الوثائق الانجلوأمريكية..

 

فهمي اليوسفي

ما كشفته الأجهزة الاستخباراتية في صنعاء من بعض الوثائق البريطانية والأمريكية تعتبر وثائق ثبوتية وبراهين ساطعة حول طبيعة المخطط الإمبريالي في اليمن وأدواته المروجة والمسوقة عن عملية صنع وصناع القرار في بلادنا خصوصا المتعلق بالجانب العسكري والأمني خلال فترة ما قبل ٢٠١٤م.
تناول ونشر هذا الغسيل القذر عبر وسائل الإعلام الوطني وفي طليعتها قناة المسيرة هو واجب إيماني ووطني وانتصار للضمير الإعلامي والأمني على قاعدة الأمان قبل الإيمان، ولأن فضح هذا الغسيل هو جزء من تنفيذ أهداف ثورة ٢١ سبتمبر.
شيء جميل أن يتم الكشف عن هذه القضايا لأن ذلك جزء من نقل أهداف أسطول ٢١ سبتمبر إلى حيز التنفيذ لأن الوثيقة هي المصدر كوسيلة الاثبات لكتابة التاريخ الصحيح.
لكن لو تمكن الكثيرون من قراءة ما بين السطور لواقع هذه القضية، سيجد القارئ الحصيف أن لها امتداداً لمخطط انجلوامريكي قديم جديد بدأ منذ خمسينيات وستينيات وسبعينيات القرن المنصرم حتى ٢٠١٤م، مع أننا سبق وأن أوضحنا طبيعة هذه المشاريع الغربية ومطامعها التوسعية وتحديدا في دول حوض البحر الأحمر منذ ٢٠١٢م وحتى اليوم عبر العديد من الصحف والفضائيات وغيرها.
هذه الوثائق تكشف في مجملها طبيعة المشروع الغربي برمته في بلادنا والحصول عليها تأكيد على جدارة قيادة هذه المؤسسات التي تناولت كشف هذه الفضائح ..
بلا شك واقع الوثائق يؤكد أن نظام ما قبل ٢٠١٤م هو نظام صنعته المطابخ الانجلوامريكية ومرتهن للخارج وضمن مخرجاته -أي ذلك المخطط- العدوان على بلدنا منذ ٥ سنوات وحتى اليوم.
ما ورد في الوثائق ربما لا يمثل حتى 2 % من المخطط الانجلوامريكي الذي توحي بعض الأدبيات طبيعته.
شخصيا أنا على قناعة تامة أن النظام الذي حكم اليمن في الشمال وتحديدا من عام ٦٧م كان نظاماً صنعته المطابخ الانجلوامريكية وكان قد تزامن مع تراجع القوى الاستعمارية آنذاك بروز وبزوغ معسكري الحرب الباردة.
في تلك الفترة -أي عام ٦٧م- الذي كان عام الجلاء الاستعماري من اليمن لكن تلك القوى الاستعمارية قبل أن تغادر عدن، كانت قد وضعت مشاريع خطيرة على مستوى دول حوض البحر الأحمر والمتوسط ولازالت المنطقة تدفع فاتورتها حتى اليوم ،واليوم أصبحت حاضرة وما قامت وتقوم به تلك القوى ( الانجلوامريكية) في هذا المربع يعد ضمن جدوى المطبخ ذاته أي الذي تم إعداده في تلك الفترة.
من يغوص في ترجمة بعض ما ينبغي من حلقات التاريخ سيجد البصمات المشتركة للندن وواشنطن وإسرائيل بذلك الحين من خلال جدوى مشروع العودة والاغتصاب التوسعي لتقسيم المقسم لكن بديكور آخر بهدف تحقيق تلك المطامع التوسعية في المربع الشرق أوسطي، وتحديدا دول حوض البحر الأحمر.
تبرهن وقائع التاريخ أن هذا المطبخ (الانجلوامريكي) هو صاحب البصمات في مساعدة إسرائيل على وضع حدود ٦٧م وكذا احتلال الجولان عام ٦٧م ،وبناء قاعدة عسكرية في خميس مشيط واحتلال جزيرتي تيران وصنافير المصريتين لصالح إسرائيل في حرب ٦٧م، ونفس المطبخ أيضا كان قد اخترق نظام عبدالناصر في مصر عبر الجاسوس أنور السادات.
