ثلاثة سيناريوهات للصدام العسكري هل يُعجّل التقارب الروسي -الصيني المواجهة بين أمريكا والصين ؟

 

تتصاعد احتمالات المواجهة بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين، مع شروع واشنطن بترتيبات لمواجهة أول تكتل عسكري اقتصادي تمثله روسيا والصين، غداة توقيعهما اتفاقيات شراكة استراتيجية شاملة، انطوت على مساع مشتركة لفرض قواعد نظام عالمي جديد متعدد الأقطاب تدعمه الصين، يسعى للإطاحة بالنظام العالمي الأحادي القطب.
الثورة / تحليل / أبو بكر عبدالله

ينظر الخبراء في العالم لأزمات التضخم العاصفة في اقتصادات الدول الكبرى في العالم وما لحقه من انهيارات متسارعة لبعض البنوك الأمريكية والأوروبية كسبب إضافي في احتمالات انفجار صراع عسكري واسع النطاق، تدخل فيه الصين كطرف أساسي، بعدما أصبحت من أخطر المنافسين للهيمنة الأمريكية على العالم في ظل أزمة مالية تهدد بانهيار الدولار الأمريكي المهيمن على المعاملات التجارية والاقتصادية في العالم.
وتصاعدت نذر المواجهة الأمريكية الصينية، بعد الزيارة الأخيرة للرئيس الصيني شي جين بينغ إلى روسيا، بما كشفته من توجهات صينية جادة لتحالف سياسي اقتصادي عسكري مع روسيا استعدادا لمرحلة قادمة يتوقع الصينيون تطورها إلى نزاع مسلح مع واشنطن سواء في ملف جزيرة تايوان أم في ملف النفوذ السياسي والعسكري للصين على مستوى العالم، والذي بدأت نذره باتهامات متبادلة بشأن الحرب في أوكرانيا والسلاح النووي والنظام العالمي الجديد.
والتحركات الصينية في المناطق الملغومة بالصراعات في العالم، كشفت إدراك بكين للصراع المحتمل مع الولايات المتحدة، في ظل الإعلانات الأمريكية المتكررة بأن الصين تمثل أخطر تحدٍ طويل الأمد للنظام الدولي، وهو الخطر الذي ترى واشنطن أنه تزايد مؤخرا مع محاولات بكين إعادة تشكيل النظام الدولي بما تمتلكه من قوة اقتصادية ودبلوماسية وعسكرية، بالتوازي مع تحركات أمريكية لمواجهة هذا المشروع انطلاقا من دورها المدعوم دوليا في حماية القانون الدولي والأمن العالمي.
المشاريع التي حملها الرئيس الصيني إلى موسكو لتطوير قطاع البنية التحتية للنقل بين البلدين كشف المخاوف الصينية المستقبلية، خصوصا وأنها سعت إلى توفير منفذ مضمون للبضائع الصينية لمواجهة احتمالات رفع واشنطن ضغوطها على الصين بحصارها اقتصاديا ومنع تدفق السلع الصينية إلى العالم.
هذا المشروع على أنه قدم رسالة بإسهامات الصين بترسيخ أسس نظام عالمي جديد يرث النظام الأحادي بقيادة الولايات المتحدة، فقد كان جريئا بما فيه الكفاية لكسر سياج العزلة الذي حاولت واشنطن وحلفاؤها الغربيون فرضه على روسيا، وهو السياج الذي راهنت عليه الولايات المتحدة وحلفاؤها في تحقيق انتصار على روسيا يعيد صياغة المعادلات الجيوستراتيجية، غير أنه تحطم فجأة بعد زيارة الرئيس الصيني إلى موسكو وتوقيعه اتفاقيات شراكة استراتيجية بين البلدين قلبت الطاولة كليا على المخططات الأمريكية، وضمنت للصين منفذا حيويا لتدفق سلعها إلى العالم عبر روسيا وتدفق المواد الخام التي تحتاجها الصين.
ومن جانب آخر، كشفت هذه التحركات عن دور صيني مفاجئ لمواجهة محاولات الغرب عزل روسيا عن العالم على ذمة حربها في أوكرانيا، وقدمت نجاحا نوعيا للقيادة الصينية في إدارة هذا الملف بدبلوماسية، دون التورط في مواجهة مباشرة مع الغرب، لتنتهي الصفقة بإعلان البلدين أنهما «سيحميان بشكل مشترك أمن الطاقة العالمي بما في ذلك البنية التحتية الحيوية عبر الحدود واستقرار سلاسل الإنتاج والإمداد لمنتجات الطاقة».
لم يكن خافيا الارتباك الأمريكي من هذه الخطوة، التي اعتبرها البعض انتصاراً كبيراً للتحالف الصيني الروسي، دفع واشنطن إلى توسيع تحركاتها العسكرية غير المعلنة في منطقة المحيطين الهادي والهندي ومنطقة جنوب شرق آسيا وشرق أوروبا، وأستراليا، بنشرها 330 ألف جندي أمريكي في جنوب شرق آسيا بالتزامن مع حشد 250 ألف جندي أمريكي لمواجهة مباشرة مع روسيا تحت مظلة «الناتو».

