في العالم الإسلامي المسؤولية كبيرة، سواءً في المنطقة العربية التي هي قلب العالم الإسلامي، أو في بقية البلدان في العالم الإسلامي، والمسؤولية على كل المسلمين حتى المتواجدين منهم في البلدان الغربية، المسؤولية على هؤلاء؛ أولاً باعتبار الشعب الفلسطيني جزءاً منهم، وفلسطين جزءٌ منهم أيضاً على مستوى الجغرافيا والشعب، عليهم مسؤولية كبيرة للتحرك الجاد والفاعل، لنصرة الشعب الفلسطيني، ومنع هذا الظلم، وعليهم أيضاً مسؤولية دينية، وأخلاقية، وإنسانية، بمقتضى انتمائهم للإسلام، لمبادئه، لقيمه، لأخلاقه، الإسلام الذي من أهم ما فيه: التصدي للظلم، المواجهة للظالمين والطغاة والمجرمين، الوقوف في وجههم، الذي من أهم قيمه: الجهاد في سبيل الله، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، وقيم العدالة والرحمة، والحق والخير، واجبهم الديني والإنساني والأخلاقي، واجبهم بكل الاعتبارات ومسؤوليتهم: أن يقفوا وقفةً جادة، وقفةً عملية، وقفةً فاعلة، بتوجهٍ صادق لمساندة الشعب الفلسطيني.
نحن نعرف ماذا تفعله بعض الدول عندما تتحرك لقضايا معينة، أو لمواقف معينة، وأحياناً لأسباب تافهة، البعض من الدول قطعت علاقاتها مع دول أخرى من الغرب (بعض الدول العربية)؛ لأنهم قالوا كلمة معينة في وصف سلوكياتها، أو في الحديث عنها، أو أساءوا إلى ملك أو أمير، ويترتب على ذلك مواقف تصل إلى قطع علاقات، إلى مقاطعة اقتصادية، إلى خطط عملية، إلى حملات إعلامية مكثفة ودعائية.
رأينا ما تفعله البلدان العربية في تحمسها للمشاكل الداخلية، ما تفعله عندما تكون مشكلتها مع دولة عربية أخرى، كيف تتفاعل بشدة، بقوة، بحملات دعائية، بتهديد ووعيد، وأحياناً بمؤامرات أمنية، وأحياناً بمخططات لخلخلة تلك الدولة واستهدافها بأشكال كثيرة، معروفٌ لدى الجميع شدة بعض الدول العربية عندما يكون الموقف ضد عربيٍ آخر، أو ضد بلدٍ مسلم، تتحرك الحملات الدعائية الشرسة جدًّا، في الليل والنهار لا تتوقف، وتتحرك المخططات الأمنية للاستهداف، وتتحرك أحياناً حتى على المستوى العسكري، لكن تجاه قضايا الأمة التي هي قضايا كبرى، وحقيقية، ومحقة، وعادلة، تجاه مظلومية الشعب الفلسطيني، التي هي مظلومية واضحة، لا التباس فيها، ولا غبار عليها، نشاهد حالةً مختلفةً تماماً فتورًا تامًا، إلى درجة الانشغال بالرقص والغناء، ومسابقات الكلاب، وأشياء تافهة جدًّا، وتجاهلًا إلى حدٍ كبير لما يجري، إغماض للأعين، وصمم في الآذان، وتنكر وتجاهل لما يحدث من مجازر ومآسٍ كبرى في الشعب الفلسطيني في فلسطين، وما يعانيه الشعب الفلسطيني؛ بل أحياناً تظهر بعض الأصوات، الأصوات المستنكَرة، الأصوات البشعة، الأصوات السيئة، الأصوات التي هي أنكر الأصوات، لتلقي باللوم على الشعب الفلسطيني وعلى مجاهديه، ولتسيء إلى أي موقفٍ مساندٍ له، هكذا، ليس فقط الاكتفاء بالخذلان، والتجاهل، والتنصل عن المسؤولية الكبرى، في مساندة الشعب الفلسطيني المظلوم، بل الشماتة بالشعب الفلسطيني، والشماتة بمجاهديه، والإساءة إليهم، والإساءة إلى أي جُهدٍ صادقٍ مساندٍ للشعب الفلسطيني، بل والتشويه له، والتآمر عليه في كثير من الحالات.
