تاريخ ثورة (26) سبتمبر .. لم يكتمل !¿

> د. الليث : عدم توفر متطلبات الباحثين الأكاديميين…غيِب الكتابات العلمية للثورة.
> د. مقشر: تدوين تاريخ الثورة مسؤولية وطنية ويحتاج إنشاء مؤسسة قائمة بذاتها.
> د. الهجري : توثيق أحداث الثورة واجب تاريخي يتطلب تشكيل لجنة من المؤرخين المتخصصين.
> د. الشامي : وثائق الثورة موجودة لكنها مبعثرة وجمعها يحتاج لإعادة نظر في القانون.
> د. المطري : كتابة تاريخ الثورة يستدعي المزيد من الوثائق الجمهورية والملكية.

> الباحث مالك : يجب جمع وثائق الثورة اليمنية من الارشيف الخارجي للدول.

وشعبنا اليمني يحتفل بالعيد الثاني والخمسين للثورة السبتمبرية المجيدة يلاحظ أن هناك العديد من الكتابات التي تناولت أحداثها ما بين مذكرات شخصية وحوارات ومقالات صحفية خلال أكثر من نصف قرن مضى, ورغم أهميتها لا تزال قاصرة, يعوزها النقص لأنها تعبر عن آراء شخصية ولا تتناول أحداث الثورة من كل الجوانب…ومن منطلق المسؤولية الوطنية والتاريخية حرصت ((الثورة)) على إجراء استطلاع صحفي مع مجموعة من الأكاديميين والباحثين المتخصصين في كتابة التاريخ, لمناقشة وتقييم ما كتب عن تاريخ ثورة 26 سبتمبر حتى الآن¿… فإلى التفاصيل:

