خطباء ومرشدون لـ”الثورة “: الاحتفال بالمولد النبوي الشريف.. أصل الهوية اليمانية ورسالة موجهة للعالم

 

إحياء المولد النبوي هو إحياء للقيم والأخلاق التي يحملها اليمنيون لمواجهة مكامن الأعداء والوقوف أمام كل المنافقين والمرجفين

استعداد وفرح وحالة استنفار قصوى لكل اليمنيين ابتهاجا بمولد النور والرحمة المهداة للأمة والبشرية في كل المديريات والمحافظات، يستعد اليمنيون لاحياء هذا اليوم العظيم وذلك لما يمثله من أهمية جليلة وقدسية كبرى .. كيف لا وفي يوم مولده صلى الله عليه وآله وسلم انتشر النور وانطلق العدل وأرسيت شريعة الله التي يحتكم إليها كل من آمن بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد صلى الله عليه وآله وسلم رسولاً ونبيا.. ميلاد نبينا وحبيبنا هو أهم حدث في تاريخ البشرية منذ أن خلق الله الأكوان إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها..
نخبة من الخطباء والأكاديميين والمرشدين تحدثوا لـ”الثورة” عن عظمة هذا الحدث الذي غير مجريات الأرض ونقلهم من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام.. وإليكم الحصيلة:

استطلاع / أمين العبيدي

في البداية تحدث الدكتور حسين غالب الشعثمي الناشط الاجتماعي والمدير العام لمؤسسة صمود الاجتماعية الخيرية بقوله: هو يوم فرح وسرور وأصل للهوية اليمانية التي ورثها اليمانيون عن أجدادهم الأنصار وذلك لما يمثله من أهمية جليلة وقدسية كبرى .. كيف لا وفي يوم مولده صلى الله عليه وآله وسلم انتشر النور وانطلق العدل وارسيت شريعة الله التي يحتكم إليها كل من آمن بالله ربا وبالإسلام دينا..
وأشار الشعثمي قائلاً: الاحتفال بالمولد النبوي على صاحبه الصلاة والسلام هو تجديد للولاء والطاعة التي قال الله تعالى فيها “قُل أَطيعُوا اللَّهَ وَأَطيعُوا الرَّسولَ فَإِن تَوَلَّوا فَإِنَّما عَلَيهِ ما حُمِّلَ وَعَلَيكُم ما حُمِّلتُم وَإِن تُطيعوهُ تَهتَدوا وَما عَلَى الرَّسولِ إِلَّا البَلاغُ المُبينُ”. هو يوم إعلان الإتباع والسير في طريق الحق والعدل والحرية التي جاءبها الإسلام قال تعالى: ﴿قُل إِن كُنتُم تُحِبّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعوني يُحبِبكُمُ اللَّهُ وَيَغفِر لَكُم ذُنوبَكُم وَاللَّهُ غَفورٌ رَحيمٌ﴾ آل عمران: ٣١ ويرى أنه من خلال المولد النبوي والفعاليات الدينية المصاحبة خطوة لنصر الأعظم والتخلص من الوصاية وتسلط الطغاة والمستكبرين ، فمن خلال المولد النبوي نوجه رسالة قوية مفادها أن الإسلام المحمدي حاظر في قلوبنا ومتجذر في نهج عقيدتنا مضيفاً إن معنى الحب والولاء والطاعة يتجسد في قول الله تعالى « لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ» .
