من أفتك صور الحرب الناعمة: الجرائم الالكترونية خطر يدمِّر المجتمعات والأوطان غياب التشريعات القانونية يصعِّب مهمة الأجهزة الأمنية والقضائية
تحقيق/ أسماء البزاز
الجرائم الالكترونية سلاح فتاك بالمجتمعات والقيم والمبادئ الإنسانية والوطنية باعتباره إحدى أخطر أنواع الحرب الناعمة التي تستهدف شعبنا وشبابنا على وجه الخصوص.. صور ونماذج عن أبعاد وتداعيات هذه الكارثة اللا أخلاقية تم طرحها على طاولة مجلس الشورى مع عدد من قيادات الدولة والعديد من الشخصيات الاجتماعية والأمنية والدينية والإعلامية والتربوية، نوضحها في سياق التحقيق الآتي مع المعنيين .. نتابع :
البداية نقف مع السيد القائد عبدالملك بدر الحوثي – حفظه الله – والذي تطرق لأبعاد هذه القضية في العديد من المحاضرات وحذر فيها من تلك الجرائم ومخاطرها ونتائج أضرارها، وان ذلك من أساليب اليهود ودول الغرب بهدف الإيقاع بالنخب الاجتماعية ثم عامة المجتمع
حيث قال: يتم الإيقاع في جرائم الفساد الأخلاقي (في الزنا، والجريمة المثلية) وتقوم بتصويرهم وهم في تلك الحالة البشعة جداً، من ممارسة الجرائم ثم الابتزاز لهم والإخضاع لهم على تنفيذ أوامرها والتحرك وفق ما تريده منهم وتطلبه منهم وتنفيذ أي جرائم أخرى.
تبدأ المسألة عن طريق الابتزاز وتبقى مسألة الابتزاز وسيلة للإخضاع والسيطرة ثم مع الاستمرار في ذلك تتدنس النفس وتخبث النفس ثم يصبح الإنسان متجهاً بشكل تلقائي لهم، وفق ما يريدونه في ارتكاب أي جريمة، مهما كانت بشعة، يخون أمته، يخون شعبه، يخون أسرته، يخون وطنه، يتجه لفعل أي جريمة، جريمة قتل أي إنسان حتى لو كان قريباً له.
كانوا أيضا يستهدفون النخب، يستهدفون الساسة، يستهدفون القادة، بنفس الهدف لإخضاعهم والسيطرة عليهم ثم اتجهوا إلى الاستهداف العام للمجتمعات بشكل عام.
الأخطر فتكا
وهنا يوضح لنا الباحث العقيد/ احمد يحيى علي سراج ان اَلْجَرِيمَةُ اَلإْلِكْتِرُونِيَّةُ مِنْ أَخْطَرِ اَلتَّحَدِّيَاتِ اَلأْمْنِيَّةِ اَلَّتِي تُوَاجِهُ اَلْمُجْتَمَعَاتُ وَالدُّوَلُ حَوْلَ اَلْعَالَمِ، ومِنْ أَبْرَزِ اَلْجَرَائِمِ اَلإْلِكْتِرُونِيَّةِ اَلَّتِي تُهَدِّدُ مُجْتَمَعَنَا، أهمها التي تستهدف اَلْفِئَةَ اَلضَّعِيفَةِ من النِّسَاء وَالأَطْفَالِ وَالشَّبَاب، ممن يَتِمُّ اِبْتِزَازُهُمْ وَاسْتِغْلاَلُهُمْ بِطُرُقِ لاَ أَخْلاَقِيَّةٍ وَمَادِّيَّة وَاجْتِمَاعِيَّةٍ وَثَقَافِيَّةٍ.وتُرَويجَ لِلأْفْكَار اَلْهَدَّامَةِ وَالْمُتَطَرِّفَةِ، وَتُسَاهِمَ فِي اِنْتِشَارِ جَرَائِمِ اَلاِنْتِحَارِ اَلإْلِكْتِرُونِيِّ بَيْنَ مِنْ اَلنِّسَاءِ واَلأْطْفَالِ وَالْمُرَاهِقِينَ.
وبيّن سراج أن ما يزيد الأمر سوءاً هو غياب اَلتَّشْرِيعَاتِ القانونية، مِمَّا يُصَعبُّ مُهِمَّةَ اَلأْجْهِزَةِ اَلأْمْنِيَّةِ وَالْقَضَائِيَّةِ، والاستخدام الواسع لِلأْجْهِزَةِ اَلذَّكِيَّةِ عَلَى مُسْتَوَى كُلِّ فَرْدٍ سَاهَمَ فِي تَزَايُدِ نِسْبَةِ اَلْجَرِيمَةِ بِشَكْلٍ غَيْرِ مَسْبُوقٍ.
