جريمـة يغذيهــا “الصمــت” والخــوف مــن العــار


-المضايقات تزداد في المدن أكثر من الأرياف .. و75% من الجناة أقارب أو أصدقاء للأطفال أو أسرهم

-لا توجد برامج أو مراكز لتأهيل الأطفال المعتدى عليهم .. وضعف الوازع الديني والأفلام الإباحية ابرز الأسباب

تشير تقديرات منظمة الصحة العالمية إلى أن أكثر من “40” مليون طفل في العالم بين “صفر” و”14″ عاما يعانون من الإساءة والإهمال ,وتتضمن الإساءة إلى الأطفال جميع إشكال سوء المعاملة الجسدية أو العاطفية والإهمال والإساءة الجنسية التي تحدث في المنزل أو المدرسة أو الشارع أو مواقع العمل أو في مؤسسات الرعاية الاجتماعية.

ومن مجمل هذه الإساءات التي يتعرض لها الأطفال نتناول في هذا التحقيق الإساءة الجنسية للأطفال والتحرش بهم داخل الأسرة والمجتمع , مع التطرق إلى الحلول والمعالجات لهذه القضية¿
جرائم خطيرة
وفي هذا الصدد يؤكد أستاذ علم النفس خالد المقالح , اتفاق علماء النفس والاجتماع على ان ظاهرة التحرش بالأطفال تعد من اخطر الظواهر التي يتعرض لها أي مجتمع وان خطورة هذا الأمر تكمن في أنها جرائم تتم في الخفاء ,اذ يخشى الأهالي الإبلاغ عن الجاني خوفا من افتضاح أمرهم واعتبار ما حدث للطفل جريمة بحقه وبحق أسرته والمجتمع.
ويضيف المقالح :” المعتدي ” المتحرش” حسب تعريف علماء النفس, هو شخص يكبر الضحية بخمس سنوات على الاقل وله علاقة ثقة وقربى بالضحية وقد دلت الدراسات على ان اكثر من “75%” من المعتدين لهم علاقة قربى او معروفين للضحية ” , مشيرا إلى أن من أهم أسباب هذه الظاهرة ” ضعف الوازع الديني, والتأثر بالأفلام الإباحية والمسلسلات التلفزيونية المتحررة – كما يصفها البعض- اضافة الى الكبت العاطفي وما قد يتعرض له المعتدي من اساءة في صغره فينتقم من المجتمع في الكبر”.
سرية وتكتم
ويواصل استاذ علم النفس الحديث قائلا :” في مجتمعنا اليمني يكثر الحديث عن قضايا العنف ضد الاطفال بمختلف انواعه ,الا ان قضايا التحرش تظل طي الكتمان وتخشى الكثير من الاسر الافصاح عنها باعتبارها من القضايا غير المرغوب في الاعتراف بها , ورغم التكتم والسرية الا ان ذلك لم يمنع من تسجيل قضايا بدأت تطفو على السطح في المحاكم والنيابات لاسيما في الاونة الاخيرة اضافة الى ظهور بعض الجهود والمبادرات المختلفة لمؤسسات حكومية ومنظمات مجتمع مدني حاولت بشكل او بآخر التطرق الى هذه القضية وفتح باب النقاش حولها “.
ويؤكد ان :” التحرش الجنسي بالاطفال يتنافى مع مقتضيات المبادئ والقيم الدينية والاخلاقية والتشريعات والاعراف والقوانين المتعامل بها في المجتمع وتحرم جميعها اية ممارسة من هذا النوع وتطبق على مرتكبيها الاحكام الخاصة بهذا الفعل المشين , الا ان هناك تحفظا ملحوظا من قبل الاجهزة المعنية في الافصاح عن أي احصائيات او الادلاء بأي معلومات حول هذا الامر, وقدرت مصادر في ادارة البحث ان مايتم تسجيله في العام من حالات تحرش بالاطفال يتراوح بين “20-30″ حالة تتم احالتها بعد استكمال الاجراءات الى الاجهزة المعنية في النيابة والقضاء للبت فيها” .
فئة منسية
