رمضان في الريف اليمني

 

رشا محمد
رمضان بطقوسه الدينية والاجتماعية يتألق في الريف اليمني حيث النقاء والصفاء والعلاقات الاجتماعية الراقية تزداد مع تمسك أبناء الريف بالطقوس المتوارثة من العبادة وتلاوة القرآن·
أما الحياة في الريف اليمني الزراعي فتختلف نسبياً خلال شهر رمضان عن حياة المدن فالريف زراعي 100 % وسكانه لا بد أن يتكيفوا مع مقتضيات الحياة حيث يتطلب منهم تنفيذ العديد من الأعمال مثل الحرث أو جني المحاصيل أو تجميع الخضر وإدخالها للمدن لبيعها، وهذا يستدعي بذل الجهد وبخاصة من قبل النساء.
ويحرص سكان القرى الذين لم تصل إليهم الكهرباء أن تكون اضاءات منازلهم خلال شهر رمضان بمصابيح قوية الضوء والتي يتم تعبئتها بمادة «الكيروسين» ويتجمعون في المساء عند أبرز الشخصيات في القرية والذي يكون لديه «ديوان» واسع لاستيعابهم ويتحمل قيمة القات الذي يوزع عليهم.
قدوم رمضان
يرحب سكان الريف بقدوم شهر رمضان بهتافات تعبّر عن الفرحة والابتهاج بهذا الشهر يرددونها قبل رمضان بأيام قليلة وخلال الشهر كما يرددون هتافات الوداع في الأيام الأخيرة منه التي تعبّر عن حزنهم لفراق شهر رمضان.
وكذلك يحرصون لتزيين جدران المنازل من الداخل والخارج بمادة الجص الأبيض.
وما يميز الشهر الكريم في ريف اليمن هو تجمعات الموائد الخيرية مشاريع الخير الرمضانية وتعكس واقعاً متميزاً للعمل الخيري، حيث يقوم العديد من ملاك المنتجات الزراعية بعمل ضيافات لأهل الريف، وكذلك تبادل الزيارات بين القرى.
صحيح تكاد تكون المظاهر الرمضانية بجميع الأرياف في اليمن متشابهة حيث تبدأ الاستعدادات لهذا الشهر من الأيام الأخيرة من شهر شعبان فتزدحم الأسواق بالناس لشراء المواد الغذائية، معتقدين أن شهر رمضان لا يحتمل عناء البحث عن هذه السلع والسفر للمدن للتسوق كل يوم .
ويحرص اليمنيون أن يؤدوا صلواتهم في شهر رمضان في المساجد التي تشهد حضوراً ملحوظاً منذ صلاة الظهر. ويعتكف البعض لتلاوة القرآن حتى قدوم صلاة المغرب والكثير من الناس يتوجهون ومعهم فطورهم الأول الذي يوضع في الساحات الخارجية من المساجد… ويجلس الصائمون في دوائر صغيرة حول موائد الفطور المكون من التمور والسنبوسة والباجية والحامضة وهي خليط من الحلبة والليمون والخل والطماطم كما تكون ضمن وجبة الفطور الشفوت وهي وجبة يمنية مشهورة يتناولها اليمنيون في شهر رمضان والبعض يتناولها قبل صلاة المغرب والبعض بعده وأفضل ما يميزها في الريف أنها تعد بالحقين الطازج والذي تعده النساء من حليب الأبقار.
مائدة الريف في اليمن
يركز الريفيون في وجبة العشاء التي يتناولونها عقب صلاة المغرب على اللحوم وبالذات لحوم الأغنام والخرفان والعجول ويقل الطلب على لحوم الأبقار غير انه في الفترة الأخيرة ونظراً لارتفاع سعر اللحم الضأن فإن الكثير من الأسر تضطر إلى شراء اللحم البقري…
وتبدأ في ليلة آخر يوم من شعبان ملامح الشهر المبارك ففي الأيام العادية من غير هذا الشهر اعتادت المآذن أن تملأ الكون بالتسبيح من قبل آذان الفجر بثلاث ساعات لتوقظ الذين يريدون أن يقيموا الثلث الأخير من الليل وبالصلاة وتشعر ببدايته… أما في هذه الليلة فإن المساجد جميعها تسبّح لله ثلاث مرات مع بداية الثلث الأخير وفي منتصفه والتسبيح الأخير قبل آذان الفجر بربع ساعة من الزمن.
وقبل رمضان بثلاثة أيام أي في ليالي السابع والعشرين والثامن والعشرين والتاسع والعشرين تبدأ مآذن بعض المناطق الريفية وخصوصا في صنعاء بالترحيب بالضيف الحبيب فما ان يعود الناس إلى بيوتهم بعد آداء صلاة العشاء حتى تبدأ الحناجر المؤمنة تغرد فرحة برمضان……..
