14 أكتوبر.. من الاحتلال البريطاني إلى المحتلين الجدد

أدعياء الوطنية والتحرر .. استقدموا الغازي المحتل فأدخلهم في صراع لا ينتهي

الثورة / عادل عبد الإله

“التاريخ يعيد نفسه” قد تكون هذه المقولة ترجمة لواقع ما يشهده العالم من أحداث ومتغيرات، لكن واقعيتها في اليمن تختلف عن كل ما شهده ويشهده العالم عبر التاريخ وخاصة فيما يتعلق بما شهدته اليمن من غزو واحتلال.
وإذا كانت اليمن وتحديدا مدينة عدن وبقية المحافظات الجنوبية قد تعرضت للكثير من الحملات وعرفت الكثير من أنواع الاحتلال والمحتلين عبر التاريخ إلا أن ما تشهده اليوم من غزو واحتلال يبدو مختلفا عما عرفته وعرفه العالم، بل انه يمثل حالة لا يمكن أن نقول فيها إلا أن التاريخ يعيد نفسه وأن قوى الاحتلال عادت اليوم بنفس الطريقة التي جاءت بها من، لأن ما يحدث اليوم بعيد كل البعد عما حدث بالأمس.
استدعاء الاحتلال
اليوم وفي الذكرى الذكرى الـ 58 لثورة الرابع عشر من أكتوبر يمكننا القول أن بريطانيا وأدواتها المتمثلة في السعودية والإمارات لم تعد في حاجة لحشد جيوشها لغزو عدن، ولم تعد في حاجة لسفينة مثل “ماريا دولت” لتبرير حملتها وهجومها البحري على المدينة، ليس لأنها ليست قادرة على تجهيز جيشها لبسط نفوذها في محافظات الجنوب اليمني، وإنما لأنها أصبحت تمتلك جيشا محليا ومليشيات تجتهد وتتسابق من أجل خدمتها وتنفيذ مشاريعها التوسعية.
في العام 1839م جاءت بريطانيا بجيوشها وأساطيلها البحرية لاحتلال عدن وفرض نفسها على اليمنيين كسلطة بقوة السلاح ومن ثم بسط نفوذها وسيطرتها على البحر الأحمر والمحيط الهندي، أما اليوم فجاءت بريطانيا والمحتلون الجدد بطلب واستدعاء من أدواتهم المحليين الذين يدينون لهم بالولاء وجنّدوا لخدمة دول الاحتلال عشرات الآلاف لتمكينها من السيطرة على البلاد وتنفيذ مشاريع المحتل التوسعية.
جاءت السعودية والإمارات ومن ورائهما بريطانيا وأمريكا لاحتلال الجنوب اليمني تحت شعار تحريره من اليمنيين أنفسهم وإعادته إلى الوصاية والهيمنة الأجنبية ومصادرة حريته واستقلاله السياسي، وما بين ما ترفعه أدوات الاحتلال من شعارات وما يتم تنفيذه على أرض الواقع تم إسقاط المحافظات الجنوبية وإخضاع المواطنين فيها لإرادة الاحتلال.
أجندات ومخططات
ربما احتاجت دوائر السياسة الغربية زمنا طويلا لإعداد ووضع المخططات والمشاريع التوسعية في اليمن، وتهيئة وإعداد وتأهيل دول الجوار الجغرافي لتنفيذ فصلها الأول، إلا أن ما حرصت دول الهيمنة والاستكبار العالمي على إخفائه سرعان ما تكشف واتضحت خفاياه وأبعاده، وأثبتت الوقائع أن مزاعم تحالف العدوان لم تكن سوى غطاء لإخفاء أكبر مؤامرة تستهدف احتلال اليمن وتدمير وتمزيق دولته وكيانه السياسي والجغرافي.
الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا، اللتان حرصتا -منذ بدء العدوان على اليمن- على إقناع العالم بأن علاقتهما مع السعودية والإمارات وأطماعهما المرجوة من وراء هذه الحرب العدوانية تتوقف عند حدود تجارة السلاح وتزويد الدولتين المعتديتين باحتياجاتهما من الأسلحة والمعدات والأجهزة العسكرية، لم يلبثا طويلا حتى برزت أطماعهما وأهدافهما الحقيقية التي أثبتت أن السعودية والإمارات لم تكونا سوى ورقتين في لعبة تديرها وتمتلكها أمريكا وبريطانيا.
