توثيق جريمة استهداف منزل رئيس اتحاد الإعلاميين اليمنيين

 

الثورة/..
تواصل دول التحالف السعودي الإماراتي الأمريكي بالإضافة إلى سبع دول حربها على اليمن ضمن عمليات عاصفة الحزم التي انطلقت في السادس والعشرين من مارس 2015م، سلسلة الهجمات والجرائم الممنهجة بحق الإعلاميين والصحفيين اليمنيين والمؤسسات الإعلامية، وهذه الجريمة التي استهدف بها طيران التحالف منزل عبدالله صبري، رئيس اتحاد الإعلاميين اليمنيين، تعد إضافة إلى رصيد الجرائم الجسيمة لقوى التحالف.
ومنذ انطلاق العمليات العسكرية وعلى مدى الأربع سنوات ونصف ارتكبت دول التحالف عشرات الجرائم بحق الصحفيين والإعلاميين والمؤسسات والمنشآت الإعلامية، حيث رصد اتحاد الإعلاميين اليمنيين ووثق (43) جريمة أسفرت عن مقتل (244) صحفياً وإعلامياً، وجرح (22) آخرين، بالإضافة إلى قصف وتدمير (21) منشأة ومؤسسة إعلامية، وقصف وتدمير (30) مركزاً للبث الإذاعي والتلفزيوني.
لم تراع دول التحالف أي إجراءات قياسية في عملياتها الجوية منتهكة بذلك كل القوانين والاتفاقيات الدولية التي كفلت الحماية المطلقة للمدنيين وللصحفيين والإعلاميين أثناء النزاعات المسلحة والحروب، ونظراً للأرقام والإحصائيات المهولة لهذه الجرائم يتضح وبما لا يدع مجالاً للشك أنها تأتي في إطار ممنهج ومتعمد، وتؤكد على أنها ضمن بنك الأهداف لطيران التحالف وليست استهدافاً عن طريق الخطأ كما تبرر وسائل الإعلام التابعة لدول التحالف.
وفي هذا التقرير التوثيقي سيتم استعراض ما رصده ووثقه اتحاد الإعلاميين اليمنيين، في آخر جرائم دول التحالف باستهداف منزل رئيس اتحاد الإعلاميين اليمنيين، والتي تجاوزات في وحشيتها ليصل عدد ضحاياها إلى (7) قتلى ثلاثة منهم من أسرة رئيس الاتحاد، اثنان من أبنائه ووالدته والبقية من السكان المجاورين، فيما وصل عدد الجرحى إلى (60) جريحاً من ضمنهم عبدالله صبري رئيس الاتحاد ونجله الأكبر ووالده، والبقية من السكان المجاورين لمنزله والذين تضرروا نتيجة القصف.
ويأمل اتحاد الإعلاميين اليمنيين أن يساعد هذا التقرير على حشد جهود المجتمع الدولي من أجل إنهاء الانتهاكات والاستهداف غير المشروع الذي تمارسه دول التحالف بحق الصحفيين والإعلاميين اليمنيين بشكل خاص وبحق المدنيين بشكل عام.
كما تجدر الإشارة إلى أن المعلومات والتحقيقات في الوقائع المدرجة بهذا التقرير كفيلة بمساعدة من يسعون لتقديم الجناة الذين ارتكبوا هذه الانتهاكات والجرائم إلى العدالة، كونها ترقى وفق التوصيف القانوني إلى جرائم الحرب.
ونود التنويه إلى أن اتحاد الإعلاميين اليمنيين يحتفظ في أرشيفه الخاص بكافة الوثائق ( الصور- وتوثيق الفيديو) وهي متاحة لجميع المنظمات المحلية والدولية لمن أراد الحصول على نسخ منها.

