أثبتت أن المقاومة هي الخيار الأمثل لانتزاع الحق الفلسطيني وردع الكيان المحتل..
عملية سيف القدس.. شبح يخيم على عقول قادة الصهاينة وقطعان المستوطنين
الثورة / حمدي دوبلة
الثورة /أصبح الكيان الصهيوني يعيش رعبا دائما، حتى وهو يصعّد ويتمادى في انتهاكاته بحق الأقصى والقدس والمواطنين العزّل في القدس والتي وصلت ذروتها خلال الأيام القليلة الماضية، فإن رعب نسخة ثانية من عملية ” سيف القدس”، بات – كما يقول مراقبون – شبحا يخيم على عقول الساسة الصهاينة ويطغى على المشهد داخل أروقة صنع القرار لكيان الاحتلال.
ويؤكد خبراء عسكريون ومحللون سياسيون أن العدو الإسرائيلي سيفكّر ألف مرة قبل إقدامه على أي مغامرة جديدة ضد الشعب الفلسطيني فلا تزال في مخيلته الهزيمة المذلّة التي تعرض لها في عملية سيف القدس قبل عام وستبقى ماثلة أمامه كلّما أراد أن يتخذ قرارا ضد الفلسطينيين ومقدسات الأمة.
كانت عملية سيف القدس وما سطرته المقاومة الفلسطينية خلال 11يوما من الملاحم البطولية بمثابة الدرس القاسي للعدو وجحافله وقطعان مستوطنيه، وأثبتت نتائجها المشرفة وما تمخضت عنها من خسائر موجعة للعدو على كافة المستويات بأن كيان الاحتلال لا يجدي معه إلا لغة الردع والقوة وأنه لا يفهم أيا من مفردات السلام وتوجهات الحوار التي ارتأى عدد من مكونات الداخل الفلسطيني الركون إليها لكن العدو جعلها شكلية ومُفرَغة تماما من مضامينها الحقيقية.
من ثمار سيف القدس
يجمع المراقبون على أن من أبرز وأهمّ نتائج عملية «سيف القدس» -التي بات يلمسها الفلسطينيون بمختلف انتماءاتهم، تتمثل في ارتداع العدو عمّا من شأنه التسبّب بمواجهة وبمعركة جديدة، إذ بات لدى الكيان الصهيوني وعلى نطاق واسع قناعات يقينية وهي ما عبر عنه سياسيون وعسكريون صهاينة وحتى وسائل إعلام عبرية مؤخرا، بأن أي معركة قادمة حتما لن تنحصر في قطاع غزة دون سواها من الساحات الفلسطينية بما فيها مناطق 48 .
وتحدث الإعلام العبري صراحة خلال أحداث القدس الأخيرة عن الربط بين القدس وغزة وبات يكشف عن تحذيرات نقلا عن قيادات أمنية وسياسية من إمكانية انضمام “غزة وربما فلسطينيي الداخل المحتل إلى المعادلة”، وكان ذلك من ثمار ونتائج عملية سيف القدس العام الماضي.
قبل أحداث عملية سيف القدس كان الاحتلال قد أنهى بالكامل مسار المفاوضات الذي ارتضاه البعض بديلاً عن المقاومة لتحصيل جزء من الحقوق الفلسطينية، ولم يَعُد مستعدّاً لإعطاء فتات الفتات من الحقوق، بل ولم يَعُد معنيّاً حتى بتنظيم لقاءات شكلية للقول إن هذا المسار لم يَمُت وباتت المزايدات في مواجهة الفلسطينيين جزءاً لا يتجزأ من الحياة اليومية للإسرائيليين ومسؤوليهم، الذين يتسابقون على تظهير التطرّف واليمينية، حتى بأشكالهما غير المجدية للمشروع الصهيوني نفسه.
جاءت سيف القدس لتكبح جماح هرولة الأنظمة عربية إلى التطبيع مع العدو، والتي أصبحت بصورة لم تَعُد تُراعي حتى الشكليات، وصارت محلّاً للتسابق بين تلك الأنظمة إرضاءً للراعي الأمريكي.
إنجازات غير مسبوقة
حققت فصائل المقاومة الفلسطينية خلال عملية سيف القدس إنجازات عسكرية وأمنية وسياسية غير مسبوقة كما ألحقت بالكيان هزائم مذلة وحملت سمات استثنائية تميزت عن غيرها من الجولات والمواجهات السابقة مع العدو وهو ما يعتبره خبراء بأنه يشكل لحظة فارقة في تاريخ الصراع والتطورات في المنطقة عموما.
وشكل تصدي المقدسيين وأهالي حي الشيخ جراح لسياسة الاحتلال وتهجيرهم من بيوتهم، رافعة لانطلاق هبة مقدسية فلسطينية، استطاعت أن تفرض نفسها على أجندة الجميع وتعيد قضية القدس إلى الواجهة.
