الحكومة تصادق على إجراءات ضد التسول تشمل العصابات ومفتشي الشوارع
السيد عبدالملك الحوثي: التسول مهنة وضيعة يهدر فيها الإنسان كرامته
التسول ظاهرة اجتماعية خطيرة تهدد المجتمع وبداية للانحراف والتسرب من التعليم خاصة لدى الأطفال
دراسة: بعض العصابات تستخدم العنف وإحداث بعض الإعاقات للمتسولين لاستعطاف الناس
الثورة /محمد هاشم
ظاهرة التسول هي إحدى الإشكاليات التي تعاني منها المجتمعات المحلية ليس على مستوى اليمن وإنما على مستوى العالم وازدادت بشكل لافت في بلادنا خلال سنوات العدوان والحصار السعودي الأمريكي ، إلا أنها عادة وجدت منذ عقود طويلة واستمرت في الاتساع نتيجة فساد الحكومات السابقة وعدم اهتمامها بوضع المعالجات المطلوبة لهذه الإشكالية مما جعلها مشكلة شديدة التعقيد، وأصبحت من الظواهر الاجتماعية السلبية التي تشكل خطورة على المجتمع والدولة، وتحتاج إلى الوقوف بجدية لإيجاد الحلول المناسبة للحد من انتشارها.
وفي إطار الترجمة العملية لمحددات قائد الثورة السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي حول ظاهرة التسول، أقرت اللجنة الحكومية برئاسة رئيس مجلس الوزراء الدكتور عبدالعزيز بن حبتور الإجراءات القانونية بحق مختلف المتورطين باستغلال الأطفال في التسول، بالتزامن مع تنفيذ حملة توعوية حول الجوانب المتصلة بهذه الظاهرة التي أصبحت -وفقا للمعلومات الأمنية- عملا منظما تديره عصابات تستغل الأطفال بابتزازهم وإجبارهم على التسول لصالحها.
ظاهرة سلبية
وتعد ظاهرة التسول من الظواهر السلبية الخطيرة التي تواجه مختلف البلدان بما فيها الغنية مما دفع العديد من الدول إلى تجريم هذه الظاهرة ووضع التشريعات واتخاذ التدابير اللازمة لمكافحتها والحد منها إلا أن تلك الإجراءات والمعالجات تختلف من دولة إلى أخرى نظراً لاختلاف الأوضاع الاقتصادية والأمنية والاجتماعية والتي تنعكس بشكل مباشر على مستوى دخل الفرد والبيئة التي تسمح بانتشار الظاهرة من عدمها.
وبالنسبة لليمن فإن التسول ظهر منذ عشرات السنين إلا أن غياب الجدية والرغبة في معالجته سمح بتناميه وتحويله إلى ما يشبه المهنة لعدد كبير من أبناء المجتمع الذين وجدوا فيه وسيلة مريحة ومناسبة للكسب دون مشقة أو عناء.
التسول انتهاك وامتهان للكرامة
في إحدى محاضراته الرمضانية أكد قائد الثورة السيد عبدالملك الحوثي أن مهنة التسول هي مهنة وضيعة بلا شك، بل هي مهنة الإنسان يعيش فيها حالةً من إهدار كرامته، من جرح مشاعره الإنسانية، وليست جيدة، إذا كان هناك ظروف استثنائية لدى البعض، فهناك مسؤولية عليهم من جانب، وعلى المجتمع من جانبٍ آخر، لمعالجة هذه المشكلة، وليس أن تتحول المسألة إلى مسألة طبيعة جداً.
وقال السيد عبدالملك: بعض المشوهين أو العاجزين الذين يُستغلّون في التسول، ليصبح عملاً منظَّماً، ويجني تلك الأموال من وراء كل هذا العصابات التي تشتغل على الاتجار بهم، حتى من وراء التسول، يدفعون بهم إلى التسول ويأخذون ما جمعوه.
وحتى الآن لا توجد في اليمن حتى أي دراسات عملية دقيقة حول الأسباب الرئيسية لهذه الظاهرة وسبل معالجتها وهو ما أدى إلى تفاقم المشكلة في السنوات الأخيرة، نظرا لما ترتب على العدوان الغاشم من ظروف اقتصادية صعبة وارتفاع في نسبة البطالة وانتشار عصابات التسول.
وتشير بعض الدراسات إلى أن الأسباب الرئيسية للتسول هي ضعف الوازع الديني والثقة بالله الذي كفل الأرزاق للجميع، والتفكك الأسري وكذا الفقر والبطالة، وغلاء المعيشة وتردي الأوضاع الاقتصادية الذي تسبب بها العدوان الأمريكي السعودي على اليمن إضافة إلى توقف غالبية دور الإيواء عن استقبال الشرائح الأشد ضعفا في المجتمع,
ونظراً لما يشكله التسول للإنسان من انتهاك وامتهان لكرامته أولت القيادة الثورية هذا الجانب اهتماما كبيرا ووجهت بدراسته ووضع الحلول المناسبة للحد التدريجي من هذه الظاهرة حفاظاً على كرامة المواطن.
