الثورة /ناصر جرادة
بدأ الاستيطان في الضفة الغربية مع الاحتلال الإسرائيلي عام 1967، حيث تم تعديل المنظومات القانونية، عبر اعتماد توليفة من الأوامر العسكرية غير القانونية، التي تشرّع مصادرة أراضي الفلسطينيين العامة والخاصة والاستيلاء عليها، بغرض استخدامها لبناء المستوطنات والخدمات الخاصة بها والأغراض الاستيطانية.
واعتمدت جميع الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة سياسة بناء المستوطنات وتوسيعها في الضفة الغربية، وتقديم الحوافز والتسهيلات لتشجيع هجرة الإسرائيليين إليها. وبعد أن كانت الضفة الغربية خالية تماما من المستوطنات عام 1967،
شهدت الضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية منذ عام 2017 ارتفاعا ملحوظا في عدد الوحدات الاستيطانية، وفي 11 يناير 2018، أعلنت السلطات الإسرائيلية موافقتها على بناء أكثر من 1100 وحدة استيطانية جديدة، واستمر الارتفاع عام 2019.
وقد شهد عام 2020 زيادة بنسبة 40% مقارنة بالعام السابق له، وفقا لتقرير مكتب ممثلية الاتحاد الأوروبي التابع للأونروا لعام 2021، وتضاعفت الوحدات الاستيطانية في القدس الشرقية عام 2021 مقارنة بالعام السابق له، من 6 آلاف و288 وحدة سكنية إلى 14 ألفا و894 وحدة سكنية.
وشمل التوسع الاستيطاني، وفقا لما ورد في التقرير، تطوير مشاريع البنية التحتية والطرق، إضافة إلى إنشاء ما يسمى المزارع الاستيطانية الجديدة غير القانونية، كما صاحب تزايد خطط التوسع الاستيطاني تصاعد عنف المستوطنين في الأرض الفلسطينية المحتلة.
وبمجرد نيلها ثقة البرلمان في ديسمبر 2022 وضعت الحكومة الإسرائيلية برئاسة بنيامين نتنياهو الاستيطان في طليعة ملفاتها المهمة، وأعلن نتنياهو أن حكومته ستعمل على تعزيز الاستيطان بالضفة الغربية، ومنذ ذلك الحين، تزايدت وتيرة اعتداءات المستوطنين في الأراضي الفلسطينية وباتت تتصدر المشهد.
ورصد تقرير أنجزته «هيئة مقاومة الجدار والاستيطان» التابعة لمنظمة التحرير الفلسطينية النشاط الاستيطاني الإسرائيلي في الضفة الغربية والقدس المحتلة خلال عام 2022، وخلص إلى أن الاستيطان فيه زاد بنسب غير مسبوقة منذ احتلال الضفة الغربية والقدس عام 1967.
وبحسب معطيات الهيئة بلغ عدد المستوطنين في مستوطنات الضفة -بما فيها القدس- 726 ألفا و427 مستوطنا موزعين على 176 مستوطنة، و186 بؤرة استيطانية (غير مرخصة) 86 منها بؤر رعوية زراعية حتى بداية 2023.
وأشار التقرير إلى إقامة 12 بؤرة استيطانية في محافظات الضفة الغربية عام 2022م.
وخلال عام 2022 صادقت حكومة الاحتلال على 83 مخططا لبناء 8288 وحدة استيطانية جديدة في الضفة الغربية، و2635 وحدة بالقدس المحتلة، وصادرت سلطات الاحتلال قرابة 26.5 كيلومتر مربع تحت مسميات مختلفة مثل إعلان محميات طبيعية، وأوامر استملاك ووضع يد، واعتبارها «أراضي دولة».
وفقا لحركة «السلام الآن» اليسارية الإسرائيلية الرافضة للاستيطان فإن الضفة الغربية منذ تسلم حكومة نتنياهو مهامها نهاية عام 2022 تشهد أكبر عملية استيطان منذ عام 2012، إذ دفعت حكومة نتنياهو مخططات لإقامة 12 ألفا و885 وحدة استيطانية.
