من يمنِ الإيمان يعلو الموقف: السيد القائد عبدالملك بدرالدين الحوثي نصيرُ القرآن والمستضعفين

عبدالحافظ معجب

لم تكن الإساءة الأمريكية الجديدة للقرآن الكريم، التي ارتكبها مرشح أمريكي متطرف معادٍ للإسلام تحت غطاء “ترخيص رسمي” وفي فعالية علنية، حادثة عابرة أو سلوكاً فردياً منفلتاً كما سيحاول البعض تصويره، بل جاءت حلقة جديدة في سياق متصاعد من العداء المنهجي للمقدسات الإسلامية، وعدوان سافر على أقدس ما يؤمن به أكثر من ملياري مسلم في العالم. أن يتحوّل تدنيس كتاب الله إلى أداة دعاية انتخابية وأن يُمارس الفعل الشنيع أمام عدسات الكاميرات وتحت حماية القانون، فذلك يكشف بوضوح حجم الانحطاط الأخلاقي الذي بلغته المنظومة الغربية، ويؤكد أن ما يُسمّى “حرية التعبير” لم يعد سوى ستار يُستباح تحته الإسلام، بينما تُقمع الأصوات الحرة حين تنتصر للمظلومين أو تفضح جرائم الحلف الصهيوني في فلسطين ولبنان وسوريا واليمن.
الأخطر من الجريمة نفسها، هو ذلك الصمت العربي والإسلامي المريب، الذي يكاد يكون مطبقاً، في وقت تُهان فيه المقدسات بلا أي رد يرقى إلى حجم الجريمة. صمت لا يمكن فصله عن حالة الخنوع العام، ولا عن انشغال الشعوب بقضايا هامشية وتفاهات مصنّعة بعناية، هدفها إبعاد الأمة عن دينها وثوابتها، وتشتيت وعيها عن معاركها المصيرية. لقد نجح الغرب عبر أدواته الإعلامية والثقافية، في إغراق المجتمعات بقشور الاستهلاك المفرط واللهو والصراعات الثانوية، فيما تُستباح الهوية الإسلامية من جذورها، ويُستهدف القرآن باعتباره الركن الأعظم الذي يحفظ لهذه الأمة وحدتها ومعناها ورسالتها.
وفي المقابل، تتبدى مسؤولية الزعامات والأنظمة العربية والإسلامية التي اختارت، عن وعي أو خوف، طريق التماهي مع السياسات الأمريكية والغربية، وقدّمت مصالحها الضيقة وبقاءها على الكراسي على أي اعتبار ديني أو أخلاقي. هذه الأنظمة لا تستمد شرعيتها من شعوبها، ولا تحتمي بإرادة الأمة، بل ترهن وجودها بحجم ما تقدمه من تنازلات، وبمدى رضا العواصم الغربية عنها. من هنا يصبح صمت الأنظمة وزعاماتها موقفاً متماهياً والتجاهل سياسة ممنهجة والتواطؤ مع أعداء الأمة واقعاً مهيناً، مهما قدمت من شعارات زائفة عن ارتباطها بالإسلام.
وسط هذا المشهد القاتم يخرج صوت من اليمن، من بلد أنهكته الحروب والحصار، ليكسر جدار الصمت ويعيد الاعتبار للبوصلة. السيد القائد عبدالملك بدرالدين الحوثي، الذي سبق أن تصدّر الموقف العملي في إسناد غزة والوقوف إلى جانب حركات المقاومة في معركة الإسناد لغزة، يعود اليوم ببيان واضح وصريح، ليضع الأمة أمام مسؤولياتها، وليسمّي الأشياء بأسمائها دون مواربة. في بيانه، لم يتعامل مع الإساءة بوصفها حادثة إعلامية، بل كشف جذورها ضمن الحرب الشاملة التي تقودها الصهيونية العالمية بأذرعها الأمريكية والبريطانية والإسرائيلية، مستهدفة الإسلام والمسلمين في دينهم وكرامتهم وهويتهم.
شدّد السيد القائد على أن العدوان على القرآن هو عدوان على البشرية جمعاء، لأن هذا الكتاب هو النور الذي يحصّن المجتمعات من الطغيان والاستعباد، وهو الحصن الذي تخشاه قوى الشر، وتسعى إلى إبعاده عن حياة الناس. وأكد أن الصمت على هذه الإساءات تفريط عظيم، ودليل إفلاس في الوعي والبصيرة والروحية الإيمانية، محذراً من أن هذا التخاذل هو بالضبط ما يطمع فيه الأعداء، حين يرون أمة تخلّت عن أعظم ما يحفظ هويتها وصلتها بالله.
ودعا السيد القائد، بوضوح وشجاعة، إلى تحرك شعبي واسع، لا يقتصر على بيانات الإدانة، بل يمتد إلى الجامعات والمدارس والميادين، وإلى المقاطعة الاقتصادية، والتعبئة الإعلامية، والعودة الصادقة إلى القرآن قولاً وعملاً. دعوة لم تنطلق من حسابات سياسية ضيقة، بل جاءت فهم عميق لمسؤولية الأمة تجاه مقدساتها، وتجاه المستضعفين في فلسطين وغيرها، وتجاه مستقبلها الذي يُراد له أن يُمحى أو يُفرّغ من مضمونه.
يبرز هذا الموقف ليحرج العالم الإسلامي رسمياً وشعبياً، ويُعيد طرح سؤال القيادة والقدوة. ليس من المبالغة القول إن هذا الصوت، القادم من اليمن، بات يعبّر عن وجدان شريحة واسعة من المسلمين، الباحثين عن موقف صادق يعيد إليهم الثقة بدينهم، ويذكّرهم بأن الحضارة الإسلامية لم تكن يوماً هامشاً في التاريخ، بل كانت الأساس الذي قامت عليه حضارات أخرى، تحاول اليوم أن تتسيّد زيفاً على أنقاض أمة طال سباتها.
إن الالتفاف حول المواقف الصادقة، والعودة إلى الثوابت، واستعادة العلاقة الحيّة مع القرآن، ضرورة وجودية لأمة تتعرض لأخطر عملية استهداف في تاريخها الحديث. وبين إساءة متعمدة وصمت مخزٍ وصوت يعلو من اليمن، يتحدد اليوم موقع كل طرف: إما في صف الدفاع عن المقدسات والكرامة، أو في خانة المتفرجين الذين سيكتب عنهم التاريخ أنهم خذلوا أعظم ما شرفهم الله به.

قد يعجبك ايضا