فرسولنا هو الأسوة والقدوة لكل الناس باختلاف شرائحهم وطبقاتهم ففي الخطابة والفصاحة محمد أفصح العرب وللتجارة محمد عليه وآله الصلاة والسلام هو الصادق الأمين وقد تاجر لخديجة فأحبت أمانته ورغبت بالزواج منه فتزوجها وفي القيادة العسكرية وخطط الحرب محمد صلى الله عليه وعلى آله هو المخطط والقائد الحكيم ولكم أن تقرأ في السيرة النبوية وهو محاصر ويحفر الخندق في يوم معركة الأحزاب وكيف كان يرفع المعنويات للمقاتلين ويقول مستبشراً الله أكبر فتحت قصور صنعاء الله أكبر فتحت قصور الشام، يكبر بثبات وعزيمة، هو المربي لمن يشكو اليتم نبينا كان يتيماً ولمن يشكو الفقر والحاجة نبينا لم يشبع من خبز الشعير وكان يعيش على الأسودين الماء والتمر هو قدوة وأسوة في كل شيء ونحن هذه الأيام نعيش في حصار نتذكر أن نبينا حوصر في شعب أبي طالب ومنع من الأكل حتى كانوا يأكلون من أغصان الشجر، فنحن نستقي من نبع محمد عليه الصلاة والسلام وعلى آله الأطهار كل معاني الصمود فنحن اليوم أقوى مما مضى مستعدون للحرب جيلاً بعد جيل مستعدون لمعركة النفس الطويل ثورتنا محمدية شعارها النصر أو الشهادة، إنه ومن خلال المولد النبوي نحيي قيم الحق ونرسي دعائم العدل والقبول بالآخر والتعايش والحب لكل البشر باختلاف توجهاتهم وأديانهم.
واختتم حديثه بقوله: يستحسن في هذا اليوم العظيم الذكر والإكثار من الصلاة على الشفيع لنيل شفاعته يوم الدين كما يجب أن تستغل هذه الذكرى بكل ما هو مفيد من عمل الخير على اختلافه فتقدم الصدقات وتستذكر الأحاديث النبوية الشريفة والسنن، ويجمع الأطفال على فيض من المواقف النبوية السمحة ليتعرفوا على نبيهم وهادي أمتهم أكثر ويتلمسون حلاوة أخلاقه بقلوبهم، ويتمثلون بطباعه الزكية في معاملاتهم؛ فلا ينقطعون عنه وعن سيره، ولا يغيبون عن محاسنه ومناقبه.
وفي نفس السياق يقول الاستاذ/ عبدالحميد محمد المؤيد: لا خير في من لا يفرح بيوم مولده صلى الله عليه وعلى آله وسلم فقد قال بأبي هو وأمي «لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من نفسه وماله وولده »، هو خيار من خيار من خيار، فقد ذكر كبار العلماء « نسب النبي صلى الله عليه وآله وسلم: وهو خير أهل الأرض نسباً على الإطلاق، فلنسبه من الشرف أعلى ذروة، وأعداؤه كانوا يشهدون له بذلك، ولهذا شهد له به عدوه إذ ذكر أبو سفيان بين يدي ملك الروم «أشرف القوم قومه، وأشرف القبائل قبيلته، وأشرف الأفخاذ فخذه وأشرف فرع من عَشِيرته فرعه» صلى الله عليه وآله وسلم..
وأضاف المؤيد بقوله: إن من أعظم نِعم الله عز وجل على البشرية والناس جميعاً بعثته لنبيه صلى الله عليه وآله وسلم، الذي من أخلاقه وسماته التي اتصف وتحلى بها خُلُق الرحمة، التي شملت الصغير والكبير، والمؤمن والكافر، والطائع والعاصي، تلكم الرحمة التي كانت له سجيّة، لا تنفك عنه أبداً، لا في سِلم ولا في حرب، ولا في حَضر ولا سَفر، قال الله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إلاَّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ}(الأنبياء: 107). قال المفسرون: «يخبر تعالى أن الله جَعَل محمداً صلى الله عليه وآله وسلم رحمة للعالمين، أي: أرسله رحمة لهم كلَّهم، فمن قَبِل هذه الرحمةَ وشكَر هذه النعمةَ سَعد في الدنيا والآخرة، ومن رَدَّها وجَحَدَها خَسِر في الدنيا والآخرة»، وقد قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن نفسه وعن بعثته: (إنما أنا رحمة مهداة) و (قيل: يا رسول الله! ادعُ على المشركين، قال: إني لم أُبعث لَعَّانًا وإنما بُعِثْتُ رحمة)، والسيرة النبوية الصحيحة بأحداثها وغزواتها تظهر بوضوح أن رحمته صلى الله عليه وآله وسلم لم تكن رحمة مُتكلَّفة، تحدث في بعض المواقف وتتخلف في أخرى، بل كانت رحمة فِطْرية، فطره الله عليها، واتصف بها، وتعامل بها في جميع أحواله ومواقفه، حتى مع أعدائه..
