الهـجرة النبوية.. بداية بروز قوة الإسلام وهـدّ معالم الوثنيـة

 

استمـر رسول الله صلى الله عليه وعلى آلهِ وسلم ثلاث عشـرة سنـة فـي دعـوة أهلهِ وعشيرتـهِ وقومـهِ ولكن لم يُجـده نفعاً مع أولئك المُتصلبِـةِ قُلوبهم والمـريضـةِ أنفُسهم ،ورفضـوا الاستجابة لوحي الله تكبراً وتعنتاً وجبروتاً وعاثواً في الأرضِ مُفسدين ،وبـدأوا بنـشر التُرهات على رسول الله الأعظم تارةً يدّعون أنهُ مصاب بالجنونِ وتارةً أنهُ شاعر وتارةً أُخرى إنهُ ساحـر، ولم يكتفوا بذلك فقط بل جرعوه الويلات واتخذوا جميع وسائل وأنواع التعذيب والاضطهاد لمن استجاب لرسالةِ رسول الله ودين الله الحنيف المُخرج والمُنقـذ من الظُلمـة الحالكة التي كانوا يعيشونها إلى النور الساطع والمُشرق رغبةً منهم في التضييق على من أسلم وأعلن ولايتهِ لله ورسوله علهم يتراجعـون عما أعلنوه ،فتألم رسول الله لذلك فقرر الهجـرة بأمرٍ من الله تعالى لحمايـة أصحابه ومُناصـريه، وأُفولاً من ضيمِ قُريــش، فهـاجر إلى مدينـة الأنصار وهي قبيلتان يمنيتان الأوس والخزرج التي أحسن أبناؤها ضيافتهم لرسول الله وصحـابتهِ وكانوا مُناصرين لرسول الله قولاً وفعلاً وهُنا أُكِدَّ أنَّ الأخـوة في الدين أقوى وأعظم من الأخوة في النـسب ،حيث أصبحت المدينـة المُنورة مسقط رأس الدعوة الإسلامـيــة وانطلاقها ومركزاً تعليمياً لكل أمور الدين، ومن هناك كُسرت شوكة الجبابرة وقُضي على الشركِ والمُشركين ،لذا يُعـد يوم الهجـرة حدثاً دينياً وتاريخياً ذا أهميـةٌ كبيرة فيه فُصل الحـق عن الباطل ومُيز فيه الخبيث من الطيب، وكان بـداية خير لِبروز الإسلام وهـدّ معالم الوثنيـة والقضاء عليهــا ..في هذا الاستطلاع الذي أجراه المركز الإعلامي الهيئة النسائية في أمانة العاصمة نستعرض آراء مجموعة من الناشطات اليمنيات حول الاحتفال بهذه المناسبة العظيمة والعزيرة على قلوبنا.. فإلى التفاصيل:
الكاتبة تسنيم الديلمـي بدأت حديثها عن دواعي الهجـرة ونتائجها المثمرة فقالت: الهجرة النبوية الشريفـة تمثل حدثاً دينياً وتاريخياً مُهماً جداً ذا أهميـةٍ عظيمـة وبالغة فلم يُهاجر رسول الله صلى الله عليه وعلى آلهِ وسلم أرضِ آبائِه وأجدادهِ ومسقط رأسهِ التي نشأ فيها وترعرع هُناك ،رغبةً منهُ في النُزهة والتجول، فأمر الهِجرة ومُغادرتهِ لدارهِ وفراقه للأهلِ والانتقال إلى مكانٍ آخر لم يكن بالشيء الهين بالنسبة له ،وإنَّما استجابةً لأمر الله الذي تلقاه من الروح الأمين وإيثاراً لِما رأى من هولٍ في الضيم والاضطهاد الذي تمثَّل في شَنِّ مُختلف أنواع التعذيب لصحابتهِ الذين أسلموا ، من قِبل مُشركي قُريش وبروزهم اللعين له و لِمُناصرية ، فأبى المكوث هُناك حيث لا حياة لِمن تُنادي، وحيث جحودهم وكبرهم وتعنتهم وجبروتهم واستكبارهم ،فقرَّرَ المُهاجرةِ بأمرٍ من الحكيم العليم إلى (يثربِ) آنذاك ما تُعرف اليوم بالمدينة المنورة، حيثُ الأنصار أبناء قبيلتي الأوس والخزرج اليمنيتين الذين أحسنوا استقبالهم لِرسول الله وابتهجوا بقدومهِ المُشرّف لديارهم الذي أحَلُّ البركاتِ عليهم .
