نصارى هولندا .. وصهاينة العرب

يكتبها اليوم / عبد الفتاح البنوس

 

أصحاب الضمائر الإنسانية الحية يتحركون في مواقفهم وقراراتهم وتوجهاتهم من منظور إنساني بحت ، مجرد من كل أشكال التدجين والولاءات الضيقة والمصالح النفعية الرخيصة والمبتذلة، ينطلقون انتصارا لقيم الإنسانية ومبادئها، ولا يعترفون بما سواها ولا يلقون لها بالا، كل همهم إرضاء ضمائرهم والانتصار للقيم النبيلة التي يتحلون بها، التي تنتصر للمظلومين والمضطهدين بغض النظر عن ديانتهم وجنسهم ولونهم وعرقهم وغيرها من الاعتبارات والمسميات التي يتخندق حولها ويتشبث بها اليوم بعض المأزومين ممن يعانون من داء ( عقدة النقص) الذي بات آفة هذا العصر على المستويات المحلية والإقليمية والدولية.

قبل أيام سجل وزير الخارجية الهولندي كاسبار فيلد كامب ومعه ثمانية وزراء آخرين موقفا للتاريخ وللإنسانية جمعاء، عندما أقدموا على تقديم استقالتهم من الحكومة، وذلك احتجاجا منهم على الموقف الرسمي لحكومة بلادهم عقب رفضها فرض المزيد من العقوبات على كيان العدو الصهيوني على خلفية جرائم الإبادة الجماعية البشعة التي يرتكبها بحق أطفال ونساء وأهالي غزة على مرأى ومسمع العالم قاطبة.

موقف أخلاقي إنساني مجرد من العواطف والانفعالات جاء في سياق استشعار هؤلاء النصارى الذين نختلف معهم في الديانة ولا تربطنا بهم أي روابط أخوية ولا يوجد بيننا وبينهم أي قواسم مشتركة؛ للمسؤولية الأخلاقية والإنسانية وهم يشاهدون أهالي غزة يموتون من الجوع بعد أن نال منهم وفتك بهم جراء الحصار الصهيوني الخانق وسياسة التجويع القذرة التي تمارس بكل وقاحة وبشاعة وقلة حياء بحق المجوعين من أبناء القطاع الذين تحولوا إلى فرائس صيد للقتلة الصهاينة والأمريكان داخل مصائد الموت التي جاءوا إليها بناء على طلب الصهيوني والأمريكي بغية الحصول على المساعدات الإغاثية.

لقد ضرب هؤلاء الوزراء الهولنديون أروع الأمثلة على صحوة الضمير الإنساني، وأكدوا للعالم بأسره وفي مقدمة ذلك القادة والوزراء العرب والمسلمون، أن الضمير الإنساني عصي على الصمت والخنوع، مهما بلغ حجم الضغوطات والمؤامرات، وأرسلوا رسالة غير مباشرة للمسؤولين العرب والمسلمين مفادها أنه لا قيمة للمناصب والمراتب والمسؤوليات ما دام البقاء فيها على حساب أرواح الأبرياء ممن لا حول لهم ولا قوة من أبناء غزة، وأن الضمير الإنساني والكرامة الإنسانية أسمى وأرفع وأغلى من كل المصالح والمكاسب بمختلف صورها وأشكالها، وأن كرامة الإنسان وحقه في الحياة أولوية لا يمكن تجاوزها أو القفز عليها وتجاهلها على الإطلاق، وأن ما يحصل في غزة عار على البشرية ومعيب في حق الإنسانية ومن الجرم السكوت عنه.

بالله عليكم ما الذي تبقى للقادة والوزراء والمسؤولين العرب والمسلمين من مبررات وذرائع لمواقفهم المخزية والمذلة والمهينة تجاه أهالي قطاع غزة؟!! ألا يخجلون من أنفسهم جراء هذا الموقف الهولندي الإنساني والأخلاقي؟! أيعقل أنهم بلا ضمائر؟! لماذا لم نسمع عن حاكم أو وزير أو مسؤول عربي قدم استقالته من منصبه احتجاجا على موقف حكومته المتخاذل والمتآمر على إخواننا في غزة؟! لماذا يلزم هؤلاء الصمت في الوقت الذي تتعالى فيه الأصوات الغربية المنددة بالإجرام والتوحش الصهيوني، والمتضامنة مع المظلومية والمعاناة الفلسطينية الغزاوية التي لا مثيل لها في التاريخ الحديث والمعاصر؟!

الهولنديون حركهم ضميرهم الإنساني، وفضلوا التنحي عن السلطة نصرةً لغزة المستضعف أهلها، المستباحة دماء أطفالها ونسائها ورجالها، وأنتم ما هو موقفكم؟! أين نخوتكم؟! أين عروبتكم؟! أين إسلامكم؟!! أين إنسانيتكم؟! أين ضمائركم؟! ما الذي سيحرككم يا هؤلاء؟!! غزة تموت جوعا، وكيان العدو الصهيوني يغرق في صلفه وتوحشه وإجرامه، يتلذذ بمشاهد المجاعة التي تفتك بالغزاويين، وبكل جرأة ووقاحة يهدد بالمزيد من الإجرام والتوحش من أجل إجبار أهالي غزة على النزوح من أرضهم.

أين هي جيوشكم؟! أين هي أسلحتكم؟!! أين هو نفطكم؟!! لماذا لا تحركونها وتفعّلونها نصرةً لغزة وأهلها؟! أيعقل أن يكون الهولنديون أكثر إنسانية وغيرة منكم؟! كيف تفكرون؟! وعلى ماذا تبنون مواقفكم المخزية والمخجلة تجاه غزة وفلسطين؟! أتدركون أنكم صرتم أضحوكة للعالم؟! وصرتم مضرب المثل في الخيانة والعمالة والتآمر والخذلان؟! لم يسبق أن شهد العالم لكم مثيلا في السقوط الأخلاقي والإنساني، العار الذي ألحقتموه بأنفسكم وشعوبكم ودولكم وأمتكم لم يسبقكم إليه سابق قط.

أين حميتكم الجاهلية التي أظهرتموها غداة تصريحات وزير الإعلام اللبناني السابق جورج قرداحي التي وصف من خلالها العدوان على اليمن بأنه حرب عبثية، والتي سحبتم على إثرها السفراء، وهددتم بقطع العلاقات مع لبنان، لماذا لا تظهرونها مع كيان العدو الصهيوني نصرةً لغزة وأهلها وانتصارا لمظلوميتهم الغير مسبوقة التي شهد بها العدو قبل الصديق؟!

خلاصة الخلاصة: خبتم وخسرتم يا صهاينة العرب، وفاز وربح الوزراء الهولنديون وكل الأحرار المتضامنين مع غزة وفلسطين، وعليكم لعائن الله وغضبه إلى يوم الدين.

والعاقبة للمتقين.

 

 

 

قد يعجبك ايضا