الاحتلال وتهويد القدس.. طمس للهوية ومحو للذاكرة الفلسطينية
صمود المقدسيين.. دفاع عن قبلة المسلمين الأولى وسط أنظمة عربية خائنة ومطبِّعة
– السلطة الفلسطينية.. وكيل الاحتلال في الضفة الغربية وجهازها الأمني
لم يبق للفلسطينيين سوى حوالي 15% فقط من مساحة فلسطين التاريخية
– ارتفاع عدد المستوطنين في الضفة الغربية من 240 ألفاً عام 1990 إلى ثمانمائة ألف مستوطن عام 2016م
– تنامي الجمعيات اليهودية الاستيطانية التي تضع على رأس أجندتها استهداف القدس والمسجد الأقصى
– الجهاز الأمني لعباس يسلِّم «إسرائيل» 2000 مقاوم فلسطيني ويُعيد إليها 1700 إسرائيلي ضلوا الطريق
الثورة / محمد السيد
لا يزال الاحتلال الصهيوني يقتحم ويدنس بأقدام جنوده باحات المسجد الأقصى وسط صمت عربي وإسلامي تجاه تلك الانتهاكات.
فالمحتل الصهيوني لم يترك جريمة إلا وارتكبها ضد المقدسات الإسلامية والفلسطينية، بينما يحمل شباب ورجال ونساء وأط فال فلسطين على عاتقهم مهمة الدفاع عن المقدسات وما تبقى من الحياة والكرامة والممتلكات، فيما تتوارى الأنظمة العربية خلف العمالة والتطبيع .
تُنذِرُ الاشتباكات المتصاعدة بين المستوطنين الصهاينة والفلسطينيين المقدسيين بثورانٍ كبير لا يمكن التنبؤ بعواقبه، وسط مخطط صهيوني يهدف لتهويد القدس وتفريغها من سكانها الفلسطينيين .
لم يكن غضب الفلسطينيين في القدس بحاجة إلا إلى فتيل لتفجره احتجاجات لم تهدأ منذ بداية شهر رمضان، ذلك أن أسبابه ضاربة بجذورها عميقاً في وعيهم ووجدانهم، فلا يكاد يخبو ذلك الغضب حتى يشتعل من جديد منذ احتلال إسرائيل المدينة عام 1967م.
فما يدور في القدس – وبشأنها – ليس سوى صراع وجود بين الفلسطينيين والمستوطنين الإسرائيليين، تغذيه أطماع اليمين الإسرائيلي المتطرف بحسم المعركة الديموغرافية والجغرافية لصالح كيان العدو، لكن المعركة في كل زاوية وحي، وساحة في القدس الشرقية لم تحسم بعد، على الرغم من وضع كيان الاحتلال قانونين في المدينة، الأول للإسرائيليين يشجعهم على الإقامة والبناء فيها، والثاني للفلسطينيين يجبرهم على الرحيل عنها في شكل هجرة طوعية ناعمة، بحسب تقرير لمنظمة «هيومان رايتس ووتش».
إنه وضع «كالجمر تحت الرماد» يشتعل في كل مرة يدعو فيها اليمين الإسرائيلي المتطرف إلى قتل العرب وطردهم من القدس، ومع كل إجراء إسرائيلي يهدف إلى تهويد المدينة وتغيير وضعها التاريخي يتحرك الفلسطينيون بعفوية رفضاً لذلك .
»لتهويد« يطال كل شيء في القدس
منذ اليوم الأول لاحتلال القدس عام 1967م، عمل كيان الاحتلال جاهداً لتهويد المدينة المقدسة وتغيير طابعها العربي والإسلامي.
وقد طال مسلسل التهويد كافة أحياء المدينة العربية وسكانها، ونفذ المسلسل بأدوات الاستيطان ومصادرة الأراضي والسيطرة على التعليم و«عبرنة الأسماء» واقتحامات المسجد الأقصى وسحب هويات المقدسيين والجدار العازل.