حي الرقاص
أحد أحياء مديرية معين بقلب أمانة العاصمة ، ويعتبر الرقاص من أحد أكثر الاحياء ازدحاماً بالسكان حيث يبلغ تعداد ساكنيه حوالي(6925) نسمة بحسب إحصائية 2012م ومعظمهم من البسطاء وممن ينتمون للطبقة المتوسطة وذوي الدخل المحدود ويعد هذا الحي نظراً لمبانيه وبساطة منازله المبنية من الطوب الاسمنتي والاحجار القديمة ،حياً شعبياً يتناغم فيه سكانه ويتقاسمون بساطة العيش وضجيج الحياة النابعة من الأسواق الشعبية المحيطة بهم.
يحتوي الحي على العديد من المدارس الحكومية والمرافق الصحية والمعاهد والكثير من المحلات التجارية ،الأمر الذي يعد أحد العوامل الرئيسية في ازدحامه سكانياً .فهو نابض بصخب الحياة والحركة اليومية من طلاب المدارس ومرتادي أسواق الحي التي لم يعكرها دوي انفجارات الغارات البعيدة.
ظل سكان حي الرقاص يعيشون حالة الأمان وحياتهم الطبيعة ،فلم يسبق لطيران دول التحالف أن قام باستهدافه طيلة سنوات الحرب الماضية ،ظناً منهم أن خلو منطقتهم من أي منشأة عسكرية أو موقع أو مخازن أسلحة أو مقرات استراتيجية لن يجعلهم عرضة للغارات الجوية والقصف ،وهو ما اعتقده أيضاً الكثيرون من سكان أحياء العاصمة الذين تعرضت أحياؤهم للقصف فنزحوا من منازلهم للسكن في الرقاص ماجعله منطقة مستضيفة للعديد من الأسر النازحة من العاصمة ومن بعض المحافظات ،الأمر الذي أسهم في اكتظاظه بالسكان.
وفي صباح يوم السادس عشر من مايو 2019م تبدد أمان أهالي هذا الحي بغارة جوية لطيران دول التحالف استهدفت منزل رئيس اتحاد الإعلاميين اليمنيين ،عبدالله صبري والذي يسكن بشقة في احدى البنايات التي تتوسط الحي ،حيث خلفت الغارة ما يزيد عن (67) ضحية ما بين قتيل وجريح جلهم من النساء والأطفال ،كما ألحقت دماراً كبيراً طال العديد من المنازل المجاورة ومدرسة معاذ بن جبل ومدرسة نسيبة ومعهد الرازي للعلوم الصحية ومراكز لمحو أمية الكبار بالإضافة إلى العديد من المحلات التجارية والسيارات التي يملكها سكان الحي.
منهجية التقرير
– يستند هذا التقرير إلى البحوث الميدانية التي أجراها فريق الرصد والتوثيق التابع لاتحاد الإعلاميين اليمنيين أجراها في موقع الجريمة ،حيث عاين الفريق المكان المستهدف ،وقاموا بجمع البيانات والاستدلالات ،واستمعوا إلى إفادات الناجين من الضحايا (الجرحى)وذويهم. واجراء مقابلات ميدانية مع شهود العيان من الأهالي والمسعفين وقاموا بالتوثيق الفوتوغرافي والفيديو بالإضافة إلى جمع بعض المشاهد والمقاطع والصور تم التقاطها في اللحظات الأولى عقب القصف مباشرة من قبل موثقين وسكان محليين.
– كما يعتمد اتحاد الإعلاميين اليمنيين في برنامجه للرصد والتوثيق على معايير تتوافق مع المعايير الدولية الخاصة بمنهجية عملية التوثيق حيث تتم عملية الرصد والتوثيق وفقد المراحل التالية:
1 – المرحلة الأولى: متابعة ورصد الاحداث وبشكل يومي ومباشر.
2 – المرحلة الثانية : يتم توثيق الانتهاكات من قبل فريق الرصد والتوثيق الذي يتولى مهمة النزول إلى موقع الانتهاك للتأكد من صحة المعلومة المرصودة ويقوم بعملية التوثيق المرئي عبر مقابلات ميدانية مع الضحايا الناجين وذويهم وشهود العيان ،والتثبت من كافة المعلومات إضافة إلى اجراء مقابلات مع الأشخاص ذوي العلاقة في الجهات الحكومية.