لذا مِنْ اَلضَّرُورِيِّ اَلاِصْطِفَافِ اَلْوَطَنِيِّ فِي مُوَاجَهَة تِلْكَ اَلتَّهْدِيدَاتِ، وَالإْسْرَاعُ فِي إِصْدَار اَلتَّشْرِيعَاتِ وَالْقَوَانِينِ اَلرَّادِعَةِ، كَمَا يَجِبُ تَعْزِيزَ اَلتَّعَاوُنِ بين الجهات المعنية والْمُؤَسَّسَات الرَّسْمِيَّة وَالْمُجْتَمَعَات الْمَدَنِيَّة والعَمَل عَلَى التَنْسِيق الدولي وتَبَادُل المَعْلُومَات في مَجَال مُكَافَحَة الجَرِيمَة الإلكترونِيَّة.
وقال سراج: الجريمة الالكترونية من احدث الجرائم واخطرها في هذا العصر بل وتمتاز بسرعة الانتشار والحداثة والتجدد والتطور المستمر كما تعد النسق الأول للحرب الناعمة فكلاهما وجهان لعملة واحدة ومهامهما تكاملية، يقومان على الفساد والافساد للمرأة والطفل وتفكيك الترابط الاسري والنسيج الاجتماعي وتدمير المجتمع فكريا وأخلاقيا وثقافيا وعقائديا.
وأضاف: ان انواع الجرائم الالكترونية ووسائلها وتنقسم إلى قسمين أساسيين أولها الجرائم المرتكبة ضد الأجهزة الالكترونية وأدواتها وهذا النوع قد توقع خسائر مادية ضخمة واضرار تدميرية كبيرة للبنية التحتية، وجرائم التي تكون فيها الأجهزة الرقمية وسيلة أو مسرحاً لارتكاب الجرائم بأنواعها التي قد يتعرض لها أهم واضعف فئات المجتمع وهي فئة الأطفال والنساء.
وأوضح سراج أسباب وعوامل تزايد انتشار الجريمة الالكترونية منها:
– ضعف الثقافة القرآنية والوازع الديني لدى بعض أولياء الأمور، عدم الاهتمام بالتربية الإيمانية للأهل والأبناء .
– التوسع الهائل في استخدام الأفراد للتقنية بعشوائية مع انخفاض مستوى التعليم والجهل وانتشار الأمية الالكترونية.
– وجود فجوة بين الشرطة والمواطن، إضافة إلى خوف الضحية أو ضعف الثقة في إمكانية الشركة.
– التشدد الزائد من قبل أولياء الأمور مع الفتيات يجعل الفتاة تخشى من أن تشتكي ما يجعلها فريسة وضحية سهلة للمبتز.
– التحسس المفرط تجاه العيب والعار يحمي المجرم ويساعده على الإفلات من العقاب.
– الخصائص الفريدة التي تمتاز بها تلك الجرائم تحفظ وتشجع المجرم للمحاولة والتكرار
162 نوعاً من الجرائم الالكترونية:
من جهته أوضح القانوني الدكتور محمد محمد الحسني في واقع الجرائم الالكترونية ان هناك أكثر من 162 نوعاً من أنواع الجرائم التي ترتكب عبر الإنترنت وان القواعد القانونية التقليدية لا تصلح لمواجهة الجرائم الالكترونية والمجتمع الافتراضي له قواعده وأدواته التي تحكمه
مؤكدا أهمية المسارعة في وضع التشريعات التي تحد من المخاطر الاجرامية. ومن ذلك الجرائم الجنسية والإعلان والترويج للمواد الجنسية وتعريض الأطفال للانحراف وعرض الصور الإباحية واستغلال الأطفال والاتجار بالبشر بالإضافة إلى الجرائم المتعلقة بالحسابات البنكية، وجريمة الدخول غير المشروع على الحساب وجريمة الاستغلال غير المشروع لبطاقات الائتمان وجريمة قبول التعامل ببطاقة مسروقة وتحويل الأموال.
وقال الحسني: في هذه المرحلة يُلاحظ أن الشخص قد يصرف النظر عن التفكير المتواصل ولكن المشكلة تلاحقه في مجال تفكيره من حين لآخر.
مبينا ان من مخاطر تلك الجرائم قد تعرض الدولة لمخاطر جسيمة كإنشاء المواقع لنشر الفكر الإرهابي واستخدام وسائل التواصل الاجتماعي للتحريض والتحشيد والتجسس على أجهزة الدولة وكياناتها وتدمير المواقع الالكترونية والنظم المعلوماتية للدولة.
وأكد الحسني أهمية المواجهة التشريعية للجريمة الالكترونية وتعديل كافة القوانين بما يتفق مع التعامل مع المعطيات الالكترونية واهمها قانون المرافعات، قانون والأثبات، وقانون الإجراءات الجزائية والجمارك والضرائب وغيرها من القوانين.
8.15 تريليون دولار:
من ناحيته أوضح المهندس طارق محمد راصع – مدير أمن المعلومات في المؤسسة العامة للاتصالات- أن التقدم التكنولوجي السريع والانفتاح على العالم الرقمي قد جاء بمنافع لا حصر لها، ولكنهما أيضا فتحا الباب أمام تحديات جديدة، من أبرزها الجريمة الالكترونية والتي أصبحت تشكل تهديداً جدياً للمجتمعات والحكومات على حد سواء.
