ألمانيا مسيرة تطويرية تصطدم بواقع أزمات منطقة اليورو

اليمن وألمانيا ..علاقات ثنائية منذ القدم
تحتفل ألمانيا اليوم الجمعة بالذكرى الـ25 لسقوط جدار برلين وبيوم الوحدة الألمانية الذي يصادف في 3 من (أكتوبر) من كل عام حيث يعود الألمان في ذاكرتهم اليوم إلى حدث تاريخي كان له أثر كبير على بدء مسيرة توحيد بلادهم التي تحققت خلالها قفزات نوعية مشمولة بالحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية واكبر انجاز حققته ألمانيا موخرا فوزها الثمين بكاس العالم .
وقد شكلت برلين التي فصلتها جمهورية ألمانيا  الديموقراطية إلى شطرين ببناء جدار يزيد طوله عن 165 كلم وعلوه عن ثلاثة أمتار, وسمي بـ” جدار برلين ” أو ” جدار العار ” , بتاريخ 13 غشت سنة 1961, للحيلولة دون انتفال مواطنيها إلى الشطر الغربي, ساحة للمواجهة بين المعسكرين, منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية سنة 1945 وبدء الحرب الباردة سنة 1948.
ولم يكن الجدار تقطيع الأوصال برلين أو فصلا بين ألمانيا الغربية وألمانيا الشرقية فحسب ولكن أيضاٍ جدارا يقسم أوروبا إلى قسمين.
وتربط اليمن ألمانيا علاقات تاريخية منذ القدم والتي تمتد لما يزيد عن اربعين عاما ومثلت تجربة الوحدة اليمنية استلهام لتحقيق وحدة ألمانيا حيث تشهد علاقات التعاون الثنائية بين البلدين الصديقين نمواٍ مستمراٍ في مختلف المجالات .
وتشهد المسير الالمانية التي تقودها انجيلا ميركل تقدما ملحوظا بعد زيادة شعبيتها وإعادة انتخابها لفترة ولاية ثالثة والتي يصفها كثيرون بأنها المرأة الحديدية في ألمانيا .
ويقول محللون سياسيون إن كثيرين من دافعي الضرائب الألمان ممتنون لها لأنها سعت لحماية الخزينة العامة لبلادها ووفرت الأمن المالي لألمانيا ولم تعرض بلادها للأزمات الاقتصادية التي عانت منها معظم دول منطقة اليورو.
وتسعى ميركل إلي الحفاظ على منصب المستشارية وحكم البلاد على الرغم من مواجهتها لبعض المصاعب المتمثلة في إعلان البنك المركزي الألماني عن توقعاته بخفض معدلات النمو إلى 4.0% لعام 2013 مقارنة بـ1.6% في يونيو عام 2012 متأثرا بأزمة منطقة اليورو علي القوة الصناعية في قلب قارة أوروبا المضطربة .
وبالرغم من ذلك تبدو ميركل واثقة من قدرتها علي قيادة على سفينة البلاد
وإن وضع ألمانيا يعد أفضل من البلدان الأخرى “ويعود ذلك إلى نجاح الحكومة الألمانية المكونة من تحالف الحزب المسيحي الديمقراطي وحزب الاتحاد الاجتماعي المسيحي والحزب الديمقراطي الحر تحت قيادتها “وهو ما ساعد على خلق فرص عمل وقاد البلاد بسلام أثناء أزمة اليورو.
وتلعب ألمانيا ادوار مهمة وتاثيرية في دول سياسات الاتحاد الاوروبي الذي يعاني من تدهور ملحوظ في منطقة اليورو والبطء في ضم دول اخرى لم تستوفي معايير الانضمام
وزادت حدة الوضع المتفاقم دخول ألمانيا على خط المواجهه مع روسيا وعلى خلفية الازمة الاوكرانية بتبادل العقوبات بين الجانبين وهو مايؤثر سلبا على تقدم الاقتصاد الالماني.
