شكَّلت جبال ردفان الشامخة البداية الأولى لانطلاق ثورة الــ14 من اكتوبر 1963م ضد الاستعمار البريطاني البغيض بعد نضجها ثورياً وعسكرياً في شمال الوطن وخاصة في محافظات صنعاء وتعز وإب والحديدة والتي مثلت ملاذاً آمناً للثوار الذين استطاعوا من هذه المحافظة أن يرسموا خطتهم الثورية ضد المحتل البريطاني البغيض في جنوب الوطن بالتعاون مع إخوانهم ورفاقهم من عناصر المد الثوري في الشمال وذلك بعد أن توحد الجميع وقاتلوا في دعم الثورة السبتمبرية التي كان لها الدور الأساسي في تفجير ثورة الـ 14 من أكتوبر عام 1963م ليتم بعدها طرد المستعمر والمحتل البريطاني وإنهاء تواجده في أرض اليمن بعد احتلال دام طيلة قرن وربع من الزمان.. ولمعرفة المزيد نرصد في العيد ال58 لثورة 14 اكتوبر المجيدة أهم المراحل الأولى للثورة.. فإلى التفاصيل:
الثورة / قاسم الشاوش
كان لنجاح ثورة الـ26 من سبتمبر الخالدة أثر كبير في تسريع خطى استقلال جنوب الوطن والتي مثلت الحاضن الكبير لانطلاق ثورة أكتوبر «وخلقت ثورة 26 سبتمبر 1962م في عدن وفي كافة مناطق الجنوب ظرفاً هيأ ومهد وأوجد مناخاً ممتازاً لقيام ثورة الــ14 من أكتوبر المجيدة وهب الشعب اليمني قاطبة لمقاومة الاحتلال البريطاني بدعم وتأييد من ثوار ثورة سبتمبر العظيمة».
أهم الثورات العربية
من المعروف أن ثورة الرابع عشر من أكتوبر عام 1963م تعد واحدة من أهم الثورات العربية التي غيرت مجرى الأحداث وانتصرت للحرية والكرامة بعد سنوات من النضال الثوري المسلح ضد الاستعمار البريطاني، حيث قدم فيها اليمنيون ملاحم عظيمة من البطولة والاستبسال والنضال الثوري والتضحيات الكبيرة بالأرواح والدماء والأموال لتحرير البلاد وطرد الاستعمار البريطاني المحتل والذي جثم على أرضنا في جنوب الوطن لأكثر من 128 عاماً، تعرض فيها اليمنيون لشتى صنوف القهر والإذلال والعبودية.
حماس وفخر
وبلا شك فإن الحديث عن الثورة الأكتوبرية المباركة يثير الكثير من الحماس والفخر، فهي لم تأت بمحض الصدفة أو ولدتها عوامل مؤقتة، بل جاءت حصاد سنوات من النضال المتواصل على مختلف الأصعدة العسكرية والسياسية والاجتماعية والثقافية وبمشاركة مختلف تيارات المجتمع الوطنية والقومية والإسلامية والقبلية وكل اليمنيين في الشمال والجنوب، وقد أكدت هذه الثورة بقيامها ترابط الشعب اليمني وواحدية الثورة اليمنية السبتمبرية الأكتوبرية ووحدوية اليمنيين في نضالاتهم عبر التاريخ، هي حقائق لا يمكن التشكيك فيها مهما حاول البعض أن يزرع الشكوك في عقول وأفكار الأجيال، وترابط الأحداث التي رافقت الثورتين يؤكد هذه الحقائق، حيث ساعد نجاح ثورة سبتمبر في تسريع الخطى نحو جنوب الوطن ومثلت الحاضن الكبير لانطلاق ثورة أكتوبر وأوجدت في عدن وفي كل مناطق الجنوب ظرفاً هيأ وأوجد مناخاً ممتازاً لقيام ثورة 14 أكتوبر المجيدة وهب الشعب كله لمقاومة الاحتلال البريطاني بدعم وتأييد من ثوار سبتمبر المجيدة، وظل الثوار في عدن وبقية المحافظات الجنوبية في صراع دائم مع الاستعمار البريطاني، غير أن بداية الثورة الحقيقية كانت عندما لوحت حركة القوميين العرب في اليمن بتبني فكرة الكفاح المسلح ضد الاستعمار وعملائه في المنطقة.
