استطلاع وترجمة / أسماء حيدر البزاز –
اليمن يْعد أنموذجا للتغيير السلمي في المنطقـة لأنـه انتهـج خيـار الحوار
القيادة اليمنية كسبت الرهان لأنها جنبت البلاد ويلات الحروب والصراعات
أشاد سياسيون عرب وأجانب بسير المرحلة الانتقالية في اليمن القائمة على الحوار وصولاٍ إلى الدولة المدنية الحديثة , واعتبروا اليمن أنموذجا للتغيير السلمي مقارنة بدول الربيع العربي , وقالوا في أحاديث لـ»«: الحكمة اليمنية انتصرت لأنها غلبت المصلحة الوطنية على كل الاعتبارات الضيقة.. فإلى التفاصيل:
تحدثت إلينا الناشطة السياسية البريطانية آن جيم عن سير المرحلة الانتقالية في اليمن واقتراب بزوغ مخرجات الحوار الوطني قائلة : الحفاظ على الوضع التوافقي ليس بالأمر السهل , فاليمن بلد متنوع الثقافات والتوجهات وكان الخوف من أن تفقد السيطرة على زمام الأمور عقب أحداث 2011 م وتستغلها أطراف في تحويل اليمن إلى عراق آخر أو أفغانستان أخرى , وهذا ما كان يتوقع العالم حدوثه , إلا أن اليمن فاجأ الجميع بانتهاجه خيار السلم والحوار وكسر رهان المتآمرين على وحدة اليمن وسيادته , بالتزامه واحترامه للقرارات الدولية التي جنبت اليمن ويلات الحروب والصراعات المسلحة والتي عانى منها اليمن في تاريخه وعبر حكوماته المتتالية .
وأضافت جيم : إن خيار الشعب اليمني وتطلعاته نحو دولة النظام والأمن والقانون لدليل على درجة الوعي الثقافي والفكري الذي ينم عن عقلية حكيمة ترفض العنف.
ضمان المرور
ومن جهته يرى السياسي الدكتور عاطف حلمي من جمهورية مصر العربية : أن المسار السياسي في اليمن بلا شك مختلف ولذلك أسبابه ومنها طبيعة الشخصية اليمنية القبلية وأيضا قطع اليمن شوطا لا بأس به من الديمقراطية على عكس ما يتخيل البعض ناهيك عن موقعها المتاخم لدول مهمة مثل السعودية وذلك يفسر اهتمام مجلس التعاون الخليجي بإيجاد حل سلمي وضمان مرور المرحلة الانتقالية بشكل مختلف عما نراه في دول أخرى .
وتقول الناشطة الألمانية آرييلا جروس: إن أكثر ما شدني في اليمن هو الانجاز العظيم الذي قدمته المرأة اليمنية والتي ضربت أروع التضحيات وضحت بولدها وزوجها في سبيل تحقيق دولة مدنية عادلة , مواطنوها متساوون في الحقوق والواجبات , دولة تتحقق فيها كل معالم العدالة الاجتماعية , الكل فيها سواسية أمام القانون , لا صوت يعلو فيها فوق أصوات المستضعفين , دولة يجد فيها المواطن كل ما يتطلع ويصبو إليه من العيش الكريم والكرامة الإنسانية من دون مزايدات أوصاية على الناس.
وأكدت أن الشعب الألماني يدعم ويقف مع إرادة الشعب اليمني في تحقيق أهداف ثورته باستتباب الأمن والاستقرار وإرساء دولة النظام والقانون.
الثكنات المتصلبة
الأكاديمي أحمد الجوملي من جامعة بيروت اللبنانية يقول : لغة السلاح التي احتكمت اليها بعض الدول العربية للخروج من أزمتها لا تجدي نفعاٍ سوى القتل والدمار وكثرة الخراب ومزيد من توتر المشهد السياسي الذي ينتهي إلى طريق مسدود يجعل ربيع تلك الدول خريفا يستنزف ثورات وثروات الشعوب , غير أن الأمر في اليمن مختلف تماما منذ مدت القوى السياسية والتكتلات الحزبية والمجتمعية يدها لانتهاج منهج السلم والحوار باعتباره المخرج الوحيد ليمن آمن ومستقر وترجمان لربيع ثورته الشبابية بعيدة عن تمترس الثكنات العسكرية والمواقف المتصلبة والقبلية المسيطرة .