ولعل الأخطر في كل ذلك هو تركيز الاحتلال كل جهده على البلدة القديمة في القدس وفي القلب منها الحرم القدسي الشريف، انطلاقا من رؤية يهودية تقول إن الهيكل المزعوم سيقام فوق قبة الصخرة بعد عام 1967م.
وتجري عملية تهويد القدس على قدم وساق بعيداً عن الأضواء، وقال تقرير حديث لصحيفة هآرتس الإسرائيلية، «يجرى الآن بناء أحياء يهودية جديدة والتخطيط لأخرى وراء الخط الأخضر (الشطر الشرقي لمدينة القدس المحتل عام 67) مثل أحياء هار حوما، وغفعات همطوس، وعطروت ورمات شلومو. وبموازاة ذلك، تكثف جمعيات المستوطنين جهودها لتهويد حي سلوان وحي الشيخ جراح وجبل المكبر وراس العامود.
وفي هذه الأحياء وأحياء فلسطينية أخرى يواصل الفلسطينيون مواجهة سياسات تخطيط وبناء مستحيلة.
وقالت الصحيفة «الحقيقة أنه اليوم أيضا، كما في كل يوم منذ عشرات السنين يستيقظ عشرات الآلاف من الفلسطينيين المقدسيين على واقع خطير، هدم بيوتهم أو طردهم منها. خطر يهدد حياتهم، ما يدفع المدينة نحو اليأس والعنف».
واعتبر كاتبا التقرير – مايا هوردينتسياني ونير حسون – أن: «إقامة الأحياء اليهودية وجهود تهويد الأحياء الفلسطينية تجعل كل مستقبل لتسوية سياسية غير ممكن».
الاستيطان
مثل الاستيطان حجر الزاوية في تهويد مدينة القدس، من خلال إحاطة المدينة بحزام من المستوطنات في شرق المدينة وجنوبها وشمالها، وقد هدفت هذه السياسة إلى مضاعفة عدد المستوطنين في القدس، وإفراغ المدينة من سكانها الفلسطينيين.
وتنتشر هذه المستوطنات في محافظة القدس على شكل تجمعات استيطانية مكثفة تتخذ الشكل الدائري حول المدينة وضواحيها ممثلة بمراكز استيطانية كبيرة المساحة، وفقا لمركز أبحاث الأراضي الفلسطينية. ولا يكون استيطان بغير مصادرة أراض، فصادرت إسرائيل آلاف الدونمات في القدس لإقامة المستوطنات عليها.
ولم تغفل إسرائيل سكان القدس من مخططاتها، إذ سعت إلى تهجيرهم من المدينة لتصبح الغالبية فيها يهودية، تنفيذاً لتوصية لجنة وزارية إسرائيلية لشؤون القدس عام 1972م تقضي بأن لا يتجاوز عدد السكان الفلسطينيين في القدس 22% من المجموع العام للسكان.
وقد جرى تطبيق هذه السياسة عبر سحب الهويات من السكان العرب في القدس، حسب معطيات مركز المعلومات الوطني الفلسطيني.
ومن الأساليب التي ابتكرها الاحتلال لتهويد المدينة قانون التنظيم والتخطيط الذي جعل حصول المقدسيين على التراخيص والبناء تعجيزيا، بحيث أدى ذلك إلى تحويل ما يزيد على 40% من مساحة القدس إلى مناطق خضراء يمنع البناء للفلسطينيين عليها، وتستخدم كاحتياط لبناء المستوطنات كما حدث في جبل أبو غنيم.
ودفعت هذه الإجراءات إلى هجرة سكانية عربية من القدس إلى الأحياء المحيطة بالمدينة للخلاص من كابوس الإجراءات الإسرائيلية.