3 – يقوم الفريق بأرشفة فيديوهات المقابلات والافادات الخطية في قاعدة بيانات الاتحاد وهي غير متاحة إلا للكادر المختص ويسمع الاتحاد بالاطلاع على هذه البيانات لأي جهة حقوقية دولية أو ذات اختصاص قانوني أو قضائي ،خدمة لحق الضحايا في الحصول على العدالة والانتصاف ،وإدانة مرتكبي تلك الانتهاكات.
– (يؤكد اتحاد الإعلاميين اليمنيين أن رصد وتوثيق الانتهاكات هو إحقاق حق الضحايا وعدم السماح لمرتكبي هذه الانتهاكات بالإفلات من العقاب .ولا يقبل بأي حال من الأحوال تحويل هذه الانتهاكات إلى مكاسب سياسية لصالح طرف ما أو وسيلة من وسائل الابتزاز).
توصيف وقائع الانتهاك
حوالي الساعة(8:10) من صباح يوم الخميس الموافق 16 مايو 2019م تم سماع تحليق للطيران الحربي في سماء العاصمة صنعاء أعقبه دوي انفجارات وتبين أن عدة غارات استهدفت أماكن متفرقة في العاصمة.
إحدى هذه الغارات استهدفت حي الرقاص بمديرية معين الواقعة وسط العاصمة ،حيث أسفرت الغارة الجوية عن سقوط (7) قتلى و(60) جريحا وكان معظم الضحايا من النساء والأطفال ،بالإضافة إلى تدمير العديد من المنازل ووقوع أضرار بالغة في العديد من المحلات التجارية والمدراس وتحطم عشرات السيارات الخاصة بسكان الحي.
فريق الرصد والتوثيق التابع لاتحاد الإعلاميين اليمنيين ،أثناء نزوله الميداني ومن خلال معاينة موقع الجريمة تبين له التالي:
– أن الغارة الجوية استهدفت بصاروخ وبشكل مباشر شقة الأستاذ عبدالله صبري رئيس اتحاد الإعلاميين اليمنيين ،الواقعة في الدور الرابع بعمارة حسين محمد العزي المجاورة لمدرسة معاذ بن جبل من الجهة الجنوبية واتضح من خلال المعاينة أن مركز الانفجار كان في إحدى الغرف من الجهة الجنوبية الغربية للبناية ،والذي أدى إلى تهدم سقف الغرفة وجدرانها وإحداث أضرار بالغة في جدران بقية الغرف وأسفرت الغارة عن مقتل نجلي عبدالله صبري (لؤي18 سنة) و(حسن 16 سنة) ووالدته (60 سنة)، فيما تعرض عبدالله صبري لعدة كسور في ساقه اليسرى واخترقت العديد من الشظايا ساقه اليمني وتعرض نجله الأكبر بليغ 20 سنة لإصابة في رأسه وتعرض والده لإصابة في صدره.
– كما تعرضت العديد من المنازل لأضرار بالغة جراء القصف ، حيث تهدم منزل احمد الحبيشي وهو منزل شعبي، بأكمله على رؤوس ساكنيه وأدى إلى مقتل أربعة من أطفاله وتعرض عدد 18 بناية لأضرار متفاوتة ما بين تهدم جزئي وتحطم للنوافذ.
الوقائع بحسب رواية الشهود
في صباح يوم رمضاني وكعادة سكان الحي الذين يأدون صلاة الفجر ومن ثم يخلدون إلى النوم ليبدأ يومهم عقب صلاة الظهر، وكان السكون يلف أرجاء الحي حتى الساعة الثامنة صباحاً، فإذا بهدير الطائرات الحربية التي اخترقت أجواء العاصمة لتكسر هذا السكون وتباشر القصف الذي أفزع معظم سكان العاصمة وتوقظهم من نومهم، والبعض ممن جفاهم النوم ظل في حالة ترقب للحظات الانفجار.