وفي ذات السياق تؤكد الباحثة الاجتماعية احلام الشرجبي ان الاساءة ضد الاطفال تعتبر سلسلة وليست حلقة واحدة منها الاساءة الجنسية واسوأ ما في الامر امتداد دفة العقاب الاجتماعي للضحية مما يولد لديه نزعة الانتقام والاحساس بالظلم وتكون نتيجته المروعة الانتقام من الحلقة الاضعف.
مضيفة- في بحث لها حول حالات الاساءة الى الاطفال ” هناك الكثير من القضايا النفسية والاجتماعية عن الاحداث الذين قاموا بالاساءة او الاعتداء على غيرهم من الاطفال ,حيث وجدنا انهم تعرضوا فعلا لاساءات مماثلة في الصغر واحساس بالظلم وعدم تلافيهم ببرامج تاهيلية واعدة تاهيل نفسي له نتائج مروعة لان التاثير النفسي اسوا مافي الامر ,فالجروح الجسدية او الكسور نستطيع معالجتها ومداواتها, لكن الاثر النفسي يظل مخيما بظلاله على شعور ونفسية الطفل مما يولد لديه نزعة في الانتقام فيحس ان المجتمع والقضاء لم ينصفاه”.
وعن اهتمامات الجهات المعنية الحكومية والمدنية بظاهرة الاساءة الجنسية للاطفال , تقول الباحثة احلام :” مشكلة الكثير من هذه الجهات سواء الحكومية او المدينة انها تركز على البرامج الخاصة بالاطفال الذين قاموا بالاساءة لكنها تنسى الاطفال الذين تعرضوا للفعل ,فلدينا قضاء احداث متخصص ولدينا منظمة اليونيسف الداعمة لهذه البرامج لكن لا توجد على الواقع العملي أي برامج تاهيل نفسي للمعتدى عليهم كما ان معظم برامج الدعم تذهب ناحية الاطفال الذين قاموا بالفعل وهناك دور رعاية وبرامج حماية وقضاء متخصص وباحث نفسي وجلسات خاصة ورعاية لاحقة لكن الحلقة التي ننساها تتمثل في الطفل المجني عليه”.
وعن سلوك الطفل الذي تعرض للاساءة واثرها عليه مستقبلا تقول :” نحن ننسى بتجاهلنا لهذا الطفل انه مشروع مجرم في المستقبل قد تتضرر منه اكثر من غيره وهناك احصائيات يؤكدها الواقع تشير الى ان الاطفال الذين تترواح اعمارهم بين 14و15 سنة غالبا ما يعتدون على من هم دون الخامسة من العمر ولا يعتدون على من هم اكبر منهم سنا وهذا له مرجعية نفسية “.
وتؤكد احلام الشرجبي على ضرورة الاصلاح القانوني والقضائي وضرورة التوعية الاجتماعية وحشد امكانيات المجتمع المدني لايجاد برامج التاهيل النفسي للاطفال المعتدى عليهم.
انعدام الدعم والحماية
ويوافقها الرأي اخصائي الطب النفسي للاطفال هيثم صلاح الذي اكد بأن الطفل يحتاج الى الدعم بعد تعرضه للاساءة ويجب ان تكون هناك مؤسسات تقدم الدعم والحماية لهؤلاء الاطفال كما يجب اشراك الاقرباء الذين يفترض ان يلجأ الطفل اليهم وذلك عندما لا توجد مؤسسات تعتني بالاطفال المعتدى عليهم , مشيرا الى ان الاساءة الجنسية الى الاطفال تواجه دائما بالانكار حتى لا تجلب العار للاسرة والمجتمع.
ونوه بأن الاساءة من قبل الاقارب تزداد في الاسر الممتدة او الكبيرة التي تتكون من اعضاء كثيرين خاصة في محيطات الاسرة المنغلقة حيث تعمل الكثافة العددية على زيادة المخاطر , موضحا بان نتائج الاساءة الجنسية على المدى البعيد تتمثل في (ارتفاع عدد وقائع التشوش .. ممارسة البغاء في الكبر .. سلوك قهري متكرر .. اغراء بالاساءة الى الاطفال.. الاكتئاب والخوف والقلق .. الميل نحو المزيد من الاساءة الى الاخرين والانتقام من المجتمع).
