مجلس الأمن منصة دولية لتبرير العدوان والحصار على اليمن

غارات وقرارات: مجلس الأمن شريك في العدوان على اليمن ” الحلقة السابعة “

القرار 2140 التمييز وعدم الحياد في العقوبات.. معاقبة شعب

الثورة/
بعد كل تلك المخالفات لم تفاجئنا قرارات المجلس في الفقرات من (11 إلى 20)، والتي فصّل فيها قراره وأحكامه بشأن العقوبات بتجميد الأصول والأموال ومنع السفر باستثناء الحالات الإنسانية وضرورة تغطية النفقات الأساسية والاستثنائية ـ التي يوافق عليها ـ لمن ذكر في فقرته الـ(17) أنهم “يشاركون في أعمال تهدد السلام أو الأمن أو الاستقرار في اليمن أو يقدمون الدعم لتلك الأعمال”، في عبارة كشف بها المجلس مجدداً أن الأزمة في اليمن لم تهدد السلام والأمن والاستقرار في أي دولة أخرى عوضاً عن الاقليم أو العالم، وجاءت العبارة بشكل عام غير محدد ليستطيع أن يُدخل في قائمة العقوبات من يشاء حتى وإن كان مواطناً يمنياً أعلن معارضته السلمية للاتفاق السياسي الذي جاء مخالفاً لدستور الجمهورية اليمنية أساساً، وذلك في مصادرة لحق إنساني أصيل هو “حق التعبير”، وبمخالفة متعمدة من مجلس الأمن للإعلان العالمي لحقوق الإنسان والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية وغيرها من القوانين والاتفاقيات الدولية التي أكدت هذا الحق وجعلت من مجلس الأمن أحد حُماته.
وجاءت الفقرة الـ(18) لتؤكد سوء النية في صياغة القرار كاشفة أن الغرض منه جعله عائماً فعلاً وليس محدداً حيث حددت الفقرة ثلاثة أعمال تدخل في إطار تهديد السلم في اليمن ولكن المجلس قبل أن يذكرها سبقها بعبارة: “قد تشمل على سبيل المثال لا الحصر”، فاتحاً المجال وبدون قيود لإضافة مستقبلية لأي أعمال يريد توصيفها بأنها تهدد السلم بشكل مخالف للقواعد والأعراف القانونية، والأعمال الثلاثة التي حددها المجلس “على سبيل المثال”، كانت مرة أخرى مرتبطة بما أطلق عليها “عرقلة”، لـ “عملية الانتقال السياسي على النحو المبين في مبادرة مجلس التعاون الخليجي والاتفاق المتعلق بآلية التنفيذ”، ولم يكتفِ المجلس بتوصيف الفعل “عرقلة”، للمبادرة وإنما حتى وإن لم يكن هناك عرقلة وتمت عملية الانتقال السياسي وفق المبادرة الخليجية فهذا لن يحقق هدف مجلس الأمن في تقييد حرية وحقوق الشعب اليمني، فقد فتح المجال لإدانة أي فعل يريد لأي مواطن يمني بإدخال توصيف فعل آخر أكثر غرابة وعمومية هو “أو تقويض نجاح عملية الانتقال السياسي”، أي أن الشعب اليمني يتحمل تبعات تنفيذ عملية سياسية فرضت عليه بإملاء خارجي، ويُعاقب كل من عارضها. بل ويتحمل تبعات فشلها في حال نفذت ولم تنجح، حيث جاءت هذه الفقرة في قرار مجلس الأمن وهو يعلم أنه من المستحيل تحميل فشل عملية سياسية على من نفذها فعلاً، عوضاً عن استحالة نجاح عملية سياسية تُنَفذ التفافاً على ثورة وإرادة شعب وتعتمد في سريانها واستمرارها على مخالفة الدستور والقانون الوطني والدولي والعرف والمنطق البشري.
البندان (ب) و (ج) في الفقرة نفسها هما توصيف لعمليات أكثر منطقية لما قد يهدد السلام والأمن في اليمن، فالبند (ب) حدد “أعمال العنف أو شن هجمات على البنى التحتية”، بغرض “إعاقة تنفيذ نتائج التقرير النهائي لمخرجات الحوار الوطني الشامل”، أي “وثيقة الحوار الوطني الشامل“، أما البند (ج) أضاف: “أو التخطيط لأعمال تنتهك القانون الدولي لحقوق الإنسان أو القانون الإنساني الدولي، أو أعمال تشكل انتهاكات لحقوق الإنسان، أو توجيه تلك الأعمال أو ارتكابها في اليمن”.