نفس المطبخ كان في الماضي حتى ٧٩م هو المسيطر على إيران عبر عميله شاه إيران المتصهين والذي تربطه علاقة المصاهرة في العمالة مع أنور السادات.
بنفس الوقت عام ٦٧م كان هذا المطبخ قد ساهم في الانقلاب علي السلال وتصعيد الارياني والنعمان ولنترك حلقات التاريخ المشوهة لأن اللوبي الانجلوأمريكي والانجلوسلاطيني تمكن عام ٦٧م من تحويل الشمال إلى مستودع لعملاء بريطانيا أي الوافدين من الجنوب منهم سلاطين العمالة وغيرهم بعد أن سمع جيل تلك الفترة، الشاعر عبدالله سبيت يقول “يا شاكي السلاح لاح الفجر لاح، حط يدك على المدفع زمان الذل راح، الله والنبي، ضد الأجنبي، ديني ومذهبي…”
ومن ثم خرجت لندن من الجنوب في ٣٠ نوفمبر عام٦٧م لكنها نقلت جزءاً كبيراً من عملائها للشمال -كما أسلفت- ووزعت جزءاً من عملائها لاختراق قوى الثورة الاكتوبرية.
لكن في كل مرحلة سنجد بعض من يرفضون كتابة تاريخ مشوه خصوصا المتأثرين بالسلوك الوطني ومن لا يخونون التاريخ ويرفضون شهادة الزور ومنهم على سبيل المثال الشاعر الراحل البردوني كشاهد في تلك المرحلة ونثق بمواقفه جميعا ونبذه للعملاء ولمشروع الغرب وأدواته آنذاك، حيث قال قصيدة شهيرة، جاء في مطلعها:
فظيع جهل ما يجري
وأفظع منه أن تدري
وهل تدرين يا صنعاء
من المستعمر السري
غزاة لا أشاهدهم
وسيف الغزو في صدري
فقد يأتون تبغاً في
سجائر لونها يغري
وفي قنينة الويسكي
وفي قارورة العطر
وفي سروال أستاذ
وتحت عمامة المقري
كثير من المعطيات توحي بأن المخطط الانجلوأمريكي كانت قد اكتشفته القوى الثورية لليسار في المنطقة العربية منذ وقت مبكر بعد أن فضحت طبيعة المخطط والأجندات العميلة، ومن ضمن عناصر قوى ثورة أكتوبر ممن فضحوا مخطط الناتو الدكتور الشهيد ثابت عبده والذي دوَّنه في كتابه “الثورة المضادة” ونظرا لذلك فقد قررت لوبيات العمالة تصفيته وتولى ارتكاب الجريمة الفار المجرم عبدربه منصور في ٨٦م بعد أن ادركت قوى اليسار الثوري أن الاستعمار القديم قد رحل لذاته، لكنه استطاع أن يصنع أنظمة استعمارية من الداخل وزج بما تيسر من عملائه إلى الأحزاب الثورية من الداخل ونخشى أن يتكرر الاختراق اليوم كما هي عليه الآن تيارات الوهابية وما تقوم به من توزيع الأدوار لأجنحة مكشوفة ومبطنة، حتى على مستوى من كانوا بمعاهد التكفير ممن تم استقطابهم، قبل البلوغ فحذاري من كل عميل ،لأننا نشم ريحة بعضهم حتى اليوم، ولأن التجربة جعلت لدى الكثير منهم إدراكاً بمن يرتدون أقنعة زائفة من خفافيش الظلام كما هو الحال بخريجي معاهد التكفير والتفجير ممن يؤمنون بمنهج الاغتصاب المتعدد وتم استقطابهم قبل الفطام وباعتبار جذور التأسيس للوهابية المتوحشة كانت بريطانية، ويحتاج الأمر لفحص من ينبغي وإخضاع المصاب لعلاج فعَّال.
من ضمن أدوات مطبخ لندن وواشنطن خلال فترة الحرب الباردة، تأسيس نظامي سعود ونهيان وكذا نظام ما بعد الانقلاب على السلال في شمال الوطن ثم نظام علي عبدالله صالح حتى ٢٠١٤م.