(وضاح الشميري 32 سنة ) : أيقظني صوت الانفجار من النوم ثم غمرتني الأتربة والألواح التي تساقطت فوق رؤوسنا أنا وأبنائي جراء تهدم المنزل .
حكى لنا وضاح تفاصيل تلك الفاجعة ولا زال الرعب يكسو ملامح وجهه على الرغم من مرور أيام على الجريمة، وبدا لنا وهو يحكي وكأنه يستحضر ألم ذاك الصباح الذي تمازج مع صوته المتقطع والكلمات التي كان يعجز عن انتقائها ليعبر عن لحظات مواجهة الموت الوشيك التي عاشها في ذلك اليوم .
يقول وضاح : ” كنت نائماً في الغرفة وبجواري أحد أطفالي فيما كانت زوجتي مستيقظة ترضِّع ابني الصغير البالغ من العمر سبعة أشهر وفجأة شعرت بهزة عنيفة أرعبتها وأرعبت بقية أطفالي الذين كانوا نياماً بجوارها ففزعوا من النوم وأخذتهم زوجتي في حضنها ولحظات فقط سمعنا صوت الانفجار وسقط الجدار الذي بجواري وتهدم عليّ أنا وابني فقمت فزعا ولم أدر مع الارتباك أسرعت بإخراج زوجتي وأطفالي لخارج المنزل وفجأة اكتشفت أن أحدهم غير موجود فرجعت للبيت بسرعة ابحث عنه ولقيته مدفونا تحت أنقاض الجدار الذي تهدم ولم تكن غير أرجله ظاهرة، فسارعت بإزالة الأنقاض وأخرجته ولم يكن يتنفس ولا يتحرك وعندما أخرجته للشارع التقطه مني أحد المسعفين وقمت أنا بتجميع بقية أفراد الأسرة والذين نجوا والحمدلله ، بعدها تنقلت بين المستشفيات بحثاً عن ابني حتى أخبرني أحدهم أنه تم اسعافه مع بعض الضحايا لمستشفى جامعة العلوم والتكنلوجيا ووجدته هناك وقد قاموا بإنعاشه بالأوكسجين والحمدلله استقرت حالته”.
عاد وضاح لمنزله ليجمع ما يستطيع من أغراض وشاهد حينها حجم الكارثة التي لم يدرك تفاصيلها بسبب الصدمة التي كان يعيشها بعد لحظات الانفجار وكان جل اهتمامه حينها هو جمع أفراد أسرته وانقاذهم، يقول وضاح:” حين رجعت للمنزل وشاهدت المكان لم أصدق ما رأيته من دمار لدرجة أني لم أعرف ملامح المكان الذي تغير، وقال بمرارة وحرقة: لا أدري كيف أوصف لكم، وحين سألت هناك ما الذي حصل قالوا لي قصفوا منزل الصحفي عبدالله صبري واستشهد اثنان من أبنائه ووالدته وتم إسعافه والبقية للمستشفى، لماذا يقصفون بيت صبري؟ هذا الرجل عرفناه هادئاً طيباً يذهب لعمله ويعود ولم يزعج أحداً منا أو حتى أبناؤه كانوا أسرة هادئة وطيبة”.
(عبدالله صبري 45 سنة): أن يُسْتَهدَف قلمٌ بصاروخ فهذه جريمة غير مسبوقة لكن بالنسبة للتحالف السعودي ليس جديداً أن يرتكب مثل هذه الجريمة.
