قال الشاعر :
ومهما يكن عن امرئ من خليقة
وإن خالها تُخفى على الناس تُعلم
ها هي السعودية أخيراً تفصح عن مكنونات الصدور وتعلن على رؤوس الأشهاد الأهداف التي ظلت تخفيها لثمان سنوات مضت، بعد أن استمرت في المزايدة باسم الشرعية المزعومة وتقول أنها تناصر هذه الشرعية، واليوم بعد أن وضح الحق واستبان السبيل ها هي بنفسها تفضح عملاءها وتكلف المدعو محمد بن جابر سفيرها في جدة بأن يسرب فضائح المرتزقة، قال لي أحدهم: تصور أن كافة المنح الدراسية التي تمنحها الدول تذهب فوراً إلى أبناء المسؤولين المزعومين من أول مسؤول حتى آخرهم، والبعض لا يوجد لديه أولاد وإنما يقوم ببيع المنح لأشخاص يستقدمهم من صنعاء، وأنا أعرف شخصا ذهب بطلب من قريبه الوزير الموجود في الرياض ليعطيه منحة، مع أنه عمه شقيق والده إلا أنه باعها منه بخمسة آلاف دولار وهو ثمن رخيص إذا قورن بقيمة المنحة الفعلية – قلت: يا صاحبي لا تستغرب، فالطبع غلب التطبع، هذا ما عهدناه من زمان، فعلى مدى عشرين سنة كانت المنح المقدمة من أمريكا ومن قطر ومن الإمارات ومن دول غنية قيمتها كبيرة لا يبت فيها في وزارة التعليم العالي أو وزارة التربية والتعليم سابقاً، هذا الكلام سمعته من المدعو الدكتور يحيى الشعيبي حينما كان وزيراً للتعليم العالي عندما سألته عن المنح فقال: هذه ليست من اختصاصنا، هذه توزع من فوق “يعني من الرئاسة وعلي محسن” نحن فقط نسجل ما يأتي إلينا من كشوفات، إذاً العملية تحولت إلى طبع وأصبحت تُمارس بنفس الأسلوب الذي عهدناه في الماضي وهو أسلوب ممنهج ومُنظم للاستيلاء على مثل هذه المنح غالية الثمن، وكم أحسست بالألم وأحد الطلاب يشكو لي أنه يتقاضى في إحدى المدن الأمريكية 300 دولار في الشهر على حساب الدولة اليمنية، بينما صديقه المعزز من قطر يتسلم 1000 دولار شهرياً يعني أنهم حاولوا صنع شرخ داخلي في نفوس الأجيال، وقس على ذلك الكثير من المؤسسات بالذات وزارة الخارجية، فلقد كانت المناصب في السفارات تُمنح كهدايا لشراء الضمائر واستقطاب النفوس الضعيفة وعندما زرت القاهرة قيل لي بأن موظفي السفارة وصولوا إلى 500 شخص بينما العاملون الحقيقيون لا يتجاوزون 30 شخصا، سألت المرحوم الأستاذ أحمد الشجني – السفير آنذاك رحمة الله عليه – قال: هؤلاء تعطى لهم وظائف وهمية من قبيل المجاملة ويعيِّنون مستشارين في السفارة، ليس لدينا فقط ولكن في دمشق وبغداد والمغرب ودول عربية أخرى، من ضاقوا به ذرعاً في الوطن عينوه مستشارا في إحدى السفارات وهو المستفيد، لأنه يتقاضى 5 آلاف دولار شهرياً، هذا إذا لم يكن من أهل الحظوة الذين يضاف لهم بدل السكن والمواصلات أو يعينون في أمريكا أو أي دولة أوروبية، فالمبلغ يصل إلى أكثر من 10 آلاف دولار – المهم عبث في عبث – ونفس الصورة انتقلت إلى الرياض والقاهرة وأسطنبول، وعندما نعود إلى الكشف الذي سربه حميد الأحمر عندما تولى الإصلاح الوزارة سنجد كم كان العبث هو السائد لأنه وزع السفارات كما يُريد، وأراد أن يسير على نفس النهج الذي سار عليه من سبقوه، أي أنهم كلهم مرتزقة وناهبو أموال الشعب، حتى أن المنح الجامعية العليا لنيل الماجستير والدكتوراه كانت لا تُمنح إلا بشهادة من الأمن السياسي، ولو فتشنا في الملفات لوجدنا الكثير من الفضائح التي تكشف بأن السعودية عندما أدعت بأنها ستساعد ما يُسمى بالشرعية كانت تعرف بأنها ستستقطب مجموعة من المرتزقة الذين يسهل عليها توظيفهم كما تريد وتُسخر كل ما لديهم لخدمة أغراضها الدنيئة، ورغم أننا نحس بالألم على هؤلاء الذين يبدو أن السعودية بدأت تتخلص منهم بطريقة ذكية، وأخيراً ها هو الخالق سبحانه وتعالى يمُن على بعض مسؤولي هذه الدولة بجزء من الذكاء، وهي نعمة كبيرة تؤكد أنهم قد يعودون إلى رشدهم ويتخلون عن هذه الغطرسة، ولا عزاء لإخواننا الذين راهنوا على جواد خاسر، وقريباً إن شاء الله سيحملون حقائبهم ويترجلون إلى دول قد توافق على استضافتهم، وقد يتحولون إلى متسولين في باب اليمن وباب السباح، وهذا ما لا نرضاه لهم ونتمنى أن يدركوا الحقيقة ويعودوا إلى رشدهم قبل فوات الأوان، والله من وراء القصد ..
أحمد يحيى الديلمي