السعادة .. بين الحاجة و الرغبة ! .

مفيد الحالمي

 - السعادة حالة نفسية تحتاج للتعاطي الذكي مع احتياجاتنا الرئيسية .. وهنا تحضرني قصة امرأة أمريكية كانت تعيش قصة زواج روتينية يغلب عليها الملل والرتابة وفجأة
السعادة حالة نفسية تحتاج للتعاطي الذكي مع احتياجاتنا الرئيسية .. وهنا تحضرني قصة امرأة أمريكية كانت تعيش قصة زواج روتينية يغلب عليها الملل والرتابة وفجأة حصلت على مبلغ ضخم نتيجة فوزها باليانصيب ?? مليون يورو وهو الحدث الجديد الذي قلب حياتها رأسا على عقب وجعلها تشرع في ترتيب قائمة احتياجاتها فتكتب وتكتب ثم تتردد ولا تجروء على أن تصرف الشيك بل إنها أدركت أن في صرف الشيك ما يمكن أن يدمر حياتها.. وخلال كتابتها لقائمة الاحتياجات تكشفت لها العديد من الحقائق الهامة فلقد واجهت في البداية سؤالا مفاده : (إذا قدر للمرء أن يكسب كل هذا المال هل يعني ذلك أنه لم يعد من مجال ليفقد شيئا وهل هي لحظة للكسب فقط ¿) .. وتقول جوسلين: (أن تكون ثريا يعني أن ترى كل الأشياء القبيحة لأنك تمتلك غطرسة الاعتقاد أن باستطاعتك تغييرها ولا تحتاج إلى دفع المال لذلك ) .. وهكذا أدركت أن مالديها هو الغواية فقط غواية الامتلاك امتلاك حياة أخرى ممكنة منزل جديد تلفاز جديد والعديد من الأشياء الجديدة ولكن لا شيء مختلف .
وبالتالي تصل إلى بيت القصيد حيث تستطيع التمييز بين الاحتياجات الأساسية فهي ما تحفظ حياتنا وبين الرغبات الكمالية التي تقتصر وظيفتها بأن تمنحنا شعورا بأننا أحياء .. واعتبارا من الآن لم يعد لديها حاجات ولن يكون لديها سوى رغبات .. لكنها اتخذت قرارا حاسما بأن هذا لا يمكن أن يحدث أبدا .
بالطبع كانت ( جوسلين ) تتعطش للعديد من الأشياء في الحياة ولكن انتهى بها الحال إلى التغير والقناعة بالعيش كإنسانة تنتمي للطبقة المتوسطة في تجسيد لمبادئ الزهد والتخلي والرضا .. مؤكدة ( أن أعظم هدية يمكن أن تهدى لنا أن نقرر مصير حياتنا ) .. وتقول بطلة رواية الكاتب جريجوار ديلاكور في هذه اللحظة الفارقة :
( نقضي حياة نملأ فيها المنزل بالأشياء وحين يمتلئ نكسرها كي نحل محلها أشياء أخرى .. وقد يصل بنا الأمر إلى أن نهدم زواجنا كي نلقي بأنفسنا في قصة أخرى ).
ومع تسارع إيقاع الحياة وديناميكيتها أصبح البحث عن المزيد هاجسا يوسوس للفرد ويقلقه وينغص شعوره بالتحقق ويمنعه من التمتع بمكتسباته .. وبالتالي ومن هذه القصة نجد أن الفرد بحاجة إلى وقفة تأمل ليعيد النظر فيقدر ويثمن التفاصيل اليومية البسيطة التي يعيشها ولا يلتفت لاحتمال كونها مصدرا للسعادة وحافزا للاستغناء والزهد عن كماليات أخرى ربما أرهقته محاولة إدراكها.. وهنا دعوة قوية للإنسان أن يدير رأسه نحو ما يملكه بالفعل وليس ما يمكن أن يمتلكه في المستقبل ليستعيد أنفاسه ويهدأ و يبدأ بملامسة السعادة .
و ما ذهبت إليه المرأة الغربية في كتاب ( قائمة احتياجاتي ) الذي لاقى إقبالا واسعا .. اعتقد أني قد سبقتها إليه في محاضراتي عن التنمية البشرية فأنا دائما أردد أن على المرء في سعيه الدائم للنجاح والثراء أن يضع لنفسه سقفا ماليا يتوقف عنده سقف نهمه وقلقه وهو السقف الذي يلبي له كل وأهم احتياجاته الرئيسية وهو إجراء تكتيكي هام ينبغي القيام به للقبض على السعادة .. فبدون تحديد سقف سيطفق في رحلة قلق دائمة وسينطبق عليه القسم الإلهي ( إن لم ترض بما قسمت لك : فوعزتي وجلالي لأسلطن عليك الدنيا تركض فيها كما يركض الوحش في البرية ) .. وسيكون قد ابتعد كثيرا عن الحديث النبوي البليغ الذي يختصر كلامنا هنا ويختصر علم التنمية البشرية ( من أصúبح معافى فöي بدنöهö آمöنا فöي سöرúبöهö عöنúده قوت يوúمöهö فكأنما حöيزتú له الدنúيا ).
وفي هذا الحديث يتحقق الأمن الصحي والأمن الجنائي والأمن الغذائي .. وهي أهم حاجات الإنسان .
ولا نغفل هنا عن الإشارة إلى أن تحديد السقف المالي الذي يلبي الاحتياجات الرئيسية ( بشكل آمن ) .. المراد به ابتداء السعادة من عند هذا السقف وليس انتهاء السعي وراء الرزق والعمل .
و بمقابل ذكاء هذه المرأة الغربية .. يحز في النفوس غباء رجالنا العرب وتحديدا أولئك النافذين المتحكمين بأجزاء كبيرة من ثروات أوطانهم بطريقتين شرعية ممنهجة وغير شرعية .. فمثل هؤلاء النافذين لا شك أنهم لا يضعون العقل في مكانه المناسب بدليل أنه ليس ثمة سقف لاحتياجاتهم إلا السماء ( بعد أن بسطوا على الأرض ) بل ولا حتى السماء .. على أنهم لو أخذوا من العقل بنصيب لوجدوا أنه من الضروري بمكان أن يكون لديهم سقف للاحتياج ليس الاحتياج الرئيسي فحسب بل مع الكمالي ومتطلبات البذخ والترف .. وبعد أن يدركوا أنهم قد نجحوا في توفير ما يكفل تأمين احتياجهم الفائض عن الحاجة وكذا احتياج أجيال لاحقة من بعدهم ..

قد يعجبك ايضا