وأضاف : لقد أثبت الشعب اليمني حكمته وحنكته السياسية والعقلانية وصار نموذجا حيا للمنطقة , وإنه ليعترينا شعور الفخر والاعتزاز بهذا النصر الديمقراطي الذي يقترب منه اليمنيون من أجل الحفاظ على دولتهم ومؤسساتها تحت سقف وحدة وطنية بعيدا عن دعاوى الانفصال وفك الارتباط .
إلا بنجاح الحوار
الأكاديمية الأميركية كريستول هايلنس من الولايات المتحدة الأمريكية تقول: بلا أدنى شك أن اليمن يعيش الآن أصعب المراحل التاريخية من جميع الجوانب الحياتية ,الاقتصادية والدينية والسياسية والجماعات الإرهابية تنشر غسيلها المفخخ على الملأ مستغلة الأحداث على الساحة اليمنية والتي لن تنتهي إلا بمخرجات حوارية عادلة منصفة .
وترى الدكتورة سهام صالح – علوم سياسية من المملكة المغربية : أن اليمن مرت بأحداث كادت أن تفخخ الوضع أمنيا وتفجره سياسيا إلى حرب طاحنة تحمل مؤشرات الحزبية والمناطقية والتصفيات السياسية وقد تؤدي بالبلد إلى براثن التدهور والتصدع المجتمعي ناهيك عن ضعف البنية التحتية إن لم تكن هناك قيادة وإرادة شعبية حكيمة قادرة على استيعاب مختلف التوجهات والسيطرة على الأمور والتغلب على العراقيل التي تعيق عملية التسوية والتنمية وتحقيق المصالحة الوطنية والتخلص من آثار الماضي وفق خارطة طريق اليمن الجديد .
ومضت تقول : إن الحكومة اليمنية استطاعت بحكمة بالغة إعادة هيكلة الجيش وفق أسس وطنية حديثة نالت رضى جميع الأطراف رغم كبر وصعوبة المعضلات في هذا الموضوع , بالإضافة إلى تهيئة أجواء حوارية لكل الأطراف المتنازعة والفرقاء انتظم فيها الجميع تحت قبة الحوار السلس والتعاطي الجاد والواعي مع القضايا المصيرية التي تهم البلاد مع عمل حكومي جاد من أجل إنجاز النقاط المطروحة كمخرجات لفرق الحوار .
تفخيخ الوضع
الدكتور عمر أحمد إسماعيل – رئيس الجالية العراقية في اليمن يقول : بالرغم من محاولات تفخيخ الوضع الأمني للحوار وارتفاع وتيرة الاغتيالات التي تستهدف قوات الأمن والجيش اليمني وحتى الحكومة ذاتها كنوع من التصفيات السياسية والحزبية وقضايا إلى الآن غامضة , ومن جهة أخرى أطماع دولية وإقليمية من بعض الدول تسعى لنشر الفوضى في اليمن عن طريق أدوات يمنية تنفيذاٍ لأجندات خارجية , كل ذلك كان له أثره البالغ في إعاقة مسار التنمية في البلاد وسبب في حدوث خسائر مادية هائلة وهروب رأس المال المحلي وامتناع المستثمر الأجنبي من الاستثمار في اليمن بسبب غياب الأمن ناهيك عما أحدثته تلك التداعيات من تفاقم نسبة البطالة والفقر وتدهور البنية الاقتصادية بكل مقوماتها .
مضيفا : وبالرغم من أن الشعب اليمني شعب مسلح بأكمله لكنه خالف كل التكهنات الحاقدة والطامعة واقتلب السحر على الساحر ولفظ اليمنيون أي تدخل يفسد حكمتهم فسلاحهم لا يشهر في وجه وطنهم حتى غدت مصالح الوطن العليا هي البارزة في الأفق اليمني .
تقاسم السلطة
صلاح دفع الله – رئيس الجالية السودانية في اليمن يقول : عندما قامت الثورة الشبابية السلمية في فبراير 2011 كان كل الناس يتخوفون من حرب أهلية تأكل الأخضر واليابس لأن معظم الشعب اليمني يمتلك السلاح ولكن الأخوة اليمنيون بحكمتهم المعهودة المنطلقة نبويا من أن الإيمان يمان والحكمة يمانية طبقوا هذه المقولة ولجأوا إلى السلمية في ثورتهم ما عدا بعض التفلتات التي كانت تحدث بين الحين والآخر .
