ليبيا وحالة التشظي

نشرت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين تقريرا تناقلته وسائل الإعلام الدولي مفاده بأن نحو مائة ألف ليبي فروا من القتال قرب مدينة طرابلس خلال الأسابيع الثلاثة الأخيرة باتجاه الدول المجاورة وأرجع التقرير أسباب ذلك إلى أعمال العنف المستمرة بين الجماعات المسلحة المتنافسة وأشار ذلك التقرير إلى أن هذا العدد الضخم يضاف إليه نحو 287 ألف شخص إلى عشرات المدن والبلدات في الداخل وأعلن المكتب التابع لتلك المنظمة أنه بحاجة إلى مزيد من الأموال والتي تقدر بـ 35 مليون دولار يتسنى للمنظمة الاستمرار في مساعدة مئات الآلاف من المواطنين المتضررين من الأزمة في ليبيا.
وما يثير الدهشة والاستغراب إزاء التداعيات الجارية في المشهد السياسي الليبي أن تبدى تلك المنظمة مخاوفها من تدهور الأوضاع المعيشية للسكان داخل ذلك البلد دونما وعي أو إدراك أن السياسات المتبعة والمتراكمة للمنظمة الدولية هي أحد أهم الأسباب المباشرة بحسب مراقبين وهو أن السياسة الدولية ساهمت في إرباك المشهد الليبي وزادته تعقيدا وتفكيكا وتجزئته إلى كيانات متناحرة وطوائف تقتل بعضها البعض فقد سبق للسياسة الدولية المنحازة أن تدخلت في العراق وقتلت أكثر من مليوني عراقي برغم أن المهمة حماية العراقيين لكنها تحولت حينذاك إلى تحرير العراق من العراقيين وقد كان حلف الناتو وعد في مرحلة سابقة ومعه الولايات المتحدة الأميركية ودول الاتحاد الأوروبي بأن إنهاء النظام السابق سيضمن أمنا واستقرارا لليبيا لكن الواقع دائما ما كان يكذب ذلك بالنظر لتدني الأوضاع السياسية والاقتصادية والأمنية المتردية ظهرت ليبيا من خلالها وكأنها في مرحلة ما قبل سياسي.
وبالرغم من مضي أكثر من ثلاثة أعوام منذ الإطاحة بالنظام السابق لم تستطع ليبيا تحقيق أقل قدر ممكن من الاستقرار النسبي وصارت الفوضى الأمنية هي السمة البارزة في المشهد الليبي وصلت معها الأوضاع إلى ما يمكن وصفه بأعلى درجات التشظي السياسي في ظل غياب حكومة قادرة ومقتدرة على بسط نفوذها في فرض الأمن الذي تراجع بصورة كبيرة خلال العامين الماضيين.
وكأن العالم لا يعي ولا يدرك بأن السياسة الدولية هي من تغذي الصراعات وتعمل على زعزعة الأمن والاستقرار داخل ذلك البلد وهي من توجد المليشيات المسلحة لكي تستمر في سيطرتها واستحواذها على ثروات وإمكانيات ليبيا لأن من مصلحة تلك القوى عدم وجود حكومة وطنية تدير شؤون البلاد وتنهي كافة المشاكل بدون أي تدخل أجنبي.
وهو ما يتطلب من جميع فرقاء العملية السياسية داخل المشهد السياسي الليبي إجراء تسوية شاملة لما من شأنه إنها كافة النزاعات وإيجاد أجواء ملائمة تنهي حالة الاحتقانات المتبادلة والاستنفارات المضادة والتوصل إلى حلول وطنية وموضوعية ترضي جميع الأطراف كما يتطلب أيضا الحد من تنامي العامل الخارجي كعامل يراهن على المليشيات المسلحة حتى لا يتم تكريس حالة الأمن والاستقرار لأن تلك المليشيات هي نتاج طبيعي للمشكلات الجارية في الظروف الراهنة داخل ذلك البلد العربي.

قد يعجبك ايضا