خرج رسول الله صلى الله عليه وعلى آلهِ وسلم مودعاً لبيتهِ النبوي الشريف، مُهاجراً إلى حيث أُمِرَ ،تاركاً للفارسِ المغوار، أسدِ الله الغالب، فدائي الإسلام والرسالة، حيدرة الكرار نائماً على فِراشهِ المُبارك مؤكداً عليه إرجاعِ الأماناتِ إلى أهلها وإعطاء كل ذي حقٍ حقه، تالياً لقول الله تعالى(وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ)ومن هُناك بدأت المُعجزات والرعايات الربانية والتأييدات الإلهية تتوالى على النبي الخاتم، حيث هيَّأ الله كُل السُبل لرسولهِ، فأعمـى الأبصار عنهُ، وسخّر من يأتي إليه بالزادِ والماء ،ومن يَسردُ إليه الأنباءِ أولاً بأول، وألهم العنكبوت بأن تنسج خيوطهِا على فوههِ الغار، وصرف الأنظار عنهُ بالرغم من أنَّ كُفار قُريش لم يتركوا شِعباً أو وادياً أو طريقاً وَعِراً إلاَّ وبحثوا عنهُ فيه لنيلِ الجائزة التي أعدتها قُريشاً المُتمثلة في مائة من الأبلِ لمن يأتي برسول الله حياً أو ميتاً ،لكنها إرادة الله وقوتهِ حاولوا المكر بهِ فكان الجزاء من جنسِ العمل، فمكر بهم سُبحانه أشد مكراً (وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ)،فنستلهم من هذه المواقف التي حظيت برفق الله وعونه وتأييده الدروس والعِبر الصالحةُ لكل زمان ومكان، وأنهُ متى ما كانت التضحيـة من أجلِ دين الله ونصرتهِ وإعلاء كلمة الحق فإنَّ الله يتكفل ويهيئ حلولاً لِكُلِ الصعاب والمنغصات التي ستواجه المُجاهد التارك لأرضهِ وديارهِ وأهلهِ وكل ما يملك.
كان أمر الهجـرة صعباً وألم الفُراق مُراً ذا مذاق لاذع إلاَّ أن جوانب الخير لا تخلو في حدثِ الهجرة وأنَّها رُغمِ الجراح والألم الذي كابدهُ المُهاجرون خَلّفت نتائِجٌ مُثـمرةِ لصالحِ المُهاجرين والأنصار ،فببركة المُصطفـى صلى الله عليه وعلى آلهِ وسلم حَلّت البركات على الأوسِ والخزرج وأصلح ذات بينهم وشرّف الله الأنصار الذين آووا ونصروا وحمـوا وجاهدوا لِنُصرة دين اللهِ ورسوله بأن جعل الأرض التي استقبلوا فيها خير أرض الله أساساّ لانطلاق الدعوة الإسلامية ومنبعاً لمحاربة الشرك والمُشركين والقضاء على شوكةِ المُستكبرين ، وأسّس مُجتمعاً مُتماسكاً يحمل روحـية الإيثار والجهاد والدفاع والتنكيل بأعداء الله وكوَّن كوكـبة من الكتائِب لا تخاف في الله لومة لائم، فاستطاع بفضل الله أولاً وبفضل سواعد المُجاهدين المؤمنين ثانياً، الدخـول مكـة والقضاء على الأوثان، ورفع راية الحق، وعِلا صوتِ التكبير في بيت الله الحرام وتمكنوا من كسرِ شوكة الجبابرةِ الظالمين لأنفسهم وأهليهم وما ولوا، ولم يقف الأمر عند ذلك فحسب بل قويت شوكة المسلمين ، وتمكنوا من نشر الإسلام خارج الجزيرة العربية وقضوا على مراكز التآمر اليهودي وهزيمـة الروم، فبعـد تلك المتاعب التي واجهتهم أبى الله إلاَّ أن يتم نورهِ الساطع المُنير ولو كره الكافرون، فأتى بنـصرٍ عظيمٍ منه وفتح مُبين ساحق ومُذل وقاهر لأعـداء الله وبلسم لمن تحملوا العناء وتجرَّعوا الويلات فسطع نور الحق المُشرق وزهق ضلال الباطل.
