المدن.. وغياب ثقافة الجمال

حمدي دوبلة

 

 

الكثير من مسؤولي وأصحاب صنع القرار في مدننا ومحافظاتنا قد زاروا مختلف البلدان والعواصم، ولعلهم انبهروا مثلما ينبهر الإنسان العادي الذي إسعفه الحظ لزيارة دول أخرى بمستوى الجمال والأناقة والنظافة التي تميز شوارع ومنازل وأحياء تلك المدن، غير أن ما يستغرب له حقا أن أيا من هؤلاء المسؤولين السابقين والحاليين لم يحاول أن يدرك أو يستفيد أو يتعلم من تلك التجارب المميزة .
– العاصمة صنعاء وكل محافظات اليمن في الشمال والجنوب من أجمل المدن على مستوى العالم وتتمتع بمقومات جمال طبيعية ومناخ استثنائي لا يوجد في كثير من بقاع الأرض ولا تحتاج لكي تظهر بالمستوى اللائق إلى كثير من الإمكانيات والمعجزات بل إلى قليل من الأمانة والنوايا الصادقة ومراقبة الله في إرساء وإسداء مشاريع الرصف والتحسين والزفلتة للشوارع والأحياء والطرق الرئيسية إلى شركات المقاولات، بعيدا عن الفساد والرشاوى والمحسوبيات التي سادت لوقت طويل ودفع المواطن اليمني – ولا يزال إلى يومنا – الكثير من الأثمان الباهظة جراء تلك الممارسات والتجاوزات في ما يتعلق بالمناقصات والمقاولات الخاصة بالمشاريع الخدمية من هذا النوع.
– يعلم المسؤولون في العاصمة صنعاء ومختلف المدن اليمنية الأسباب في وجود الحفريات بكل الشوارع والطرق الرئيسية والفرعية وتآكل الإسفلت بعد فترة وجيزة من إنجاز عمليات الرصف والتعبيد لهذا المشروع أو لذاك داخل المدن أو حتى في الطرق الرئيسية التي تربط بين المحافظات، وهي عدم الإنجاز وفق معايير الجودة المعتمدة والمواصفات المناسبة وأن اعتبارات كثيرة تؤخذ بعين الاعتبار عند إرساء المناقصات على المقاولين.
-بقاء التشوهات العميقة في شوارعنا وفي معالمنا المدنية والحضارية يعود بالدرجة الأولى إلى الفساد في عمليات المناقصات وغياب الاهتمام بمسألة الصيانة للمشاريع بعد إنجازها، مع أن عملية الصيانة والترميم والتحسين المتواصل يجب أن يكون ضمن الشروط الأساسية لمنح امتيازات التنفيذ لهذه الجهة أو تلك، وهو الأمر المعمول به في معظم بلدان العالم والسر في بقاء المشاريع محتفظة برونقها ومظهرها الحضاري .
-لا نحتاج لكي تظهر مدن اليمن في أبهى حللها وفي شكل يضاهي أجمل المدن في العالم إلا الاهتمام بالصيانة والترميم المستمر للطرق والأرصفة وواجهات المباني الرئيسية ولا أظن ذلك أمرا عسيرا إذا وجدت النوايا الصادقة والعقليات النظيفة، ولا بأس أن نستفيد من تجارب الآخرين في هذا المضمار وخاصة أن هناك من المدن من تولي أهمية كبرى لعمليات الصيانة لمشاريع الطرق والجسور لدرجة تكون فيها العملية مستمرة طوال العام، حيث تنتهي عملية ترميم وتحسين جسر أو طريق في يوم الـ31 من ديسمبر وتبدأ العملية ذاتها مجددا في أول أيام العام الجديد وهكذا دواليك في سلسلة لا تنتهي من التحسين وبذلك تظل المشاريع الخدمية في أجمل صورها على الدوام وهذا الأمر عادة ما يكون من مسؤولية الجهة المنفذة وضمن بنود العقد المبرم بينها وبين الجهة الحكومية المختصة.
-لن نتمادى في طموحنا إلى درجة كبرى ونطالب بتطبيق أفضل النماذج في العالم على هذا الصعيد وإن كان ذلك ليس بالأمر العسير والإعجازي وإنما نرجو ونأمل أن يتم الحفاظ على الموجود وعدم السماح بأن تأتي عوامل التعرية والإهمال على ما تم إنجازه من طرق وجسور وأنفاق.
وكم أتمنى من قيادة العاصمة صنعاء وغيرهم في الجهات المختصة أن يعرجوا على بعض هذه المنشآت الخدمية التي تعاني ويلات الإهمال والعبث على غرار الجسر الرابط بين باب اليمن وحي البليلي أو نفق التحرير الذي لا تستطيع عبوره إلا مهرولا بسبب وضعه المزري والروائح الكريهة المنبعثة من جنباته المختلفة.
-خلال احتفالات العيد السابع لثورة الـ21من سبتمبر المجيدة تم الإعلان عن تدشين مشاريع خدمية وإنمائية في العاصمة صنعاء بتكلفة عشرات المليارات، ويا حبذا أن تؤخذ المعايير الفنية ومواصفات الجودة في تنفيذها حتى تؤدي مهامها في خدمة المواطنين لأطول فترة ممكنة وأن لا يستمر الحال كما كان عليه في العهود السابقة.

قد يعجبك ايضا