وجاء التحول الأبرز في هذه الأحداث بتدخل المقاومة في غزة واعتبارها الانتهاكات بحق المقدسات وأهل القدس دافعا ومبررا للدخول في جولة من القتال مع الاحتلال، خاصة بعد مناشدات المقدسيين لها وإصرار حكومة الاحتلال فرض سياساتها على المسجد الأقصى… ومنذ تلك اللحظة بدأ الفلسطينيون تسجيل جملة من الإنجازات على صعيد المواجهة مع العدو وكان أهم تلك الإنجازات دخول سلاح المقاومة في غزة على خط التأثير على الاحتلال في القدس، ليتطور ذلك في مشاهد أخرى تشمل الاعتداءات الصهيونية في الضفة الغربية، وكذلك بحق فلسطينيي الداخل المحتل.
هذه المعادلة – وبشكل مجرد – مثلت تحولا استراتيجيا تبنته المقاومة كمسار نضالي جديد أعاد القضية الفلسطينية -التي حاولت صفقة القرن واتفاقيات التطبيع تصفيتها- إلى مربعها الأول، وأكدت أحقية الشعب الفلسطيني في الأرض والمقدسات.
الوحدة الفلسطينية النضالية في مواجهة الاحتلال في القدس والضفة الغربية وقطاع غزة والداخل المحتل، شكلت بديلا عمليا لمسار “المصالحة” أو مسار “الانتخابات الفلسطينية” الذي تبنته السلطة الفلسطينية والفصائل، ومضت سنوات دون إحداث اختراق حقيقي فيه، بل إن مسار الانتخابات قد فوت على الفلسطينيين فرصة الانتفاضة في وجه صفقة القرن وخطط الضم والتطبيع، وجاءت هذه الجولة من المواجهات لتعيد للفلسطينيين اعتبارهم.
استطاعت عملية سيف القدس بشموليتها في القدس وغزة والضفة والداخل، تثبيت الحق الفلسطيني في القدس، وتفنيد رواية الاحتلال بأحقيته في تهويد القدس وأحيائها.
كما قدّمت المقاومة في غزة نموذجا قتاليا محترفا، وقدرة عالية على مواجهة العدوان الصهيوني والتعامل مع خطط الاحتلال، بما يحد من قدرته على إطالة أمد عدوانه ضد الفلسطينيين.
يضاف لذلك هبة فلسطينيي الداخل المحتل التي برهنت -بما لا يدع مجالا للشك- أن دولة الاحتلال أضعف مما تحاول تقديم نفسها به، وأن لدى الاحتلال خاصرة رخوة وحساسة لم تعد بمنأى عن الفعل الفلسطيني المقاوم والتأثر به.
كما أثبتت قدرة الفلسطينيين على إسقاط مشاريع “التهويد” الثقافية والديموغرافية في هذه المواجهة.
ولعل السمة الأبرز لعملية سيف القدس أنها أثبتت أن المقاومة الفلسطينية أفقدت الاحتلال عنصري المفاجأة والمبادرة.
وأحدثت هزة كبيرة في نظريته الأمنية، حيث شملت تداعيات العملية معظم عناصر النظرية الأمنية الإسرائيلية، كالردع، والحرب الاستباقية، والقتال في أرض “العدو”، والتنبؤ الاستراتيجي، وتماسك الجبهة الداخلية.
وقد استطاعت المقاومة الفلسطينية أن تثبت للاحتلال وجود معادلة ردع استراتيجي أو تكتيكي، وعاجلته بالاستعداد للدخول في مواجهة قتالية، وبدأت الجولة بقصف “القدس” والعديد من المستوطنات في أرض الخصم.
كما عجز الاحتلال عن التنبؤ بقرار المقاومة في غزة، وطبيعة وحجم قدراتها العسكرية، بما في ذلك مدى الصواريخ وأعدادها. ورافقت هذه الجولة هبّة شعبية فلسطينية في مدن الداخل المحتل، التي يعتبرها الاحتلال جزءا من جبهته الداخلية.
واستطاع الفلسطينيون تقديم نموذج لحالة الاستنزاف التي قد يخضع لها الاحتلال بتعدد ساحات المواجهة معه في كل فلسطين المحتلة.
الخيار الأمثل
عملية سيف القدس عزّزت خيار المقاومة لدى الفلسطينيين، وأبعدتهم عن الخيارات الأخرى، ليس لفاعليته في تحصيل الحقّ الفلسطيني بالضرورة، بل لأنه يضرّ بالاحتلال ويجبي منه أثماناً، وتلك واحدة من أهمّ المعضلات التي باتت تؤرق الكيان المحتل وتجعل كيانه الوجودي على المحك، وهو ما يثبت مجددا أن خيار المقاومة والردع يبقى الخيار الأمثل لمواجهة الغطرسة الصهيونية وانتزاع الحقوق المشروعة وحماية القدس وسائر مقدسات الأمة التي تحتضنها أرض الرباط المقدس وأولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين ومسرى النبي الكريم عليه وآله أفضل الصلاة والسلام، ومن يظن غير ذلك فهو مخطئ ويعيش في وهم كبير.