وتسبب الاستيطان المتواصل في تقليص مساحة فلسطين التاريخية، فلم يبق للفلسطينيين سوى حوالي 15% فقط من مساحة فلسطين التاريخية المقدرة بنحو 27 ألف كيلومتر مربع، حيث تستغل دولة الاحتلال أكثر من 85% من المساحة الفعلية.
وتظهر الأرقام تزايد عدد المستوطنين في الضفة الغربية من 240 ألفا عام 1990م إلى نحو ثمانمئة ألف مستوطن عام 2016م.
حي عطروت.. على أرض مطار القدس الدولي
حي عطروت، وهو حي استيطاني تعتزم دولة الاحتلال إقامته شمالي القدس على طريق القدس رام الله، وعلى أراض قرية قلنديا الفلسطينية، والذي سيشمل 9000 وحدة سكنية، «يبدو وكأنه لا يهدد أحدا للوهلة الأولى، فالحي سيقام على أراضي مطار عطروت المتروك (المقصود مطار القدس الدولي الذي نشط منذ ما قبل الاحتلال وحتى احتلال عام 67) فلن يجلى أي مواطن فلسطيني من أرضه، لكن الحديث هو عن أكبر حي استيطاني يقام وراء الخط الأخضر (حدود العام 67) منذ سنوات التسعينيات، وهو معد لإسكان اليهود الحريديم، لكنه سيقوم في قلب الفضاء الفلسطيني بين مثلث قرى كفرعقب وقلنديا وبيت حنينا الفلسطينية، وهذا لا يقف عند مسألة حرمان الفلسطينيين من أي أمل في إعادة تشغيل المطار تحت العلم الفلسطيني، بل سيقضي على إمكانية إعادة تقسيم المدينة».
حي الشيخ جراح ومخطط الترحيل والطرد
وبالعودة إلى قلب الشطر الشرقي المحتل من القدس عام 67، حيث يقف حي الشيخ جراح في مقدمة التصدي للجمعيات الاستيطانية اليهودية التي تسعى للاستيلاء على أكثر من 26 بيتاً في الحي بزعم أنه كان قبل حرب النكبة مملوكا ليهود، علما أن العائلات الفلسطينية التي تعيش فيه هي عائلات جرى طردها وترحيلها بالأصل من أحيائها وبيوتها في الشطر الغربي من المدينة خلال حرب النكبة.
سلوان والحدائق التوراتية
وبعد أن يشرح التقرير بإسهاب جذور حي الشيخ جراح ينتقل إلى شرح ما يحدث في قرية سلوان – جنوب المسجد الأقصى – واستهدافها من قبل المستوطنين وجمعياتهم الاستيطانية، وتحديدا لثلاث مناطق في القرية، أولاها منطقة حي وادي يتسول، حيث تسعى بلدية الاحتلال في القدس لهدم أكثر من مائة منزل فلسطيني بزعم إقامتها من دون ترخيص على أراض هي لاستخدام الجمهور العام، وفق الخريطة الهيكلية من العام 1977م.
المنطقة الثانية هي البيوت في حي البستان في سلوان التي تحاول حكومة الاحتلال الاستيلاء على بيوت منها لصالح «حديقة قومية»، تحت ستار حديقة قومية يطلق عليها اسم «مدينة داود» كجزء من مشروع كبير تديره جمعية الاستيطان الصهيونية العاد.
وهنا تعتزم البلدية طرد مائة عائلة عربية من بيوتها، ورفضت مؤخرا مخططا هندسيا وافق عليه الأهالي بهدم الحي وإعادة بنائه من جديد على 60% من الأراضي وإتاحة الباقي منها للحديقة القومية، واقترحت نقل الأهالي إلى بيوت على مساحة لا تزيد عن 20% من الأراضي الأصلية للحي.