ولادة الثورة
بعد قيام ثورة 26 سبتمبر المجيدة قامت الحركة بأول مبادرة عملية من خلال فوعها في شمال الوطن، حيث كثفت الحركة من نشاطها الإعلامي والتنظيمي في أوساط أبناء الجنوب المشاركين في الحرس الوطني والحرس الشعبي في الشمال للدفاع عن ثورة سبتمبر وفي أوساط اليمنيين الذين كانوا يتوافدون تباعاً من تعز وصنعاء وإب، والذين التحقوا بالجمعية التي بدأت تتشكل بعلم القيادي الأول للحركة فيصل عبداللطيف الذي كان أقدم عضو فيها منذ أن كان طالباً في القاهرة.
وهيأ إنشاء مكتب لشؤون الجنوب برئاسة المناضل قحطان الشعبي، الأجواء للتسريع بقيام الحركة، حيث تلاحقت الاجتماعات والاتصالات، وكان من أهم تلك الاجتماعات التي عقدت في صنعاء الاجتماع العام الموسع في دار السعادة في 24 فبراير 1963م والذي حضره الكثير من العناصر القيادية، وتمخض عنه بعد نقاشات مطولة الاتفاق على تأسيس جبهة تحرير الجنوب اليمني المحتل» على أن يكون شكل نضالها انتهاج أسلوب النضال المسلح حتى التحرير، وتم التأكيد على هذا القرار مرة أخرى في اجتماع آخر في أغسطس 1963م حين انضمت قوى أخرى للجبهة كالناصريين والبعثيين وغيرهم، علماً بأن اجتماع فبراير تم الإعداد والتحضير له من خلال الاتصالات المستمرة التي كانت تجريها قيادة الحركة مع الرئيس السلال وبعض القياديين الجمهوريين ورموز القيادة المصرية.
ولحقت بهذه الخطوة العديد من الخطوات العملية، تمثلت بتقديم الدعم والتدريب الإعلامي والدعم المادي للمتفرغين للمهام النضالية في إطار القيادات وأعضاء جيش التحرير وقطاع الفدائيين والتي كانت تقدمها مصر عن طريق الحكومة اليمنية آنذاك.
جبهة عدن
و قبيل ثورة أكتوبر، مثلت عدن ٍ شرارة نار أخرى أطلقها الثوار في وجه المستعمر البريطاني، حيث بدأت التشكيلات التنظيمية للعمل الفدائي في عدن أوائل عام 1946م وتشكلت قيادة للمدينة مكونة من القطاع العسكري والقطاع الشعبي الذي كان يضم قطاعات العمال والمرأة والطلاب والتجار، وتحمل المسؤولية في بداية العمل لعدة أشهر الشهيد نور الدين قاسم، وبعد أن تعرض للاعتقال أسندت المسؤولية فيما بعد لعبدالفتاح إسماعيل الذي استمر يقودها حتى ما قبل الاستقلال بعدة أشهر.
وكما يروي راشد محمد ثابت في كتابه عن ثورة 14 اكتوبر فإن العلميات شكلت البداية في قصف مبنى المجلس التشريعي في كريتر وضرب برج المطار وغيرها من الأعمال الفدائية التي استخدمت فيها القنابل على بعض الأهداف في المدينة وتزايدت تلك الأعمال، حتى إن الجماهير في عدن كانت قد اعتادت على سماع الانفجاريات والاشتباكات الليلية بين الفدائيين والقوات البريطانية وتحولت الجماهير إلى حارس أمين للفدائيين في كل زقاق وبيت وشارع، وكانت البيوت والمحلات التجارية والدكاكين مفتوحة لكل فدائي يريد النفاذ من مطاردة الدوريات البريطانية أو الاختفاء عن أعين المخبرين والجواسيس المنتشرين في الأحياء والأزقة الشعبية.
وكانت تلك العمليات الفدائية تتم بالتنسيق بين فرع الجبهة في عدن والثوار في الشطر الشمالي من اليمن، حيث كانت ملامح الثورة قد بدأت تتبلور.
ويضيف ثابت: إضافة إلى ما كانت تشهده مدينة عدن من عمليات متواصلة، فقد كان هناك نضج ثوري بدأ يتشكل في أوساط المواطنين بمحافظات أبين والضالع وحضرموت ولحج، وكان الأهم من ذلك هو تحديد المسؤوليات ميدانياً تمهيدا للثورة المسلحة الشاملة التي فجرت الحرب في وجه المستعمر وأرغمته على الرحيل.