يستهل أستاذ التاريخ بجامعة صنعاء الدكتور خالد المطري حديثه لما كتب عن الثورة بالقول: معظم الكتابات التي دونت ثوره 26 سبتمبر ﻻ تدخل في نطاق البحث التاريخي الحقيقي, لأن الجزء الأكبر منها عبارة عن مذكرات لأشخاص شاركوا في الثورة أو كانوا معاصرين لها, وبالتالي فإن تلك المذكرات تعد توثيقا فرديا أوليا لأحداث الثورة, ولا يمكن أن تمثل مادة لكتابة تاريخ الثورة إلا بعد أن تدرس وفقا لمنهجية البحث التاريخي القائمة على التدقيق والتحقيق لكونها تمثل وجهة نظر أشخاص كانوا جزءا من الحدث العام وﻻيمكن التثبت من صدق محتوياتها إﻻ بالتزام المنهجية ومقارنة الروايات المختلفة وليس الأخذ برواية واحدة عند الكتابة.
ويرى الدكتور المطري أن الوثائق المتوفرة حاليا عن الثورة غير كافية لكتابة تاريخ الثورة من جميع الجوانب , كما أن كتابة ذلك التاريخ يقتضي أيضا العودة إلى الوثائق الخاصة بالجانب الامامي وما دونه الملكيون عن أحداثها وهو أمر نادر الحدوث قلما نهجه الباحثون الذين كتبوا رسائل وأطروحات عن جوانب محددة من تاريخ الثورة.
ويضيف: خﻼصة القول ان تاريخ ثورة 26 سبتمبر لم يدون حتى الآن بطريقة علمية أكاديمية , وذلك لن يكون إﻻ بعد مضي عقود من الزمن وفي الوقت التي يتوفر فيه القسم الأكبر من الوثائق المتعلقة بذلك الحدث , بعيدا عن الكتابات الفردية غير العلمية والقائمة على تضخيم دور الكاتب وتقزيم دور غيره.
قانون
ومن جانبه يبين الدكتور فؤاد الشامي – أستاذ التاريخ بجامعة صنعاء, ونائب رئيس المركز الوطني للوثائق أن معظم أحداث الثورة وتفاصيلها مازالت غامضة وبرغم صدور عدد ﻻ بأس به من مذكرات لشخصيات شاركت في الثورة والبعض منهم من أصحاب القرار إﻻ أن تلك المذكرات مازالت تعتبر وجهة نظر شخصية مهما حاول اصحاب المذكرات أن يقدموا حقائق موثقة ولكنها مقتصرة على اﻷدوار التي شاركوا فيها واﻷحداث التي شاهدوها, ولذلك ﻻ يمكن اعتبارها وثيقة مؤكدة إﻻ بعد أن تخضع للتدقيق والتحقيق, وهنا يأتي دور الباحث اﻷكاديمي المتخصص الذي يجمع تلك المذكرات ويخضعها للدراسة حتى يتمكن من متابعة الحدث والتأكد من مختلف الاتجاهات التي تمثلها وجهات النظر المختلفة في المذكرات المنشورة.
أما بالنسبة للوثائق المحفوظة في الجهات الرسمية مثل المركز الوطني للوثائق و مركز التوثيق العسكري فيقول الدكتور الشامي: ما زالت محدودة وإن وجدت فهي غير مكتملة وﻻ توثق لأي موضوع بصورة كاملة, بسبب أنه حْصل عليها من أماكن مختلفة ومن أشخاص متفرقين نظرا ﻷن تلك الوثائق كانت تحفظ لدى اﻷشخاص المنشئين للوثيقة ولم يكن ذلك الشخص ملزماٍ بتسليمها للدولة لعدم وجود جهة مكلفة بجمع الوثائق المتعلقة بأحداث وتفاصيل الثورة ولذلك كان الشخص المكلف بالقيام بأي مهمة بعد أن ينتهي من تنفيذها يحتفظ بوثائق تلك المهمة كممتلكات شخصية وهذا يسبب في ضياع وثائق الثورة وتفرقها بين اﻷشخاص المشاركين فيها.. لذا فإن الوثائق الموجودة في الجهات الرسمية متاحة لكنها ﻻ تشكل مادة مفيدة للباحث أو المختص.. أما الموجود من وثائق مرفقة بالمذكرات الشخصية التي كان لها دور مباشر في قيام الثورة والحفاظ عليها فهي تعتبر من الوثائق المهمة والمباشرة المتعلقة بأحداث ووقائع الثورة وما يؤخذ عليها أنها صورº واﻷصول ما تزال محفوظة لدى أصحابها والقانون في هذه الناحية غير مفصل, وبحاجة إلى إعادة نظر.
وقال: وما بين أيدينا من مذكرات ودراسات ﻻ تعتبر كافية لتوضيح أدوار من قاموا بالثورة أو شاركوا في أحداثها ووقائعها أو ساهموا في الحفاظ عليها وﻻ يمكن معرفة أو متابعة مجرياتها وعليه فإن الحاجة مازالت قائمة للبحث عن وثائق جديدة وإعداد دراسات أكاديمية لنتمكن من كشف الجوانب الغامضة من أحداث الثورة لكي نتمكن من تقييم أهدافها وأفكارها والصعوبات التي واجهتها.
وينتقد الدكتور الشامي اهتمام الباحثين والمهتمين بتوثيق أدوار المشاركين ومتابعة اﻷحداث والوقائع وتجاهل أهداف ورؤى الثورة وقادتها وهل تم تحقيقها على الواقع والصعوبات والعراقيل التي وقفت عائقا أمام تحقيقها ولو أن الجميع تمكنوا من تحديد ما تم تحقيقه وما لم يتحقق ﻻستطاعت البﻼد أن تخرج من الحلقة المفرغة التي مازالت تدور فيها تحت مبرر القضاء على مراكز القوى أو محاربة الفساد أو اﻻسباب التي تمنع المنظومة السياسية واﻹدارية من التطور ومواكبة العصر ولتمكنت البﻼد من الخروج من النفق المظلم والسير في الطريق الصحيح.
لجنة
بنظرة نقد بناءة يرى الدكتور عبدالحكيم الهجري -أستاذ التاريخ المشارك بجامعة صنعاء- أن الكتابات التي تحدثت عن أحداث الثورة اليمنية (سبتمبر وأكتوبر) يشكر المشاركون بها على ما أدلوا به من وقائع تاريخية كانت غامضة, ولكن من الملاحظ أنهم قد بالغوا في المواقف البطولية التي نسبوها لأنفسهم بتلك الأحداث..وأن رصد أبجديات الثورة اليمنية وتوثيق أحداثها واجب وطني وتاريخي يتطلب تشكيل لجنة من المؤرخين الأكاديميين لجمع وطرح وثائق أحداث الثورة اليمنية للنقاش والتحليل والتفسير التاريخي لمجريات أحداث هذه الثورة, بحيث تقوم اللجنة بالتعاون والتنسيق مع مراكز التوثيق والدراسات والأبحاث سواءٍ العامة أو الخاصة والتواصل مع الثوار الأحياء أو أسر المتوفيين…