المنطقة الثالثة في سلوان تقع في قلب القرية في حي بطن الهوى، حيث حازت جمعية عطيرت كوهنيم الاستيطانية، عام 2001م، على قرار قضائي من المحكمة الإسرائيلية يقضي بمنح الجمعية مكانة «أمناء للوقف ليهودي» الذي كان في المكان حتى العام 1936م، حيث عاشت عائلات يهودية يمنية غادرت المكان بتوجيه من حكومة الانتداب، واشترى الفلسطينيون الأراضي وأقاموا عليها بيوتهم.
الاستيلاء على مخيم البتراء في باب بلدة الخليل
وفي قلب البلدة القديمة، تشهد البلدة مساعي مستمرة للتهويد بالركون إلى صفقات بيع مشبوهة لأوقاف كنسية مسيحية لجمعيات استيطانية، وخاصة جمعية عطيرت كوهنيم، التي يقع موقعها الأصلي في عقبة الخالدية داخل أسوار البلدة القديمة.
جبل المكبر
وفي سياق مسلسل التهويد، فإن قرية جبل المكبر باتت جزءا من أطماع المستوطنين ودولة الاحتلال في مشروع تهويد القدس حتى من دون وجود «أي ادعاءات لوقف يهودي، أو مشروع حديقة قومية كما يقول التقرير، وإنما هدم عشرات البيوت لصالح توسيع «الشارع الأميركي» الذي يربط بين جبل المكبر وبين حي الشيخ سعد..
المنظمات اليهودية التي تستهدف الأقصى
شهدت السنوات الأخيرة تناميا للجمعيات اليهودية الاستيطانية التي تضع على رأس أجندتها استهداف القدس والمسجد الأقصى من خلال رعاية كاملة من قبل حكومة الاحتلال، وبحسب المعهد المصري للدراسات تتمثل هذه المنظمات في:
– لاهافا: التي تزعمت الاعتداءات الأخيرة على المقدسيين بباب العامود، ويقودها “بينزي غوبشتاين”، وشارك مع آخرين ببث رسائل عبر الإنترنت تحذر من “مذابح عربية”، مع أن مسيراتها في القدس ليست جديدة، لكن بحضور بضع عشرات من المراهقين، ويتم تفريقهم بسرعة من الشرطة، ولكن هذه المرة بلغ عددهم المئات، حيث وصل عددهم ألف مستوطن، وسارت المسيرة بحماية الشرطة، ومن السمات الجديدة نسبيًا لهذه المسيرات الأعداد الكبيرة من الشباب الأرثوذكسي المتطرف الذين شاركوا فيها.
– “غوش أمونيم”: معناها “كتلة الإيمان”، وتطلق على نفسها حركة “التجديد الصهيوني”، أسسها الحاخام “موشي ليفنغر” بعد حرب رمضان 1973م، ويؤمن أتباعها باستخدام القوة والعنف لإقامة الهيكل على أنقاض المسجد الأقصى، وتحظى بدعم حكومة الاحتلال ما أكسبها قوة ونشاطاً.
– “يشيفات أتريت كوهانين”: معناها “التاج الكهنوتي”، وتعود جذورها إلى الحاخام الأول “إبرهام يتسحاق كول” وابنه “زفاي”، وتؤمن بأنها طلائع الحركة التي ستبدأ مسيرة الهيكل، ولديها خطط جاهزة لإنشائه.
– الاستيلاء على الأقصى: من زعمائها الحاخام “يسرائيل أريئيل” الذي صرّح بقوله إن “المسجد الأقصى كومة من الحجارة يجب أن تزول، ويبني اليهود مكانه هيكلهم المقدس”، ويشرف على مزرعة أبقار من شأنها أن تنتج بقرة حمراء، لاستخدامها في طقوس ما قبل الشروع في بناء الهيكل حسب الشريعة اليهودية.
– الهيكل المقدس: أسّسها “ستانلي غولفوت”، ومن أعضائها الفيزيائي الأمريكي الصهيوني المسيحي “لاغرت دولفين”، وحاولا التحليق بطائرة فوق المسجد الأقصى وقبة الصخرة لتصويرها بأشعة “إكس” بواسطة جهاز الاستقطاب المغناطيسي لتصوير باطن الأرض، لإثبات أنّه مقام في موضع الهيكل المزعوم.
