ما تعرف بمنطقة الخليج وعبر أنظمتها ظلت خلال ما عُرفت بالحرب الباردة تسير في فلك الاستعمار الغربي الأمريكي وتناصب العداء للاتحاد السوفييتي من ذات المنظور الاستعماري الغربي الأمريكي الذي تعمل تحت إرادته وإدارته..
وتحت عنوان الإلحاد وعبر الأسلمة الاستعمارية أيضاً ظلوا في هذا العداء للسوفييت والصين ومن يسير في خيار أو نظرية «الاشتراكية»..
بعد تفتت السوفييت تحولت روسيا إلى خيار الرأسمالية وإن بطريقتها وفلسفتها، والصين دمجت بين الاشتراكية والرأسمالية وبطريقتها وفلسفتها أيضاً، وواقعياً فالحزب الشيوعي الصيني هو من يدير الدولة بسقف شيوعيتها وسقف رأسماليتها أيضا، وباكستان التي ربطت بالاستعمار في سياساتها وإدارتها وكانت ممراً لما عُرف بالجهاد الإسلامي إلى أفغانستان وكان واقعياً جهاد مع ومن أجل أمريكا وتم أسلمته سياسياً لهذا الهدف ـ باكستان هذه ـ باتت علاقتها الأهم هي مع الصين وبسقفها الشيوعي والرأسمالي معاً ولا نريد التطويل في هذا الجانب..
الذي يعنينا أن الدول الخليجية تخلت عن العداء لروسيا والصين أكان خياراً لهذه الدول أو ربطاً بالمتغيرات الدولية، فهل يمثل مثل هذا الواقع مؤشر تحرر تدريجياً من الاستعمار الغربي الأمريكي وإن بالتدرج أم أنه مجرد اضطرار فرضته متغيرات ولا زال الخيار والقرار أو نقل الإرادة والمستوى النوعي من الإدارة هو للاستعمار الأمريكي الغربي؟..
نقول إنه مجرد مؤشر وهو بين مستجد مظاهر أو ظواهر سياسة أمر واقع لا زال متراكمه أمريكياً ولا زالت أمريكا بوضوح هي المؤثر الأكبر، ولكن الإنصاف يوجب علينا الاكتفاء بهذا الحال العائم أو بحكم معمم لأن هذا المتغير ربما يتعامل به أو معه كمؤشر لتحرر تدريجي وصولاً إلى علاقات متزنة ومتوازنة لهذه الدول بالشرق والغرب وصولاً لفرض أولوية مصالحها كأنظمة وأوطان بما يتجاوز استعمالها الأدواتي لصالح الاستعمار الأمريكي الغربي، وذلك ما يزال هو القائم وهو المعتمل فعلياً..
دعوني أقول إني ربما أتفهم التراكم الأمريكي تحديداً وما بات يفرضه كأمر واقع، ولكني لا أميل لنفي أن تكون هذه الأنظمة تفكر ما استطاعت تغيير هذا الأمر الواقع وإن بالتدرج لصالح أوطان بل ولصالح مستقبلها كأنظمة، فمثل ذلك قد يكون موجوداً أو حاضراً ولكنه لا يحس بما يمكن قياسه أو القياس عليه تغيير أو متغير..
قد يطرح البعض أن العلاقات القائمة لهذه الأنظمة مع روسيا والصين هي تغيير ومتغير يقاس به أو يقاس عليه، ولكن هذه الظاهرة هي عالمية وأمر واقع عالمي باعتبار العالم لم يعد في أوضاع وبيئة ما عرفت بالحرب الباردة أساساً، وبالتالي فالقياس يحتاج إلى تعمق في تفكير ورؤى هذه الأنظمة فوق ما هو ظاهرة عالمية أو أمر واقع..
على سبيل المثال كلنا نعرف أن أمريكا كانت وراء إزاحة أو إقالة رئيس وزراء باكستان “عمران خان” وزجه في السجن وذلك يقدم تأثير أمريكا في باكستان، ولكن الحرب الهندية الباكستانية أكدت أن الصين هي الأقوى في باكستان رغم حقيقة أن أمريكا إن أزاحت أو أقالت عمران لأسبابها أو لمصالحها..
هذا لم يعد مجرد مؤشر بل للقياس، ومثل ذلك لم يتوفر في الأنظمة الخليجية وأتذكر مثلا أن الكويت وقعّت ما عُرف اتفاقا استراتيجياً مع الصين يتصل حتى بالدفاع، ولكن الأفعال والتفعيل لا يقدمان إلى الحضور الصيني في الكويت كما في باكستان..
إذا تابعنا زيارة الرئيس الأمريكي «ترامب» الأخيرة للمنطقة فما أكدته هو حضور الابتزاز والتغول الأمريكي بقوة، وبالتالي فهذا يثبت أنه حتى لو كانت هذه الأنظمة تسير بالتدرج باتجاه توازن واستقلالية فذلك لازال بعيداً كواقع وأمر واقع فوق خيار أو قرار الأنظمة حتى لو أرادت، ولعل الصراعات العالمية هي ما ستؤثر في تسهيل مهمة هذه الأنظمة إن أرادت تغيير بأي سقف أو مدى كما هي ما ستكشف إن كانت هذه الأنظمة تريد البقاء في فلك الاستعمار الغربي الأمريكي حتى يوم القيامة، كما طرح مؤسس النظام السعودي، أم أنها تنتظر نضوج المتغير والظروف لتحدث تغييراً يعتد به على أنه تغيير؟!!.