التربية في فكر الشهيد القائد3

د. حمود عبدالله الأهنومي

 

عدّد الشهيد القائد أنواعاً من التربية، وذكر منها أهمَّها:

التربية الإيمانية والجهادية

أكد الشهيد القائد على أهمية التربية الإيمانية والترقي فيها إلى كمال الإيمان، وأفضل اليقين، وأنه لا بد للأمة أن تتربَّى تربية إيمانية، من خلال الاهتداء بهدي الله، القرآن الكريم.

وعند شرحه لدعاء زين العابدين (وبلِّغ بإيماني أكمل الإيمان) ذكر أن «من كمال الإيمان: الوعي والبصيرة»، وأنَّ الطريقَ إلى كمال الإيمان يمضي من خلال الهداية من الله سبحانه وتعالى، بالعودة إلى كتاب الله الكريم الذي يَهْدِي إلى المقامات التي يحصل من خلالها المؤمن على كمال الإيمان، أو يهدي إلى من يمكن أن يحصل المؤمن بواسطتهم على كمال الإيمان.

وضرب مثلاً على ذلك بتربية أهل البيت لهذه الأمة؛ إذ يقول: «نجد أنه على يد أهل البيت (عليهم السلام) كالإمام علي (صلوات الله عليه) ومن بعده من أئمة أهل البيت هم من عملوا على تربية الأمة تلك التربية التي ترقى بها في درجات كمال الإيمان».

إن من أهم مظاهر التربية الإيمانية: التربية الجهادية، حيث أكَّد الشهيد القائد أن التربية الجهادية حالة تربوية ثابتة، وأنها يجب أن تكون من أول يوم، حيث أن «الجهاد أساس من أساسيات الإسلام كحالة ثابتة، وحالة تربوية من البداية، وليس فقط حالة طارئة استثنائية» عند ظهور العدو، كما يروِّج له البعض؛ حيث يقولون: «إن الأساس هو الدعوة، دعوة، دعوة»، فإذا ظهر عدو دعا الناس إلى الجهاد، وهذا خطأ كبير؛ لأن الجهاد حالة ثابتة في الإسلام، ولأنه ثبت أن هؤلاء الأعداء من اليهود والنصارى يصدون عن دين الله، وبالتالي فلا بد «من تربية جهادية، وحركة جهادية»، ولهذا لا مناص أن تكون التربية الجهادية من أول سَنَةٍ، «مسألة تربوية، ولهذا تجد الحديث عن الجهاد، والإنفاق داخل آيات القرآن بشكل واسع» (دروس سورة البقرة – الدرس الحادي عشر من دروس رمضان).

أبرز مظاهر التربية الإيمانية

أما أبرز مظاهر هذه التربية الإيمانية لدى الشهيد القائد فهو «الوقوف في وجه الكافرين بكل عزة, وبكل صمود, وبكل قوة, بل هذا شرط في تحقيق الإيمان، وفي ميدان المواجهة نفسها تصبح الهزيمة أمام الكافرين جريمة (وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفاً لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ)(الأنفال: من الآية16) هي كبيرة» (في ظلال دعاء مكارم الأخلاق – الدرس الثاني).

يضيف – في ظلال دعاء مكارم الأخلاق، الدرس الثاني – مبينا مظاهر هذه التربية وآثارها «فالتربية الإسلامية هي بالشكل الذي يجعل الأمة، يحمل الناس فيها نفوساً رفيعة، يشعرون بطمأنينة، يشعرون بتكريم، لا يخاف على نفسه، لا يخاف من مجرد كلمة تقال عليه»، وتكون هذه النفوس الرفيعة فيها هي الجديرة بأن «تواجه الأعداء الخارجيين، وترفض أيَّ طغيان يريد أن يتحكَّم عليها، ويفرض نفسه عليها» (دروس سورة البقرة – الدرس الحادي عشر من دروس رمضان).