حري بنا السؤال هنا ألم ينتبه مجلس الأمن بأن شن التحالف بقيادة المملكة العربية السعودية عدواناً معلناً على اليمن وتفاخره باستهداف وشن الهجمات على مختلف بناه التحتية ومنشئاته الحيوية (تلك الهجمات التي شهدها العالم على مدى سبع سنوات ـ وما زالت ـ) نفذت بعد صدور قراره (2140) وبدء التعامل مع اليمن بموجب الفصل السابع؟ هذه الهجمات العدوانية التي لم يسلم منها البشر والحيوان والحجر، والتخطيط والتنفيذ لجريمة العدوان من قبل دول التحالف وما تسببت به من قتل عشرات الآلاف من المدنيين جلهم من الأطفال والنساء لم يعترف مجلس الأمن بأنها تُعد تخطيطاً لأعمال تنتهك القانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي، وتهديداً للأمن والسلم الدوليين، بل لم يعتبر- بالحد الأدنى – أنها تشكل انتهاكاً لحقوق الإنسان في اليمن!. كيف لم ينتبه مجلس الأمن أن قادة دول التحالف قاموا بأعمال قرر فيها المجلس سلفاً بأنها تُهدد السلام والأمن في اليمن وأنه لم يستطع إدخالهم قائمة العقوبات حسب القرار وإنما حصرها على اليمنيين فقط؟! ولماذا مجلس الأمن بنفسه يخالف قراره وهو من يقوم بتوجيه ومباركة ارتكاب تلك “الأعمال”، في اليمن؟.
1 – لجنة جزاءات مهدت للعدوان:
للإشراف ومتابعة تنفيذ القرارات العقابية السابقة التي استثني منها الحالات الإنسانية والنفقات الأساسية والاستثنائية، قرر مجلس الأمن في الفقرة (19) تشكيل لجنة أسماها “لجنة الجزاءات”، لتنفيذ مهام محددة لا يتعدى اختصاصها متابعة تنفيذ الاجراءات العقابية ضد أفراد أو كيانات محددة وذلك برصد وتنفيذ التدابير العقابية للأفراد والكيانات الذين قد يكونون بصدد القيام بالأعمال التي قرر المجلس أنها تهدد السلام في اليمن والبحث عن معلومات عنهم ودراسة ما يزعم ارتكابه من انتهاكات وموافاة مجلس الأمن بالتقارير، ولم يخول للمجلس أو للجنة اتخاذ إجراءات عقابية عامة أو حتى ضد أفراد ليسوا ضمن قائمته.
بعد أقل من عامين من صدور هذا القرار كُشف حقيقة ما وراءه، حيث سمح مجلس الأمن لقوات التحالف في 26 مارس 2015 بتنفيذ إجراءات عقابية ليس ضد أفراد أو كيانات وإنما ضد اليمن ولم يستثنِ منها الحالات الإنسانية والنفقات الأساسية للشعب اليمني، فسمح وشجع دول التحالف على مخالفة القوانين الدولية وقانون أعالي البحار والاتفاقيات ذات العلاقة. بناءً على ذلك قامت دول التحالف بتنفيذ حصار شامل على الأراضي اليمنية براً وبحراً وجواً بإغلاق المنافذ ومنع وصول الطائرات والسفن التجارية عوضاً عن الحكومية، وتجميد أرصدة البنك المركزي اليمني ونقله من العاصمة صنعاء إلى عدن ولم تمانع في إحالة معاملاته والإشراف عليه إلى البنك الأهلي السعودي، ليُدخل الشعب اليمني في حصار خانق ومأساة إنسانية لا نظير لها في العالم اليوم بسبب هذا القرار الجائر وآلية تنفيذه غير القانونية.
