من منا لم يفكر يوما بأن يقول للعالم: قف.
أو أرجوك ارجع إلى الوراء قليلا !!
إن كان لنا أن نختار واحدا أيهما أحق بأن يحدث ..الماضي أم الحاضر! وأيهما من يجب أن نصدقه!
لماذا نخاف دائما من التغيير¿ كيف سنتصرف لو أننا بين ليلة وضحاها بسبب سوء الحظ وصلنا إلى طريق مسدود.. فوجدنا أنفسنا نسقط وحيدين وقد تخلى عنا الجميع¿
سيقول أحدكم “علينا أن نبدأ من جديد”..هذه الأشياء دائما تبدو أسهل حين نقولها…
إلى أي حد يمكن أن نذهب بعيدا بأحلامنا قبل أن ندرك أن الوقت قد حان لننحرف عن المسار أو نغادره إلى آخر¿
صحيح… من المؤسف أن نقع ضحية أحلامنا ..لكن المؤسف أكثر أن نقع ضحية لأحلام الآخرين..
هناك نوعية من الناس العاديين الذين يعيشون معنا وحولنا وربما يتقاسمون معنا السقف.. لكنهم في حقيقتهم أبطال دون أن يدركوا ذلك…
“ستيف” مثلا .. الشابة الممتلئة حيوية مدربة الدلافين الاستعراضية .. تحاول أن تلتقط بضع لحظات من ماضيها وذكرياتها بعد أن فقدت ساقيها وهي تمارس في أحد الاستعراضات هوايتها التي أصبحت حرفتها وكل شغفها بالحياة… ومن ثم تصبح سبب كآبتها وحرمانها من مواصلة الحياة كإنسان طبيعي ..
“ستيف” هذا الدور الذي يعد من أفضل ما قامت به الممثلة الفرنسية “ماريون كوتيلارد” الحاصلة على أوسكار عام 2008 كأفضل ممثلة عن دورها في “La Vie en Rose” وهو عن حياة المغنية الشهيرة ” إديت بياف” .تجسد هنا دورا مغايرا عن حالة إنسانية خاصة ..
يشاركها في البطولة الممثل البلجيكي “ماتياس شونارتس” وهو ممثل لم يظهر بأدوار كبيرة دائما لذا هو غير معروف بالنسبة لكثيرين من متابعي السينما باستثناء أدواره في “مقتل الظل” والكتاب الأسود” و”رأس الثور”..
ولا يختلف واقع “علي”_ اسم الشخصية في الفيلم_ كثيرا عن “ستيف” إلا أن “علي” شخصية باردة غير مبالية مغامرة وعملية بنفس الوقت ولا تتوانى عن استغلال أي فرصة تستطيع من خلالها أن تحصل على المال من أجل العيش.. خصوصا وأنه مسؤول عن طفل كلاهما يعيش في مرآب سيارات صغير يعود لزوج أخته.. وأنه تكبد مشقة السفر بطريقة عشوائية ليصل إلى فرنسا ليبدأ من جديد ويحاول أن يعمل جاهدا بأكثر من وظيفة في اليوم, فقط ليستقر ويوفر لنفسه ولطفله أقل رفاهية ممكنة..
يلتقي “ستيف” و”علي” في بار حيث يعمل كحارس أمن ليلي وهناك بعد شجار صغير يوصلها لبيتها ويترك رقمه ويغادر..
فرصة أخرى
الحقيقة أنه ليس هناك دائما فرصة أخرى كما يقولون..هذا ليس صحيحا تماما.. لكن الأكيد أنه من حقنا أبدا السعي وراءها.
وبعد أشهر من تلقيها العلاج تخرج “ستيف” للنور امرأة مختلفة تماما, لا يربطها بالماضي القريب سوى الاسم وبضع شهادات وميداليات معلقة على الحائط..
وبعد يأس وصراع .. اختارت أن تجرب شيئا مختلفا مثل كثيرين يفضلون أن يطرقوا باب الحظ على أن يجربوا بأنفسهم ..تتصل بـ”علي” ورغم أن لا علاقة سابقة بينهما ..إلا أنه يحضر لمنزلها ومع الوقت تبدأ بينهما علاقة غريبة ..شابة جميلة حساسة معاقة ورجل صلب لا مبال …لكنه كان بطريقة ما معلمها الجديد في حياتها الجديدة رغم تصرفاته الغريبة وصراحته الجارحة ولؤمه.. مع هذا كان لا بد أن تتشبث بأحد ما..
ثم بالتدريج وبالصدفة مرة أخرى ..تصبح شريكة “علي” الذي يعود ليشترك في ملاكمة الشوارع الممنوعة لكن ليس من أجل المال فقط ..يفعل ذلك من أجل أن يحصل على احترام ذاته ..
هذا الفيلم ليس مجرد قصة عن فتاة خائبة ورجل مثابر ..كلاهما وحيد ويبحث عن الحياة بطريقته ..هو أعمق وأبعد من ذلك بكثير ..إنه باختصار شديد ..الحياة..
الفيلم ممتع ومسبوك دراميا بشكل رائع ليس فيه أي مبالغة ورغم أنه من أفلام الريتم الأقرب للبطيء ..إلا أنه يشد المتابع ولا يترك له مجالا للملل ..حتى أن اسمه يبدو مشاغبا من الوهلة الأولى “صدء وعظام”.. الحاصل على جائزة أفضل فيلم في الدورة 56 لمهرجان لندن السينمائي الدولي.
وهو من تأليف وإخراج الفرنسي “جاك أوديار” الذي دائما ما يحاول أن يقدم بصمة مختلفة داخل إطار بسيط وقريب ..وهو أيضا المخرج صاحب الفيلم الرائع “نبي” الذي رشح ضمن مجموعة أفلام أوسكار 2009م..
“صدء وعظام” ليس اسما سوداويا وليست تجربة تعيسة بقدر ما هو نتاج الرغبة بالحياة والبحث أبدا عن فرصة أخرى..
إن كان لنا أن نختار واحدا أيهما أحق بأن يحدث… الماضي أم الحاضر! وأيهما من يجب أن نصدقه!
Next Post
قد يعجبك ايضا