يسعى الأمريكان إلى تجميد نشاط برنامج الأغذية العالمي في اليمن
تقرير: أمريكا تُلوِّح بسلاح التجويع بعد فشلها وحلفائها عسكرياً واقتصادياً وتقنياً
الثورة / إبراهيم يحيى
من جديد، عادت دول العدوان السعودي الإماراتي الأمريكي لاستخدام سلاح التجويع في فرض التطويع، عبر سعيها إلى «تجميد برامج مساعدات الإغاثة الإنسانية لليمن»، بزعم «أنها لا تصل إلى مستحقيها»، بالتزامن مع بدء مفترض لخطوات تنفيذ اتفاق المجلس الأعلى لإدارة وتنسيق الشؤون الإنسانية مع برنامج الأغذية العالمي على صرف المساعدات نقدا، وفق آلية البصمة ومسوح لبيانات المستفيدين، منعا لاستمرار الاختلال وتدفق أغذية فاسدة والعبث بأموال المانحين لليمن وإهدار ما يفوق 50% منها في نفقات إدارية تذهب للمنظمات.
تحرك أمريكي
وكشفت وسائل إعلام دولية أن «وزير الخارجية الأمريكية، مايك بومبيو، يعتزم السفر إلى مقرّ الأمم المتحدة الجمعة للاجتماع مع الأمين العام للمنظمة أنطونيو غوتيريش، حيث سيثير معه مخاوف في شأن بطء الأمم المتحدة في عملية تجميد توصيل المساعدات».
مجلة «فورين بوليسي» الأميركية نقلت الخميس، عن مصادر دبلوماسية قولها أن «المتوقع أن ينفرد بومبيو بمنسق الإغاثة في الأمم المتحدة، مارك لوكوك، لحثّه على إتباع نهج أكثر صرامة، وتعليق المزيد من برامج الإغاثة في اليمن». معتبرة أن هذا التحرك الأمريكي هذه الضغط والمساومة.
ووفقا للمجلة فإن «المساعي الأميركية إلى وقف المساعدات تغذّي الشكوك لدى المراقبين في أن موقف واشنطن المتشدّد قد يكون مدفوعاً بالرغبة في ممارسة الضغط الدبلوماسي على إيران وحلفائها في المنطقة، أكثر من القلق في شأن ما تدّعيه حول سوء سلوك حركة أنصار الله».
تعويض الفشل
يأتي التحرك الأمريكي لتصعيد استخدام الورقة الإنسانية بعد تتابع انهيارات قوات تحالف العدوان السعودي الإماراتي الأمريكي في مديرية نهم بمحافظة صنعاء ومحافظتي الجوف ومارب، بجانب تصاعد مقدرات القوات المسلحة اليمنية في معركة الجو، دفاعا وتحييدا وهجوما.
دفعت هذه التطورات العسكرية المتسارعة، واشنطن إلى معاودة التلويح بمزيد من «العقاب الجماعي» لليمنيين، عبر استخدام ورقة برامج الإغاثة الإنسانية التي تقودها الأمم المتحدة ومنظماتها العاملة في اليمن، وتحويل هذه الورقة مجدّداً إلى وسيلة ضغط على صنعاء، في إطار أدوات الحرب الاقتصادية.
وسبق هذا التحرك الأمريكي، الذي دأبت عليه إدارة الرئيس دونالد ترامب مع كل من تصنفهم خصوما وأعداء، وتعجز عن وقف تحرره من التبعية والارتهان «للقطب الأوحد» سياسيا واقتصاديا وصناعيا وعسكريا، كالصين وايران وغيرهما من الدول الناهضة، تهديد أمريكي بحرب اقتصادية محكمة.
إنفاذ تهديدات
عمدت أمريكا بعد إفشالها مفاوضات السلام المنعقدة في الكويت عام 2016، إلى إحكام خناق الحصار المفروض على اليمن بحرا وجوا وبرا، وتصعيد الحرب الاقتصادية للعدوان، بدءا بدعم نقل إدارة البنك المركزي اليمني من العاصمة صنعاء إلى عدن، ووقف صرف مرتبات الموظفين.