ويقدم صلاح عدة نقاط ضرورية كحلول ومعالجات لهذه المشكلة منها ” التركيز على زيادة الوعي والتفكير في اصلاح القانون .. رفع مستوى مهارات الاطباء والاخصائيين النفسيين لاعادة تأهيل ودعم الاطفال الذين تمت الاساءة اليهم.. تعليم الاطفال وتعريفهم على كيفية الحديث عن عملية الاساؤة والوقاية منا ومن ثم ضرورة الابلاغ عنها في حال حدوثها .. اخذ الاطفال المجني عليهم الى مكان امن لحمايتهم من أي اعتداء اخر”.
كيف نحمي الاطفال
اضافة الى ماسبق تقول الدكتورة نادية محمد اخصائية امراض اطفال نفسية وعصبية:” نستطيع ذلك عن طريق التوعية منذ الصغر وبشكل واضح وصريح بعيدا عن الابتذال والتطرف وان تكون التوعية حسب عمر الطفل وتكون بسيطة مع الصغار وبتوضيح اكبر مع الكبار اضافة الى الاهتمام بالاطفال وملاحظتهم وعدم السماح لهم بأن يناموا في فراش واحد وكذا مراقبتهم اثناء اللعب مع الكبار والمراهقين .. مؤكدة على الوازع الديني والتربية السوية السليمة والرقابة الاسرية التي تجنب الاطفال الوقوع في هذه الازمة .
ارقام وبيانات
وفي دراسة اجتماعية ميدانية اعدها المجلس الاعلى للامومة والطفولة حول العنف ضد الاطفال في اليمن شملت مناطق مختارة في الريف والحضر اشار “34%” من الاطفال الذين شملتهم الدراسة الى انهم تعرضوا للمضايقات او للايذاء وان الذكور اكثر تعرضا للمضايقات بنسبة “37.9%” من الاناث اللاتي بلغت نسبة تعرضهن للمصضايقات “30.1%” .. كما ترتفع نسبة هذه المضايقات في الحضر لتصل الى “47.2%”عن الريف الذي بلغت نسبة المضايقات فيه “21.3%”.
واوضحت الدراسة ان التحرش الجنيسي اكثر شيوعا في المدرسة بنسبة 26.5% ثم في الاسرة بنسبة 17.9% ثم في المجتمع المحلي بنسبة 5.4% مع تفاوته في الريف ينسبة 8% وفي الحضر بنسبة 4% بين الذكور بـ6.1% والاناث بنسبة 4.1% , مع ملاحظة وجود اختلافات نسبية في ما يتعلق بالتحرش داخل الاسرة فالاطفال الذكور اكثر تعرضا له من الاناث وهو الاكثر وضوحا في الحضر عن الريف في حين يختلف الوضع في المدرسة فالاناث اكثر تعرضا للتحرش الجنسي من الذكور وترتفع النسبة في الحضر بشكل ملحوض لتصل الى 44.3% عن الريف الذي وصلت نسبة التعرض للتحرش الجنسي فيه 6.7% ثم المدرسين في المدرسة بنسبة 42.8% وكذا زملاء المدرسة بنسبة 32.1% بالاضافة الى الجيران واصحاب الباصات خارج الاسرة والمدرسة.
وتشير معطيات الدراسة الى ان 51.4% من الاباء والامهات ذكروا انهم تلقوا شكاوي من اطفالهم بحصول مثل تلك المضايقات مقابل 48.6% اشاروا الى عدم حدوثها لذا تعد قلة الاشارة الى حدوث التحرسشات امرا منطقياٍ لأن الاطفال الذين تعرضوا فعلا لهذه التحرشات – خاصة الفتيات-يتحرجون او يخافون من الابلاغ عنها حتى لآبائهم وامهاتهم كما ان الآباء والامهات لا يبوحون بها ان حدثت فعلاٍ لاطفالهم خوفا من العين والانتقاص من مكانتهم في المجتمع حيث تظهر البيانات ان اكثر القائمين بتلك المضايقات هم من الجيران بنسبة 56.2% يلهيم المدرسون بنسبة 13.7% خاصة في الريف بنسبة 16.9% ثم المارة في الشارع بنسبة 11.8% خاصة في الحضر بنسبة 15.3%.

قد يعجبك ايضا