تزداد ألقاً وتوهجاً بتقادم السنوات:مظاهر استقبال الشهر الكريم بمحافظة الحديدة.. طقوس متجددة لا تتأثر بعوامل الزمن
تتغير الظروف والأحوال وتتبدل الأنظمة السياسية وتتوالى الأحداث والمتغيرات وتبقى محافظة الحديدة خصوصا، وسهل تهامة الغربي بشكل عام على ذات العهد والحال من الوفاء للعادات والتقاليد والطقوس الروحانية المرتبطة بشهر رمضان المبارك.
عروس البحر الأحمر كما تعرف به المدينة التي تحاكي البحر في سحره وعنفوانه وسطوته بات اليوم في طليعة الشعب اليمني في مواجهة تحالف عدواني جديد أبطاله هذه المرة أمريكا وبريطانيا وكثير من دول الشر والطغيان والاستكبار العالمي وساحته البحر الأحمر الذي يسطر اليوم تاريخا جديدا من بطولات أبناء اليمن وتفانيهم في سبيل الدفاع عن الدين والوطن والمقدسات وفي نصرة المظلوم وإغاثة الملهوف والتصدي للظالمين بقوة وحزم ودون وجل أو خوف لومة لائم.
مهما تكن التحديات الناجمة عن ممارسات وجرائم أعداء اليمن والأمة تبقى تهامة اليمن الغربية منبع النقاء والبساطة والجمال لتزداد جمالا وألقا خلال ليالي وأيام الشهر الكريم. استقبال شهر رمضان المبارك في الحديدة ومختلف مناطق تهامة الغرب تأخذ أشكالا ومظاهر عديدة وتكون منذ وقت مبكر.
تبدأ مظاهر الاستقبال التهامي قبل حلول الشهر الفضيل بأسابيع وجميعها تعكس مشاعر الابتهاج والفرحة بهذه المناسبة العظيمة لكن أقدم وأجمل تلك العادات كما يؤكد المؤرخون تتمثل في طلاء وتزيين المساجد وخصوصا الأثرية منها والتاريخية وهي تقاليد وعادات طيبة تعود كما يقول المتخصص في التراث التهامي عرفات عبد الرحمن الحضرمي إلى مئات السنين ولا تزال صامدة ومتجددة إلى اليوم لا تتأثر أبدا بما حولها من عوامل الزمن.
أبناء تهامة في كافة المناطق والأحياء والعُزل يحرصون على تزيين المساجد وتهيئتها وطلاء قبابها ومآذنها ومرافقها بمادة الجير(النورة) معتمدين على الأموال الخيرية الموقوفة لهذه المساجد، أو عن طريق تبرعات الخيرين. أو بمبادرات ذاتية من المواطنين وخصوصا في القرى الصغيرة والنائية، ليكون ذلك أول نكهة تصبغ الأجواء بالطابع الرمضاني..
ما إن تبدأ حارة أو عزلة بطلاء مسجدها إلا وتتقاطر بقية العزل بتهيئة كل مساجد المدينة. وفي هذه العادة العتيقة المتجددة يكون التنافس بين السكان على أشدّه حيث يحرص سكان كل قرية على ظهور مسجدهم أكثر جمالا وتميزا من مساجد القرى الأخرى وذلك من خلال اختيار النوعيات الجيدة من “النورة” التي تستخرج من محاريق الياجور المنتشرة في كل قرية تقريبا لمثل هذه المناسبات الدينية المميزة التي ينتظرها الناس بشغف ولهفة ويتبارون بجدية كبيرة في تزيين المساجد وكذلك البيوت التاريخية وكذلك واجهات المحلات التجارية في مدن وأسواق المناطق الأثرية على غرار زبيد وحيس وبيت الفقيه والزيدية وغيرها من المناطق التاريخية فتزدان قباب ومآذن المساجد وتلك الأمكنة بروعة وروحانية أجواء الشهر الكريم.
تشمل الاستعدادات لاستقبال شهر رمضان في تهامة تنظيف المساجد وتجديد المصاحف وتهيئة مجالس العلم والذكر لإحياء الليالي المباركات بتلاوة القرآن الكريم وقراءة كتب السيرة النبوية المطهرة على صاحبها وآله أفضل الصلاة والسلام .
ترحيب مبكّر
يبدا أبناء تهامة الترحيب بقدوم الشهر الكريم منذ وقت مبكر وبالتحديد في ليلة الـ15من شعبان وتسمى هناك بـ”الشعبانية” ويصوم معظم الناس هذا اليوم وتذبح الذبائح وتقام الولائم ويحييون هذه الليلة في المبارز والدواوين بتلاوة القرآن الكريم وترديد الأذكار والابتهالات الدينية بشكل جماعي ومن تلك الموالد وقبلها من المساجد عقب صلاة عشاء تلك الليلة يبدأ الترحيب الفعلي بقدوم شهر رمضان المبارك وذلك بالصلاة والسلام على سيدنا محمد عليه وآله افضل الصلاة وازكى السليم ومن تلك الأهازيج التي يتم ترديدها بشكل جماعي وبأصوات شجية(الصلاة والسلام عليك يا سيد المرسلين- مرحبا بك مرحبا يا شهر رمضان- مرحبا بك مرحبا يا شهر القرآن- مرحبا بك مرحبا يا شهر التوبة والغفران- مرحبا بك مرحبا يا شهر المصابيح- مرحبا بك مرحبا يا شهر الرحمات) وغيرها من الأهازيج المعبرة التي يرددها الصغار والكبار فرحين مستبشرين بقدوم الشهر الكريم. كما تستعد الأربطة والمنازل العلمية والتي تسمى بـ(المنزلة وهي المكان المخصص للمنصب أو للعالم أو لأسرة علمية مشهورة) ومبارز تخزين القات كذلك من خلال تنظيفها وطلائها بالأبيض، وزيادة مصاحفها للراتب الرمضاني القرآني.
ويبدأ رمضان بالاقتراب وتتوقف المكبرات الصوتية عن الترحيب بالأهازيج الجماعية قبل حلول الشهر الكريم بليلتين فقط إيذانا بدخول أجواء رمضان وروحانيته الصافية.