وفي العام 2007م أضيفت إلى هذه الأدوات «طبع تريليون و700 مليار من العملة اليمنية» من دون غطاء نقدي أجنبي، وإغراق السوق المحلية بما يزيد عن فائض سيولة، وتشجيع عمليات المضاربة بالعملة في سحب العملات الأجنبية وبخاصة الدولار والريال السعودي، في سياق تنفيذ تهديد مباشر للسفير الأمريكي.
هدّد السفير الأميركي، ماثيو تولر، رئيس الوفد الوطني المفاوض، محمد عبدالسلام، على هامش مفاوضات الكويت، بأنه «في حال عدم الموافقة على شروط السعودية لوقف الحرب فإن طباعة العملة اليمنية ستصبح أغلى من قيمتها الشرائية»، وهو ما حدث فتراجعت قيمة الريال بين 70-100 %.
لكن صنعاء استطاعت بإجراءات البنك المركزي اليمني في العاصمة صنعاء الرقابية على البنوك وشركات الصرافة وتحويل الأموال، وقرار حظر التعامل بطبعات العملة غير القانونية، وإمهال حائزيها شهرا لاستبدالها بالعملة الوطنية المعتمدة، استطاعت كبح الآثار المترتبة على هذا الإغراق النقدي.
سلاح الرواتب
مع ذلك استمرت حكومة مرتزقة الرياض ومن ورائها دول تحالف العدوان السعودي الإماراتي الأمريكي في تصعيد سلاح الإفقار والتجويع والرهان عليه في كسر إرادة اليمنيين وصمودهم ودفعهم باتجاه ما سمته «ثورة جياع»، والضغط على المجلس السياسي الأعلى وحكومة الإنقاذ للاستسلام.
وهو ما أعلنه صراحة المستقيل والفار هادي في لقاء تلفزيوني معه على هامش مشاركته في اجتماع الجمعية العمومية للأمم المتحدة بنيويورك، قال فيه: «تأخر قرار نقل البنك المركزي خطأ اعترف به». مردفا: «لو نقلنا البنك من البداية لأمكننا حسم الحرب في ستة أشهر فقط». مجاهرا باتخاذ الرواتب سلاح حرب.
بجانب إعدام العدوان فرص العمل، تسبب وقف صرف رواتب موظفي الدولة منذ نقل البنك المركزي إلى عدن نهاية سبتمبر 2016م، في مضاعفة «الأزمة الإنسانية الأسوأ في العالم» وفق توصيف وتأكيد الأمم المتحدة»، وأدى إلى «الدفع بنحو 75% من اليمنيين إلى دائرة الفقر وافتقاد الغذاء اللازم للبقاء أحياء».
ورغم التزام المستقيل والفار هادي أمام الأمم المتحدة والبنك الدولي وصندوق النقد الدولي بـ «الاستمرار في دفع جميع التزامات الدولة المالية لقطاع الخدمات والمرتبات» إلا أنه لم يفق بتعاهده، ويواصل وقف رواتب نحو مليون موظف وموظفة من أصل 1.3 مليون يعيلون نحو 10 ملايين.
حتى بعد إعلان المبعوث الأممي الثالث إلى اليمن، مارتن غريفيث، فور مباشرة عمله، بأن «اتخاذ رواتب الموظفين سلاح حرب يجب أن يتوقف»، والتزام المجلس السياسي وحكومة الإنقاذ بفتح حساب خاص للمرتبات وإيداع إيرادات موانئ الحديدة فيه، وفق اتفاق السويد، يرفض الطرف الأخر توريد فارق مبلغ الرواتب.
سلاح المساعدات
بالتوازي، ظلت الأمم المتحدة ومنظماتها تقر بكارثية الوضع الإنساني في اليمن جراء الحرب لجمع منح تمويل برامج إغاثة إنسانية، واستطاعت حتى 2018م جمع نحو 15 مليار دولار، تؤكد وثائق الأممية نفسها أن «نحو 50% منها على الأقل انفق على مصروفات إدارية من رواتب بعثات وأجور نقل».