تضم المائدة اليمنية في الأرياف وجبة الإفطار أو العشاء في رمضان صنوفا مختلفة من الأطعمة، لكنها لا تستغني عن “الشفوت” وهي وجبة قوامها “اللحوح” واللبن.. واللحوح خبز طري لين يصنع من دقيق القمح أو الذرة.
وتعتبر وجبة الشفوت احدى أهم الاكلات الرمضانية المعروفة لدى الشعب اليمني وأهمها على المائدة اليمنية لدى معظم الأسر من كافة المستويات.
وتعتبر مادة الشّفوت وجبة غذائية شهية تتقدم المائدة اليمنية في شهر رمضان بوجه عام، إذ يتم تناولها مباشرة بعد إفطار الصائمين بالتمر.
والشّفوت، على الرغم من أنه يُصنف اليوم وجبة غذائية شعبية، إلاّ أنه راكم حضوره في المائدة اليمنية عبر الزمن كوجبة مميزة، وتتطلب استعدادات خاصة وقيمة مضافة بالنظر إلى وسائل إعداده والمواد المضافة إليه، مما يجعل منه وجبة غذائية متكاملة من حيث القيمة الغذائية والصحية، ووجبة أثيرة كذلك لدى الأسرة اليمنية على تعدد مستوياتها الاقتصادية.
وللحصول على وجبة الشَّفوت الغذائية الشهية، يتم وضع اللّحُوح في إناء ثم يُضاف إليه اللبن منزوع الدسم، الذي يُطلق عليه اليمنيون اسم “الحقين”، مخلوطا بمزيج سائل من الخضار الحارة، التي تشمل الفلفل الحار، والثوم، والكزبرة، والكرنب، والنعناع، ثم تقدم هذه الخلطة إلى المائدة مقرونةً بأنواعٍ أخرى من الخضار، منها الفجل، والكراث، والبصل الأخضر.
وهناك تغير طرأ على أسلوب تحضير الشَّفوت في الوقت الحاضر، ففي حين كان يُحضَر بطريقة الهرس مع المكونات الأخرى الأساسية، أصبح اليوم يقدم بشكل يومي تقريبا، ولكن بصفته (سلطة الشّفوت) التي تفتح شهية اليمنيين في المناسبات والولائم .
والشفوت بصيغته الجديدة يتم تحضيره بوضع رقائق اللحوح فوق بعضها، بحيث لا تزيد عن اثنتين، في صحن دائري عريض، ثم تضاف إليها بقية المكونات المعروفة وترتبط برقائق اللحوح بصفتها المكون الأساسي لوجبة الشّفوت عادات وميزات متنوعة على مستوى المناطق اليمنية.
وعُرفت مناطق بعينها بكونها منتجاً أساسياً لرقائق اللحوح على الرغم من أن معظم المحافظات الغربية والوسطى، تتقاسم الاهتمام باللحوح وتعتني بوجبة الشّفوت التي تُحضَّر منها.
ولا تزال المرأة اليمنية، تحرص على إعداد اللحوح من الذرة اليمنية في حين طرأ تغير على مكونات هذا النوع من رقائق الخبز في مناطق أخرى وخصوصاً في المدن حيث يتم استهلاكه على نطاق واسع.
ومن أبرز مظاهر التغير الذي طرأ على النوع من رقائق الخبز (اللحوح) إعداده من دقيق القمح وإنتاجه كرقائق أكثر سماكة واستخدام أدوات غير تقليدية في إعداده.
كما تحرص معظم النساء في الريف اليمني على استخدام أداة دائرية مصنوعة من الخزف، تعرف بـ”الملحّة” في تحضير وإنضاج اللحوح وتعتمد السيدات في المدن على الصاجات المصنوعة من المعدن، وخصوصا التي تتميز بخاصية عدم الالتصاق كبديل للملحَّة.
ويكتسب اللَّحُوح بعده التاريخي، من كونه شكل عبر قرون من الزمن قاسما غذائيا مشتركا مع مجتمعات أخرى وخصوصا في القرن الإفريقي، بما يعكس تأثير اليمنيين على هذا الجزء من العالم، ويؤكد أصالة هذا النوع من رقائق الخبز، وحضوره المبكر في مائدة اليمنيين.
ويتصدر اللحوح المائدة لدى معظم سكان إثيوبيا وإريتريا، ويعرف باسم “الأنجيرا” لكنه لا يقترن بالشفوت بقدر ما يقترن بوجبة الزّجني، وهي وجبة تختلف في أسلوب تحضيرها، حيث تشكل خليطاً من إدام اللحم الممزوج بالبهارات، والخضار الحارة، ويتم تحضيره على النار لفترة طويلة.
وامتد هذا التأثير إلى السودان أيضا، حيث يُحضر هذا النوع من الخبز بقوة في المائدة السودانية، ويعرف بـ”الكسرة”.

قد يعجبك ايضا