الأستاذة هنادي خالد بدأت حديثها عن الهجرة النبوية وأهميتها فقالت: إن الهجرة النبوية تمثل حدثًا تاريخيًا عظيمًا، إذ منه انطلقت الدولة الإسلامية وانتشر الإسلام بعد أن كان محصورًا بين شعاب مكة المكرمة، ولذلك سنتناول مقالًا عن موضوع الهجرة بشكل مقتضبٍ، محاولين التركيز على استخلاص فقه الهجرة النبوية، وتعلم فوائدها ودروسها والعبر منها، وقد سبق الهجرة تمهيدٌ وإعدادٌ وتخطيط، وكان ذلك بتقدير الله تعالى، وتدبيره، وكان هذا الإعداد في اتِّجاهين: إعداد في شخصية المهاجرين، وإعداد في المكان المهاجَرِ إليه.
وأضافت: لم تكن الهجرة نزهةً؛ ولكنَّها مغادرةُ الأرض، والأهل، وأسباب الرِّزق، والتَّخلِّي عن كلِّ ذلك من أجل العقيدة، ولهذا احتاجت إلى جهدٍ كبيرٍ، حتَّى وصل المهاجرون إلى قناعةٍ كاملةٍ بهذه الهجرة، ومن تلك الوسائل: التَّربية الإيمانيَّة العميقة، والاضطهاد الَّذي أصاب المؤمنين، ـوتناول القرآن المكِّيِّ التَّنويه بالهجرة، ولفت النَّظر إلى أنَّ أرض الله واسعةٌ. قال تعالى: “قُلْ يَا عِبَادِ الَّذِينَ آمنوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَأَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةٌ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ” فهاجر سيدُ المرسلين من البلد الأمين، إلى دار إخوانه وأنصاره في الدين، بعد أن جاءهُ الوحي من السماء على لسان جبريل الأمين { وَإِذْ يَمْكُرُ بك الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ}. فخرج من بيته مستخلفاً لوصيه وابن عمه وباب مدينة علمه القوي الأمين الإمام علي بن أبي طالب صلوات الله عليهما، لينام على فراشه ويقيه بنفسه حتى لا ينكشف أمره، وكذلك ليرد إلى الناس أماناتهم وودائعهم، ويحفظه في أهله ، ويكون ظهيرا لضعفاء المؤمنين، فكان الإمام علي بمكوثه على فراش النبي صلى الله عليه وآله وسلم أول فدائي في الإسلام، وفي ذلك ما ﺭﻭﻯ اﻹﻣﺎﻡ ﻋﺒﺪ اﻟﻠﻪ بن ﺣﻤﺰﺓ عليه السلام ﻓﻲ اﻟﺸﺎﻓﻲ ﻳﺒﻠﻎ ﺑﻪ ﺇﻟﻰ الثعلبي، ﻭﺭﻭاﻩ ﻏﻴﺮﻩ ﻣﻦ ﺃﻫﻞ اﻟﺴﻴﺮ” ﺃﻥ اﻟﻠﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﺃﻭﺣﻰ ﺇﻟﻰ ﺟﺒﺮﻳﻞ ﻭﻣﻴﻜﺎﺋﻴﻞ ’: إﻧﻲ ﻗﺪ ﺁﺧﻴﺖ ﺑﻴﻨﻜﻤﺎ، ﻭﺟﻌﻠﺖ ﻋﻤﺮ ﺃﺣﺪﻛﻤﺎ ﺃﻃﻮﻝ ﻣﻦ ﻋﻤﺮ اﻵﺧﺮ ﻓﺄﻳﻜﻤﺎ ﻳﺆﺛﺮ ﺻﺎﺣﺒﻪ ﺑﺎﻟﺤﻴﺎﺓ؟ ﻓﺎﺧﺘﺎﺭ ﻛﻼﻫﻤﺎ اﻟﺤﻴﺎﺓ، ﻓﺄﻭﺣﻰ اﻟﻠﻪ ﻋﺰ ﻭﺟﻞ ﺇﻟﻴﻬﻤﺎ: ﺃﻓﻼ ﻛﻨﺘﻤﺎ ﻣﺜﻞ ﻋﻠﻲ ﺑﻦ ﺃﺑﻲ ﻃﺎﻟﺐ، ﺁﺧﻴﺖ ﺑﻴﻨﻪ ﻭﺑﻴﻦ ﻣﺤﻤﺪ، ﻓﺒﺎﺕ ﻋﻠﻰ ﻓﺮاﺷﻪ ﻟﻴﻘﻴﻪ ﺑﻨﻔﺴﻪ ﻭﻳﺆﺛﺮﻩ ﺑﺎﻟﺤﻴﺎﺓ، اﻫﺒﻄﺎ ﺇﻟﻰ اﻷﺭﺽ ﻓﺎﺣﻔﻈﺎﻩ ﻣﻦ ﻋﺪﻭﻩ، ﻓﻨﺰﻻ ؛ ﻓﻜﺎﻥ ﺟﺒﺮﻳﻞ عليه السلام ﻋﻨﺪ ﺭﺃﺳﻪ، ﻭﻣﻴﻜﺎﺋﻴﻞ عليه السلام ﻋﻨﺪ ﺭﺟﻠﻴﻪ، ﻓﻘﺎﻝ ﺟﺒﺮﻳﻞ: ﺑخا ﺑخا، ﻣﻦ ﻣﺜﻠﻚ ﻳﺎ اﺑﻦ ﺃﺑﻲ ﻃﺎﻟﺐ ﻳﺒﺎﻫﻲ اﻟﻠﻪ ﺑﻚ اﻟﻤﻼﺋﻜﺔ؟” ﻓﺄﻧﺰﻝ اﻟﻠﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﻋﻠﻰ ﺭﺳﻮﻟﻪ ﻭﻫﻮ ﻣﺘﻮﺟﻪ ﺇﻟﻰ اﻟﻤﺪﻳﻨﺔ ﻓﻲ ﺷﺄﻥ ﻋﻠﻲ ﺑﻦ ﺃﺑﻲ ﻃﺎﻟﺐ ﻫﺬﻩ اﻵﻳﺔ {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ}، ووصل النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى المدينة يوم اﻻﺛﻨﻴﻦ اﻟﺜﺎﻣﻦ ﻣﻦ ﺭﺑﻴﻊ اﻷﻭﻝ سنة واحد هجرية، وتبعه الإمام علي بن أبي طالب بعدما رد الودائع والأمانات مع أهله وبعض ضعفاء المؤمنين، قال تعالى {وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا}، وهناك ظهر الحق وزهق الباطل .
من جهتها تحدثنا الكاتبة هدى أبوطالب عن الأسباب والمسببات للهجرة قائلة: خرج النبي صلوات الله عليه وآله من مكة مهاجرا إلى المدينة المنورة لأن المجتمع المكي القرشي لم يكن مجتمعا متقبلا للرسالة وكما اظهروا العداء والأذية للرسول صلوات الله عليه وآله وحاولوا قتله أكثر من مرة، وكانت المدينة المنورة هي البيئة المناسبة التي كانت أهلا لمحط الرسالة حيث كانت هناك قبيلتان يمنيتان سكنتا المدينة من بضع قرون انتظاراً لهذا النبي لمناصرته وهما قبيلتا الأوس والخزرج حيث استقبل أهلها النبي صلى الله عليه وآله بالأهازيج والأناشيد ودق الطبول كما زينت المدينة المدينة بأغصان النخيل.
