المرأة اليمنية الجنوبية قدمت ما لم تقدمه نظيراتها في أي دولة عربية


المرأة كانت موجودة في كل مرافق العمل الإداري والسياسي والتنموي بفضل مصداقية شعارات الجبهة القومية
المناضلة »دعرة« شاركت في حراسة المناطق المحررة في الجنوب من السلاطين الموالين للاستعمار
كانت الوحدة للحركة الوطنية للجنوبيين ولكل اليمنيين في الجنوب بمثابة الغذاء الروحي وعلمنا أبناءنا قيمها في طابور الصباح
الحوار الوطني محطة انتصرت للقضية الجنوبية والوحدة اليمنية لكن التحديات كبيرة أمام التنفيذ
كانت يومها طالبة في معهد المعلمات بعدن في مرحلة ما بعد الثانوية حيث تجري امتحان القبول للإحلال الوطني بدلا عن المعلمات الوافدات ورغم انشغالها بالتعليم إلا أنها لم تكن في منأى عن مشهد النضال الوطني للمرأة اليمنية الجنوبية وبالذات في عدن وبعد 47 عاما من يوم الاستقلال الخالد تسترجع الناشطة السياسية في الحزب الاشتراكي اليمني الأستاذة شفيقة مرشد أحمد ملامح عن أطول ليلة شهدها تاريخ عدن واليمن ككل فرحا وانتصارا بيوم الاستقلال 30 نوفمبر 1967م.
الأستاذة شفيقة مرشد تطرقت في حوار ذكرياتي لصحيفة (الثورة) إلى مجمل القضايا المتصلة بمسار النضال السلمي والكفاح المسلح ضد المستعمر والظروف السياسية والتضحيات والإرهاصات التي سبقت هذا اليوم الخالد وغيرها من القضايا …. إلى التفاصيل:

* بداية حدثينا من الذاكرة التاريخية لما عايشت من حركات نضالية شهدها جنوب الوطن وبالذات قبيل الاستقلال في 30 نوفمبر 1967م¿
– كانت اليمن وخصوصا الجنوب تمر بحركة وطنية ثورية كصدى حتمي للواقع الذي كانت تعيشه اليمن من استبداد في الشمال واستعمار في الجنوب وكتأثر طبيعي بالمد الثوري العروبي والقومي الذي تمر به المنطقة العربية وبنجاح الثورات التحررية العربية وفي مقدمتها ثورة 1952م وعهد جمال عبدالناصر وامتدادا إلى ثورة الجزائر ومن ثم ثورة 26 سبتمبر 1962م في صنعاء وتلتها ثورة 14 أكتوبر 1963م هذا المد الاجتماعي السياسي الثوري القومي كان له أثر كبير في تعزيز المسار النضالي لدى أبناء جنوب الوطن فبدأوا في تحديث وتغيير الأساليب النضالية التحررية وصولا إلى الكفاح المسلح بعد أن مارس الشعب اليمني الجنوبي كل أنواع الكفاح السلمي من النشاط السياسي والثقافي والعمالي ووصل إلى نتيجة مفادها أن الاستعمار الذي دخل بالقوة لا يمكن أن يخرج إلا بالقوة.
* في هذه النقطة دعينا نعود بالذاكرة إلى خلاف الجبهة القومية وجبهة التحرير تجاه النضال السلمي والكفاح المسلح هل تتذكرين شيئا من ملامح الخلاف بين الجبهتين¿
– أتذكر من ذلك الخلاف أموراٍ كثيرة تتصل بالرؤى والطروحات والتي تحملها المنظمات المدنية والشعبية التابعة للجبهتين وأتذكر من خلال ما كنت أسمعه وأنا حينها طالبة أن الغالبية في تلك المنظمات ومن خلال خطاب الأفراد والجماهير اقتنعت أن النضال السلمي لا يفيد في ظل استمرار سياسات المستعمر المراوغة والتفتيتية وبقيت قليل من النقابات والمنظمات تؤمن بأن النضال السلمي لا يزال أداة من أدوات التحرر لكن بعد فترة من تأسيس وتشكل الجبهة القومية وبعدما حققته من نجاح على الأرض تغير كثير من القوى المناوئة للعمل المسلح وانخرطت في العمل الميداني المسلح لكن كل طرف له أدواته ووسائله المختلفة مع الآخر.