وأكد المؤيد بقوله: لاقى النبي صلى الله عليه وآله وسلم أذى شديداً من كفار قومه، فاحتمل ذلك وصبر عليه، ولم يتعجل هلاكهم، ولم يدع عليهم بالاستئصال رغم تكذيبهم وإيذائهم له، بل رجا الله تعالى أن يخرج من أصلابهم من يوحد الله ولا يشرك به شيئاً، فقد سئل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بقولهم له (يا رسول الله، هل أتى عليك يوم كان أشد من يوم أحد؟ فقال صلى الله عليه وآله وسلم: لقد لقيت من قومكم ما لقيت، وكان أشد ما لقيت منهم يوم العقبة، إذ عرضت نفسي على ابن عبد ياليل بن عبد كُلال فلم يُجِبْني إلى ما أردت، فانطلقت وأنا مهموم على وجهي، فلم أستفق إلا وأنا بقرن الثعالب (ميقات أهل نجد)، فرفعت رأسي فإذا أنا بسحابة قد أظلتني، فنظرت فإذا فيها جبريل فناداني، فقال: إن الله قد سمع قول قومك لك، وما ردوا عليك، ولقد أرسل إليك ملَك الجبال لتأمره بما شئت، فناداني ملك الجبال وسلم عليَّ، ثم قال: يا محمد، إن الله قد سمع قول قومك لك، وأنا ملَك الجبال، وقد بعثني ربك إليك لتأمرني بأمرك في ما شئت؟ إن شئتَ أن أُطبق عليهم الأخشبين (الجبلين)، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده لا يشرك به شيئا).
وأشار المؤيد بقوله: حياة النبي صلى الله عليه وآله وسلم وسيرته العطرة زاخرة بمواقفه مع الفقراء، التي علمنا من خلالها أن الرحمة الحقيقية بالفقراء والضعفاء وأصحاب الحاجات، لا تتمثل في مجرد تألم القلب لحالهم ـوإنْ كان ذلك محموداًـ وإنما حقيقة الرحمة هي تلك التي تدفع صاحبها إلى خطوات فعّالة على قدر استطاعته لمساعدتهم وتقديم سبل العون لهم..
ومن هذه المواقف أنه ورد عن جرير بن عبدالله رضي الله عنه، قال: (كنّا عند رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في صدر النهار، فجاءه قومٌ حُفاةٌ عُراة مُجتابي النِّمار (يلبسون كساء من صوف مخطط) أو العباء (جمع عباءة)، مُتقلِّدي السيوف، عامَّتُهم من مُضَر، بل كلُّهم من مُضر، فتمعَّر (تغير) وجه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؛ لما رأى بهم من الفاقة، فدخل ثم خرج، فأمر بلالاً فأذَّن وأقام، فصلَّى ثم خطب فقال: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} (النساء:1)، والآيةَ التي في الحشر: {اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ} (الحشر:18)، تصدَّق رجلٌ من دينارِه، من درهمه، من ثوبه، من صاعِ بُرِّه، من صاعِ تمره، حتى قال: ولو بشِقِّ تمرة، قال: فجاء رجلٌ من الأنصار بصُرَّةٍ كادت كفُّه تعجز عنها، بل قد عجَزت، قال: ثم تتابع الناس، حتى رأيتُ كَومَين من طعامٍ وثياب، حتى رأيتُ وجه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يتهلَّل ويستنير وجهه ..
