معركة الأمعاء الخاوية بين السجون وغزة

وليد الهودلي*

 

اعتاد الشعب الفلسطيني أن يخوض أسراه ما يسمّى معركة الأمعاء الخاوية وهو الإضراب المفتوح عن الطعام، يستخدم فيه الأسرى سلاح الأمعاء الخاوية من أجل تحقيق مطالبهم وانتزاعها من براثن السجّان اللئيم الذي لم يترك أمام الأسرى إلا أن يحققوا مطالبهم من خلال هذه المعركة بكل ما تحمل من ألم ومشقّة ومخاض عسير.
حرب الأمعاء الخاوية كانت في السجون الإسرائيلية بقرار جماعي وبعد استفتاء يتجاوز نسبة المقتنعين بالإضراب التسعين بالمائة ويتم استثناء المرضى، وكانت تتم بعد دراسة مستفيضة للأحوال السياسية ودراسة الجدوى لإمكانية تحقيق مطالب محددة ممكنة التحقيق.. وكان الإضراب معركة مفتوحة بسلاح قاس وحاد وصعب تسير أيامه بضراوة تخرج الإرادة كل ما فيها من صبر وتحد وبلاء.. وكان كل يوم يمضي له ما له من حمل ثقيل وبؤس شديد تسير مع كل دقيقة وثانية على مدار ساعاته الموغلة في الوجع والترقب..
ولا بد من ذكر شيخ هذه الإضرابات المفتوحة عن الطعام خضر عدنان وهو الذي بدأ إضرابا فرديا احتجاجا على الاعتقال الإداري ونجح في انتزاع حريته بعد ستة وثمانين يوما وبعده انطلقت إضرابات كثيرة، وكان لهذا الرجل الشجاع الحرّ المقدام الشهادة في ‘ضرابه الأخير الذي وصل إلى ستة وثمانين يوما، بطولة انتهت في الشهادة وسطّرت أعظم صفحات المواجهة مع أسوأ سجان عرفته البشرية. وقد خاض أسرانا عشرات الإضرابات المفتوحة وخسر الواحد منهم مجموعة أرطال من لحم جسمه، ولم تتوقّف هذه المعارك في تاريخ الحركة الأسيرة بسبب تنكر المحتل لما تم الاتفاق عليه بشكل تدريجي وخبيث فيضطر الأسرى لفتح الإضراب من جديد.
أمّا حرب الأمعاء الخاوية في غزة، فنسبة المقتنعين بها صفر بالمائة، فُرضت على أهل غزة قسرا من قبل محتل نذل حقير قرر أن يحارب بهذا الأسلوب القذر الذي يدخل الأطفال الرضع قبل الشباب والكبار ودون أن يستثني المريض أو المسن أو الصغير، حرب غزة وقعت على أمعائها الخاوية دون إعداد مسبق ولا دراسة للأحوال السياسية ولا اعتبار لأي شيء وحتى قائمة المطالب لم تتعد حاجة هذه الأمعاء لما يسد رمقها .
تلك حرب كان الأسرى بأمعائهم الخاوية هم أصاحب القرار فيها، أما هذه فالقرار من هذا المحتل السادي، رسم أهدافها ودرس أحوالها وصب كل أحقاده في أمعاء صغيرها قبل كبيرها.
وأكثر ما يؤلم أن في هذه الحرب الثانية مشاركة الأطفال لها قسرا، فأنى للطفل أن يحتمل هذا التجويع، إذا كان الكبير يحاول التغلب عليها معنويا وبما يحمل في قلبه من إرادة وإيمان وروح معنوية عالية فأنى ذلك للأطفال؟
لا مجال للمقارنة بين هذه وتلك سوى مشترك واحد هو ذات هذا العدو الفاشي السادي اللئيم، ورب عزيز رحيم كتب لعباده النصر والتمكين، وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون، لن يجني هذا المحتل عاجلا وآجلا إلا الدمار لمشروعه بعد أن بذر كل هذه البذور السوداء، ستنبت وتنمو وتخرج له المستقبل الأسود، هذا الانحطاط الأخلاقي لن ينتج إلا أمة منبوذة لا أمل لها في حياة مثل حياة بقية البشر.
دوما وحتما تنتصر الأمعاء الخاوية المظلومة على سيوفهم الحديدية الحاقدة بإذن الله.

* أسير فلسطيني مُحرَر

قد يعجبك ايضا