– “سيودس شيسون”: تتلقى الدعم من وزارتي الحرب والمعارف وبلدية القدس، وتعمل لتعميق الوعي إزاء الهيكل والقدس لدى الشعب اليهودي عامةً، ولدى الجيش خاصة، وتهدف للاستيلاء عليه.
– “أل هار هشام”: معناها “إلى جبل الله”، وتهدف لبناء الهيكل، ويترأسها “غور شون سلمون”، وحاولت اقتحام المسجد الأقصى لإقامة صلاة يهودية فيه، ومن أعضائها “يسرائيل ميلاد”، الذي يعمل في عدة مؤسسات دينية لبناء الهيكل، وحاول رئيسها اقتحام ساحة المسجد لإقامـة الشعائـر الدينيـة اليهوديـة.
– أمناء جبل الهيكل: وقد دأبت هذه المنظمة على الاعتداء على حرم الأقصى بإقامة الشعائـر اليهودية بساحاته، وتظاهر أفرادها في مدخل باب الخليل بالمدينة، ويهتفون بعبارات مناوئة للعرب والمسلمين، ويحملون نعشاً كتب عليه “دولة فلسطينية لن تقوم”، وزعموا أنه “لابد من تحقق الوعد بدخول المسجد الأقصى “الهيكل” ومملكة داود المشيدة قبل 3 آلاف سنة، وإخراج المسلمين من المدينة”، وحاولت الحركة أكثر من مرة وضع حجر الأساس للهيكل قرب ساحة البراق، وصدر قرار المحكمة بالسماح لها بوضع حجر الأساس رمزياً للهيكل المزعوم.
– “إعادة التاج لما كان عليه”: يتزعمها “يسرائيل فويختونفر”، ويقود مجموعة من الشباب اليهودي للاستيلاء على البيوت والمباني في القدس من أجل تهويدها، ومحاصرة الحرم القدسي بممتلكات يهودية.
– حشمونائيم: يتزعمها الإرهابي “ليرنر”، وعرفت باللجوء للعنف الشديد للسيطرة على الأقصى، وحاولت تفجير مسجد قبة الصخرة عام 1982م، لكنها باءت بالفشل بعد اكتشاف المتفجرات قبل انفجارها، والأب الروحي لهذه المجموعة الحاخام “أفيبدرو نفسنتال” رئيس رابطة التاج القديم، والملقب بحاخام المدينة القديمة.
– “كاخ”: أسسها الحاخام “مائير كاهانا” اليهودي الأمريكي ذو الآراء التلمودية المتطرفة، وقتل حين ألقى خطاباً عنصرياً، ومن أتباعها الجندي “آلان غولدمان” الذي اقتحم المسجد الأقصى، وأطلق النار على المصلين فيه، وحاول “يوئيل ليرنر” من نشطائها نسف قبّة الصّخرة، ووضع خططـاً لنسف المساجد، وفي 1984م أقدم “كاهانا” على محاولة لتدنيس المسجد الأقصى برفع العلم الصهيوني في ذكرى هدم الهيكل الثاني.
وهناك العديد من الجماعات اليهودية الأخرى مثل “صندوق جبل الهيكل، مؤيدي الهيكل، عطيرات كوهانيم، معهد أبحاث الهيكل، أبناء جيل الهيكل، نساء من جبل الهيكل المقدس، أنصار الهيكل”.
التعاون الأمني بين السلطة الفلسطينية والاحتلال الإسرائيلي.
يثير التعاون الأمني بين السلطة الفلسطينية ودولة الاحتلال، جدلًا واسعًا في الساحة الفلسطينية، فقد وظَّفت إسرائيل التعاون الأمني لخدمة مصالحها، ضامنة انخراط الأجهزة الأمنية للسلطة الفلسطينية في أنشطة ضد حركات المقاومة بالتنسيق مع الجيش والمخابرات الإسرائيلية.