توزيع المهام النضالية
«ويشير ثابت في كتابه إلى انه بعد ترتيب الأوضاع الإدارية لعمل هيئات الجبهة في مقرها الرئيسي في تعز وتحديد التخصصات لأعضاء المجلس المركزي في الجوانب التنظيمية والعسكرية والمالية والإعلامية وشؤون العلاقات والاتصالات المحلية والخارجية، عملت القيادة على توزيع المهام النضالية على عدد من العناصر، وذلك بحسب خصائص وظروف كل منطقة على حدة، وقد باشرت القيادة في تعز العمل على إعداد المقاتلين أولاً من جبهة ردفان بقيادة الشيخ راجح بن غالب لبوزة والتنسيق مع مكتب القيادة المصرية في تعز لتحديد فترات زمنية للتدريب في معسكر خاص في «صالة» لنشطاء الجبهة القومية يرمز إليه بعملية»صلاح الدين».
وكانت البداية أن يتحرك الشيخ غالب بن راجح لبوزة إلى الداخل للاستطلاع والتعرف على طبيعة ما يجري داخل منطقة ردفان، والعمل على تنظيم المجاميع المقاتلة في الداخل وتوزيع المهام للأفراد والمجموعات بهدف الحصول على المعلومات الدقيقة حول ردود أفعال السلطات الاستعمارية في المنطقة إزاء عودة المقاتلين إلى مناطقهم، ومدى ما تقوم به القوات الاستعمارية من حشد عسكري استعدادي للقتال، وفيما إذا كانت تتمركز في المنطقة بصورة ثابتة أو مؤقتة، على أن تظل القيادة في صورة ما يجري داخل منطقة ردفان من خلال مراكز المتابعة التي عملت الجبهة على تنظيمها عبر مركز ثابت في إب بالتنسيق مع القائد العسكري أحمد الكبسي الذي كان من أعضاء الحركة ومكلفاً رسمياً من صنعاء بمتابعة النشاطات المعادية من الجنوب ضد الثورة والجمهورية، كما تم ترتيب عناصر متحركة للاتصال بين الداخل في ردفان والقيادة في مدينة تعز، وكانت حصيلة المعلومات التي وصلت من ردفان أن الإدارة البريطانية قد ضاقت ذرعاً من عودة الشيخ راجح بن غالب لبوزة إلى منطقته مع عدد من المقاتلين الذين كانوا في جبهات القتال داخل الشمال يدافعون عن النظام الجمهوري الجديد.
عزيمة التحدي
ثارت ثائرة الضابط السياسي البريطاني «مستر مينلل» الذي أقدم على إرسال رسالة إلى الشيخ غالب بن راجح لبوزة يوضح فيها علم السلطة البريطانية بعودته وزملائه إلى ردفان وهم يحملون الأسلحة والقنابل اليدوية، ويطلب منه الحضور إلى الحبيلين لمقابلة الضابط السياسي البريطاني والنائب محمود حسن علي مع إحضار الأسلحة مشفوعة بخمسمائة شلن ضمان التزامه بالبقاء، مع التعهد بحسن السلوك وعدم العودة إلى «اليمن»، ما لم فسوف ينال مع زملائه العقاب الشديد، هذا الإنذار كان بادرة انطلاق المعركة الأولى التي بشَّرت بولادة ثورة منظمة لا يتوقف أوارها حتى يتم الجلاء التام والشامل.
وكان الرد الحاسم من الثوار يحمل عزيمة التحدي لغطرسة الضابط السياسي البريطاني وقواته العسكرية المحتشدة للقتال، وذلك بعد أن قام الشيخ لبوزة باستدعاء جميع المقاتلين من أبناء المنطقة للاجتماع في منطقة عقيبة ردفان وأطلعهم على بجاحة التحذير البريطاني وطلب منهم الرأي فيما يجب عمله، وبعد نقاش وحوار مستفيض أجمع الحاضرون على المواجهة والاستعانة بالله مهما كانت النتائج.
عدم التسليم
وجاء الرد القاطع من جانب الثوار وهو عدم التسليم أو الالتزام بشروط الضابط السياسي البريطاني، بل وعدم الاعتراف بسلطة حكومة الاتحاد على منطقة ردفان، وتضمنت الرسالة الاستعداد لمواجهة أي عدوان على مناطقهم مهما كانت الاحتمالات، وأرسل الرد إلى الضابط السياسي البريطاني يحمل توقيع الشيخ راجح بن غالب لبوزة نيابة عن مجموعة العائدين إلى ردفان، وأرفق الرد أيضاً بطلقة رصاصة تعبيراً عن بدء القطيعة مع أعداء الوطن من المحتلين والعملاء.