وأشارت معطيات الحركة إلى أن الحكومة الإسرائيلية نشرت أيضا مناقصات لبناء 1289 وحدة استيطانية، وهو ما يرفع إجمالي عدد الوحدات إلى أكثر من 14 ألفا، وأكبر هذه المخططات كان في مستوطنة «معاليه أدوميم» شرق مدينة القدس، حيث أُقرّت 1475 وحدة استيطانية، ومستوطنة «عيلي» شمال شرق رام الله، التي أُقرّت فيها 1081 وحدة استيطانية.
تضاف إلى ذلك مستوطنة «كوخاف يعقوب» وسط الضفة الغربية، حيث أُقرّت 627 وحدة استيطانية، و»جفعات زئيف» شمال غرب القدس، التي أُقرّت فيها 559 وحدة استيطانية.
كما أُقرّ بناء 350 وحدة استيطانية في مستوطنة «ألكناه» القريبة من نابلس، و374 وحدة في مستوطنة «كريات أربع» في الخليل جنوبي الضفة، و380 وحدة في مستوطنة «كيدوميم» شمالي الضفة، إضافة إلى توسعات في العديد من المستوطنات الأخرى.
وفي 20 مارس 2023 سن الكنيست قانون تطبيق خطة فك الارتباط، الذي يزيل التقييدات على دخول واستيطان الإسرائيليين في المناطق التي تم إخلاؤها ضمن خطة فك الارتباط عام 2005، بما يسمح عمليا برجوع المستوطنين وإعادة بناء 4 مستوطنات في المناطق التي تم إخلاؤها في شمال الضفة الغربية.
وتقدر مساحة الضفة الغربية المحتلة بعد اتفاقية أوسلو بـ 5860 كيلومتراً، ولكن بوجود المستوطنات والجدار العازل تقلصت مساحتها بنحو 50% وفق أرقام وكالة الأنباء الفلسطينية.
كما عزل الجدار 13 تجمعاً سكانياً يقطنه 11700 فلسطيني، تنحصر حركتهم في المنطقة ما بين الخط الأخضر (حدود 67) والجدار.
وكانت محكمة العدل الدولية في لاهاي، قد أقرت في 2004، بعدم قانونية الجدار العازل، وطالبت إسرائيل بوقف البناء فيه.
وقد تسبب الاستيطان المتواصل في تقليص مساحة فلسطين التاريخية، فلم يبق للفلسطينيين سوى نحو 15% فقط من مساحة فلسطين التاريخية المقدرة بنحو 27 ألف كيلومتر مربع، حيث يستحوذ الاحتلال على أكثر من 85% من المساحة الفعلية.
في ذات السياق صادق مجلس التخطيط الأعلى للاستيطان في الضفة الغربية الأربعاء الفائت، على بناء نحو 3500 وحدة استيطانية جديدة في ثلاث مستوطنات وسط الضفة الغربية.
ويأتي الكشف عن الوحدات الاستيطانية الجديدة في وقت يواصل فيه جيش الاحتلال الإسرائيلي شن حرب مدمرة على قطاع غزة منذ 7 أكتوبر الماضي، بموازاة تصعيد خطير في الضفة الغربية المحتلة.
وُعقد الاجتماع بعد سنة واحدة من نقل صلاحيات الإدارة المدنية في الضفة الغربية إلى وزير المالية بتسلئيل سموتريتش، وهو مستوطن يسكن في مستوطنة مقامة شمال الضفة الغربية.
وقالت القناة السابعة العبرية، إن سلطات الاحتلال وافقت منذ تولي سموتريتش منصبه قبل سنة على إنشاء 18 ألفاً و515 وحدة استيطانية في الضفة الغربية، وهو أكبر عدد من الوحدات الاستيطانية يتم الموافقة عليه في سنة واحدة.
وجاءت المصادقة على هذه الوحدات الاستيطانية بعد أسبوع من توقيع قائد جيش الاحتلال أمرًا بتحويل بؤرة “متسبيه يهودا” الاستيطانية القريبة من مستوطنة “معاليه أدوميم” إلى مستوطنة حضرية كبيرة تسمى “مشمار يهودا”، وخصص مساحة 417 دونمًا لتوسيع البؤرة عليها، في حين أن مساحة البؤرة حاليًا تبلغ 50 دونمًا فقط، وتحتوي على عدد محدود من المباني والسكان.