وقد استعاد التعاون الأمني في عهد محمود عباس حيويته بفعل طابع المواقف الأيديولوجية التي يتبناها عباس، والتي تعارض بشكل مطلق العمل المسلح ضد الاحتلال.
إلى جانب ذلك، فقد دافع عباس عن التعاون الأمني مع إسرائيل بوصفه «مصلحة وطنية» فلسطينية، بغضِّ النظر عن سلوك الاحتلال الإسرائيلي إزاء الفلسطينيين . فعباس أكد مراراً «التنسيق الأمني مقدس، وسوف يستمر سواء وافقنا على السياسة أم لم نوافق».
كما لم يسمح عباس لحركة «فتح» – التي يقودها – بلعب أي دور جدي للإسهام في تبني المقاومة الشعبية في مواجهة المشروع الاستيطاني وتحدي.
السياسات الإسرائيلية في الأراضي المحتلة.
عمدت الأجهزة الأمنية التابعة للسلطة إلى التصدي لأشكال المقاومة الشعبية السلمية وأحبطتها.
ولم تعمل الولايات المتحدة على مأسسة التعاون الأمني بين الكيان الصهيوني والسلطة الفلسطينية وجعله أكثر جدوى فحسب، بل حرصت على أن تسهم دورات التدريب التي أشرفت عليها في فرض عقيدة أمنية جديدة على المؤسسة الأمنية في السلطة، بحيث يفضي تشرب منتسبي الأجهزة الأمنية الفلسطينية تلك العقيدة إلى «صناعة الفلسطيني الجديد»، الذي يرى في إحباط العمل المقاوم ضد الاحتلال مصلحة وطنية له.
وقد أقر الجيش الإسرائيلي بدور الإصلاحات على النظام السياسي الفلسطيني في زيادة فاعلية التعاون الأمني وإسهامها في تحسين ظروف المشروع الاستيطاني في الضفة الغربية .
كما أسهم تفجر الانقسام الفلسطيني الداخلي – الذي انتهى بسيطرة حركة حماس على قطاع غزة في يوليو 2007م، وسيطرة «فتح» على الضفة الغربية – في توفير بيئة مناسبة لتعزيز التعاون الأمني، حيث منح الاحتلال الفرصة لابتزاز قيادة السلطة وإجبارها على إبداء أكبر قدر من التعاون الأمني، بحجة أن التعاون في مواجهة حركات المقاومة ضرورة لضمان بقاء حكم «فتح» وعدم السماح لحماس بتكرار «نجاحاتها» في الضفة .
وتدل التصريحات والمعطيات الرسمية الصادرة عن إسرائيل والسلطة على أن الانقسام الفلسطيني الداخلي أسهم في تحسين العوائد التي تحصل عليها إسرائيل من تعاون السلطة الأمني.
وتقر قيادات الاحتلال الإسرائيلية بأن أجهزة السلطة الأمنية تزود إسرائيل بمعلومات استخبارية تسهم في تفكيك خلايا المقاومة في الضفة الغربية .
ووفق تقارير إسرائيلية فقد سلَّم الجهاز الأمني للسلطة الفلسطينية أكثر من 2000 مطلوب ومقاوم فلسطينيا إلى إسرائيل خلال ثلاث سنوات فقط، فيما أعاد جهاز أمن السلطة الفلسطينية اكثر من 1700 إسرائيلي ضلوا الطريق .
ووفقًا لتقرير جهاز الأمن الداخلي الإسرائيلي عام 2009م فإن دور الأجهزة الأمنية الفلسطينية هو السبب الرئيسي في تراجع الهجمات من الضفة الغربية والقدس الشرقية. لهذا منحت إسرائيل الأجهزة الأمنية سلطات أكبر، وتقاسمت معها معلومات استخباراتية عالية الجودة.