وفي ضوء هذه التوجيهات تتواصل الجهود لتقديم رؤية أوّلية لأسباب التسول والمعالجات الممكنة بالاستفادة من تجارب عدد من الدول العربية وكذا ما يتوفر من معلومات ميدانية ودراسات لبعض الحالات.
إجراءات لمعالجة ظاهرة التسول
أقرت اللجنة الحكومية للتصدي لظاهرة التسول ، في اجتماعها الأسبوع الماضي برئاسة رئيس مجلس الوزراء الدكتور عبدالعزيز صالح بن حبتور ، الإجراءات التنفيذية لمعالجة هذه الظاهرة في أمانة العاصمة كمرحلة أولى.
وأقر الاجتماع، على ضوء مناقشته للمصفوفة المقدمة من رئيس اللجنة الحكومية نائب رئيس الوزراء لشؤون الأمن والدفاع الفريق الركن جلال الرويشان والمقترحات المقدمة في الاجتماع، منها توفير الرعاية اللازمة للأطفال المتسولين وإيداعهم في مراكز رعاية متخصصة كمركز الطفولة الآمنة الذي تم صيانته وترميمه وتجهيزه من قبل الهيئة العامة للزكاة، على أن تتولى هيئتا الزكاة والأوقاف توفير نفقاتها التشغيلية، وكذا الغذاء والملبس، ووزارة الصحة العامة، الرعاية الصحية.
كما أقر الاجتماع استيعاب الأطفال القادرين على العمل في برامج التأهيل والتدريب التابعة لوزارة التعليم الفني والتدريب المهني، لإدماجهم في المجتمع وتحقيق دورهم الإيجابي في مسار الحياة، وفقاً للاتفاق المبرم بين الوزارة وهيئة الزكاة، مع إمكانية تمويل الشباب الجادين من قبل هيئة الزكاة للبدء بمشاريعهم الخاصة بقروض حسنة.
ووافق الاجتماع على توفير العون شهرياً للمتسولين العاجزين عن العمل من قبل هيئة الزكاة، ومن دفعتهم الحاجة إلى اللجوء لظاهرة التسول، وفقا لدراسة الحالة التي ستقوم بها اللجان التي سيتم تشكيلها لهذا الغرض في مختلف مديريات الأمانة.
ووجّه الاجتماع بقيام طواقم طبية مختصة بأخذ من يفترشون الشوارع من المصابين بأمراض نفسية وعقلية إلى مركز الرعاية النفسية في منطقة “صرف”، لتقديم العلاج والرعاية الصحية والنفسية اللازمة لهم، خاصة بعد إعادة تأهيل وتوفير احتياجات المركز من قبل هيئة الزكاة بالتنسيق مع وزارة الصحة العامة والسكان.
وأكد الاجتماع أن المرحلة الأولى لمعالجة ظاهرة التسول ستبدأ من أمانة العاصمة كنموذج لتحقيق الغايات الإنسانية والأخلاقية والدينية والوطنية، ومن ثم يتم الانتقال لاحقاً بالآلية نفسها إلى المحافظات .. مشدداً على مختلف الجهات الالتزام بالمصفوفة المقرة، وما تضمنته من مهام ومسؤوليات محددة، كل فيما يخصها.
وتم التوجيه بصياغة مشروع برنامج وطني لمعالجة التسول على المدى المتوسط والمدى البعيد، بما يضمن ديمومة إجراءات المكافحة وصولاً إلى القضاء على هذه الظاهرة.
ظاهرة اجتماعية خطيرة وآثار مدمرة
التسول يعرف أنه ظاهرة اجتماعية خطيرة تهدد المجتمع لما لها من آثار سلبية قد لا تنحصر باعتبارها إهدارا لكرامة الإنسان وبداية للانحراف والتسرب من التعليم خاصة لدى الأطفال وتحويل غالبيتهم إلى مجرمين نظرا لما يعانون منه كالجهل والافتقار للوازع الديني وتعرضهم لأسوأ أشكال الاستغلال واعتمادهم على أساليب مختلفة للحصول على الأموال دون مقابل وعدم حصولهم على أي مؤهلات علمية قد تساعدهم في كسب أرزاقهم بعد تجاوز مرحلة الطفولة وهي مرحلة يعزف المحسنون فيها عن إعطاء أموالهم للأشخاص مما يدفع بمستغليهم إلى التخلي عنهم ..
وتشير الدراسات إلى الآثار المدمرة للتسول على المجتمع منها، انتشار الاعتداءات الجنسية بين المتسولين كما تستخدم بعض العصابات العنف وإحداث بعض الإعاقات للمتسولين لاستعطاف المحسنين، كما تؤدي هذه الظاهرة لانتشار الأمراض النفسية لدى أطفال التسول والنقمة على المجتمع، مما يسهل عملية تجنيدهم من قبل العصابات الإجرامية بالإضافة إلى الأمراض العصبية وغيرها الناتجة عن إعطاء الأطفال والمستغلين عقاقير طبية مخدرة لإظهارهم بالشكل المطلوب وخلق فئة اجتماعية بمستوى ادنى في مختلف الطبقات الأخرى قد تواجه العزلة وتنشئ مجتمعاً متجرداً من كل القيم والأخلاق بعيدة عن قيم الدين الإسلامي الحنيف كما تستغل بعض العصابات الإجرامية ظاهرة التسول كغطاء لعمليات الرصد والتنفيذ لجرائم السرقة والخطف وغيرها من الجرائم.