ويتضمن قرار المصادقة بناء 2350 وحدة استعمارية في مستعمرة “معالي أدوميم”، و300 وحدة في مستعمرة “كيدار” المقامة على أراضي المواطنين جنوب شرق القدس المحتلة، و694 وحدة في مستعمرة “إفرات” المقامة على أراضي المواطنين جنوب القدس المحتلة.
وعلى ذات الصعيد، قال الناطق الرسمي باسم الرئاسة الفلسطينية نبيل أبو ردينة، إن مصادقة سلطات الاحتلال الإسرائيلي على بناء 3500 وحدة استيطانية في القدس الشرقية، تمثل محاولة إسرائيلية واضحة لجر المنطقة إلى الانفجار الشامل الذي حذرنا منه مراراً، مؤكداً أن الفشل الدولي وخاصة الأميركي في معاقبة إسرائيل شجعها على الإمعان في تحدي الشرعية الدولية ورفضها.
الاستيطان يقوِّض «حل الدولتين»
وتعتبر الأمم المتحدة ومعظم المجتمع الدولي، الاستيطان في الأراضي المحتلة عام 1967 غير قانوني، وتدعو إسرائيل إلى وقفه، بلا جدوى، محذّرة من أنه يقوّض فرص معالجة الصراع وفقاً لمبدأ حل الدولتين.
وقالت نائبة المنسق الأممي الخاص لعملية السلام في الشرق الأوسط “لين هاستينغز” في كلمة لها، إن “ترك الصراع الفلسطيني الإسرائيلي دون حل من شأنه أن يؤدي إلى تدهور أكبر”.
كما حذرت هاستينغز في إفادتها من أن “التوسع الاستيطاني الإسرائيلي من شأنه أن يقوض احتمالات إقامة دولة فلسطينية قابلة للحياة”.
وقالت: “على مدى سنوات، استمر التوسع الاستيطاني غير القانوني في الضفة الغربية المحتلة، بما في ذلك القدس الشرقية، مما يقلص بشكل مطرد الأراضي المتاحة للفلسطينيين، وتآكل آفاق إنشاء دولة فلسطينية قابلة للحياة”.
أحدث المشروع الاستيطاني تحولا في الضفة الغربية، وأصبح تأثيره محسوسا على كل مستويات الحقوق الأساسية الخاصة بسُكان المنطقة الفلسطينيين، وتعد جميع المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية غير قانونية، ويشكل إنشاؤها انتهاكا خطيرا للقانون الإنساني الدولي، الذي يحظر صراحة نقل سكان قوة الاحتلال إلى الأراضي المحتلة.
ويشكّل كثير من المستوطنات بؤرا للعنف وارتكاب الجنح الجنائية ضد الفلسطينيين وممتلكاتهم، وتجسد هذا التأثير في سرقة ونهب مئات آلاف الدونمات التي أقيمت عليها المستوطنات والمناطق الصّناعية والطرقات والأراضي الزراعيّة والمناطق السياحية وغيرها.
ويبين التقرير الذي قدمته منظمة متطوعي حقوق الإنسان الإسرائيلية (ييش دين) للأمم المتحدة، من خلال أبحاث واستقصاءات أجرتها، أن سياسات سلطات الاحتلال بخصوص حماية المستوطنات لها أثر «هدّام، وتؤدي لانتهاكات جسيمة بحق الفلسطينيين بالحياة وسلامة الجسد والأمن، والحق بالملكية وحرية الحركة والمساواة، إلى جانب انتهاك الحقّ الجمعي على ثرواتهم الطبيعية».
النشاط الاستيطاني الصهيوني المكثف في الضفة العربية يجعل «حل الدولتين» الذي تسوقه الإدارة الأمريكية والمطبعون الغرب مجرد كذبة تمنح الاحتلال المزيد من الوقف لتنفيذ أطماعه في ابتلاع ما تبقى من أراضي فلسطين التاريخية.
الاحتلال يوسّع عمليات الاستيطان في الضفة الغربية بالتزامن مع حرب الإبادة في غزة
الاحتلال يقر إنشاء 18 ألف وحدة استيطانية جديدة خلال عام واحد