صراع الأدوات على قاعدة فرّق تسد
في الوقت الذي تجتهد الأدوات التي استدعت العدوان والاحتلال في خدمة الأهداف التوسعية للمحتل إلا أن المحتل لا يثق بولاء من لم يكن لهم ولاء لوطنهم وشعبهم، واتجه لتنفيذ سياسته القديمة الجديدة المبنية على قاعدة فرق تسد، والتي ترجمها بإدخال أدواته في صراعات لا تنتهي، بل إنه هو من يضع سيناريوهاتها ويديرها ويمولها ويدعمها بالمال والسلاح.
وفي الوقت الذي ينجح المحتل الجديد في تنفيذ أجنداته التوسعية، يحرص كل طرف من أطراف الصراع في الجنوب على توسيع خارطة نفوذه السياسي والعسكري، ليس من أجل اثبات أحقيته في الحكم وإدارة شؤون البلاد لأن كلاهما يفتقران لأي مشروع وطني ويعجزان عن إقامة دولة أو إدارة مؤسسات أو تقديم أي نوع من الخدمات للمواطنين الذين وجدوا أنفسهم يعيشون ويتجرعون مرارات المعاناة، وإنما ليثبت كل طرف منهما أنه الأجدر على خدمة دول الاحتلال وتنفيذ أجنداته وحماية مصالحه.
عدن مدينة الفوضى والانفلات
مدينة عدن التي كانت تسمى في الأمس البعيد “درة التاج البريطاني” ومثلت العاصمة الاقتصادية للجمهورية اليمنية في الأمس القريب، وعرفت بثغر اليمن الباسم، لم تعد مبتسمة اليوم بعد أن أصبحت عاصمتين.. عاصمة مؤقتة لحكومة غائبة يعيش مسؤولوها في رغد وترف في أجنحة النجوم الخمسة في الرياض، وعاصمة سياسية للباحثين عن مشاريع استعادة الدولة في فنادق أبوظبي.
وما بين مشاريع الفوضى وجدت مدينة عدن المسالمة نفسها مثقلة بالمعاناة ولأنها الحاضرة الأولى لكل ما حولها سقط الجنوب في جحيم الصراع وتحولت مدنه وقراه إلى متاريس وخنادق وبنادق تصوب فوهاتها إلى قلب عدن التي تنزف دما ودموعا وتتوجع دون اكتراث من طرفي الصراع اللذين حولت مشاريعهما الفاشلة المدينة الواحدة إلى عاصمتين مثقلتين بالأوجاع، وينظرون إليها كمساحة يسعى كل طرف للاستيلاء والسيطرة عليها لتأكيد انتصاره على الطرف الآخر، ويتعامل معها كغنيمة حرب.
وفي الوقت الذي يحتدم الصراع بين أدوات الاحتلال في المحافظات الجنوبية، تصاعدت وتيرة التواجد والحضور الأمريكي والبريطاني في السواحل الشرقية وبحر العرب، ما يشير إلى أن لدى الأمريكيين والبريطانيين سيناريوهات توسعية جديدة تحاكي ما بدأته قبل سنوات عديدة وتسعى تحت غطاء محاربة الإرهاب إلى إيجاد المبررات التي تمنحها مشروعية التدخل وإدارة العديد من الملفات السياسية والعسكرية.
وكانت صحيفة “وول ستريت جورنال” الأمريكية، كشفت -أواخر العام الماضي- عن مخططات وأهداف أمريكية تقف وراء دعم واشنطن لسيطرة السعودية على محافظة المهرة وسيطرة الإمارات على ارخبيل سقطرى، تتمثل في احتواء النفوذ الصيني في المنطقة، مشيرة إلى أن حرص واشنطن على إيجاد تفاهمات بين دول الخليج وإسرائيل، يأتي في إطار مخططها لخلق تحالف أمني بحري، يستهدف السيطرة على ممرات التجارة الدولية في البحر العربي ومدخل الخليج، ومضيق باب المندب.

قد يعجبك ايضا