التقى فريق الرصد والتوثيق بالأستاذ عبدالله صبري والذي كان منزله الهدف المباشر لهذه الغارة واستمعنا لتفاصيل ما جرى حيث حكى لنا صبري:” فوجئت وأن نائم بصوت صاروخ يدوي في غرفتي مع اللهب المصاحب له، كنت اظن أني بدأت أحترق فبدأت تلك اللحظة بالدعاء أن يتقبلني الله شهيداً، ثم وجدت نفسي ملقى على الأرض وقدمي اليسرى مصابة وأنا أصرخ من شدة الألم ، رأيت أمامي ابني لؤي مرمياً على الأرض فظننته قد استشهد لكنه تبين لي بعدها أنه قد لقي ربه بعد خمسة أيام متأثرا بجراحه في العناية المركزة، أما ابني حسن والذي استشهد في نفس اليوم، لم أره وكنا اعتقدنا أنه مفقود ولكن تبين لنا آخر النهار أنه كان من ضمن الذين أسعفوا لمستشفى الكويت ولفظ أنفاسه الأخيرة هناك وارتقى شهيداً، في اللحظات الأولى ظهر ابني الأكبر بليغ وهو مصاب بجروح ولكنه تجاسر على آلامه حين سمع صراخي وسعى لكي يسعفني، ثم ظهرت زوجتي وقامت مع بليغ بإجراء الإسعافات الأولية ، ثم أتى المسعفون وأسعفوني إلى المستشفى. وحينها كنت قد سمعت أن والدتي قد أصيبت وأنها تلفظ أنفاسها الأخيرة ثم تبين لي أنها نقلت إلى العناية المركزة وظلت هناك تصارع الموت طيلة 15 يوماً حتى ارتقت شهيدة متأثرة بجراحها”.
التقط (عبدالله صبري) أنفاسه ثم واصل حديثه معنا قائلاً:” بالمجمل فإن هذه الحادثة أفضت إلى استشهاد أمي الغالية واثنين من أبنائي (حسن) و(لؤي) فيما أصبت أنا بكسر في رجلي اليسرى وتعرضت رجلي اليمنى بالكامل لشظايا وجروح، بليغ تعرض لجروح سطحية أما والدي فقد تعرض لرضوض في الجسم وكسور في الأضلاع، والحمدلله تلقى هو وبليغ العلاج في المستشفى ووضعهما متماثل للشفاء بينما زوجتي وابنيَّ الاثنين (نشأت) و(صبري) الحمدلله لم يصابوا بأذى، وكانت نجاة زوجتي عاملاً مساعداً في انقاذنا”.
واصل ( عبدالله صبري) حديثه معنا مستغرباً سبب استهداف منزله موضحاً لنا” أنه لا يوجد سبب حقيقي ومنطقي لهذا الاستهداف لكن ما أريد أن أشير إليه هو أن هذا الاستهداف كان متعمداً ولم يكن بالخطأ إطلاقاً وهناك مؤشرات بالنسبة لي تؤكد ذلك، أول هذه المؤشرات أن الصاروخ الذي استهدف حي الرقاص سقط مباشرة على الغرفة التي أنام فيها مع أبنائي وهذا يؤكد على أن الاستهداف كان يهدف إلى إبادة أسرتي كلها. المؤشر الثاني أنه في توقيت متزامن مع هذه الضربة استهدفت وزارة الإعلام بغارة جوية وهو أول استهداف مباشر لها منذ بداية العدوان، وفي ذلك رسالة أن التحالف السعودي أراد أن يقول أنه كما استهدف رئيس اتحاد الإعلاميين اليمنيين فإنه يستهدف وزارة الإعلام في رسالة للإعلاميين والمؤسسات الإعلامية الوطنية المناهضة للعدوان .
المؤشر الثالث أنه أيضاً في توقيت متزامن ومتقارب مع استهداف منزلي واستهداف وزارة الإعلام استهدف التحالف السعودي بغارة جوية منطقة (العرقوب) المجاورة لمنطقة (السهمان – خولان) وهي مسقط رأسي وفي ذلك رسالة لأبناء القبيلة المناهضين للعدوان بأننا استهدفنا أحد أبنائكم في صنعاء وأننا سنستهدف من يقاوم ويناهض العدوان من أبناء خولان. الاستهداف في الأخير أنا أقول أنه كان بشعاً وليس له أي مبرر وليس هناك منطق يحكم مثل هذا الاستهداف خاصة أن الإعلاميين محميون بالقوانين الدولية، حتى وهم يوثقون المعارك في جبهات القتال، فما بالك عندما يكون الإعلامي آمناً في بيته مع أطفاله أن يستهدف قلم بصاروخ جريمة غير مسبوقة لكن بالنسبة للتحالف السعودي لم يكن جديداً أنه يرتكب مثل هذه الجريمة”.