غير أنه يشترط أن يقارن هذه التربية الجهادية تربية فكرية مبنية على عقيدة سوية، وإلا فإنها ستضرب هذه التربية الجهادية في الصميم، ولهذا كرَّر كثيرا أن تربية الوهابيين لأتباعهم على الجهاد والدين سيتبخر أمام أي تهديد، لأنهم يستندون إلى عقائد باطلة، مثل عقيدة الشفاعة لأهل الكبائر، ومنهم الفارون من الزحف، يقول: «هذه العقيدة سيلمس أولئك الذين رفعوها ودعوا إليها سيلمسون هم بأيديهم سوء آثارها بشكل هزيمة ممن يعبئونهم، ممن يحرِّكونهم، ممن يتحدَّثون معهم؛ لأنه ليس هناك ما يخيفك من جهنم، فهذه هي أيضا في أثرها التربوي مما يخالف منهجية القرآن التي تقوم على تربية الأمة تربية جهادية، فكيف يعمل على تربية الأمة تربية جهادية من خلال الآيات الكثيرة في القرآن الكريم، ثم يأتي هناك بعقيدة تضرب آثار هذه التربية!» (معرفة الله – وعده ووعيده – الدرس الثالث عشر).

ويؤكد تحقق آثار هذه التربية الجهادية بأنه إذا ما توجَّه المعلِّم إلى ذلك مع طلابه فسيجد نفوسهم «مهذَّبة مليئة بخوف الله, بالخشية من الله», و «أعمالهم وتعاملهم فيما بينهم حسنا»، ويضيف «أن التربية الجهادية هي من ستصنع الروح المهذبة، الروح الزاكية، الروح السامية، الروحَ التي تجعل صاحبها نورا في أي مكان كان، تجعل صاحبها عنصرا خيِّرا وفاعِلا في أي مجتمع كان».

وأضاف في نفس الملزمة (في ظلال دعاء مكارم الأخلاق – الدرس الثاني): «اتضح جليا أن الكثير من حكام المسلمين بما فيهم حكام هذا العصر لا يمكن بواسطتهم ومن خلالهم أن يقوموا بتربية الأمة تربية إيمانية تترقى بهم في درجات كمال الإيمان، ونحن نجد أنفسنا، وكل واحد منكم شاهد على ذلك بل ربما كل مواطن عربي في أي منطقة في البلاد العربية شاهد على ذلك .. أنه متى ما انطلق الناس ليربوا أنفسهم تربية إيمانية من خلال القرآن الكريم بما في ذلك الحديث عن الجهاد في سبيل الله, وعن مباينة أعداء الله، وعن إعداد أنفسهم للوقوف في وجوه أعداء الله كلهم يحس بخوف من سلاطينهم وزعمائهم».

عملية تربوية هامة جدا جدا

في ظل هذا العدوان على بلدنا يفضِّل البعض أن يرتمي اليمنيون في أحضان هذه الدولة أو تلك من الدول العظمى، غير أن الشهيد القائد يحذِر من الاعتماد على أي دولة، ويرى أن من أهم مظاهر التربية الإيمانية الاستقلالية، والاعتماد على الذات بعد الله تعالى في الإنفاق، والقدرات، وأن دين الله بنى الأمة بناء مستقلا عن الشرق والغرب.

لقد حذّر من عاقبة ذلك قائلا: «ربما يأتي حالة أنت لا تجد فيها طرفا يمكن أن يساعدك، فتنهزم من أول يوم، مثلما حصل للعرب الآن، تلفتوا الآن، بحثوا عن روسيا، فرنسا، الصين، لم يعد هناك الاتحاد السوفيتي سابقاً، استسلموا من أول يوم!، ألم يستسلموا من أول يوم؟ هذه عملية تربوية هامة جداً جداً».

وتوقع النصر لـ”أمة على هذا النحو تستطيع باستمرار أن تكون متحرِّكة، ولا أحد يستطيع أن يقهرها، ولا تكون مدينة لأي طرفٍ في نفس الوقت”، وأضاف: “من إيجابيات هذه التربية: أنها لا تصبح مدينة لطرف آخر”.

وعلل مذكِّراً بمبدئية منصِفة وأخلاقية رائعة: «لأن الدين هو مهمة عالمية، فهل من الناحية الأخلاقية، هل هو مقبول أن تأخذ من الفرس مساعدات لأنك تقاتل الروم، وأنت تعرف أن هذا الدين يجب أن يدين به الفرس، ويجب أن تدعوَهم إليه، فتقاتلهم متى ما اتجهوا ليصدوا عنه، سيكون معناه في الأخير: بأنه هذا الدين يمكن أن يخادِع، تقول لطرف من الأطراف: يساعدك، ويعينك حتى تنتهي، وتفرغ من قتال الطرف الآخر، وفي الأخير ترجع عليه عندما تكون قوياً» (سورة البقرة – الدرس التاسع من دروس رمضان).

وللموضوع بقية في الحلقات المقبلة

 

 

 

قد يعجبك ايضا