مؤسسات
بكلام فيه قدر من الحسرة والاستغراب يتحدث الدكتور عبدالودود مقشر -أستاذ التاريخ بجامعة الحديدة قائلاٍ: إن الثورة هي الوحيدة التي لم تجمع وثائقها وتؤرشف بشكل علمي لكي يستطيع الباحثون الرجوع إليها والنهل منها والسير بكتابة التاريخ سيراٍ مستقيماٍ يمكننا من معرفة حقائق تاريخ الثورات اليمنية -شمالاٍ وجنوباٍ- فالوثائق في اليمن ينظر إليها على أنها ملك شخصي وليس ملك جمعي, وتتعرض للإهمال الشخصي والرسمي.. ولمعرفة مدى الإهمال الوثائقي والتوثيقي لننظر متى فقط تأسس المركز الوطني للوثائق سنجده تأسس بعد عقدين ونصف من الزمن بعد قيام الثورة اليمنية 26 سبتمبر.. ومازال حتى الآن يعاني من مشاكل مادية ونقص في الكوادر العلمية المتخصصة حتى أنه لا يوجد له مبنى مستقل… فالوثائق هي التي تصنع التاريخ أما عندنا فهي حسب تقلبات الأحوال والأنواء ..غريبة جدا.. إن لدينا مسميات مؤسسات وليس لدينا مؤسسات حقيقية حتى المؤسسة الوحيدة التي قامت بدور التوثيق المتأخر وهي مركز الدراسات والبحوث اليمني تم الاجتزاء من اغلب التسجيلات التوثيقية بل ورفض عرض بعض التسجيلات للباحثين… لذا فإن تدوين تاريخ الثورة مسؤولية وطنية يتحملها الجميع وتحتاج إلى إيجاد مؤسسة أن لم نقل –بحسب كلام مقشر- مؤسسات قائمة بذاتها تعمل على جمع الوثائق ومن ثم إخضاعها مع الموجود للدراسة العلمية الأكاديمية, قبل اختفاء من بقي من الجيل الذي شارك في الثورة وتختفي معه الكثير من الأحداث والوثائق…
خارجي
فيما يؤكد الباحث التاريخي محمد مالك -أحد طلاب الدراسات العلياء بجامعة صنعاء- أن ما تمت كتابته عن الثورة السبتمبرية حتى الآن غير كاف ولم يتناسب مع حجم الحدث الذي غير مجرى الحياة والمجتمع اليمني والذي نقله من عصور مظلمة إلى عصر أكثر إشراقا وتقدما.. وأن بعض المذكرات الشخصية لا ترقى إلى مستوى شرح الحقيقة التاريخية المجردة كونها ركزت على سيرة صاحبها وبطولاته بنوع من المبالغة متجاهلة عرض الوقائع والأحداث بحيادية وواقعية لأن الغرض من تأليف تلك المذكرات هو إبراز مدى وطنية صاحبها..وأنه كان له قصب السبق في الدفاع عن الجمهورية , ولولا جهوده وبطولاته لكانت تلك الثورة قد فشلت.
ويضيف: إن المذكرات التي تناولت أحداث الثورة اليمنية من ناحية سردها للأحدث التاريخية تناقض وتتباين مع غيرها, ما يدل على أن كْتاب تلك المذكرات تناولوا تلك الوقائع كل حسب فهمه لها وحسب المصلحة الشخصية التي يعتقد أنها ستفيده وتجعل منه شخصية وطنية ثورية يحترمها الشعب… وكذا الدراسات الأكاديمية حول الثورة ورموزها وأحداثها لا تزال قاصرة ولم تعط ذلك الحدث حقه وذلك بسبب قصور شديد في المصادر التاريخية واحتكار المعلومات والأحداث في أدمغة رجالات الثورة الأوائل الذين لا يزالون على قيد الحياة لأنهم يفضلون تأليف مذكرات خاصة بهم على أن يعطونها أو يناقشونها مع المختصين من الأكاديميين والباحثين في مجال التاريخ.
ودعا الباحث مالك الجهات المختصة كوزارة الثقافة والمركز الوطني للوثائق وغيرهما إلى أن تقوم بزيارة العديد من دور المخطوطات والمكتبات المصرية والسعودية والبريطانية والأميركية التي تحتفظ بالعديد من الوثائق المحفوظة الخاصة بالثورة اليمنية, كون هذه الدول كان لها تدخل مباشر وغير مباشر في أحداث تلك الفترة.
متطلبات
يتفق الجميع على ضرورة خضوع كتابات ووثائق الثورة المتوفرة للدراسات الأكاديمية من قبل المختصين من طلاب الدراسات العليا (ماجستير + دكتوراه ) بقسم التاريخ إلا أن هناك أسباباٍ تحول دون ذلك والتي لخصها لنا الدكتور رضوان الليث -رئيس قسم التاريخ بجامعة صنعاء- في أن الطلاب يواجهون مشاكل تتمثل في رفض أصحاب الوثائق إتاحتها للباحثين للإطلاع عليها, وتكتم بعض الثوار عن الحديث على بعض المواقف والأحداث الهامة والغامضة…مما أدى للأسف إلى تعثر بعض الرسائل العلمية وعدم خروجها إلى النور… وهنا لا نستطيع عمل شيء لمساعدة الطلاب باستثناء عمل مذكرات إلى المراكز الحكومية ذات العلاقة لمساعدة الطلاب…إضافة إلى المشاكل التي يعاني منها أساتذة التاريخ المشرفون على رسائل وأطروحات الطلاب والمتمثلة في تأخر صرف مستحقاتهم منذ خمس سنوات بحجة عدم وجود اعتمادات مالية, إلى جانب إعطاء الأولوية للدكاترة الوافدين في الجانب المالي الذين يستلمون أضعاف الدكاترة اليمنيين, رغم أن البعض ليس لهم احتياج ويمكن توظيف خريجي الدكتوراه اليمنيين بدلاٍ عنهم وبربع ما يستلمه الوافد, كل تلك المشاكل تجعل الباحثين ينشغلون بأشياء تحول دون مواصلة جهودهم في كتابة التاريخ وتتبع وثائق الثورة اليمنية والثوار… لذا فإن الأمر يتطلب سيولة مالية وإعادة النظر في ضرورة توفير كل متطلبات الباحثين الأكاديميين.

قد يعجبك ايضا