هذه الوثائق التي اكتشفتها الأجهزة الاستخباراتية هي عمل عظيم، من وجهة نظري وتعظيم سلام لقيادة هذه الأجهزة لأن ذلك يساهم بكشف الآتي:
إن الأنظمة المتعاقبة في بلدنا حتى تاريخ آخر وثيقة هي أنظمة صنعها اللوبي الانجلوأمريكي، ويديرها بالريمونت كنترول من نفس المطبخ.
هناك مؤشرات عدة عن طبيعة هذا المخطط من الماضي للحاضر في منطقة حوض البحر الأحمر، هذا لمن يفكر بعين العقل ويغوص بعمق في قراءة بعض المحطات التاريخية بعيدا عن ترجمة باعة العسل والفياجرا والحبة السوداء من خريجي معاهد التفجير والاغتصاب والتكفير، أو من أصحاب مشاريع الدعارة السياسية ممن يسبحون لنهيان ويغسلون أموال اليمن المنهوبة لدى دبي وأبوظبي.
ألم يكن للقوى الانجلوأمريكية بصمات في مساعدة إسرائيل باحتلال جزيرتي تيران وصنافير ٦٧ م وها هي اليوم تعود نفس القوى في الأعداد والتحضير لاغتصاب هاتين الجزيرتين بشكل ناعم لصالح إسرائيل عبر كيان آل سعود، هنا تتجلى رؤية جزء من تلك الأطماع في حوض البحر الأحمر.
عملاء بريطانيا في مصر قد بصموا بالعشر لصالح المطبخ الانجلوأمريكي وتجلى ذلك من خلال الموافقة على تسليم جزيرتي تيران وصنافير لوكلاء صهيون وهي السعودية، وهنا نضع العديد من علامات الاستفهام؟
هنا ستجد البصمات الانجلوأمريكية حاضرة اليوم.
ألم يدرك الكثيرون أن الدور الانجلوأمريكي هو من أدار اللعبة التمزيقية للسودان حتى هذه المرحلة؟، واليوم يستعد عملاء هذه القوى في الخرطوم للتطبيع مع إسرائيل، على غرار تطبيع الإمارات والبحرين لأن السودان يشمله نفس المخطط.
ألم يدرك الكثيرون أن الدور الانجلوأمريكي استثمر انتهاء الحرب الباردة وهبت فرصته للإطاحة بنظام اليسار في إثيوبيا ومن ثم صنع نظام مؤمرك وعليه طابع لندن حتى مزقها لدولتين؟ فأصبح ترامب هو من يدير لعبة سد النهضة ويستهدف اليوم اتفاقية منابع النيل، وأصبحت لهذه القوى قواعد عسكرية في اريتريا وأثيوبيا واليوم تشارك بقصف بلدنا من تلك القواعد.
تبرز مطامع هذه القوى في الصومال الذي لم يذق أي استقرار من عهد نظام محمد سياد بري الذي رفض أن يمنح قاعدة عسكرية لأمريكا وغيرها في بربرة، لكن اليوم بعد الإطاحة بنظام محمد سياد بري ،ها هي لندن وواشنطن قد بدأتا بناء قاعدة هناك وتعد العدة لبناء قواعد أخرى في جزيرة ميون وأرخبيل سقطرى والمهرة بعضها بملابس إماراتية والأخرى بملابس سعودية.
ألم يدرك الكثيرون، أن القوى الانجلوأمريكية هي من لعبت دورا محوريا في احتلال أرخبيل حنيش في الماضي وتم الضحك على الذقون وقال نظام العمالة أيام حكومة باجمال “الحكمة يمانية” وتم التنازل عن جزء من الأرخبيل لصالح اريتريا، أي لصالح إسرائيل، فأي حكمة يقصدون، هل حكمة الخيانة.؟ أم. كيف؟
إبراز هذه الوثائق يعد جانبا جيدا لأن ذلك يكشف طبيعة المخطط الانجلوأمريكي في بلدنا رغم أهمية قراءة كافة المحطات والمعطيات المرتبطة بهذا الخصوص لمواجهة تحديات اليوم.