اختتم (عبدالله صبري) حديثه معنا برسالة موجهة لكل الإعلاميين والمؤسسات الإعلامية الإقليمية والدولية على اعتبار أن الاستهداف كان موجهاً للإعلام بشكل عام كما طالب وناشد كل المنظمات الحقوقية والمعنية بالدفاع عن حرية الرأي والتعبير بالضغط على الأمم المتحدة باتجاه تشكيل لجنة تحقيق دولية محايدة ومستقلة في هذه الجريمة، وأن تتحول قضيته لقضية رأي عام كون الجريمة مركبة وغير مسبوقة استهدفت بصاروخ من طائرة (f16) صحفياً لا يملك سوى قلمه.
(بليغ عبدالله صبري 20 سنة): وقفتُ حائراً، هل أذهب بأخي لؤي للمستشفى أم أبقى لأنقذ من تبقى من أفراد أسرتي؟
نجل عبدالله صبري الأكبر (بليغ) روى لنا تفاصيل اللحظات الأخيرة الأصعب في حياته على حد تعبيره:” عندما أنقذتني أمي ورفعت عني الركام وقفت على قدميّ ورأيت الكارثة بأم عينيَّ، رأيت عن يميني أبي مُلقى على الأرض وقد خرج العظم من رجله فعرفت أنها قد كسرت، وعلى يساري أخي(لؤي) أيضاً كان مرمياً على الأرض ولم يصدر أي صوت أو حركة وسمعت صوت أمي وهي تقول لي: شوف أخوك هذا إذا عاده بايعيش أما أخوك الثاني ما عاد لقيناه فهرعت باتجاهه مسرعاً ووجدته ما زال حياً وحاولت أن أقوم بمحاولات عديدة لإنعاشه ولكنها باءت بالفشل أدركت حينها أنه من الضروري إسعافه للمستشفى فسارعت وغادرت المنزل بحثاً عن مسعفين فوجدت اثنين صعد أحدهما معي للبيت وحاولنا إسعاف أبي وربط أعلى الجرح لإيقاف النزيف ومن ثم ذهبنا لإنقاذ وإسعاف أخي (لؤي) فوجدت أنه لن نتمكن نحن الاثنان من ذلك فعاودت الكرة ونزلت للشارع بحثاً عن مسعفين فصعد معي ثلاثة أو أربعة تقريباً وعند وصولي لباب الشقة سمعت صوت جدي وهو يقول أن جدتي مازالت على قيد الحياة فهرعت إليها وبالكاد استطعت أن أنتشلها من تحت الركام ولم أستطع تحمل رؤية وجهها المغطى بالدماء فحاولت إسنادها على الركام بعدها ذهبت باتجاه أخي (لؤي) وحملته مع المسعفين وتوجهنا به للأسفل وهناك وجدت أمي تبحث أيضاً عن مسعفين من أجل إنقاذ أبي وجدتي وطلبت مني مرافقة أخي (لؤي) إلى المستشفى وحينها وقفت حائراً هل أذهب بأخي للمستشفى؟ ومن سيسعف وينقذ أبي وجدتي؟ والحمدلله حينها تدافع الناس والمسعفون بكثرة قررت الذهاب بأخي للمستشفى، وبعد إيصاله إلى هناك عدت مجدداً للبيت لأجد أنه قد تم إسعاف أبي وجدتي وأن رجال الطوارئ والأمن قد وصلوا للمكان فقاموا بأخذي معهم إلى مستشفى الكويت لمعالجة الجراح التي أصبت بها.