ولا تقتصر أهداف السياسيين الألمان من أصول عربية على خدمة المجتمع الألماني بل تشمل أيضا بلدانهم الأصلية حيث يرى بعض السياسيين أن المهاجرين العرب يمكنهم إفادة بلدانهم الأصلية بتجاربهم والمساهمة في تقدمها عبر إنشاء مشاريع مشتركة مع ألمانيا مؤكدين أن بلدان اليمن مثل مصر وتونس التي تشهد تحولات سياسية بحاجة إلى دعم السياسيين الأوروبيين بشكل عام والألمان من أصول عربية بشكل خاص.
وركزت معظم التقارير السنوية التي صدرت بمناسبة سقوط جدار برلين على الفوارق الاقتصادية والاجتماعية وخصوصٍا ارتفاع معدلات البطالة في الولايات الشرقية الخمس واستمرار الفرق بين رواتب الشرقيين والغربيين من المؤهلات نفسها
ولا يمكن فصل الجانب الديموغرافي عن الوضعين الاقتصادي والسياسي فقد ترك بصماته على مدن الشرق بعد مرور ربع قرن من انهيار الجدار العازل بين شطري ألمانيا . فقد كانت العوامل السياسية هي المقررة في التحولات التي طرأت على خريطة شرق ألمانيا الديموغرافية لأن تعداد ألمانيا الديمقراطية زاد بعد الحرب العالمية الثانية بسبب الهجرة من الغرب إلى الشرق ثم عاد وانخفض من 19 مليونٍا إلى 16.4 مليونٍا بعد بناء جدار برلين بسبب الهجرة المعاكسة.
فقدت ألمانيا الشرقية 750 ألفٍا من سكانها في العام الأول الذي أعقب سقوط الجدار ثم فقدت 1.25 مليون بالتدريج حتى العام 2012. وشهدت ألمانيا منذ الوحدة الألمانية اختلالٍا ظاهرٍا في سوق العقارات سببه الهجرة الجماعية من الشرق إلى الغرب. ففي حين فقدت مدينة شرقية كبيرة مثل لايبزيغ 20% من سكانها وانخفضت أسعار العقارات فيها إلى 50% ارتفعت أسعار العقارات في العاصمة برلين بنسبة 39% خلال السنوات الثماني الماضية..
وبعد سقوط الجذار ارتفع عدد الولايات الألمانية من11 إلى 16 ولاية بعد الوحدة الألمانية في مطلع تسعينيات القرن الماضي. وتكشف معطيات دائرة الإحصاء المركزية أن الولايات الشرقية الخمس فقدت الكثير من سكانها منذ سقوط الجدار وبلغت هذه النسبة 20% في ولاية سكسونيا انهالت (عاصمتها ماغدبورغ) وفقدت ولاية تورنجن (عاصمتها إيرفورت) 15.6% من سكانها وفقدت مكلنبورغ فوربومرن (عاصمتها شفيرين) 15.4% من سكانها وفقدت سكسونيا (عاصمتها دريسدن) 13.4% من سكانها وبراندنبورغ (عاصمتها بوتسدام) 3.7 %. والعاصمة برلين رغم توحد شطريها وسقوط الجدار فقدت 2.5% من سكانها.
وارتفع عدد الألمان في معظم الولايات الغربية وخصوصٍا في بافاريا (8%) وشليسفجهولشتاين (6%) وبادن فورتمبيرغ (5.7%) وسكسونيا السفلى (4.1%)
وخلال ربع قرن لم يزد مجموع سكان ألمانيا بشطريها بأكثر من 300 ألف نسمة وتعزو دائرة الإحصاء ذلك إلى الوافدين الأجانب. والسؤال هنا هو: “أين يتسرب هذا العدد المليوني من المهاجرين الشرقيين¿”. ربما يكمن الرد بين عدد مماثل من الألمان غربيين وشرقيين يهاجرون إلى الخارج بحثٍا عن فرص حياة أفضل..
