سياسة شرذمة الكيان الوطني

يكتبها اليوم/ عبد الرحمن مراد

 

تجري اليوم محاولات حثيثة لشق الصف الوطني عن طريق الحرب الناعمة التي تجد في التحليل مجالاً لدس السم بين الدسم، أو من خلال فرض حالات غير واقعية في السلوكيات والتفاعلات اليومية، أو من خلال ترتيب نسق شللي يحاول أن يمارس أعمالاً غير منسجمة مع المبادئ والقيم السماوية، أو إحداث الفرز الطائفي حتى تنفر الطبيعة السليمة وتنفصم النفوس ويحدث التشظي، أو زراعة الأوهام في الأذهان وبالتالي القيام بحركة تضييق لحريات المجتمع حتى يشعر بحالة الغليان وبالتالي الانفجار العظيم الذي سوف يحدث لا محالة إذا استمر الحال على ما هو عليه دون بصيرة ومعالجات .

اليوم تنتشر على شبكة التواصل الاجتماعي رؤى وتحليلات تجد مصداقاً لها في الواقع سواء كان عفوياً أو تصرفاً فردياً من جماعة منسجمة تعمل على أجندات واستراتيجيات ومثل تلك الحوادث العرضية تحتاج إلى يقظة وتفاعل يومي يقوم بتصحيح الموقف والمسار لأن الموضوع يكون ملتبساً ومظنة ريبة وشك، فالنوايا لا يمكن القياس عليها، ولذلك لم يحدد الرسول عليه الصلاة والسلام موقفا من المنافقين خوف أن يقع في الظلم أو في منزلة من منازلة، بل ترك الأمر لليقظة في التفاعل وكانت السماء حاضرة في بيان الموقف في القضايا التي يصعب بيانها، أما اليوم فالأمر يختلف اختلافا كبيرا من حيث الفارق الحضاري والثقافي ولذلك فالقول باليقظة لتصحيح المسارات وبيان الموقف من جل الحركات والتفاعلات والحد من الظواهر التي تنشأ سواء كانت بحسن من ظاهر النوايا أو بسوء منها فالأمر سيان .

لا يكفي أن نكون غير راضين عن بعض التصرفات أو جلها لكن المسارعة في بيان الموقف منها هو الفيصل في الحد منها أو التغلب على مقاصدها التي لا تضمر خيرا، وإن كان ظاهر أمرها خلاف باطنه فالأثر والنتائج هو القياس وندع النوايا فحسابها على الله، لأننا لابد من أن نحسن الظن حتى نجد يقينا واضحا يقيم الحجة ولا يدع المرتاب إلا على قلق المضطرب وإحساس المذنب في حق الله والمسلمين .

طبيعة التموج السياسي أنه يحاول أن يزرع المعوقات في الطرق والمنعطفات ولذلك فالهزائم التي لحقت بالتحالف يتحمل وزرها حزب الإصلاح وهو في السياق نفسه يشعر بذلها وبمرارتها ولذلك يرى أن انتصاره يكمن في تفعيل كوادر شوقي القاضي – أقصد كوادر التنمية البشرية، إذ أنهم مؤهلون في السيطرة على الموجهات وتحديد المسارات – وقد بدأوا في الانتشار في شبكات التواصل الاجتماعي تحت مظلات متعددة منها: مقالات الرأي، وكتابة التحليلات، وزرع المخاوف, وإثارة سؤال المستقبل، وهم يضمرون من الأمر ما لا يظهرون، ويجدون في نسيج الواقع الاجتماعي من يتعامل مع أسئلتهم بقدر من المسؤولية والقلق من الآخر, ومثل ذلك قد بدأت سماته تظهر في الكثير من التفاعلات التي لن تفضي في قابل الأيام إلا إلى التباين، وشق الصف، وهو ما لا نحمده وستكون البداية للانكسارات المتوالية التي يحسن حزب الإصلاح صناعتها، ويعجز كل العجز عن البناء، فهو وفق طبيعته التاريخية لا يعيش إلا في البيئات الوطنية غير المستقرة التي يحسن النمو والتعامل مع طحالبها، وقد دل تاريخه على ذلك، ولعل نظرة إلى عقد الستينيات توحي بهذا التوجه فهو ضد الثورة ومعها في الآن نفسه، حتى يحدث حالة القلق والاضطراب ويتمكن من النمو، وقد اعترف بمثل ذلك قيادي بارز فيهم وهو عضو مجلس النواب محمد العديني في فيديو متناقل عبر وسائط التواصل الاجتماعي وهو اليوم ضد التحالف ومعه بنفس السياسة القديمة / الجديدة، فيوماً ضد الإمارات وحيناً ضد السعودية، وتصريحات متناقضة بين قادته لا هدف لها إلا بقاء الحال قلقاً ومضطرباً حتى يتغلب على خصومه الذين ينازعونه السيطرة على القرار، ومقاليد الأمور في: تعز ومارب والجوف وشبوة وحضرموت وفي عدن التي خرج منها مذموماً مدحوراً .