* هل كان هناك محاولة لتوحيد الجبهتين¿
– على الصعيد الجماهيري والقاعدي أو الفوقي لا لكن كان هناك محاولات خارجية عربية أي من أجهزة المخابرات المصرية وقد توجت هذه المحاولات بإعلان تعز الذي وحد القيادات ولكنه لم يوحد الجماهير وظل الانقسام قائماٍ في الميدان وأتذكر أن الجبهة القومية أنزلت لنا أحد القيادات لتأخذ رأي كل عضو من أعضاء الجبهة القومية للوحدة للاتحاد بين تنظيمين وكان هذا هو أول استفتاء يجري بين القواعد بشأن قضية وطنية وكانت النتيجة رفض هذا الدمج.
* لماذا تم رفض هذا الدمج¿
– لأنه لم يكن عند المستوى المطلوب من الناحية العلمية والجماهيرية ولا بعض المنظمات الداخلة في إطار هذا التوحيد كانت تحوي عناصر تعمل مع المستعمر ولها مصالحها في تلك المرحلة.
المفاوضات والاستقلال
* مفاوضات ما قبل الاستقلال ماذا تتذكرين من أحاديث الناس عنها¿ ومن هم أعضاؤها¿
– أتذكر أن المفاوضات رغم أهميتها حينها إلا أنها لم تكن حديث الشارع خصوصا في عدن فحديث الشارع كان يعكس مجريات المواجهات مع المستعمر ويعكس رغبة الشعب في الخلاص من المستعمر من خلال تضييق الخناق عليه أما وفد المفاوضات فقد شكلت الجبهة القومية نخبة من قياداتها منهم محمد قحطان الشعبي وفيصل عبداللطيف الشعبي وعبدالفتاح إسماعيل وعبدالله علي عقبة وآخرين, وكان هؤلاء الأعضاء جميعهم من الجبهة القومية استطاعوا بصمودهم وحنكتهم انتزاع الاستقلال على المستوى الأممي والدولي وعادوا ليلة الاستقلال.
* ماذا تتذكرين من تلك الليلة ومشاهدها الفرائحية في عدن¿
– في تلك الليلة لم تنم عدن مطلقا وأتذكر خروج الرجال والأطفال والنساء إلى الشوارع واحتشدت إلى عدن جموع غفيرة من كل المدن والمديريات المجاورة لها لتعكس فرحة الشعب باستقلال جنوب الوطن ولم ننم ليلتها بل ذهب الكثيرون إلى مدينة الاتحاد مدينة الشعب حاليا وظلت الجموع منتظرة طيلة ليلة 29 نوفمبر 1967م وهو اليوم الذي شهد صباحه رحيل آخر جندي بريطاني من عدن.
* يومها أين كنت وماذا عن المرأة في عدن واحتفالها بهذه المناسبة¿
– كنت حينها طالبة في دار المعلمات ما بعد الثانوية العامة لأتهيأ لأن أحل محل المعلمات الوافدات وكانت المرأة في عدن حاضرة في المسار السياسي والثقافي والفكري بل وفي الكفاح المسلح وجسدت دور المرأة اليمنية في النضال الوطني ويجب أن لا يغفل التاريخ هذا الدور الناصع.. ما قامت به المرأة اليمنية في الجنوب لم تعرفه نضالات المرأة في كثير من الدول العربية.
– المرأة والكفاح
* هل شاركت المرأة اليمنية وبالذات العدنية في الكفاح المسلح¿ وماذا قدمت¿
– المرأة في عدن شاركت في الكفاح ضد الاستعمار بكل الطرق بالنضال السلمي والمسيرات والاعتصامات والإضرابات كما قدمت الكثير من المال فقد كانت النساء يبعن حليهن من أجل دعم مسيرة النضال والكفاح بالطرق السلمية.. وبعد ذلك دخلت المرأة في الكفاح المسلح على الصعيد الميداني وعلى سبيل المثال المقاتلة والمناضلة دعرة بنت سعيد التي شاركت في حراسة المناطق المحررة في الجنوب بعد تحريره من السلاطين والمشايخ والأمراء إضافة إلى الدور الاعتيادي المتمثل في إيواء المناضلين وتغذيتهم وتهريبهم من أماكن إلى أخرى في عدن كي لا يقعوا في قبضة الحملات التي تنفيذها قوات الاحتلال البريطاني وكذلك كانت المرأة ناقلاٍ أميناٍ وحذراٍ لرسائل المكافحين وخططهم المختلفة.
