من يبيعون أنفسهم.. يسقطون بيد من خدموه

علي حسين عبدالكريم

 

في كل منعطف من منعطفات التاريخ يختار بعض القادة وأتباعهم الطريق الخطأ، فيبيعون مواقفهم بثمنٍ بخس، ويرتهنون هم وقراراتهم لمن لا يريد لهم خيرًا، ظانّين أن القوى الخارجية ستصنع لهم مكانة أو تمنحهم سلطانًا. لكن السنن الإلهية لا تجامل أحدًا، فمن يقدّم الولاء لغير أمّته لا ينال سوى مهانة التابع، ومن يمدّ يده للظالم يقع تحت سطوته، كما قال النبي صلى الله عليه وآله: «من أعان ظالمًا على ظلمه سلّطه الله عليه». وهكذا أصبح من ارتمى في أحضان الأمريكي والسعودي أداةً تُستعمل في لحظة، وتُستغنى عنها في اللحظة التي تليها، لا وزن لهم ولا قيمة ولا احترام.
لقد ترك هؤلاء الآية المحكمة التي تُبين بوضوح العدو الحقيقي للأمة: {لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا}، وتجاوزوا الهدي الرباني الذي يرسم خطوط العداء والولاء، فاستبدلوا الوقوف في وجه العدو الحقيقي بفتح معركة داخلية ضد أبناء بلدهم، ووجّهوا سهامهم نحو المؤمنين من أبناء شعبهم الذين يقفون مع غزة، بينما اكتفوا تجاه العدو بالتبرير أو الصمت وخدمة أهدافه. لقد صاروا ـ من حيث لا يشعرون أو يشعرون ـ أداة طيعة في مشروع يستهدف الأمة كلَّها، ويضرب قضاياها في الصميم، وعلى رأسها قضية فلسطين التي سقطت عندها الأقنعة، وظهر فيها الفارق بين المواقف الصادقة والمواقف المؤجرة.
وما هو أخطر من ذلك أنهم حملوا كِبرًا سياسياً ظنّوا معه أنهم قادرون على انتزاع الزعامة بغير سلطان ولا شرعية ولا وراثة للكتاب، مع أن القرآن كشف حقيقتهم بقوله تعالى: {إِنْ فِي صُدُورِهِمْ إِلَّا كِبْرٌ مَا هُمْ بِبَالِغِيهِ}، أي أنهم يحملون طموحًا لا يُوصلهم إلى غاية، ولا يُنشئ لهم مكانة، لأن الكبر لا يصنع قيادة، والارتهان لا يصنع دولة، والتحريض على المؤمنين لا يصنع مشروعًا، بل يسقطهم دنيا وآخرة
لقد أداروا ظهورهم للسنن الربانية التي تحكم حركة الأمم. فمن يعادِ المؤمنين ويستقوي بالعدوان، يَخسر دنياه قبل آخرته، ومن يخاصم أبناء وطنه لأجل إرضاء الخارج، يتخلى الخارج عنه حين تنتهي مصالحه. وقد قال تعالى محذرًا من موالاة أعداء الأمة: {وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ}، يتحمل مصيرهم ويجري عليه حكمهم، لأن من وضع نفسه في صفهم صار جزءاً من مشروعهم شاء أو أبى.
هؤلاء لم يخسروا السلطة فقط؛ خسروا احترام الناس، وخسروا ثقة الأمة، وخسروا مكانة لم يعد بالإمكان استعادتها ما داموا يقاتلون تحت راية لا تنتمي إليهم، ويعادون قوماً يقفون إلى جانب المستضعفين في فلسطين، ويقاتلون مشاريع الهيمنة، ويواجهون العدوان. وما أسوأ الخسران حين وصفه القرآن بأنه أشد ما يمكن أن يبلغه الإنسان: {الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا}.
ومع ذلك، فإن الباب لا يزال مفتوحًا لمن أراد أن يعود إلى الصف، لأن الله قال: {إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَاعْتَصَمُوا بِاللَّهِ}.
فهل سيتوفقون بالعودة أم لازال الكبر وسوء التوفيق هو المسيطر عليهم، والعودة هنا ليست ضعفًا كما يتوهم البعض، بل هي النجاة الوحيدة من المصير المحتوم؛ فالتاريخ كله يشهد أن من اختار صف الأمة عاش، ومن اختار صف العدو انتهى. وقد آن للبعض أن يفهموا أن التحالف مع قوى الخارج لا يصنع كرامة، وأن من يوجّه سلاحه إلى صدر المؤمن يخسر أول ما يخسر نفسه، وأن اليد التي مدّوها للعدوان لن ترفعهم، بل ستطحنهم حين يحين وقت التخلص منهم.
هذه هي الحقيقة التي لا تتبدل، مهما غيّروا لغتهم، أو بدّلوا خطابهم، أو حاولوا تجميل ولاءاتهم، فسنن الله لا تتغير، والقرآن لا يتبدل، والتاريخ لا يرحم من خان قضيته وأمته.

قد يعجبك ايضا