طموحات صينية
تدرك الصين أنها المستفيد الأبرز من النظام العالمي الجديد المتعدد الأقطاب، كما تدرك أنها ستكون عرضة لمخاطر داهمة في حال نجحت واشنطن وحلفاؤها بهزيمة روسيا في أوكرانيا، فهزيمة كهذه ستفسح المجال لواشنطن لنقل الصراع باتجاه الصين التي تتهمها واشنطن بمحاولات زعزعة الاستقرار العالمي بتبنيها توجهات عملية لصالح نظام عالمي متعدد الأقطاب.
بالمقابل تدرك الصين أن تصاعد حالة التوتر مع واشنطن سيقودها إلى فرض عقوبات قد تلحق بها آثارا سلبية بوتيرة أسرع من تلك التي لحقت بروسيا، خصوصا وأن أي عقوبات غربية على الصين ستؤدي إلى زعزعة العملاق الاقتصادي الصيني بمجرد قطع الطريق أمامها لتوريد سلعها إلى السوق العالمية.
هذه المخاوف فسّرت توجه الصين إلى منطقة الخليج بتبنيها اتفاق إعادة العلاقات الدبلوماسية والتجارية والأمنية بين إيران والسعودية، والذي لم يكن بعيدا عن التوجهات الصينية لتأمين خطوط التجارة البحرية، في ظل التوقعات التي تتحدث عن احتمال فرض حصار بحري على الصين يضيق الخناق عليها بتصدير السلع للعالم ويحرمها من النفط الخليجي الذي تعتبر الصين تأمينه أولوية قصوى خلال العقود القادمة.

توجس غربي
لم يكن خافيا حجم القلق الغربي من زيارة الرئيس الصيني إلى موسكو ونتائجها، وذلك بدا واضحا في الإجراءات الغربية المتسارعة لإصدار قرار من المحكمة الجنائية الدولية لملاحقة الرئيس الروسي بوصفه «مجرم حرب» وشروعها بإجراءات لاعتقاله، قبل يومين من زيارة الرئيس الصيني إلى موسكو.
هذه التداعيات كشفت أن واشنطن التي لم تكف عن اتهام الصين بدعم روسيا في حربها بأوكرانيا صارت اليوم على يقين بأن الصين التي أعلنت موقف الحياد من الأزمة في أوكرانيا لن تسمح بهزيمة عسكرية لروسيا؛ وهو تحليل بدا واقعيا إلى حد كبير، فأي هزيمة لروسيا في أوكرانيا ستجعل من الصين الهدف التالي للولايات المتحدة في إطار استراتيجيتها الرامية إلى تصفية أو تحييد المنافسين لها على قيادة العالم.
هذا الأمر فسر المواقف المتشنجة للولايات المتحدة وحلفائها الغربيين الذين اعتبروا زيارة الرئيسي الصيني إلى موسكو شكلا من أشكال الانحياز إلى روسيا ودعما للرئيس بوتين الذي يحاول الغرب بكل الوسائل إسقاطه بما ينهي الأزمة في أوكرانيا، ودليلا على توجهات صينية خفية مؤيدة لموسكو التي تحاول استثمار الحرب الأوكرانية لأنهاء الهيمنة الأمريكية والانتقال إلى نظام عالمي متعدد الأقطاب.
ذلك أن مستقبل التقارب الاستراتيجي الروسي الصيني سيحدد بلا شك أسسا لمتغيرات جيوسياسية قادمة، وهو تماما ما أفصحت عنه تصريحات الرئيس الصيني خلال زيارته لموسكو عندما أكد أن بلاده وروسيا، تتبنيان نظاما عالميا جديدا متعدد الأقطاب، ناهيك عن تأكيد الرئيسين الصيني والروسي تحقيق تعاون شامل في جميع المجالات الاقتصادية والعسكرية والتكنلوجية.
وهذا البعد من التعاون شكل مصدر قلق لواشنطن وحلفائها الغربيين، كون اتفاقيات الشراكة الاستراتيجية بين البلدين في المجالات الثلاثة، ستذهب للمساس بثلاث ركائز أساسية طالما اعتمدت عليها الولايات المتحدة لتزعم نظام عالمي أحادي القطب، وهي التفوق العسكري والتكنلوجي والاقتصادي والتي مثلت عناصر أساسية في وثيقة استراتيجية الأمن القومي الأمريكي المعلنة في أكتوبر الماضي، بما أبرزته من ملامح لطبيعة الصراع الحاصل بين رؤيتين تحاول الأولى الحفاظ على نظام عالمي أحادي يلفظ أنفاسه الأخيرة وثانية تدعم نظاما عالميا جديدا متعدد الأقطاب.
وطبقا للتعهدات التي أعلنها الرئيس الأمريكي جو بايدن في مراسم إعلان وثيقة الأمن القومي، فإن أي توجهات صينية روسية تتعارض معها ستكون مبررا كافيا لصراع عسكري لن تتردد الولايات المتحدة بإعلانه دفاعا عن مصالحها الوجودية؛ فالانتقال إلى عالم متعدد الأقطاب لن يعني فقط اخذ راية السيادة على العالم قدر ما سيعني انهيارا سياسيا واقتصاديا شاملا لأمريكا ولأكثر حلفائها الغربيين.

