لا يأس ، لا إحباط أو ملل سيوهن عزيمتنا.. لا الترغيب أو التهديد سيجعلنا نتخلى عن موقفنا في استمرار دعم وإسناد غزة والقضية الفلسطينية .. لن نترك إخواننا الفلسطينيين يواجهون بطش المحتلين والمستعمرين بمفردهم .. نحن معهم كتفاً بكتف ، يدا بيد ، في كل زمان ومكان تطاله أيدينا . هذا ما تعنيه “المرحلة الرابعة من التصعيد “ التي أعلنها قائد الثورة ، السيد عبدالملك بدرالدين الحوثي، في خطابه الخميس الماضي في إطار معركة إسناد غزة . وقد دخلت في طورها الأول حيز التنفيذ بعد إعلانها كبيان عسكري عن القوات المسلحة اليمنية ، تلاه ناطق الجيش في الحشد المليوني بميدان السبعين في العاصمة صنعاء أمس الجمعة .
دخول القوات المسلحة اليمنية المرحلة الرابعة من معركة إسناد غزة في هذا التوقيت، يجسد وعيا سياسيا عاليا بما يحاك وما ينبغي عمله ، ويشير إلى أن القضية الفلسطينية تحتل أولوية لدى القيادة والشعب اليمني مهما كانت التضحيات .
يدرك قائد الثورة حجم الضغوط السياسية والعسكرية التي يتعرض لها المفاوض الفلسطيني حاليا ، والتي يسعى الاحتلال الصهيوني وداعموه أن يحقق أهدافه من خلالها .
يخوض الفلسطينيون غمار هذه المفاوضات وهم تحت النار والحصار ، وحيدون يتوزع جيرانهم وإخوتهم من العرب والمسلمين بين خانع ومطبع ، ومنهم من يتمنى ويترقب زوال حماس بالقوة أو السياسة .
وفي حين تستمر جرائم الصهيونية وحرب الإبادة في قطاع غزة والضفة الغربية ، يدخل المجرم نتنياهو المفاوضات دون أن يتخلى عن موقفه المعلن باجتياح رفح “بهدنة أو بدونها” وترابض قواته كالكلاب المسعورة والوحوش المنفلتة عند أسوار رفح .
وبدلا من اتخاذ موقف عربي إسلامي أو دولي حازم لمعاقبة المجرم ووقف جموحه ، لا يتلقى المجرم نتنياهو سوى المناشدات بضبط النفس “ هدئ نفسك ، لا تقتل أعداداً كبيرة .. الحل ليس عسكريا !! “.
نحن أمام كلب مسعور ، وحش منفلت يهدد حياة الناس ويفتك بهم طوال سبعة أشهر، ضحاياه تجاوزوا المائة ألف إنسان معظمهم من النساء والأطفال ، ولا يزال متعطشا للمزيد من الدماء والأشلاء ، يكشر أنيابه ويتهيأ للانقضاض على الأبرياء في رفح ، بينما العالم يتفرج ويطالبه بـ “ضبط النفس” ، وتكتفي الإدارة الأمريكية ـ مالكة الوحش المسعور ـ بعرض خيارين على كلبها أو وحشها :
تريد رفح ؟ أم الرياض ؟ هذا ما كشفه الصحفي اليهودي الأمريكي توماس فريدمان في مقال له بصحيفة نيويورك تايمز الأسبوع الماضي . وكما هو معلوم ، فإن توماس فريدمان « لا يكتب عن الهوى ، بل من وحي الملوك والزعماء “ . فالمبادرة العربية للسلام التي أعلنت في قمة بيروت عام 2002م، كانت مقالا لفريدمان قبل أن يتبناها الملك عبدالله كمبادرة عربية .
رفض إرئيل شارون مبادرة فريدمان ـ عبدالله ، لأنه كيهودي صهيوني ، يريد كل شيء دون أن يقدم شيئا .. والسلام أو التطبيع الذي عُرض عليه في المبادرة ، حصلت عليه دولة الكيان مجانا ، ولا تزال موجة التطبيع تزحف شرقا وغربا بالمجان .
نتنياهو هو الآخر يرفض مبادرة « فريدمان ـ بن سلمان “رغم ما فيها من إغراء ، لكنه يريد كل شيء ، يريد رفح ويريد الرياض . لا يريد المقايضة لأنه على ثقة أن الرياض “ باتت في الجيب” فاتفاقية التطبيع مع السعودية أصبحت قاب قوسين أو أدني ، كما قال مستشار الأمن القومي الأمريكي ، ماثيو ميللر قبل يومين .
في ظل هذا الهوان والخذلان ، جاء إعلان قائد الثورة ، السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي، عن المرحلة الرابعة من التصعيد ، وهي خطوة استراتيجية بكل المقاييس على المدى القريب ، و سيكون لها تأثيرها وتداعياتها السياسية والعسكرية على المدى القريب والبعيد .
قدم اليمنيون ورقة إسناد قوية للمفاوض الفلسطيني ، ودشنوا مرحلة جديدة من المواجهة مع العدو الصهيوني الذي سيكون مجبرا على ترشيد أطماعه وكبح جموحه وغطرسته .
قد يرى البعض في القرار اليمني مغامرة ، البعض سيشجب ويندد .. لكنه في الحقيقة يأتي في إطار المساعي اليمنية لتطبيق القوانين الدولية الإنسانية ، لمكافحة جرائم الإبادة الجماعية ، لإحلال السلام في العالم ، ولتحقيق كافة المبادئ والأعراف التي أقرتها الأديان السماوية .
بلغة أخرى.. على العالم أن يدرك ، أنه من غير المنطقي أن تستمر الدول و شركاتها في إحصاء أرباحها المالية ، بينما يواصل الفلسطينيون إحصاء قتلاهم الذي يسقطون في مجازر يومية بمشاركة أمريكية وأوروبية .