مضيفاٍ بالقول: مسار العملية الانتقالية اليمنية مضى بشكل سليم عبر مساعدة الأشقاء والأصدقاء المتمثل بالتوقيع على المبادرة الخليجية والتي أنقذت البلاد من مشاكل عديدة وأفضت إلى انتخاب رئيس جديد واقتسام للسلطة بين الحكومة القائمة وقتها والمعارضة وقال: كما دعت إلى عقد مؤتمر الحوار الوطني , كي يحل الحوار مشاكل اليمن ويرضي كل الأطراف والتكتلات السياسية والحزبية والمناطقية وبما يخدم أمن اليمن واستقراره المنعكس على أمن واستقرار العالم لما يمثله اليمن من موقع جغرافي يعتبر صمام أمان العالم .
وهذا ما أكده محمد عاقله – رئيس المركز الثقافي السوري بالقول: اليمن مثلت نموذجا حيا في المنطقة للتغيير السلمي بأسلوب حضاري ينم عن عراقة هذا الشعب العظيم .
مقارنا حال اليمن بما أفرزته ثورات ربيع المنطقة قائلا : وبإلقاء نظرة على حال دول الربيع العربي نجد أن الوضع في اليمن من أفضلها فلا زالت تونس تعيش أوضاعاٍ حرجة وكذلك ليبيا ومصر, وفي سوريا أكثر من 8 ملايين لاجئ وتم تدمير الأسلحة التي كانت تخشاها إسرائيل ولا زالت المسرحية مستمرة ولا أحد يعلم نهايتها فربما تنتهي سوريا قبل أن تنتهي هذه المسرحية , مؤكدا على أهمية أن يستفيد اليمنيون من أحداث ما يجري عربيا والعمل الجاد حتى لا يتم المساس بمصالح 25 مليون يمني بقطع خطوط النفط وخطوط الكهرباء وكذا أهمية تطبيق ما ينتج عنه مؤتمر الحوار الوطني الذي نأمل أن يكلل بالنجاح ويحقق تطلعات أبناء هذا الشعب المعطاء .
بوابة الشرق
محمد العاصمي – عضو مجلس الشورى العماني : يرى بأن ما حدث في المنطقة العربية منذ العام 2011م فيما يعرف بالربيع العربي أبان عن حجم تأثير الإعلام على المواطن العربي العاطفي بطبعه وإدخاله في دوامة لا يعرف من خلالها ماذا يريد بالتحديد وجعل العالم يتابع ما يجري وكأنه يتابع مسرحية هزلية أبطالها العرب نتيجة ما أفرزته الأحداث في مصر وسوريا وليبيا على وجه الخصوص , فالمحصلة إلى الآن غير مرضية دمار وقتل واستنزاف لموارد البلد وتسلق على السلطة ووصول فئة لا تملك خبرة سياسية مع بقاء جميع أنواع المعاناة التي كان يعاني منها المواطن العربي قبل الثورة من ضعف الدخل المادي ومحدودية الموارد وصعوبات في توفير احتياجاته الأساسية بالإضافة إلى غياب الأمن والاستقرار والتشرد في المخيمات وبالتالي لا جديد حدث بعد الثورات سوى تغيير وجوه السلطة فقط .
مبينا : إلا أن الوضع مختلف تماما في اليمن حيث إن اتجاه اليمن إلى الحوار الوطني أجدى من الدخول في معتركات لم تجلب في يوم من الأيام على اليمن إلا التأخر والتخلف بل أخرت التنمية في البلاد لفترات طويلة وأسهمت في تقليل فرص الاستثمار والاستفادة من الموقع الجغرافي الطبيعي لليمن كونه يعتبر بوابة الشرق الأوسط .