هذه القضايا سبق وان حذر منها الشهيد القائد حسين بدر الدين الحوثي في بعض محاضراته وحدد الجانب البريطاني والأمريكي وبحكم إدراكه لحجم الخطر منذ وقت مبكر وفق أسس مدرسة تنويرية لبناء الوعي الجمعي بما يفضي لمواجهة هذا المخطط الانجلوأمريكي، وكان ذلك من منطلق إيماني ووطني ،ولنغص بعمق في واقع محاضرات الشهيد المدونة في ملازمه سيجد القارئ إدراكه العميق لهذا المخطط منذ وقت مبكر، حتى الصرخة التي وضعها شعارا لمدرسته هي تساهم بكشف مخرجات المطبخ المشترك للندن وواشنطن.
إذا سلطنا الأضواء على كثير من الرسائل التي يقدمها السيد القائد عبدالملك الحوثي عن هذا الصدد سنجد إدراكه لهذه المشاريع الغربية الأمر الذي جعله يسارع إلى فضحها عبر رسائله الإعلامية، وماذا يعني حديثه وتحذيره بخطر الحرب الناعمة وفضحه لدور مطبخ لندن وواشنطن في استهداف المنطقة برمتها.؟
هنا كم من الأسئلة تبحث عن إجابات:
من تمثل مشاريع الإمارات في احتلال واغتصاب اليمن؟
ومن يمثلون أجندات آل نهيان؟
ولماذا طارق عفاش تم إيلاؤه مهمة الساحل الغربي وصولا إلى أعماق ريف تعز؟
ألم تكن جزيرة كمران خاضعة لاحتلال بريطاني؟ واليوم يحوم سفير لندن حولها وصولا لسقطرى؟
ألم تتقاسم لندن وتركيا الوثائق التاريخية لليمن في الماضي ليعود المخطط للحاضر؟
من يمثل انتقالي الجنوب في اليمن وانتقالي السودان؟
لماذا تم إيلاء مهمة تدويل قضية اليمن لمارتن غريفيث،بريطاني الجنسية؟
كيف نترجم تحركات السفيرين البريطاني والأمريكي لكشف شفرات اللغز؟
كيف نستطيع تحديد الأجندات الانجلوأمريكية والصهيوسعودية؟ وماهي طبيعة المخطط من الماضي للحاضر باعتبار فهم المشكلة جزءاً من الحل بعيدا عن السطحية والعشوائية وأصحاب الغيرة حديثي الخبرة ممن لديهم فائض من الغباء؟
وما هو دور اليمن وبقية دول حوض البحر الأحمر والمتوسط في حرب ٧٣م؟
لكن بالعودة لواقع هذه الوثائق سنجد أن بعض الأنظمة المتعاقبة ما قبل ٢٠١٤م هي أنظمة متصهينة صنعها مطبخ لندن وواشنطن وما ينبغي علينا سوى فهم طبيعة المخطط برمته، ولتكن هذه الوثائق كإثبات لصد أجندات التضليل والعمالة.
فلتكن المدخل العملي أولاً لفهم القضية ومن ثم وضع الحلول.
الحديث متشعِّب عن هذه الوثائق وخطورتها، لكن سوف استمر في كتابة ما ينبغي عن هذا الصدد عندما يسمح برنامجي الروتيني ومستعد أتناول تقديم ترجمات مختصرة عن ذلك في أي منبر.
وطالما هذه الفضائح بدأت تبرزها وسائل الإعلام أشكر قائد الثورة السيد عبدالملك الحوثي لان ذلك جزءاً من الإنجاز الذي يأتي ترجمة لدوره القيادي في اسطول ٢١سبتمبر، واشكر المؤسسات الاستخباراتية والإعلامية المناهضة للعدوان باعتبار ذلك جزءاً من نجاح هذه المؤسسات.. ومسك الختام أقول إن إطلاق صرخة الشهيد القائد حسين الحوثي واجبة لكشف هذه المخططات الإمبريالية “الله أكبر – الموت لأمريكا – الموت لإسرائيل – اللعنة على اليهود – النصر للإسلام”.

* نائب وزير الإعلام

قد يعجبك ايضا