محاولة آثمة ووحشية للغاية يقوم بها العدو الصهيوني لتهجير سكان غزة من خلال تكثيف وتوسيع الغارات والتي تؤكد نية العدو الصهيوني لإفراغ القطاع من سكانه وتهجيرهم وهو مشروع قديم أحياه العدو الصهيوني مع بدء عملية طوفان الأقصى التي أعلنتها كتائب القسام في الـ7 من أكتوبر الحالي.
ويبدو أن مشروع العدو ومحاولاته لتهجير سكان غزة سيفشل بسبب رفض سكان قطاع غزة طلبات العدو الصهيوني وتأكيداتهم بأنهم باقون في أرضهم ولن يبرحوها إلى أي مكان مهما بالغ العدو الصهيوني في إجرامه، وهو ما يؤكد أن الفلسطينيين تعلموا من الماضي.
الثورة / محمد الروحاني
ومع الطلبات الصهيونية لتهجير الفلسطينيين إلى «سيناء» نريد أن نوضح أن جذور خطط تهجير الفلسطينيين من غزة ليست وليدة اللحظة وإنما تعود إلى الفترة التي تلت نكبة 1948م، حيث رأى القادة الصهاينة أن وجود الفلسطينيين في غزة والضفة الغربية يشكل تهديداً لطابع الدولة اليهودية ومن هؤلاء ديفيد بن غوريون، أول رئيس وزراء لكيان العدو حيث قال وقتها إن «العرب يجب ألا يظلوا هنا، وسأبذل قصارى جهدي لجعل العرب في دولة عربية».
ومنذ نكبة 1948م ظلت مشاريع تهجير الفلسطينيين جزءاً من استراتيجية العدو الصهيوني في حيث تقدمت مؤسسات صهيونية مختلفة بمشاريع لتهجير الفلسطينيين من قطاع غزة ونقلهم إلى خارجها ومن هذه المشاريع المشروع الذي قدمت وزارة الخارجية بكيان العدو عام 1968م، والذي يهدف إلى تشجيع الفلسطينيين في غزة على الانتقال والعيش في الضفة الغربية، ومن ثم إلى الأردن وبلدان أخرى في العالم العربي. وقد نُفِّذ هذا المشروع بشكل غير مباشر وعفوي، دون أن يظهر أنه مدبَّر من الكيان الصهيوني، ومع ذلك، لم يحقق هذا المشروع نجاحاً يُذكر بسبب رفض الفلسطينيين في القطاع الانتقال إلى الضفة الغربية المحتلة.
وفي العام نفسه ناقشت لجنة في الكونغرس الأمريكي خطةً لتهجيرٍ طوعيٍّ لنقل 200 ألف فلسطيني من غزة إلى دول أخرى مثل ألمانيا الغربية والأرجنتين وباراغواي ونيوزلندا والبرازيل وأستراليا وكندا والولايات المتحدة. ولكنَّ هذه الخطة فشلت بسبب رفض كثير من الدول استضافة الفلسطينيين على أراضيها.
محاولة نقل العائلات من غزة وإلقائهم في سيناء
في عام 1970م، حاول أرئيل شارون، الذي كان قائداً في جيش كيان العدو وأصبح لاحقاً رئيساً للوزراء، تفريغ قطاع غزة من سكانه، ونُقل مئات العائلات الفلسطينية في حافلات عسكرية وألقاهم في مناطق مثل سيناء التي كان العدو الصهيوني يحتلها آنذاك، وعائلات أخرى وُجِّهت نحو العريش على حدود غزة.
وتضمنت الخطة منح تصاريح للفلسطينيين الذين يرغبون في المغادرة من غزة للدراسة والعمل في مصر وتقديم حوافز مالية لتشجيعهم على ذلك حيث كان الهدف من هذه الخطة هو إحداث تغيير في التوزيع السكاني في غزة بهدف القضاء على المقاومة وتخفيف الاكتظاظ السكاني، حيث كان عدد السكان في ذلك الوقت يبلغ 400 ألف نسمة.
على الرغم من أن هذا المشروع حظي ببعض الانتشار في ذلك الوقت، إلى جانب سياسة «الجسور المفتوحة» للفلسطينيين مع مصر والأردن التي دعا إليها وزير خارجية كيان العدو آنذاك، موشيه ديان، إلا أن الموضوع اقتصر على سفر الفلسطينيين إلى مصر للدراسة والعودة مرة أخرى، أو الذهاب إلى دول الخليج للعمل.
خطة البدائل الإقليمية
في العام 2000م، قدم اللواء في الاحتياط غيورا أيلاند، الذي كان يرأس مجلس الأمن القومي في كيان العدو، مشروعاً يُعرف باسم «البدائل الإقليمية لفكرة دولتين لشعبين». نُشر هذا المشروع في مركز بيغن-السادات للدراسات الاستراتيجية.