مضيفا : ولهذا لا ينبغي أن تحل مشاكل الاختلاف في وجهات النظر بالسلاح والعنف بل يجب أن نعطي لأنفسنا فرصة التحاور والمولى عز وجل أمر نبيه بذلك في الدعوة (وجادلهم بالتي هي أحسن ) فاستجابت الحكومة اليمنية وتفاعلت مع الحدث واستطاعت القيادة السياسية اليمنية بحنكتها وحكمتها احتواء الأزمة ولم صفوف الشعب على كلمة واحدة وفتح آفاق الديمقراطية الحقيقية التي تناسب مجتمعاتنا العربية المسلمة .
الكرامة الإنسانية
الدكتور محمد سعيد سلطان- محلل سياسي : كلنا أمل في مخرجات الحوار اليمني لأنه يعد الفرصة الذهبية للخروج باليمن إلى مستقبل أفضل وأعتقد أن ذلك يعتمد بدرجة رئيسية على النخب السياسية وأخص بها أطراف المكونات السياسية الذين عليهم جميعا أن يفهموا أن الشعب اليمني الفقير هو الذي يحتاج إلى مخرجات هذا الحوار يحتاج إلى أن يعيش بكرامة ويتعلم بشرف ويبدع بهدوء وأمان .
الدكتور إدريس جامع – رئيس الجالية الاريترية في اليمن يقول : ما يجري في مصر وسوريا وليبيا يجعلنا ندرك تماما الوعي بأبعاده الثقافية والحضارية والفكرية الذي وصل إليه اليمنيون وتجنيب وطنهم ويلات التصدع والتمزق , وأضاف :إن العالم ليتابع سير المرحلة الانتقالية في اليمن وما وصلت إليه الفرق المتحاورة في مؤتمر الحوار الوطني من انتصارات على مختلف الحقول والمجالات السياسية والحقوقية والإنسانية وفي مختلف الخدمات الحياتية وهذا دليل على المستقبل المشرق لليمن والذي نتمنى أن يتم الإيفاء بكل ما طرح لترجمة تلك التضحيات التي قدمها شباب ورجال ونساء اليمن .
ويوافقه في ذلك عارف الرزاع – رئيس المركز اليمني للجاليات العربية بالقول : المرحلة الانتقالية التي أفرزتها العديد من الظروف السياسية والاقتصادية المتراكمة شيء إيجابي بعد حالة الصراع.. كما أن الوقوف على أبرز القضايا المصيرية كقضية صعدة والجنوب والتي عقدت الحكومة النية مبكرا لحلها ابتداء بالاعتذار للجنوب وصعدة وبما يمكن البلد من الخروج من أزمته , كل ذلك كان له الأثر في امتصاص غضب الشارع وكذا قطع الطريق على من يحاول ابتزاز الدولة ويتخفى خلف مطالب سياسية باسم القضيتين .
انتصرت حكمتهم
الدكتور رضا محمد إسماعيل – رئيس الجالية المصرية في اليمن يقول : إن بعض الأقطار العربية يمكن القول بأنها تمر بأهم وأخطر مرحلة في تاريخها وهي مرحلة بناء الدولة على أساس من الحرية والعدل والكرامة الإنسانية التي غابت أمداٍ طويلا وعانت شعوبها معاناة شديدة لغياب أبسط الحقوق الإنسانية .
وأوضح قائلا : اليمن الشقيق منذ ثورة فبراير 2011 م كان على وشك اندلاع حرب أهلية لأن طبيعة الشعب اليمني تختلف عن الكثير من الشعوب فهو شعب مسلح على كل حال لكن حكمة هذا الشعب الأصيل جعلته يتجنب هذا الخطر المدمر فهو صاحب الحكمة واختار طريق الحوار الوطني الذي شاركت فيه مختلف القوى السياسية ليخرج بالبلاد إلى طريق يضمن للمواطن اليمني حريته وكرامته وأن يعيش الحياة التي يستحقها وسيخرج – بإذن الله – من هذه المرحلة الصعبة وبجهود المخلصين من أبناء هذا الوطن كما نجح في الخروج من الأزمة الأولى ولن يقبل أن يحدث فيه كما حدث في غيره من البلدان التي دخلت دوامة الحرب الأهلية .
وختم حديثه قائلا : نتمنى للشعب اليمني وللشعوب العربية أن تتخطى كل التحديات الراهنة في الداخل والخارج وأن تعمل جميع الحكومات من أجل مصلحة شعوبها لا من أجل بقائها وأن تدرك قدر المسئولية والأمانة التي تتحملها .