(وليد العوامي 24 سنة شاهد عيان) للمرة الأولى في حياتي أشاهد مثل هذا الدمار وهذا الرعب، كانت الدنيا مظلمة رغم أننا في النهار
كان منهكاً وعائداً لبيته من العمل، يقول وليد:” وصلت إلى منزلنا والذي يقع ملاصقاً للبيت الذي تم قصفه عقب وقوع الضربة تماماً فأسرعت لداخل البيت أبحث عن شقيقاتي فلم أجدهن لم أستطع رؤية شيء كان الدخان والغبار يملأ الجو كانت الدنيا مظلمة ولا تستطيع رؤية ما هو أمامك والدنيا كانت نهار وفوجئت أن أخواتي وأفراد أسرتي ممتلئون بالغبار والأتربة بسبب التهدم الذي حصل في بيتنا نتيجة ضغط الانفجار وسارعت بإخراجهم ونقلتهم إلى بدروم أحد المنازل المجاورة وقد تم نقل العديد من النساء والأطفال من أهل الحارة إلى داخله، لا أستطيع أن أصف ما حصل، كانت كارثة وللمرة الأولى في حياتي أشاهد مثل هذا الدمار وهذا الرعب، لقد دخلت في حالة أشبه بالجنون.
لا يجد (نورالدين) كغيره من أبناء الحي أي مبرر لاستهداف حارتهم التي لا يسكنها سوى البسطاء ولا يوجد فيها أي منشأة عسكرية أو مخازن للسلاح أو أي شيء قد يهدد أمانهم وسكينتهم.
(نور الدين البحري 39 سنة أحد الناجين) قال لنا:” لم أكن قد نمت لأنني عدت للمنزل من العمل صباحاً قبل الانفجار كوني أعمل خياطاً، سمعت صوت الطائرات تحوم في السماء وبعدها سمعت ضربة شديدة ولكن بعيدة فقررت الخروج لأرى مكان الاستهداف من خلال رؤية عمود الدخان الصاعد من الانفجار، وحال مغادرتي وما زلت داخل المنزل وقع الانفجار في بيت عبدالله صبري بجواري فأنا أسكن في العمارة المجاورة للعمارة التي يسكن فيها صبري، تحسست أطفالي لأطمئن عليهم والحمدلله كان الجميع بخير عدا زوجتي أصيبت ببعض الجروح نتيجة تطاير الزجاج وبعدها خرجت للشارع لأرى ما حصل فصدمت من هول المنظر، لقد شاهدت هولاً من أهوال يوم القيامة شاهدت الدمار وصراخ النساء والأطفال”.
وأضاف ( نورالدين) بنبرة غاضبة:” لماذا يستهدفون حارتنا ماذا فيها؟ كنا آمنين مطمئنين لا يوجد في منطقتنا لا معسكر ولا موقع عسكري ولا منشأة عسكرية ولا مخازن للسلاح، عندنا مدارس ومعاهد وبيوت يسكنها أناس بسطاء، هذا حي سكني يسكنه ناس آمنون ألا يتقون الله هؤلاء (يقصد دول التحالف) يقصفون مدنيين آمنين في هذا الشهر الكريم الله ينتقم منهم هؤلاء المجرمين”.
القانون الدولي النافذ بشأن جريمة استهداف منزل رئيس اتحاد الإعلاميين اليمنيين عبدالله علي صبري
إن الأفراد الذين يرتكبون جرائم ضد الصحفيين أثناء النزاعات المسلحة مهما كانت الأسباب فهذه الجرائم تعتبر جرائم حرب لكون الصحفيين أشخاصاً مدنيين بحسب مضمون اتفاقيات (جنيف الرابعة لسنة 1949م) و(البرتوكول الإضافي لسنة 1977م) ولا يؤخذ بأي إقرار من الأفراد بكون أوامر قد صدرت لهم من سلطات أعلى لتنفيذ تلك الأفعال الإجرامية لدفع المسؤولية عنهم، حيث أكدت القرارات الدولية على مبدأ المسؤولية الجنائية الفردية لمرتكبي تلك الأفعال وكذلك نصت (المادة 4) من اتفاقية (منع جريمة إبادة الجنس البشري والمعاقبة عليها لسنة 1948م) على أنه “يعاقب الأشخاص الذين يرتكبون جريمة إبادة الجنس أو أي من الأفعال المنصوص عليها في (المادة3) سواء كانوا حكاماً مسؤولين أو موظفين عموميين أو أفراداً عاديين”.
التوصيات
إلى الدول الأعضاء في التحالف الذي تقوده السعودي:
– الامتثال الكامل للأحكام والنصوص ذات الصلة الواردة في القانون الإنساني الدولي بعدم استهداف الإعلاميين والصحفيين والمدنيين.
– الامتثال للحظر المفروض على شن الهجمات العشوائية، التوقف عن استخدام الأسلحة الانفجارية التي تتمتع بخاصية انتشار مقذوفاتها على مساحة واسعة في المناطق المدنية ذات الكثافة السكانية العالية.
– جبر الضرر وتقديم التعويضات المتعلقة الملائمة والعاجلة لضحايا الهجمات غير المشروعة التي أدت إلى وقوع خسائر بشرية وضمانات عدم التكرار.
– الإفصاح للعموم عن المعلومات المتعلقة بالضربات والغارات التي استهدفت الإعلاميين والمنشآت الإعلامية وأوقعت خسائر بشرية، والكشف عن هوية الأطراف المشاركة في التخطيط لها وتنفيذها.
– السماح لكافة الصحفيين الأجانب بالدخول إلى أراضي الجمهورية اليمنية ليتسنى لهم نقل حقيقة ما يجري للعالم.
إلى المجلس الأعلى لحقوق الإنسان والمدعي العام لمحكمة الجنايات الدولية:
– نطالب بتكليف لجنة تحقيق دولية محايدة ومستقلة للتحقيق بشأن الجريمة التي ارتكبها التحالف السعودي بحق رئيس اتحاد الإعلاميين اليمنيين الموثقة في هذا التقرير وإحالة مرتكبيها إلى محكمة الجنايات الدولية.
نبذة عن الاتحاد
* تأسس اتحاد الإعلاميين اليمنيين كمنظمة مدنية تهتم بشؤون الصحفيين والإعلاميين وكتاب الرأي المنضوين في إطاره، ممن يدعمون التغيير وبناء الدولة المدنية القوية والمقتدرة، ويعملون على الدفاع عن سيادة البلاد وتعزيز قيم الولاء الوطني والشراكة والتعايش السلمي بين أبناء الوطن.
* يعمل الاتحاد على تنمية الحقوق والحريات وحماية العاملين في الإعلام وفي المقدمة منتسبو الاتحاد من اعتداء ذي صلة بنشاطهم الإعلامي، وبحرية الرأي والتعبير المكفولة دستوراً وقانوناً.
* ينشط الاتحاد في التصدي للعدوان السعودي الأمريكي على اليمن، وتوثيق جرائم وانتهاكات تحالف العدوان بحق الإعلاميين والمؤسسات الإعلامية اليمنية، ويعمل مع المنظمات الحقوقية في الداخل والخارج على كشف هذه الجرائم وتقديم مرتكبيها للمحاكمة العادلة.
* يتطلع الاتحاد إلى توثيق العلاقات مع المنظمات والهيئات المماثلة والانضمام إلى الاتحادات والائتلافات الإقليمية والدولية ذات الصلة.
* يعمل الاتحاد على الارتقاء بمستوى المهنة ومسؤولية الخطاب الإعلامي مع كفالة حقوق الصحفيين والإعلاميين بشكل عام، ولهذا الغرض أطلق الاتحاد ميثاق الشرف الإعلامي الذي توافقت عليه أكثر من أربعين مؤسسة إعلامية ووقع رؤساؤها أو من يمثلهم عليه في احتفالية خاصة متزامنة مع اليوم الوطني للإعلام 19 مارس 2017م.

قد يعجبك ايضا