(إنَّ اللهَ يُحبّ المـُحسِنين)، (واللهُ يُحبّ المـُحسِنين)، وكذلك هي مكانة المحسنين من الناس، ذلك أن النبيّ الصادق المصدَّق صلى الله عليه وآله وسلم يقول: (جُبِلت القلوبُ على حُبِّ مَن أحسَنَ إليها)، ووصيّه أمير المؤمنين عليه السلام يقول: (مَن أحسَنَ إلى الناس استدام منهمُ المحبّة)، ويقول أيضاً: (مَن كثُر إحسانُه، أحبَّه إخوانُه).
وإذا كان للإحسان أهلُه وهم مصداقه، فَهُم الأنبياء، والرسُل والأولياء عليهم أفضل الصلاة والسلام والثناء. وتعليل ذلك نجده في كلمةٍ نيّرةٍ واضحة صدرت عن الإمام عليٍّ سلاٰم الله عليه، تلك هي قوله: (أحقُّ الناس بالإحسان مَن أحسَنَ اللهُ إليه، وبَسَط بالقدرة يَدَيه).
وقد تنصرف الأذهان إلى أنّ أهل القدرة مَن تفوّقوا على الناس بالقوّة والمال والسلطة، وحسب، ولكنّ أولياء الله تعالى قد أُنعِم عليهم بالفيض الإلهيّ والقدرة الإلهيّة، فكانت بأيديهم المـَلَكات والمواهب الربّانيّة، إضافةً إلى الولاية التكوينيّة، فكانوا هم أحقَّ الناس بالإحسان إلى الناس: في عطاءٍ ماليّ، وإرشادٍ معنويّ، وقضاءٍ للحاجات، ورفعٍ للمشكلات.
الإحسان عادةٌ شريفة مقدّسة، تُفيض على الآخرين فضلاً وخيراً ورحمةً وبركة، على الناس جميعاً، وإنّما الموفّقُ إليها هو ذي الحظّ.
الإمام الحسن بن علي عليه السلام، عُرِف بالإحسان في صورٍ ومشاهد عديدة، وحالاتٍ ومواقف متعدّدة.. نسرد بعضها منها، حيث عرف عنه سلام الله عليه ساعياً في قضاء حوائج الناس مهما كانت تلك الحاجات، إذا كان السعي فيها يصبّ في طاعة الله، وفي مرضاة الله عزّ شأنه.
وفي هذه الفضيلة تنفيسٌ عن كرَب المكروبين، ورفعٌ لهمِّ المهمومين، وتفريجٌ عن حرمان المحرومين، كذلك فيها إدخال السرور على المحزونين، وإهداء الأمان والاطمئنان إلى نفوس المُضطرّين والمضطربين.
ومن هنا سَمِع الناس الإمام الصادق عليه السلام يقول: (خيارُكم سُمحاؤُكم، وشرارُكم بخلاؤكم. ومِن صالح الأعمال: البِرُّ بالإخوان، والسعيُ في حوائجهم، وذلك مَرغمةٌ للشيطان، وتزحزحٌ عن النيران، ودخولُ الجِنان).
وقبلَ ذلك بَشّر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الساعين في حوائج الإخوان بقوله: (مَن مشى في عَونِ أخيه ومنفعته، فَلَه ثواب المجاهدين في سبيل الله).
ولقد سعى الحسن بن علي عليه السلام – للناس في الحوائج الماديّة والمعنويّة، الدنيويّة والأُخرويّة؛ ليوفّروا لهم السعادة والأمان، فقد روي عن عليّ بن الحسين أنه قال: (خرج الحسن يطوف بالكعبة، فقام إليه رجلٌ فقال: يا أبا محمّد، اذهبْ معي في حاجتي إلى فلان. فترك الطوافَ وذهب معه، فلمّا ذهب خرج إليه رجل (وفي رواية: قام إليه رجلٌ) حاسدٌ للرجل الذي ذهب معه، فقال: يا أبا محمّد، تركتَ الطوافَ وذهبتَ مع فلانٍ إلى حاجته! فقال له الحسن: وكيف لا أذهب معه ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: مَن ذَهَب في حاجة أخيه المسلم فقُضِيَت حاجتُه كتِبَت له حجّةٌ وعُمرة، وإن لم تُقْضَ له كتِبت له عمرة. فقد اكتسبتُ حجّةً وعمرة ورجعتُ إلى طوافي).
تلك هي همّة الأولياء، مقرونةً بالعلم وحبّ الخير للناس، وبالمبادرة الكريمة الرحيمة لقضاء الحوائج المتعسّرة.
وقد رُوي عن الإمام الصادق عليه السلام هذانِ الحديثان الشريفان: الأوّل ـ قوله: (إنّ الرجلَ لَيسألُني الحاجةَ فأُبادر بقضائها؛ مخافةَ أن يستغنيَ عنها، فلا يَجِد لها موقعاً إذا جاءته)، والثاني ـ قوله: (إنّي لَأُسارعُ إلى حاجة عدوّي؛ خوفاً أن أَرُدَّه فيستغني عنّي).
الإعانة والتسديد
وفي حياة سيّد الشهداء أبي عبد الله الحسين عليه السلام، رُويَ أنّ رجلاً من الأنصار جاءه يريد أن يسأله حاجة، فقال له الحسين سلام الله عليه: (يا أخا الأنصار، صُنْ وجهَك عن بِذْلة المسألة، وارفَعْ حاجتَك في رقعة، فإنّي آتٍ فيها ما سارّك إن شاء الله). فكتب الرجل: يا أبا عبد الله، إنّ لفلانٍ علَيّ خمسَ مئةِ دينار، وقد ألحَّ بي، فكلِّمْه يُنظِرْني إلى مَيسرة. فلمّا قرأ الحسين عليه السلام الرقعة دخل إلى منزله فأخرج صُرّةً فيها ألفُ دينار، وقال للرجل: (أمّا خمسُ مئةٍ فاقْضِ بها دَينَك، وأمّا خمسُ مئةٍ فاستعِنْ بها على دهرك. ولا ترفَعْ حاجتَك إلّا إلى أحد ثلاثة: إلى ذي دِين، أو مُروّة، أو حَسَب: فأمّا ذو الدِّين فيصون دِينَه، وأمّا ذو المـُروّة فإنّه يَستَحْيي لمروّته، وأمّا ذو الحسب فيعلم أنّك لم تُكرِمْ وجهَك أن تبذلَه له في حاجتِك، فهو يصون وجهَك أن يَرُدَّك بغيرِ قضاءِ حاجتِك).