وأما الأستاذ/ محمد احمد الخطيب، خطيب مسجد الانوار فيقول: يعجز الخطباء والشعراء وكل من عرف روعة الحروف العربية أن ينسجوا من هذه الأحرف كلمات تصف يوم الفرح والسرور الذي يخالط فؤادي الآن وأنا أحدثك عن مولد أجل وأعظم إنسان لم ولن تستطيع البشرية أن تجزيه أجر ما عانى وجاهد في سبيل أن يصل إلينا هذا الدين فأجره لا يستطيع أن يعطيه إلا الله جل جلاله .. وإن الاحتفال بمولده يعد أقل ما يستطيع الإنسان أن يعبر به عن حبه لمحمد صلى الله عليه وآله..
وأشار الخطيب بقوله: لا يَخْفى على مسلم المنزلة العالية الرفيعة التي حباها ربنا عز وجل نبينا محمد صلى الله عليه وآله وسلم، فقد اصطفاه على جميع البشر، وفضَّله على جميع الأنبياء والرسل، قال الله تعالى: {تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِّنْهُم مَّن كَلَّمَ اللّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ}(البقرة: 253). قال المفسرون : «فكل الأنبياء لو أدركوا محمداً صلى الله عليه وآله وسلم لوجب عليهم الإيمان به واتباعه ونصرته، إنه نبينا صلى الله عليه وآله وسلم الذي سمَّاه الله عز وجل في القرآن الكريم بـ : «محمد»، «وأحمد»، وهما يشتملان على الحمد والثناء، قال حسان بن ثابت رضي الله عنه: «وشقَّ له من اسمه ليُجِلّه فذو العرش محمود وهذا مُحَمّد».
وعن شجاعته وجهاده وقوته صلى الله عليه وآله يقول الخطيب: كان أشجع الناس على الإطلاق وقد تجلَّت شجاعته في أروع صورها جهاداً في سبيل الله، وثباتاً عند الشدائد والنوازل، ودفاعاً عن الحق ونصرة للمظلومين، وقد شهد له بذلك أصحابه وأعداؤه، إذ كان صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله من الشجاعة بالمكان الذي لا يُجهل، حضر المواقف والمعارك الصعبة، وهو ثابت لا يتزحزح، قال الإمام علي – رضي الله عنه وكرم الله وجهه : «كنا إذا حمي البأس (القتال)، واحْمرَّت الحَدَق، اتقينا برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فما يكون أحد أقرب إلى العدو منه» وعن أنس رضي الله عنه قال: (كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم أحسن الناس وأشجع الناس، ولقد فزع أهل المدينة ليلة، فخرجوا نحو الصوت، فاستقبلهم النبي صلى الله عليه وسلم، وقد استبرأ الخبر وهو على فرس لأبي طلحة عُرْي (مجرد من السرج)، وفي عنقه السيف، وهو يقول: لم تراعوا، لم تراعوا (لا تخافوا ولا تفزعوا)) وقال عبد الله بن عمر رضي الله عنه: «ما رأيتُ أشجع ولا أنْجد (أسرع في النجدة) من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم» والأمثلة الدالة على شجاعته وقوته صلى الله عليه وآله وسلم من سيرته وحياته كثيرة، ومنها شجاعته صلى الله عليه وآله وسلم في غزوتي بدر وأحد وغيرهما من غزوات قاد النبي صلى الله عليه وآله وسلم المعارك والقتال فيها بنفسه، وخاض غمار الموت بروحه، وقد شُجَّ في وجهه، وكُسِرت رَباعيتُه كل هذا ليصل الينا الدين أفلا نحتفل بمولد من لولاه لكُنا في غياهب الجهل والضلال..
وفي ختام حديثه يقول الخطيب: أهنئ نفسي وكل الأمة العربية والإسلامية بمولد خير البشر على الإطلاق محمد صلى الله عليه وآله وسلم وأوصيهم بأن يجعلوا هذا اليوم يوم عبادة وذكر لسيرته وإكثار من الصلاة والسلام عليه وعلى آله.

قد يعجبك ايضا