ويستند المشروع إلى افتراض أن حل القضية الفلسطينية ليس مسؤولية إسرائيل وحدها، بل هو مسؤولية تشترك فيها 22 دولة عربية.
وفقاً للمشروع، ستقدم مصر تنازلاً عن 720 كيلومتراً مربعاً من أراضي سيناء لصالح الدولة الفلسطينية المقترحة.
وتتألف هذه الأراضي من مستطيل يبلغ طول ضلعه الأول 24 كيلومتراً، يمتد على طول الساحل من مدينة رفح إلى حدود مدينة العريش في سيناء، والضلع الثاني طوله 30 كيلومتراً من غرب معبر كرم أبو سالم ويمتد جنوباً بالتوازي مع الحدود المصرية الإسرائيلية.
تكون المنطقة المقترحة مساحتها مضاعفة لمساحة قطاع غزة، وتعادل 360 كيلومتراً مربعاً، وتمثل 12 % من مساحة الضفة الغربية. في المقابل، يتنازل الفلسطينيون عن نفس المساحة المقترحة في سيناء من مساحة الضفة الغربية وتضمينها السيادة الإسرائيلية.
على جانب آخر، ستحصل مصر على تبادل للأراضي مع إسرائيل في جنوب غرب النقب (منطقة وادي فيران) بنفس المساحة، مع منحها امتيازات اقتصادية وأمنية ودعماً دولياً.
وعلى الرغم من التركيز الصهيوني على هذا المشروع، فإن توقيت صدوره كان سبباً في فشله، حيث جاء بعد تعثر مفاوضات كامب ديفيد بين ياسر عرفات وإيهود باراك، وبعد اندلاع انتفاضة الأقصى، وإغلاق صفحة المفاوضات الثنائية لعدة سنوات.
وطن بديل للفلسطينيين
في عام 2004م، قدم يوشع بن آريه، الرئيس السابق للجامعة العبرية، مشروعاً مفصلاً لإقامة وطن بديل للفلسطينيين في سيناء، استناداً إلى مبدأ تبادل الأراضي بين مصر وإسرائيل وفلسطين، والمعروف سابقاً بمشروع «غيورا أيلاند».
تتضمن الفكرة تخصيص أراضٍ في سيناء للدولة الفلسطينية، وتحديداً منطقة العريش الساحلية، مع إنشاء ميناء بحري عميق وخط سكك حديد دولي بعيد عن إسرائيل، ومدينة كبيرة تحتضن السكان، وبنية تحتية قوية، ومحطة لتوليد الكهرباء، ومشروع لتحلية المياه.
بموجب المشروع، ستحصل مصر على أراضٍ في صحراء النقب جنوب إسرائيل بنفس المساحة التي ستمنحها للفلسطينيين في سيناء، وتبلغ نحو 700 كيلومتر مربع، مع توفير ضمانات أمنية وسياسية لإسرائيل بعدم وجود بناء للمستوطنات في المنطقة الحدودية مع مصر، والسماح لمصر بإنشاء شبكة طرق سريعة وسكك حديدية وأنابيب لنقل النفط والغاز الطبيعي.
وعلى الرغم من أن المشروع اعتمد بشكل كبير على أفكار مشروع أيلاند السابق، فإن تزامن إعلانه مع انسحاب إسرائيل من قطاع غزة، وفوز حركة حماس في الانتخابات التشريعية، وسيطرتها على غزة، وفرض الحصار الإسرائيلي عليها، جعل من الصعب تحقيق نجاح المشروع.
صفقة القرن
مشروع صفقة القرن، الذي أطلقه الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترمب في عام 2020م تحت عنوان «السلام على طريق الازدهار»، كان آخر مشاريع تهجير الفلسطينيين من غزة، حيث لم مشروع صفقة القرن كثيراً من المشاريع السابقة، وتضمن نفس المحاور، بما في ذلك تنازل مصر عن أراضٍ في سيناء لإقامة مطارات ومصانع ومراكز تجارية ومشاريع زراعية وصناعية تسهم في توفير فرص عمل لمئات آلاف الأشخاص، وتأسيس دولة فلسطينية في تلك المنطقة مع شرط أن تتخلص من السلاح وهي الصفقة التي فشلت بسبب التغييرات في المنطقة.
ورغم فشل كل المحاولات الصهيونية لتهجير سكان غزة إلا أن العدو الصهيوني أكد حالياً انه ماض في هذه المشاريع ومصمم على تهجير سكان غزة، من خلال طلبه تهجير سكان غزة إلى سيناء وتكثيف الغارات على القطاع لدفع سكان غزة إلى الهجرة ولكن يبدو أن هذا المشروع سيفشل بسبب تمسك الفلسطينيين بالبقاء في أرضهم ورفض الهجرة من القطاع والتأكيد على انهم لن يغادروها مهما بالغ العدو الصهيوني في إجرامه.