لا يمكن للإصلاح كحزب سياسي – يشكل امتداداً لحركة الإخوان المسلمين – أن يتناغم مع حركة المجتمع اليمني ولا مع امتداده الحضاري والثقافي والتاريخي، فالتباين والتضاد أصبح واضحاً وجلياً ولذلك فشل في مارب وفشل في عدن وفشل في تعز فشلا ذريعا وهي بيئات قد يجد فيها حواضن ذات تناغم وانسجام مع فكره وعقائده، فكيف به إذا خاض تجاربه وحيدا في صنعاء وذمار وحجه وصعده وغيرها من المناطق التي لا تنسجم ولا تتناغم معه وهي محسوبة على العقيدة الزيدية؟ لا أظن الأمر سيكون محققا لأهدافه ولذلك فهو يعي تلك الحقائق فيعمل على الاضطرابات الأمنية وتشكيل عصابات في الطرقات لتعطيل الخدمات، ويقوم بالاغتيالات والتفجيرات وصناعة الأحزمة الناسفة من أجل إرهاب خصومه وإخضاع المجتمع، فقد فعل ذلك في زمن حكم صالح وفعله في زمن حكم المبادرة الخليجية إلى ثورة 21سبتمبر 2014م ونفذ نفس السيناريو بعد سيطرته على مارب وتعز وعدن وتحدث أعلامه عن حركة “الموتر سيكل” التي كانت تمارس حركة اغتيالات في صنعاء وانتقلت إلى مارب بذات الآلية بعد أن تمكن من السيطرة عليها ومثل ذلك لم يعد خافيا على المتابع الحصيف .

اليوم يقوم الإصلاح بتفكيك النسيج الاجتماعي عن طريق كوادر التنمية البشرية التي يقودها شوقي القاضي في الإطار الجغرافي الذي تسيطر عليه سلطة المجلس السياسي حتى يعيد إنتاج نفسه في المعادلة الوطنية، بعد أن وجد نفسه يتكبد الهزائم العسكرية والسياسية والثقافية والإعلامية .

لقد اشتغل الإخوان خلال سوالف الأيام والشهور على البعد الثقافي بإصرار عجيب وبنفس الأسلوب المعهود، فحين كفروا البردوني في عقد التسعينيات انبروا للتشكيك في أعماله الصادرة في صنعاء – وكانت قبل ذلك مغيبة – وبأسلوب غير حميد لغرض الهيمنة على المسار الثقافي تحت غطاء الانتصار لرمزية البردوني، واحتفلوا بأربعينية المقالح بما يحقق استغلال رمزيته في حين مارسوا حركة التكفير ضده في فترات مختلفة بل وظفوا صحيفة لتكفيره في عقد التسعينيات وبداية الألفية وقبل كل ذلك في منتصف الثمانينيات.

اشتغال الإخوان على البعد الثقافي ليس أكثر من حالة تعويضية للشعور بالهزائم السياسية والعسكرية، فهل سينجح الإخوان في الانتصار في البعد الثقافي؟ ذلك ما سوف تكشف عنه الأيام.

 

 

 

 

 

 

قد يعجبك ايضا