* هل هناك شهيدات سقطن في ذلك الكفاح¿
– هناك شهيدات كثر سقطن أثناء المواجهات ومعظمهن من السلك المدني.. أما اللائي سقطن وهن في صفوف الكفاح المسلح فأتذكر الشهيدة خديجة الحوشبي وكانت قائدة سرية وهناك تهديدات إضرابات لكن لا يحضرني الآن أي اسم من الأسماء.. وكانت المرأة اليمنية في الجنوب أكثر وعيا ومعرفة ومشاركة في معترك الحياة إلى جانب أخيها الرجل.
– صراع ما بعد الاستقلال
* في يوم الاستقلال فرحت عدن وفرحت اليمن جميعها لكن متوالية من العنف والصراع بدأت في مدينة عدن لوعدنا لمبتدأ ذلك الصراع.. ماذا تتذكرين من جوهره.. ومشاهده.¿
– يدرك الناس جميعاٍ أن أي استعمار يخرج من أي بلد بالقوة خصوصا مثل دولة كبريطانيا وبالتالي أي محتل لن يخرج إلا وقد زرع من الفتن وشروخ التفرقة ما يشفي غليله في المجتمع المقاوم وهذا كان وضع خروج المستعمر البريطاني من عدن خصوصاٍ إذا ما أدركنا أنه استمر لأكثر من 130 عاما ومارس من السياسات العنصرية والتفتيشية ما شكل خطراٍ على المجتمع وعلى الهوية الوطنية في وقت لم يكن فيه الوعي السياسي على قدر كبير من الحذر هذا الظرف الذي وصلت إليه الحركة الوطنية والوضع الحاد من الخلاف شكل بيئة أرادها المستعمر لاستمرار الصراع بين جبهة التحرير والجبهة القوية وهو ما ظهر على أرض الواقع من أول يوم استقلال تعيشه عدن عاصمة جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية وكان جوهر الخلاف والصراع والاقتتال هو من سيحكم بعد المستعمر وليس بمقدور الذاكرة أن تنسى ملامح ومشاهد ذلك الصراع الذي ذكرته لك سابقاٍ وأضيف هنا ما أتذكره من مشاهد الصراع والانقسام في المجتمع والأسرة اليمنية الجنوبية حيث كنا نرى العنف والملاحقات بين أعضاء الجبهتين ولعل أبرزها ما أتذكره هو أن المرأة في عدن رغم انقسامها إلا أنها ظلت تنشد السلام خطاباٍ وسلوكاٍ فمثلاٍ أتذكر أن مجموعة أعضاء جبهة التحرير لاحقت المناضل الشهيد فيصل عبداللطيف الشعبي في كريتر حافة يوسف خان واستطاعت أسرة أو بيت محمود جعفر إنقاذه وإخفاءه ومن ثم إخراجه من الباب الخلفي.. وهناك قصص كثيرة لدور المرأة في عدن في مسار تخفيف الصراع بين الرفاق من الجهتين حتى هدأت الأمور واستقرت تحت قيادة الجبهة القومية.
– بعد استقرار الأمور بيد الجبهة القومية.. ماذا عملت¿ وكيف بدأ الخلاف بين قياداتها..¿
* أمسكت الجبهة القومية بزمام الأمور وبدأت تعمل بدأب وحضور قوي على إرساء ملامح الدولة الحديثة وبدأت مرحلة إعادة ما دمرته الصراعات والحروب وبدأت عجلة التنمية تتحرك¿
– أما كيف بدأ الخلاف بين قيادات الجبهة القومية كانت البداية هي الخلاف أو بين الرفاق على قضية شكل وتوجه الدولة فمجموعة من الرفاق يريدون دولة اشتراكية وآخرين يريدونها استمراراٍ على ما كان قائماٍ لكن الأمر حْسم بعد خروج قحطان الشعبي من السلطة في 22 يونيو 1969م ولصالح النهج الاشتراكي وكان ذلك بداية عهد سالمين والمشكلة الرئيس في تلك الأيام أن الاختلاف في الرأي لم يكن يعالج بالديمقراطية والحوار لذا كانت الأمور تقود إلى تصفيات واقتتال بين الرفاق .