وتطرق راصع إلى مؤشرات عن الجريمة الالكترونية حيث قال: يقوم 91 % ممن يمتلكون أجهزة ذكية حول العالم بإتمام معاملات مالية أو عمليات شراء وتسوق عبر الانترنت و يستخدم 87 % من البشر المتصلون بالإنترنت شبكات التواصل فيما يحتفظ 25 % من المستخدمين بكلمات المرور الخاصة بحساباتهم الشخصية وحساباتهم البنكية على هواتفهم الذكية أو حساباتهم وتزايد 65 % نسبة من يحتفظون بصورهم الشخصية على هواتفهم الذكية أو اجهزتهم اللوحية وان نسبة 72 % من الاختراقات الالكترونية ناجمة من الاخطاء البشرية.
مؤكدا على أهمية التوعية بمخاطر الجريمة الالكترونية، حيث أصبحت الجرائم المعلوماتية ومخاطر الإنترنت وشبكات التواصل الاجتماعي تمثل هاجساً مؤرقاً للحكومات والمجتمعات، فقد بلغت خسائر الجرائم الالكترونية في عام 2023م 8.15 تريليون دولار ومن المتوقع ان تتخطى 13.82 تريليون دولار عام 2028م .
وأضاف راصع أنه ومن هذا المنطلق سعت المؤسسة العامة للاتصالات لسدة الفجوة المعرفية لدى جميع العاملين لديها والأفراد في المجتمع من خلال تبني برامج الوعي الرقمي وأولت اهتماماً كبيراً بأمن المعلومات، وقامت بعدد من الأعمال في مجال أمن المعلومات وتنفيذ مشروع نشر الوعي الرقمي لدى الأفراد في المؤسسات والجهات الحكومية وطلاب الجامعات والمدارس لحمايتهم من الوقوع فريسة سهلة بيد مجرمي المواقع الإلكترونية وزعزعة الأمن والاستقرار في البلاد.
المدارس والجامعات:
وعن أهمية التوعية المدرسية والتربوية لأبنائنا وبناتنا في المدارس والجامعات نقلت عزيزه الشيباني- رئيس قسم الخدمة الاجتماعية بمدارس الرشيد الحديثة تجربة المدرسة في الندوة التي نظمها المجلس مع قيادات الدولة والجهات الأمنية والمعنية في أبعاد وتداعيات هذه الجرائم وكيفية ضبطها والحد من انتشارها والتوعية المجتمعية بمخاطرها بما يضمن أمن واستقرار البلد.
وحملت الشيباني المسؤولين في البلاد مسؤولية التوعية بمخاطر الجريمة الإلكترونية والتعاون في ضبطها وخلق تعاون وشراكة واسعة بين كل الجهات المعنية من وزارات ومؤسسات ومدارس وجامعات وشرحت آليه العمل التي تمت من خلالها التوعية وأدوار الأخصائيين الاجتماعيين ومدراء المدارس في التنفيذ مع الجهات المعنية في البلاد في مكافحة هذه الظاهرة أولاً بأول.
وأوضحت أهمية استهداف المدارس بحملات التوعية باعتبارها اهم شريحة تتعرض للجرائم الالكترونية وتكثيف الوعي والتثقيف المجتمعي بمخاطرها.
مقترحات تشريعية:
وكان رئيس مجلس الشورى محمد حسين العيدروس، قد أوضح خلال ندوة علمية حول “مخاطر الجريمة الالكترونية في المجتمع اليمني” بالقول: إن الجريمة الإلكترونية تمثل تحدياً كبيراً في عصرنا هذا، حيث تتطور تقنياتها وأدواتها بوتيرة سريعة، مما يفرض علينا مواجهتها بكل جدية وحزم.
وبيّن العيدروس : أن الجريمة الإلكترونية في اليمن باتت تشكل ظاهرة لها انعكاسات سلبية على أمن الأفراد واستقرار المجتمع، وفقاً لإحصاءات الجرائم الإلكترونية المضبوطة التي تم العمل عليها لدى الجهات ذات العلاقة، في ظل جهل الكثير من مستخدمي الإنترنت في اليمن بطرق الإبلاغ عن الجرائم الإلكترونية وطرق التعامل معها حال حدوثها، وغياب التشريعات المحلية المتعلقة بمكافحة الجريمة الإلكترونية، وفي ظل غياب برامج التوعية بمخاطرها، الأمر الذي يؤدي إلى تعريض مستخدمي الإنترنت لكثير من المخاطر؛ الأمر الذي استوجب من مجلس الشورى إدراج هذه الموضوع الهام ضمن مهامنا.
وقال العيدروس: شكّل الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي بيئة خصبة لتكاثرها وتطوير قدراتها وتجاوزها لمفاهيم الجرائم التقليدية؛ الأمر الذي استوجب تكامل جميع جهود المؤسسات الوطنية ذات العلاقة مع المؤسسة الأمنية وجهود القطاع الخاص والمجتمع من أجل وضع رؤى ومقترحات تشريعية وإعلامية وثقافية وطنية متكاملة تساعد في مكافحة الجرائم الإلكترونية، سيما مع التطورات الحاصلة في تقنية الذكاء الصناعي.