الاستعداد للمعركة
لم تكن ردة الفعل البريطانية سريعة وهو ما توقعه الثوار من الطبيعة الماكرة والمعهودة من القوات البريطانية، فأجمع المقاتلون من أبناء المنطقة على الاستعداد للمعركة، وإخلاء المنازل من العائلات حتى لا تكون عرضة للقصف والإبادة، وكانت حركة الاستطلاع للثوار قد حصلت على معلومات بتقدم الوحدات العسكرية البريطانية يوم الثالث عشر من أكتوبر صباحاً من عام 1963م باتجاه وادي المصارح يصحبها الضابط السياسي» مستر مينلل» ويرافقه شيخ المنطقة محمود حسن علي لخرم، في هذه الأثناء تحرك الشيخ لبوزة مع المقاتلين من منطقة وادي ديسان باتجاه جبل البدوي للتمركز هناك، وتوزيع المقاتلين على مواقع مختلفة، بما فيها موقع « المصراح» استعداداً للهجوم على القوات البريطانية في الحبيلين، غير أن المعلومات التي حصل عليها المقاتلون هي أن القوات البريطانية أخرت الهجوم يوماً واحداً وهي تتقدم إلى وادي المصراح لتقوم بالهجوم في اليوم التالي 14 أكتوبر من عام 1963م.
وكانت القوات البريطانية قد تمكنت من اعتقال أحد العائدين من زملاء الشيخ لبوزة، وهو الأمر الذي أشاع الحذر في أوساط المقاتلين والاستعداد للمعركة، وقد تجمع للقتال من أبناء المنطقة حوالي سبعين مقاتلاً توزعوا على جميع الخطوط التي يتوقع أن تمر منها القوات البريطانية، وكان المقاتلون قد عرفوا بتحرك القوات البريطانية صباح يوم الرابع عشر من أكتوبر.
بداية الثورة المسلحة
بدأت أرتال القوات البريطانية في مسيرة عسكرية من خارج معسكر الحبيلين متخذة طريقها عبر الثمير إلى وادي المصراح، حيث قامت بالانتشار لمواجهة المقاومة من الثوار وحاولت قوات العدو التقدم تحت تغطية نارية مكثفة من الدبابات ومدفعية الهاونات إلى جانب القصف الثقيل للمدفعية، كان الشيخ لبوزة متمركزاً مع مجموعته في جبل البدوي بعد أن نزل إلى القمة التي على يمين قرية البيضاء وهو يتقدم الفصيل الصدامي الأول ضد القوات البريطانية، وقد توزعت قوات المقاتلين الثوار إلى أربع مجموعات واستمرت المعركة على أشدها بين الطرفين ولم تستطع القوات البريطانية أن تتقدم شبراً واحداً.
واضطرت القوات البريطانية إلى الانسحاب من بعض المواقع مستخدمة القتال عن بعد معتمدة على القصف المدفعي على مواقع الثوار، إلا أن القوات البريطانية بعد ذلك تقدمت من مواقع أخرى مع استخدام القصف بشكل مركز ومكثف، فكان احد زملاء الشيخ لبوزة واسمه سعيد ينصح بالانسحاب، فرفض لبوزة الانسحاب قائلاً لزميله إذا انسحبت خطوة فسوف ينسحب البقية ألف خطوة، فواصل معركته ضد القوات الاستعمارية حتى الساعة الحادية عشرة ظهراً حين أصيب موقع لبوزة بخمس طلقات مدفعية ثقيلة أخذت شكل التوالي في أماكن انفجارها، ما أدى إلى إصابة المقاتل راجح بن غالب لبوزة بشظية من القذيفة الخامسة في الجنب الأيمن مخترقة جسده حتى الجانب الأيسر موقع القلب، لكنه ظل قابضاً على سلاحه وهو يتلوى كالأسد، حتى وافته المنية وهو في عرينه حين نطق بالشهادة وهو يشيح بالتفاتة نظر إلى زميله سعيد حسين، الذي وافته الشهادة في وكره أيضاً قبل دقائق من وفاة القائد الشهيد، وكانت لحظة الشهادة في يوم الرابع عشر من أكتوبر عام 1963م هي يوم أن أعلنت الجبهة القومية بداية الثورة المسلحة من على قمم جبال ردفان الشماء، هذه الثورة التي استمرت تتصاعد دون توقف حتى جلاء آخر جندي بريطاني من أرض جنوب اليمن الطاهرة.