موقف العالم الإسلامي الذي عليه المسؤولية الكبيرة، والمفترض منه هو التحرك، لسنا ننتظر من أمريكا التي هي شريك للصهاينة في فلسطين، في اعتداءاتهم على الشعب الفلسطيني، في فلسطين المحتلة، في جرائمهم بحق الشعب الفلسطيني، لسنا ننتظر منها أي دورٍ إيجابي لصالح الشعب الفلسطيني، لا ننتظر من الأوروبيين، من الدول الأوروبية بكل تاريخها الأسود، بكل ما هي عليه من انسلاخٍ تام عن القيم الفطرية والإنسانية، بكل ما هي فيه من خضوع للوبي الصهيوني اليهودي إلى حدٍ عجيب، لا ننتظر منها دوراً إيجابياً لصالح الشعب الفلسطيني، ولا لصالح أي قضية عادلة في الدنيا، ولا لإنقاذ أي شعبٍ مستضعف، هم دائماً من يقفون مع الظالم، هم دائماً في موقع الظلم والطغيان، والاستكبار والاحتلال، والنهب لثروات الشعوب، والاستهداف للشعوب، لكنَّ المسؤولية الكبرى- بحكم الانتماء للإسلام- هي على العالم الإسلامي، على المسلمين في كل الدنيا، أن يكون لهم صوت، أن يكون لهم موقف، أن يقفوا وقفةً جادة، أن يقدموا كل أشكال الدعم للشعب الفلسطيني، الدعم السياسي بمثل ما ينصرون به أي قضيةٍ يتحمسون لها، يتفاعلون معها، يتحركون من أجلها بجد، أن يقدِّموا الدعم المادي، وأن يقدِّموا حتى الدعم العسكري، هذه مسؤوليتهم وواجبهم، إذا كان الأمريكي أتى من آخر الدنيا، وأتى الأوروبي، أتى الألماني، والفرنسي، والإيطالي، والبريطاني قبلهم، أتوا ليتعاونوا مع الإسرائيلي الظالم، المجرم، المحتل، المعتدي الغشوم، ليتعاونوا معه في جرائمه، في وحشيته، في احتلاله، في طغيانه، فلماذا لا تقف أمتنا الإسلامية الوقفة المطلوبة، الوقفة المفترضة، الوقفة التي عليها أن تقفها، بحكم انتمائها للإسلام، بحكم مبادئها وقيمها وأخلاقها، بل وبحكم مصالحها، أن تقف مع الشعب الفلسطيني المظلوم، المضطهد، المعذب، في قضيته العادلة، في قضيته التي حقٌّ لا التباس فيها ولا شك فيها، هذه قضية خطيرة.
الموقف على المستوى العام، في القمم، ومنها القمة التي في السعودية، والقمم الأخرى، كان موقفاً ضعيفاً، مجرد بيانات فيها مطالبة، وينتهي كل شيء بعد البيان، مجرد تصريحات بين الحين والآخر ضعيفة وفاترة، لا ترقى إلى مستوى موقفٍ عمليٍ أبداً، أو موقف محدود من بعض الدول. موقف محور المقاومة، الذي هو في مستوى موقف عسكري، دعم ومساندة عسكرية، إعلامية، شعبية، أو خروج لمسيرات ومظاهرات- وهي مهمة- في بعضٍ من بلدان العالم؛ أمَّا البعض حتى في الدول العربية فَمُنِعَت حتى التظاهرات المساندة للشعب الفلسطيني، مُنِع أي تَحَرُّك جاد للمساندة مثلاً بمال، هل هناك حملات تَبَرُّع مفتوحة وجادة في كل دول الخليج لمساندة الشعب الفلسطيني؟ هل هناك تحرك علمائي لأولئك العلماء الذين كانوا يفتون بوجوب الجهاد، إذا كانت المسألة إثارة فتنة في سوريا، أو استهداف للشعب اليمني، أو استهداف للشعب العراقي، أو استهداف لأي بلدٍ مسلمٍ هنا أو هناك، يجعلون التحرُّك للفتن ولاستهداف الشعوب جهاداً واجباً، وَيُقَدِّمُونَ الفتاوى، والحملات التحريضية الدينية، والخطب في المساجد، أين هو هذا الصوت ليفتي بوجوب الجهاد نصرةً للشعب الفلسطيني؟! ما الذي يبرر لهم هذا الصمت، هذا السكوت، هذا التجاهل، وأحيانا أكثر من ذلك، وأسوأ من ذلك: التوجيه للوم للشعب الفلسطيني ولمجاهديه؟ هذه مسألة مهمة، نحن يجب أن ندرك أن مسؤوليتنا جميعاً هي التحرك الجاد.
السيد عبدالملك بدرالدين الحوثي
كلمة السيد القائد حول آخر المستجدات في فلسطين
الأربعاء 7-جماد الثاني-1445ه 20-12-2023م