– المرأة… وبناء الدولة
* كيف ساهمت المرأة اليمنية في الجنوب في بناء الدولة حينها..¿
– لم يقتصر دور المرأة في النضال والكفاح من أجل الاستقلال فحسب بل كان لها دور كبير في بناء أسس ومداميك الدولة الحديثة دولة جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية على خارطة واسعة جداٍ ونجح الدور والتعاون المشترك بين المرأة والرجل في توحيد أكثر من 23 إمارة ومشيخة وسلطنة في دولة واحدة قوية لها حضورها في الخارطة الدولية.. والمرأة كانت موجودة في مفاصل العمل السياسي والإداري والتعليمي والتنموي وهذا ثمرة تعكس مصداقية أطروحات الجبهة القومية النظرية التي كانت تقول إن المرأة مثلها مثل الرجل يجب أن تؤدي دورها في بناء الدولة وفي تنمية المجتمع وتتمتع بكل الحقوق التي يتمتع بها الرجل.. وكان هذا الكلام النظري يطبق عملياٍ فأدخلت في انتخابات مجلس الشعب الأعلى وفي انتخابات المجالس المحلية وساهمت في صناعة القوانين لصالح الأسرة والمرأة ولعل أعظم قانون هو قانون الأسرة الذي وضع في 74م وكان يجري كل عشر سنين تقييم لما تقدمه المرأة ولما هو حق مكفول لها في القوانين وكل هذا بفضل الجبهة القومية والحزب الاشتراكي اليمني ولا أنسى هنا دور المرأة التنموي فأكثر من 60% من المصانع التي أنشئت بعد الاستقلال كانت تديرها نساء وتشغلها نساء وكانت المرأة موجودة في كل مرافق الإنتاج وهذا كان نص قانونياٍ موجوداٍ وكان الحزب يضع لجاناٍ رقابية تراقب مستوى تنفيذ هذه القوانين.
– الوجدان الوحدوي
* اختزالا للتاريخ المتخم بالخلافات والصراعات كيف كان الوجدان الوحدوي لدى الناس ولدى القيادات المختلفة في جنوب الوطن¿
– كانت الوحدة تسري في نبض كل يمني وكان الأجداد والآباء والأحفاد ينشدونها.. وكانت الوحدة بالنسبة للجنوبيين بمثابة الغذاء الروحي وكنا نتعلمها ونعلم أبناءنا في طابور الصباح وفي الهتاف الذي لا ننساه مطلقاٍ وهو الشعار العظيم الذي يقول: لنناضل من أجل الدفاع عن الثورة اليمنية وتنفيذ الخطة الخمسية وتحقيق الوحدة اليمنية.. وكانت حلمنا كما هي حلم آبائنا وأجدادنا حتى تحققت في فجر 22 مايو 1990م.. اليوم التاريخ الخالد وسيظل خالداٍ رغم ما اجترحته حرب صيف 1994م الظالمة من أخطاء بحق الوحدة أفضت إلى ما نحن عليه اليوم من أزمات وتعقيدات في المشهد السياسي.
– مقاطعاٍ- وأنت عضو مؤتمر الحوار الوطني الشامل ألم تشكل مخرجاته انتصاراٍ على أخطاء الماضي وانتصاراٍ للوحدة اليمنية¿
* بشكل دولة جديدة وضامن ليمن اتحادي وحل القضية الجنوبية¿! وما هي قراءتك لمعطيات ومجريات بعد الحوار الوطني..¿ وما دعوتك للقوى السياسية اليمنية¿
– صحيح والأهم من هذا أن المخرجات تلبي طموحات الجماهير اليمنية في بناء دولة مدنية عادلة لكن المعضلة أن هناك تحديات وصعوبات وتعقيدات في المشهد السياسي أبطأت من سير تنفيذ مخرجات الحوار الوطني الشامل.. صحيح أن القيادة السياسية حققت نجاحاٍ كبيراٍ لكن التحدي لا زال أكبر.. وهي الخطوط الأهم في مجريات ومعطيات ما بعد الحوار الوطني الذي كان من المفترض أننا قد أنجزنا الكثير منه.
– ودعوتي للقوى السياسية اليمنية أن تمضي بنوايا صادقة وفي نسق واحد للخروج من التلكؤ إلى فضاء أوسع وأرحب من التنفيذ العملي.

قد يعجبك ايضا