رفع الكفاءة القتالية
استمرت المعارك في منطقة ردفان بعد استشهاد القائد البطل راجح بن غالب لبوزة، وتعززت القناعة لدى المقاتلين بمواصلة المقاومة ضد العدو الذي لا يفهم سوى لغة القوة والمواجهة، وقررت قيادة الجبهة القومية في تعز إرسال المناضل عبدالله المجعلي إلى جبهة ردفان ليتحمل المسؤولية التنظيمية هناك والتخطيط للمعارك الموجهة ضد القوات الاستعمارية، ورفع الكفاءة القتالية على بعض الأسلحة المتطورة التي حصلت عليها الجبهة، بالرغم من أن معظمها كانت من الأسلحة المستخدمة ضد الاستعمار البريطاني وإسرائيل في مصر.
فتح جبهات أخرى
ودفعت الجبهة القومية بعناصر قيادية بعضها من المجلس التنفيذي للإشراف على إدارة المعارك في هذه الجبهة وكلفت الشيخ عبدالله المجعلي بالتوجه إلى ردفان مباشرة بعد استشهاد المناضل راجح بن غالب لبوزة، وتبعه بعد ذلك القيادي المناضل طه أحمد مقبل، ثم كلفت القيادة عدداً من الضباط اليمنيين والمصريين للدخول لفترات قصيرة إلى مواقع الجبهة في ردفان لغرض تأهيل المقاتلين في مجال التخطيط ميدانياً للمعارك، كما خططت قيادة الجبهة لفتح جبهات أخرى في منطقة الضالع وحالمين ودثينة، لتخفيف حدة المواجهة على جبهة ردفان وزيادة الضغط القتالي على قوات الاستعمار التي حصلت على التعزيزات لتكثيف الهجمات على الثوار في جبهة ردفان التي كانت الوحيدة أمام العدو الحاقد.
أذيال الاستعمار
عناوين السياسة الاستعمارية واحدة في معانيها ومبانيها منذ عام 1839م وحتى انطلاق شرارة ثورة 14 أكتوبر في العام 1963م من جبال ردفان، فقد حرصت السياسة الانجليزية الاستعمارية في جنوب الوطن المحتل في طابعها العام على تمزيق الوحدة اليمنية والنسيج اليمني، وتعميق اليأس في أوساط أبناء الشعب اليمني من عودة التحام جسدهم الواحد، وتلغيم حياتهم بسموم الكيانات والكانتونات المناطقية المتنافرة والمتصادمة من سلطنات وإمارات وولايات ومشيخات، وها هي عاصفة عدوان أذيال الاستعمار البريطاني تعيد إنعاشها من جديد، مع تغيير مسمياتها، وبقاء هدفها وهاهو صنيعة الإنجليز ينافح اليوم وللسنة السابعة على التوالي وبأريحية مخزية من أحد فنادق الدرعية عن الحرب التي تشنها السعودية الأمريكي والإمارات على بلاده ، خدمة لأسياده في لندن والبيت «الأسود» وتل أبيب، والأكثر إثارة للتعجب ارتضاء من تبقى من الأكتوبريين بهذا…، قائداً وسائساً، وارتضاؤهم قذفه لهم إلى جحيم الاستعمار مجدداً.
ساحة لعبث الغرباء
وبين 14 أكتوبر 1963م، و14 أكتوبر 2021م، 58 عاماً، وثورة تحرر وطني أنهت تراكمات ما يقارب 130 عاماً من الطغيان والعبث الاستعماري البريطاني، وقدمت في سبيل ذلك عشرات الآلاف من الشهداء، وللأسف لم يتبقَ من هذه الثورة سوى الاسم فقط، لقد انقلبت الصورة رأساً على عقب، والمفاهيم تغيرت، والأدوار تبدلت، والمستعمر لم يعد مستعمراً بل محرراً، ومقاومة المستعمرين لم تعد عملاً وطنياً بل عمالة وخيانة وإرهاباً، وبقي المشترك بين زمنين: الخاصرة الجنوبية للجزيرة العربية، بما تتوافر عليه من موقع استراتيجي وثروات ساحة لعبث الغرباء ومسرحاً للأطماع ونهب المهيمنين القدامى والجدد، وما بين الزمنين لا زالت ثورة 14 أكتوبر تبحث عن الأكتوبريين بلا كلل ولا ملل، بعد أن تبخرت تعظم أهدافها.