وتزامن هذا الهدر لأموال المانحين الدوليين لإغاثة اليمنيين، مع «توزيع مليارات الدولارات على منظمات إقليمية ومحلية لا حضور فعلي لها في الميدان»، وتكرر وقائع «توريد منظمات الدولية مساعدات إغاثة غذائية ودوائية، مقاربة على انتهاء الصلاحية أو تالفة وغير صالحة للاستهلاك الآدمي».
تسببت هذه الممارسات المتكررة والمثبتة من جانب المنظمات الدولية، بجانب «ثبوت تورط موظفيها في ممارسة أعمال تصنف استخباراتية في جميع بيانات وتنفيذ مسوح ذات طابع يمس الأمن القومي»، في احتجاجات متكررة واعتراض سلطات المجلس السياسي الأعلى وحكومة الإنقاذ الوطني.
وبعد شد وجذب، توصلت هيئة إدارة وتنسيق الشؤون الإنسانية قبل أن تدمج وقطاع التخطيط والتعاون الدولي في مجلس أعلى، إلى اتفاق مع برنامج الأغذية العالمي يسهل تدفق مساعدات الإغاثة الإنسانية وينظم آلية توزيعها على مستحقيها بشفافية، عبر صرفها نقدا، منعا لظروف التلف وسوء النقل والتخزين للأغذية.
الاتفاق جاء وفق أمين عام المجلس الأعلى لإدارة وتنسيق الشؤون الإنسانية عبدالمحسن طاووس «لمعالجة ما عانيناه من وصول أغذية فاسدة».مؤكدا «مصرون على المضي في الاتفاقات الجديدة مع برنامج الأغذية العالمي لأنها ستصلح الخلل الذي كان يحدث سابقاً». في إشارة لممارسات العبث والفساد بأموال المساعدات.
طاووس، أكد أن «مساعدات الإغاثة الإنسانية بموجب الاتفاقات مع برنامج الأغذية العالمي ستصل نقداً للمواطن وهو يشتري ما يريد من مواد غذائية». موضحا أن «الشعب اليمني ظروفه صعبة بسبب الحصار والعدوان، وهذه المساعدات لا تمثل شيء ولا تصل إلا لأقل من 7 ملايين مستفيد في الشمال والجنوب».
وفي حين نوه بأن «المساعدات لا تغطي كل احتياجات المواطنين بل الأساسيات فقط»، عبر عن «الأمل في أن تصل المساعدات إلى أكبر قدر ممكن من المستفيدين من أبناء شعبنا». معتبرا أن «إيقاف المساعدات من المنظمات الأممية هو ورقة ضغط يتغنى بها العدوان منذ العام الماضي، وهذا يثبت وحشية دول العدوان».
رضوخ للضغوط
في المقابل، يظهر تباطؤ غير مبرر من جانب برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة، في تنفيذ اتفاق صرف مساعدات الإغاثة الإنسانية نقدا للمستفيدين بعد تنفيذ مسوح بياناتهم وتطبيق نظام البصمة، رغم إشادة البرنامج مطلع الشهر بخطوات والتزام المجلس الأعلى لإدارة الشؤون الإنسانية.
ونظم مجلس الشؤون الإنسانية وبرنامج الأغذية العالمي، الأربعاء، ورشة عمل للجنة المركزية لمشروع المسح البيومتري (البصمة) وتسجيل المستفيدين من مشاريع برنامج الأغذية. ضمن إجراءات البدء باستبدال مساعدات الإغاثة العينية بالنقدية (الكاش)، وكخطوة أولى في ثلاث مديريات بالعاصمة صنعاء.
لكن التباطؤ من جانب برنامج الأغذية العالمي، يظهر امتدادا لتهديدات أطلقها مسؤولون في الأمم المتحدة بـ «تخفيض المساعدات الاغاثية إلى مناطق سلطة صنعاء (المجلس السياسي وحكومة الإنقاذ)». وهي المحافظات الأكثر كثافة سكانية ويتجاوز تعداد سكانها 20 مليوناً حسب أحدث إسقاطات مجلس السكان.