واكدت إيريس غيلكة المفوضة البرلمانية لشؤون شرق ألمانيا بأن الاقتصاد في ألمانيا الشرقية يسير ببطء شديد منذ سنوات لكنها تعترف أيضٍا بأن بعض المتشائمين يتحدثون عن وصول اقتصاد الشرق إلى طريق مسدود.
كما تبلغ نسبة البطالة في الولايات الشرقية نحو 11% وترتفع إلى 15% في مدن كبيرة مثل لايبزج ودريسدن. لكن الشرق فقد 11% من سكانه خلال الفترة نفسها كمعدل وهي نسبة رائدة عالميٍا مقارنة بظاهرة التمدن التي يعيشها العالم. ويشير تقرير غيلكه بمناسبة الذكرى الخامسة والعشرين لسقوط الجدار أن الشرق سيفقد 40% من سكانه بحلول العام 2030.
ولاحظ التقرير في السنوات الأخيرة وجود هجرة معاكسة ولكن ضئيلة من الغرب إلى الشرق إذ استهل بعض الشرقيين المهاجرين طريق العودة إلى مدنهم الشرقية بسبب فقدان الأمل بالحصول على عمل أو بسبب الفشل في تكوين حياة اجتماعية ناجحة في الغرب أو بسبب الحنين. فانخفاض أسعار العقارات في الشرق كان سبب هجرة الغربيين المعاكسة وتم رصد هجرة بعض الغربيين إلى الريف الشرقي بسبب خلاء المدن الشرقية من سكانها وانخفاض أسعار العقارات في شرق ألمانيا . وهم في الغالب من متقاعدي ومسني ألمانيا الغربية الذين لا توفر مدخراتهم الضئيلة إمكانية شراء عقار أو توفير لقمة العيش في مدن الغرب الغالية. وهي هجرة ضئيلة يؤلف المسنون معظمها ولايمكن التعويل عليها في موازنة الحركة الديموغرافية بين الشرق والغرب. عمومٍا يشكل الشرقيون المهاجرون إلى الغرب تحت سن 50 سنة نسبة 93% من مجموع المهاجرين.
وتشير إحصائية معهد اللينزباخ بحسب آخر استطلاع للرأي إلى أن اليسار سينال في انتخابات الولايات الشرقية المقبلة نسبة 29.7% من أصوات الناخبين ويصبح بالتالي القوة البرلمانية الأكبر في كل الولايات الشرقية الخمس. وسينال الحزب الديمقراطي المسيحي حسب هذا الاستطلاع 26.4% والحزب الاشتراكي 23.3%. وتوقع الاستطلاع أن يفرض اليسار نفسه على الغرب أيضٍا بمعدل 14% ويتجاوز بالتالي حزبٍا تقليديٍا مثل الحزب الديمقراطي الحر (10%) وحزب الخضر (8.9%).
تأسس “اليسار” من وحدة صفوف “حزب الاشتراكية الديمقراطية” و”الرابطة اليسارية من أجل المساواة والعدالة الاجتماعية”. وفي حين يعتبر حزب” الاشتراكية الديمقراطية” الوريث الشرعي للحزب الاشتراكي الألماني الموحد الذي حكم ألمانيا الشرقية طوال 55 سنة ضمت الرابطة اليسارية شيوعيي الغرب والمتمردين على الحزب الاشتراكي الديمقراطي (الجناح اليساري) وعددٍا من زعماء النقابات العمالية.
وكان خروج الجناح اليساري في الحزب الاشتراكي الديمقراطي وتمردهم على الكتلة البرلمانية للحزب من أهم عوامل فشل حكومة جيرهارد شرودر الثانية وتدهور أكثريته البرلمانية أمام المحافظين. وهو الأمر الذي مهد إلى قرار تعطيل البرلمان وإجراء الانتخابات المبكرة التي فازت بها المستشارة الحالية أنجيلا ميركل سنة 2005.

قد يعجبك ايضا