحل كانت تهيئة سبقت إعلان الوحدة التي ناضل شعبنا عليها.
* من وجهة نظركم هل ثمة اشكال الآن يبعث الخوف على منجز الوحدة¿.
– بعد انعقاد مؤتمر الحوار الوطني والاتفاق على مخرجاته في نظري لا يوجد خوف وما علينا إلا دعم هذه المخرجات مهما كانت الملاحظات عليها فالأخ الرئيس عبدربه منصور هادي عمل على لم الشمل وتم مناقشة كل القضايا العالقة والآن اليمنيون قادرون على تجاوز كل الاشكالات تحت سقف اليمن الكبير وأدعو الجميع هنا إلى دعم تلك المخرجات وصياغة صفحة جديدة من عمر هذا الوطن.
والأصوات التي تنادى اليوم بقضية الانفصال كما قلت لك يا عزيزي هم رجال الوحدة مثلاٍ حيدر أبو بكر العطاس رجل وحدوي دعا وساند الوحدة لكن الأخطاء التي حصلت هي التي أعاقت منجزنا العظيم بالإضافة إلى بعض المنغصات والتدخلات الخارجية من دول لم يكن من مصلحتها استقرار ووحدة اليمن وما زالت تدعم بالمال للحشد والتأليب على وحدة اليمن.
* كيف نردعلى هذه الدعوات والتي تعزف على قضية الثروة من أجل دغدغة مشاعر المواطنين باعتبارك خبيراٍ اقتصادياٍ¿
– في هذا الجانب لا مشكلة فمشكلتنا إدارية بحتة إدارة البلد وتوزيع الموارد في غير محلها وهناك موارد كثيرة وكثيرة في طول وعرض اليمن لم يتم استغلالها أو تم استغلالها بشكل سلبي وقد قمنا بمسح في السابق لثرواتنا والنتيجة أن اليمن في شطريه ليس فقيراٍ ولكن المشكلة هي إدارة الثروة وضعف التخطيط وهذه كارثة فقد تستقط الدول وهي غنية ونجحت بلدان في التقدم وهي فقيرة وليس لديها لها أي موارد والأمثلة كثيرة على ذلك.
فالذين ينظرون للتشطير من هذا الجانب هم أغبياء فوجود دولة كبيرة أفضل وأجدى اقتصاديا فهناك في علم الاقتصاد شيء اسمه (اقتصاد الحجم) فكلما كانت الدولة كبيرة كانت الموارد أكبر وأجدى من الضرائب والجمارك والسوق أيضا فالسوق هو مرتكز أساسي للتنمية والكثافة السكانية والبشرية ثروة وهي أساس التنمية كذلك.
* بمعنى أن الثروة إذا توفرت لم تعد مقياساٍ للتقدم¿
– لا توجد علاقة واضحة بين الثروة والتقدم بل تعتبر أحياناٍ من السلبيات فلو لاحظنا قوة المملكة المتحدة وسيطرتها على العالم وشحة مواردها مقارنة بأسبانيا التي كانت من أغنى دول العالم فالمواطن الأسباني يكتنز الذهب وبريطانيا لديها الثروة البشرية والقادرة على الحركة وخلق التنمية.
فالإنسان هو من يصنع المجد فعندما ملك الإنسان الأوروبي حريته تقدمت أوروبا اقتصادياٍ وحدثت الثورة الصناعية في بريطانيا إن الإنسان هو الذي يخلق التنمية كلما كانت الدولة كبيرة كان اقتصادها جيداٍ عكس التشرذم فالوحدة طريق للرخاء والتقدم ولو التشرذم مْجدُ لعملت الولايات المتحدة الأميركية على إبقاء نفسها 51 ولاية مستقلة لكن بوحدتها وصلت إلى ما وصلت إليه من اقتصاد وقوانين جعلتها على رأس الدول المتقدمة والعظمى.
ومثال بسيط هنا أسألك أنت: أيهما أفصل وأكثر ربحاٍ المشروع الكبير أم المشروع الصغير¿.
أخيراٍ نحن عملنا في قطاعات الدولة المختلفة والنظرة القاصرة هنا في موضوع الانفصال فاليمن بحاجة إلى أمن واستقرار وإدارة وتخطيط للخروج من أزماتها وأوضاعها الراهنة.

قد يعجبك ايضا