ونقلت وكالة الأنباء البريطانية «رويترز» عن مسؤولين أمميين، قبل أسابيع، أن «المساعدات المقدّمة لمناطق سلطة صنعاء ستخفَّض». وتعليل ذلك بأن «المانحين والمنظمات الإنسانية لم يعد بإمكانهم ضمان وصول المساعدات لمن يستحقّها». مرجحين أن «يبدأ خفض المساعدات من الشهر المقبل، آذار/مارس».
تعليق أول
إلى ذلك، لم يصدر بعد تعليق من حكومة الإنقاذ. لكن عضو المجلس السياسي الأعلى محمد علي الحوثي، طالب الأمم المتحدة بأن تبدأ العمل في تنفيذ صرف مساعدات الإغاثة الإنسانية كاش (نقدا) للمستفيدين بعد توقيعهم على كل الاتفاقات بشأن الكشوفات والبيانات البيومترية.
وأرجع تأخير برنامج الأغذية العالمي بدء تنفيذ اتفاق صرف مساعدات الإغاثة الإنسانية نقدا، إلى ضغوط دول تحالف العدوان. وقال في تغريدة على حسابه في «تويتر» الأربعاء: «إن التأخير يعني الرضوخ لضغوط دول العدوان الأمريكي البريطاني السعودي الإماراتي ومفاقمة الأزمة الإنسانية في اليمن».
من جانبه، علق أمين عام المجلس الأعلى لإدارة وتنسيق الشؤون الإنسانية والتعاون الدولي عبدالمحسن طاووس على التباطؤ الأممي في تنفيذ الاتفاق والعودة إلى ترديد اتهام «مسؤولين حكوميين بالسعي لانتهاك قواعد المساعدات الإنسانية، وتوفير معاملة تفضيلية للمجتمعات التي تدين بقضيتها».
وقال طاووس في تصريح صحافي: إن «حملة برنامج الأغذية العالمي على حكومة الإنقاذ غير مبررة خصوصاً مع استمرار الاجتماعات مع ممثليها». مضيفا: «اجتمعنا مع منظمة الأغذية العالمي وقدمنا الكثير من التسهيلات وشددنا على أن الالتزام بما تم التوقيع عليه هو الذي سيدفع بالأمور قدماً».
وشدد على أن: «تسليم المساعدات نقداً سيغلق الباب على الأغذية الفاسدة» وأخرها، الثلاثاء الفائت، إتلاف السلطة المحلية في محافظة عمران 2800 حصة من التغذية المدرسية منتهية الصلاحية. وأردف: «مشروع دفع المساعدات نقداً سيضمن وصولها إلى المستحقين بعد التحقق من صحة البيانات».
حيلة العاجز
في هذه الأثناء، يشير مراقبون إلى أن «استخدام الورقة الإنسانية من قِبَل واشنطن هو المتاح في الوقت الراهن». موضحين أن «إدارة الرئيس دونالد ترامب منشغلة بالحملات الانتخابية، وليس من المناسب لها راهناً الانخراط المباشر في مغامرات عسكرية قد تكون نتائجها غير مضمونة».
وينوه المراقبون إلى أن «الكونغرس صوّت نهاية العام الماضي على قرارين يقيدان تدخل الإدارة الأمريكية المباشر في حرب اليمن». ورغم إقرارهم بأن «قرارات الكونغرس غير ملزمة للرئيس»، إلا أنهم يشددون على اعتبارها «مؤشرا على اتجاه شعبي معارض لتلك الحرب، يتنامى».
جاء هذا التوجه الشعبي، عقب تصدر بشاعة جرائم حرب تحالف العدوان السعودي الإماراتي الأمريكي على اليمن، واجهة الإعلام الأمريكي على خلفية جريمة مقتل الصحافي السعودي المعارض جمال خاشقجي، وحماية الرئيس ترامب لولي العهد السعودي محمد بن سلمان، المتهم بإصدار أمر القتل فيها.
وقد أرغمت الأصداء الحقوقية والإنسانية والواسعة لانكشاف بشاعة جرائم العدوان على اليمن، إدارة الرئيس ترامب على إطلاق ما سُمي بـ «سياسة فصل المسارات»، في إشارة إلى فصل المسار الإنساني عن المسارين العسكري والسياسي، ليُسمح للأمم المتحدة والمنظمات الإنسانية بإرسال مساعدات إلى اليمن.