كما أن احتراف التسول وانتشار العصابات المنظمة، وتوقف عملية التحديث لبيانات صندوق الرعاية الاجتماعية وضعف المساعدات المقدمة للفقراء وغياب الآليات والدراسات وتجميد التشريعات المجرمة لامتهان التسول عوامل أساسية أدت لانتشار التسول في السنوات الأخيرة خصوصا في ظل تقاعس الجمعيات ومنظمات المجتمع المدني المحلية والدولية عن أداء دورها وتحمل مسؤولياتها في الحد من هذه الظاهرة.
أنواع التسول
وبحسب الدراسات، فإن التسول ينقسم إلى ثلاثة أنواع أولها، الفردي: والذي لا يرتبط فيه المتسولون بأي مجموعات أو عصابات منظمة، وينتشر هذا النوع من المتسولين في الأحياء التجارية والأسواق والمساجد والجولات ويجوبون المنازل والأحياء السكنية.
فيما يتمثل النوع الثاني بعصابات التسول، حيث يعتمد شخص أو أكثر على مجموعة من الأطفال والنساء وكبار السن والأشخاص ذوي الإعاقة من المستأجرين أو المستقطبين للتسول لصالحهم وينتشر مثل هذا النوع من المتسولين في التقاطعات الرئيسية والمراكز التجارية والمطاعم الكبيرة في نقاط شبه ثابتة ليسهل مراقبتهم والإشراف عليهم من قبل هذه العصابات التي باتت تتقاسم تلك المواقع.
أما النوع الثالث، فيعرف بأسر التسول، وفي مثل هذا النوع يقوم أحد الأفراد بإنشاء أسرة تتعدد فيها الزوجات بحيث يتم استغلالهن للتسول وانجاب المتسولين لصالح رب الأسرة، كما أن الدائرة قد تتوسع لتشمل بعض الأقارب من الأطفال والنساء والمسنين وذوي الإعاقة.
دراسات لمعالجة ظاهرة التسول
تجمع الدراسات وكذلك الأخصائيون في اليمن على عدد من الإجراءات الفاعلة لمعالجة التسول وأولها إعادة تفعيل العمل بقانوني الجرائم والعقوبات، ومكافحة الإتجار بالبشر، واتخاذ الإجراءات الحازمة والرادعة بحق عصابات التسول ومن ثبت متاجرتهم بأولادهم وذويهم.
وتشمل المعالجات توسيع مظلة المستفيدين من الضمان الاجتماعي عبر صندوق الرعاية الاجتماعية وتعزيز التعاون بين الشؤون الاجتماعية والعمل والهيئة العامة للزكاة لمعالجة أوضاع من يثبت أن الحاجة هي من دفعتهم إلى التسول من خلال عدد من البرامج المناسبة لأوضاعهم الصحية والاجتماعية فضلاً عن تمكين ذوي الحاجة من المتسولين اقتصادياً ومهنياً.
كما تتضمن المعالجات تفعيل قانوني العمل والتأمينات للحد من نسبة البطالة وجشع التجار واعتمادهم على العمالة الأفريقية في أداء المهام مثل أعمال النظافة وما في مستواها.
وتوصي الدراسات باستهداف المناطق الريفية والشرائح المجتمعية المصدرة للمتسولين بعدد من البرامج التوعوية المعززة لقيم الاعتزاز بالذات وإحياء الوازع الديني، وكذا توعية المجتمع بمخاطر التسول وآثاره والأساليب التي تتبعها العصابات حتى لا تنصدم جهود المكافحة بتعاطف المجتمع معهم.
إلا أن من أكثر الحلول فاعلية هو إحياء قيم التكافل الاجتماعي وتعزيز حضور المكونات الرسمية والمجتمعية المنظمة له على مستوى المديريات والعزل والأحياء والقرى في مكافحة التسول والتخفيف من آثار الفقر، وهي الموجهات نفسها التي أكد عليها قائد الثورة السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي في الكثير من خطاباته ومحاضراته.
بدورها أعدت أمانة العاصمة مصفوفة عمل حول التطبيق العملي لمكافحة التسول لتمثل باكورة النشاط الحكومي للتعامل مع هذه الظاهرة ونموذجاً لتجربة سيتم تعميمها لاحقا على كافة المحافظات.
وبهذا الخصوص تؤكد اللجنة الوزارية وجود تفاعل مبكر ومسؤول من مختلف الجهات المختصة وعلى رأسها الأجهزة الأمنية عبر قيامها بالضبط والتحري والتحقيق التي أفضت إلى القبض على عدد من العصابات المنظمة التي تمارس هذا النشاط مستغلة حاجة البعض ومعاناتهم.