تعاني حركة النشر في العالم العربي من التخبط والعشوائية، وعدم المهنية، وأن عملية النشر ليست احترافية بدرجة كافية. وأي شخص لديه اطلاع كاف سوف يدرك أن صناعة النشر لدينا لم تتطور، وما تزال تحبو، ولا تعرف الفرق بين الناشر الذي يشكل ثقافة الأمة، وبين صاحب المطبعة الذي لا تعنيه مطلقاً الرسالة الثقافية لما يطبعه، ولكن يهمه أن يكسب لقمة عيشه.
من الممكن شراء أحدث المطابع في العالم، ولكن هذا لا يمتُ بصلة لصناعة النشر، فـ”النشر” صناعة مختلفة، وبحاجة إلى متخصصين على درجة عالية من الثقافة والموهبة الفنية والذوق.
يعتقد البعض أن “الناشر” لابد له أن يمتلك مطبعة، وهذا غير صحيح، فالمدن العربية مكتظة بالمطابع الحكومية والتجارية، ولا لزوم لإضافة المزيد منها.
إذاً، يحتاج “الناشر” أولاً وقبل كل شيء إلى “محرر أدبي” يتحمل مسؤولية قبول أو رفض الأعمال المقدمة للنشر. وكذلك يمتلك الذوق الأدبي الرفيع ليوصي بإدخال تعديلات على المخطوط المقدم للنشر، ومن ذلك أن يشير إلى إعادة كتابة فصل معين، أو حذف فصول يراها زائدة، أو أن يقترح على المؤلف إضافة ما يغني تلك الشخصية أو يعطي المزيد من المساحة لأحد الخطوط الدرامية..
وظيفة “المحرر الأدبي” لا غنى عنها لدى دور النشر في البلدان المتقدمة، فهي تغربل ما ينشر، وتعمل على تحسين المنتج وصقله قبل وصوله إلى أيدي القراء.
في العالم العربي لا وجود لـ”المحرر الأدبي”، ودور النشر العربية وتوفيراً للنفقات لا ترى داعياً يدعوها لتوظيف “محرر أدبي”، إذ الأمور تسير غالباً بالبركة، وكذلك تجنباً لإغضاب المؤلفين الذين لم يسمعوا من قبل بهذا الأخ المسمى “المحرر الأدبي”.
لذلك، تصل الكتب المكتوبة باللغة العربية إلى القراء العرب وفيها شيء من النقص.. وأحياناً تقع بين أيدينا كتب لا تستحق النشر، أو على الأقل كانت بحاجة إلى تغييرات كثيرة أو قليلة لتصبح صالحة للقراءة. غالباً ما نصادف في الروايات العربية جملة أو عدة جمل بحاجة إلى إعادة صياغة.. القارئ المتوسط الثقافة سوف يشعر بركاكتها، ولعل قائلاً يقول في نفسه: ” أما من أحد يصلح هذا الأمر؟!”. فهي عيوب يمكن إصلاحها بجهد يسير، ومن حق القارئ أن يطالب المؤلف والناشر ببذل هذا الجهد وهذه العناية، وأن يشترط عليهما أن يُقدما له الكتاب خالياً من العيوب، وفي أفضل حُلَّة ممكنة.
أناقة الغلاف ليست كل شيء، وعلى “الناشر” أن يركز اهتمامه على محتويات الكتاب، ومن البديهي أن يخلو تماماً من الأخطاء الإملائية والنحوية، لأن عدوى الخطأ النحوي أو الإملائي قد تنتقل بدورها إلى القراء الذين لن يخالجهم الشك في سلامة الكتاب من تلك الأخطاء. يتبع ذلك تصحيح الأخطاء اللغوية، وهي الآفة الأكثر بروزاً، ويتعدى الأمر بناء الجملة إلى التدقيق في استخدام المفردات، وهذا يتطلب معرفة واسعة بالمعجم العربي.
إذا فهم الناشرون العرب دور “المحرر الأدبي” في الارتقاء بمنشوراتهم، فإننا ومن عام لآخر سنحصد قدراً أكبر من الكتب الجيدة، وبالتدريج سوف تقل الكتب الرديئة وينزل عددها إلى الحد الأدنى.
سقف الجودة سوف يرتفع أيضاً، وهذا في نهاية المطاف سوف يصب في مصلحة الأدب العربي.