وترك الإمام علي عليه السلام في مكة فكان الفدائي حين اجتمعت قبائل قريش لقتل النبي عليه واله السلام وأيضا تركه في مكة لأمر ما وإلهي ليستخلف أهل النبي ويلحقهم به إلى المدينة وأيضا لإرجاع الأمانات إلى أصحابها.
المواقف التي حصلت للنبي صلى الله عليه وآله عندما تتبع آثره سراقة ابن مالك وغارت أقدام فرسه في الرمال وأيضا عندما نسجت العنكبوت خيوطها على الغار ووضعت الحمام بيضها حماية لنبي صلوات الله عليه وآله،
هذه المعجزات كفيلة ومأمورة بحماية نبي الرحمة ومنقذ البشرية ومخرجهم من الظلمات إلى النور.
الكاتبة أسماء المحاقري بدأت حديثها بالقول: مكة كانت تسيطر عليها قريش فلن يستطيع أن يعلي الحق فيها وهناك من يخذله، لا يوجد هناك أهداف ستتحقق للنبي، وهناك من يمسك السلطة في فرض القانون والنظام، وكان لا بد من الانتقال إلى ساحة أخرى، يستطيع النبي فيها إقامة الحكومة التي سيتم تطبيق النظام الإسلامي في الحياة، وتحقيق أهدافه الكبرى ونشر الدين للأمه اجمع، وهذه الساحة هي “المدينة”، حينها سمح النبي صلوات الله عليه وعلى آله للمسلمين بالهجرة إلى المدينة بسبب الإيذاء الذي كانوا يتعرضون له،
رأت قريش في هذه الهجرة خطراً على وجودها ومستقبلها، لما يشكله المهاجرون مع أهل المدينة من قوه تستطيع أن تقف في وجه قريش ومصالحها، خاصةً أن تجارتها إلى الشام تمر عبر المدينة، فأخذت تمنع المسلمين من الهجرة وتلاحقهم وتُعذِّب من كان يقع في قبضتها “.
وبرغم كل تلك الإجراءات تمكن معظم المسلمين من الهجرة ولم يبق في مكة سوى النبي صلوات الله عليه وعلى آله ، وعلي (علي‍ه السلام)، وعدد قليل من المسلمين “، بقي النبي في مكة ينتظر الإذن الإلهي بالهجرة، حينها شعرت قريش بحجم الخطر فيما لو التحق النبي صلوات الله عليه وعلى آله بالمسلمين الذين هاجروا سابقاً ، خاصةً بعد أن عرفت أن أهل المدينة سيحمونه ويناصرونه بكل طاقتهم، لأنهم بايعوه على السمع والطاعة والجهاد، فاتخذت قريش قراراً حاسماً بالتخلص من النبي قبل فوات الأوان، واستطاعت أن تنتزع قراراً بمشاركة كل قبائل قريش في عملية الاغتيال من أجل أن يتفرق دمه بين القبائل، فلا يعود بإمكان بني هاشم أن يثأروا لدمه” لكن الله اخبر رسوله بهذه المؤامرة وأمره بالخروج ليلاً من مكة وأن يجعل الإمام علي ليبيت على فراشه من أجل التمويه والإيهام،، وفشلت خطة كفار قريش، وفات كيدهم.