احتمالات الحرب
في ظل التوجه الصيني على الاستفادة من مناخ الأزمات السياسية والاقتصادية والأمنية التي خلفتها الحرب في أوكرانيا، لتقليص أو حتى إنهاء الطوق الأمريكي على بكين، يصعب التكهن بأن الولايات المتحدة ستترك الصين تمضي لتعزيز وتوسيع نفوذها في العالم، يزيد من ذلك التأكيدات الأمريكية بأن مواجهة الصين في آسيا تتصدر اليوم أولويات السياسة الخارجية الأمريكية.
هذا الأمر بدا واضحا في التحركات الأمريكية الأخيرة مع دول «آسيان» وكذلك مع الشركاء الآسيويين الكبار كاليابان وكوريا الجنوبية وغيرها من الدول الآسيوية الغارقة في نزاعات مع الصين، والتي أفصحت عن ترتيبات عسكرية أمريكية لمواجهة الصين من خلال الدخول الفاعل في منطقة مليئة بالنزاعات.
وثمة عوامل أخرى كثيرة تقرب احتمال الصراع الأمريكي الصيني في المرحلة القادمة، فالصين أصبحت في السنوات الأخيرة قوة عسكرية عظمى تتحدى الولايات المتحدة في الكثير من المجالات العسكرية والتكنلوجية وهو التفوق الذي قلل إلى حد كبير من النفوذ الأمريكي العسكري في منطقة المحيطين الهادي والهندي.
وأكثر من ذلك فإن الصين اليوم تُعتبر قوة عالمية ذات نفوذ وتأثير واسعين، كونها موطناً لكبرى شركات التكنولوجيا، وتسعى إلى السيطرة على تقنيات وصناعات المستقبل كما تحشد إمكانيات هائلة لتحديث جيشها بما يجعلها قوة ذات امتداد عالمي.
وقد رفعت الصين حجم الانفاق على جيشيها ليبلغ رقما قياسيا، بحوالي 252 مليار دولار سنويا، وبارتفاع بلغت نسبته 76 % قياسا بحجم الانفاق عام 2011، ما أتاح لها إبراز قوتها في أنحاء المنطقة وتحدي التفوق الأمريكي بشكل مباشر.
هذه المعطيات دفعت الولايات المتحدة لحشد الكثير من الشركاء الغربيين والآسيويين ضمن تحالف جديد ضم الكثير من الدول الكبرى التي تريد ردع الطموحات الصينية بالتحول إلى قوة عسكرية عظمى، ولا سيما بعد انتخاب الرئيس شي جين بينغ رئيسا للصين لولاية جديدة.
اليوم هناك تحالفان دوليان، يضم الأول الولايات المتحدة ودول حلف «الناتو» والشركاء الآسيويين يقابله تحالف دولي غير معلن مناهض للقطبية الأمريكية، يجمع بشكل معلن الصين وروسيا وإيران وكوريا الشمالية، وبشكل غير معلن دول العالم القابلة لفكرة التحول لنظام متعدد الأقطاب، وهي تحالفات قد تجعل الصدام العسكري الأمريكي الصيني أمرا وارد الحدوث.
وثمة سيناريوهات عدة لهذه المواجهة، أولها بدأ فعليا بتصعيد الغرب وتيرة الحرب في أوكرانيا إلى مستوى دعمها بالدبابات والطائرات الحديثة وقذائف اليورانيوم المنضب، والتي يتوقع أن تقود على تداعيات تمنح واشنطن وحلف «الناتو» المبرر للتدخل المباشر في العمليات العسكرية ضد الجيش الروسي لزيادة خسائر روسيا واستنزافها ومنع أو تأخير خسارة الجيش الأوكراني، بصورة تمهد الطريق لمرحلة تالية باتجاه الصين بذرائع دعمها روسيا أو مواجهة نفوذها المتصاعد أو لمنع سقوط النظام العالمي.
السيناريو الثاني أن تبدأ الولايات المتحدة تحركات وفق وثيقة «البوصلة الاستراتيجية» الموقعة مع الحلفاء الأوروبيين، لمنع أي شراكة استراتيجية بين الصين وروسيا باعتبارها تمثل تهديدا للنظام العالمي، وهي تحركات تبدو محتملة كثيرا عند النظر إلى التعهدات التي أطلقها الرئيس الأمريكي جو بايدن مؤخرا بمواجهة أي محاولات صينية روسية تهدد القانون الدولي والأمن العالمي.
السيناريو الثالث أن تعمل الولايات المتحدة الأمريكية على جرّ الصين لحرب في جزيرة تايوان كما فعلت مع روسيا، التي تعاني اليوم رغم قوتها العسكرية والاقتصادية الفائقة، من خسائر فادحة نتيجة الدعم الغربي الكبير للجيش الأوكراني الذي صمد لأشهر بشكلٍ لم تكن تتوقعه موسكو ولا العواصم الغربية.

قد يعجبك ايضا