2 – فريق الخبراء التابع للجنة الجزاءات:
شُكِّل فريق الخبراء التابع للجنة الجزاءات لـ 13 شهراً (من 26 فبراير 2014 حتى 26 مارس 2015) كآلية اعتمدها المجلس للإبلاغ عن المعلومات والتعاون مع لجنة الجزاءات لتنفيذ مهامها المتعلقة بالإجراءات العقابية على الأفراد والكيانات التي تقوم بأعمال تهدد السلام والأمن في اليمن. فقد قرر المجلس في الفقرة (21) الطلب من الأمين العام للأمم المتحدة أن يُنشئ خلال “13 شهراً”، “فريق خبراء”، لمساعدة اللجنة في تنفيذ ولايتها بتنقيح واستكمال المعلومات المتعلقة بقائمة الأفراد الخاضعين للتدابير العقابية وتزويد اللجنة “بالمعلومات المهمة لتحديدٍ محتمل في مرحلة لاحقة للأفراد والكيانات الذين قد يكونون بصدد القيام بالأنشطة المبينة في الفقرتين 17 و 18”، بجانب دراسة وتحليل المعلومات التي تُجمع من الدول وهيئات الأمم المتحدة والأطراف المهتمة، وإعداد ورفع التقرير النهائي في موعد أقصاه 25 فبراير 2015م.
سنؤجل تفنيد القرارات المتعلقة بفريق الخبراء لفصل لاحق للتركيز هنا على نقطتين رئيستين الأولى أن الفريق مهامه محددة لتحقيق أهداف محددة بنجاح فرض عقوبات على أفراد وكيانات من المفترض أنهم يهددون السلام والأمن في اليمن، وبالرغم من ذلك نجد أن اللجنة لم تقم بإدراج أي أسماء من الأطراف التي قامت بالأعمال المبينة في الفقرتين (17 و18)، وانحصرت القائمة على أفراد من مكون أنصار الله وحزب المؤتمر فقط. جاء ذلك رغم اعتراف المجلس المستمر في قراراته السابقة واللاحقة وكذلك في الفقرات (27) و(29) و(31) من هذا القرار بوقوع انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان في جميع المحافظات الشمالية والجنوبية، وتزايد هجمات تنظيم القاعدة، وحالة النزاع بين طرفي النظام السابق التي ذكر في الفقرة (31) أنه “يعترف بالعقبات الاقتصادية والسياسية والأمنية الكبيرة التي تواجه اللاجئين والمشردين داخليا في اليمن الذين يرغبون في العودة إلى ديارهم بعد سنوات من النزاع”، كل تلك الأعمال لم يعتبر المجلس أنه من الضرورة إدخال مرتكبيها في قائمة عقوباته.
النقطة الأخرى تكمن في السؤال الآتي: لماذا حدد مجلس الأمن 13 شهراً فقط مدة عمل اللجنة؟ وهل كانت صدفة أن يلزمها برفع التقرير النهائي قبل شهر واحد من انتهاء ولايتها وهو التاريخ نفسه الذي أعلن فيه التحالف بقيادة السعودية من واشنطن العدوان على اليمن في 26 مارس 2015؟!
ومن هنا نخلص إلى أن قرار مجلس الأمن رقم (2140) القاضي بالتعامل مع الحالة في اليمن عام 2014 تحت الفصل السابع واستخدامه لنزع سيادة الشعب اليمني على دولته ومعاقبة أفراد وأطراف بعينها يُعد انقلاباً على المنظومة والقوانين والأعراف الدولية، ومخالفة صريحة ومتعمدة لمقاصد وميثاق الأمم المتحدة وقراراته المحددة لأسباب التعامل مع الدول بموجب الفصل السابع، والمؤكدة عدم جواز التدخل في شؤون الدول الداخلية والخارجية وانتهاك سيادتها ومصادرة حقوق شعبها في تقرير مصيرهم بدون أي تدخل او تهديد خارجي.
حيث لم يستطع مجلس الأمن رغم محاولاته الحثيثة إثبات أن الحالة في اليمن تهدد الأمن والسلم الدوليين بل كان يعترف في كل قرار من قراراته بما فيها القرار (2140) بأن مشاكل اليمن داخلية ولم يستطع إثبات أي خطر على دول الجوار عوضاً عن سلامة الإقليم والعالم، وكان المجلس يعترف أن العملية السياسية مستمرة ولم تتطور حتى لحرب أهلية رغم التدخل الخليجي السلبي، وقد بارك المجلس وطالب بتنفيذ “مخرجات الحوار الوطني“، و”اتفاق السلم والشراكة”، رغم أن الاتفاق الأخير لم يكن للخليج علاقة به وصاغه واتفق عليه اليمنيون بأنفسهم وبمباركة وتشجيع من المبعوث الأممي جمال بن عمر.

قد يعجبك ايضا