الكاتبة فاطمة المنصور أكدت من جانبها أن خروج النبي من مكة هو بسبب إيذاء كفار قريش الشديد له والذين اتهموا الرسول صلوات ربي عليه وآله بأنه ساحر وكاذب ومجنون والسبب الرئيسي والأهم من ذلك هو أنهُ لعدم وجود الحاضنة الشعبية في مكة نظراً لِتسلط كِبار كفار قريش مثل أبو جهل وأبو لهب أبو سفيان الذينَ كانوا يسيطروا على أهل مكة ونظراً لأن في المدينة الأنصار من الأوس والخزرج الذين بايعوا رسول الله في بيعتي العقبة الأولى والثانية وأبدوا استعدادهم استضافة رسول الله ونصرته.
أما الدكتـورة تقية فضائل فقد ابتدأت حديثها قائلةً :لم تأت هجرة الحبيب المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وسلم غضبا من إعراضهم أو يأسا منهم أو هروبا من المسؤولية، بل كانت بأمر إلهي ورد في عدة آيات نذكر منها ” فَتَوَلَّ عَنْهُمْ فَمَا أَنْتَ بِمَلُومٍ ” وقوله:” فَإِنْ يَكْفُرْ بِهَا هَؤُلَاءِ فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْمًا لَيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ ” فالله سبحانه وتعالى وهو أعلم بمن خلق نبأ نبيه أنه لن يؤمن له من قومه إﻻ القليل ويتضح ذلك من خلال قوله تعالى :” ولَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلَى أَكْثَرِهِمْ فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ” وفي ذات السياق يقول جل شأنه: ”وسواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم ﻻ يؤمنون” والمجتمع المكي لم يستفد من فرصة وشرف عظيم وهو أن يكون نواة المجتمع الإسلامي وحامل لوائه لعدة أسباب متداخلة فيما بينها : الاستكبار والارتباط بالمستكبرين وكانت دوافع الاستكبار الحسد ويظهر هذا في قوله تعالى” َؤُنْزِلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ مِنْ بَيْنِنَا ” وكأنهم يقولون كيف ينزل عليه الذكر وليس أثرانا وﻻ أقوانا؟ لأنهم يرون أن أحقية الإنسان بالاتباع هو بقدر ماله وقوته ومكانته وليس عندهم اعتبارات للقيم الإنسانية والأخلاقية. ويتضح ذلك في قوله” لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْءانُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ” ومن أسباب امتناع بعضهم من دخول الإسلام هو خوفهم من بطش المستكبرين ويقول تعالى” إنْ نَتَّبِعِ الْهُدَى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا” أيضا طمعهم وحرصهم على الماديات كما يقول تعالى ” َلنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعًا” وقوله تعالى” َوْيُلْقَى إِلَيْهِ كَنْزٌ ” ونتيجة لأعمالهم خذلهم الله وسلبهم التوفيق والسداد بسبب الأغلال والعقد النفسية مثل ما ذكر آنفا الاستكبار والبخل والحسد والخوف حالت بينهم وبين رؤية الحق واتباعه يقول الله تعالى ” ِإنَّا جَعَلْنَا فِي أَعْنَاقِهِمْ أَغْلَالًا فَهِيَ إِلَى الْأَذْقَانِ فَهُمْ مُقْمَحُونَ (8) وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ ”.
ولماذا استخلف الإمام علي في بيته وعشيرته؟ من الطبيعي جدا أن يكون الامام علي دون غيره لأنه هو أول من صدق رسول الله وآمن بما جاء به وهو ربيب رسول الله وتربى في بيت النبوة تربية إيمانية سليمة وثق بالله ثقة مطلقة وكان يقدم رسول الله على نفسه ويفتديه بنفسه وفي كل موقف عظيم وقفه الرسول لنصرة الإسلام كان لعلي النصيب الأوفر في مناصرة الرسول وتلبية ندائه وإعانته وقد قال له رسول الله (انك مني بمنزلة هارون من موسى إﻻ أنه ﻻ نبي بعدي)، وهو بحكم القرابة ابن عم الرسول وربيبه وأحق الناس في البقاء لحماية بيت رسول الله وأهله وهو الشجاع القوي المقدام الذي ﻻ يهاب وﻻ يخشى إﻻ الله والكلام يطول في هذا المجال.

قد يعجبك ايضا