القدس المحتلة/ وكالات
مرّة أخرى يطالب زعيم حزب “إسرائيل بيتنا” اليميني الإسرائيلي وزير الدفاع الإسرائيلي السابق أفيغدور ليبرمان بسن قانون عقوبة الإعدام لمنفذي العمليات البطوليّة.
لطالما طالب ليبرمان خلال السنوات الماضيّة بهذا القانون، كما أنّ هذه المطالبة لم تقتصر على ليبرمان ، بل هناك أكثر من شخصية اسرائيلية قد قدّمت اقتراحات تصب في ذات الاتجاه، وبالفعل عمد مجلس الوزراء الاسرائيلي المصغر “الكابينت” إلى تطبيق هذا القانون في يوليو من العام الماضي بعد أن أقره الكنيست الإسرائيلي بالقراءة التمهيدية في الثالث من يناير عام 2018م.
وتأتي المطالبة اليوم بهذا القانون العنصري بعد مرور فترة على إقرار قانون “القومية” الذي يكرس يهودية الدولة، وبالتالي لا تنفصل عن النهج العنصري للكيان الإسرائيلي سواء صرّح به ليبرمان أو نتنياهو أو أي مسؤول إسرائيلي آخر.
قد يشتبه الأمر على البعض باعتقادهم عدم وجود عقوبة الاعدام في الكيان الإسرائيلي بحق الفلسطينيين، ولكن الحقيقة هي أنّه بعد إقرار هذا القانون لن يكون هناك حاجة لقرارات المحاكم العسكرية في الضفة الغربية لإجماع ثلاثة من قضاة المحكمة العسكرية لفرض عقوبة الإعدام، وإنما الاكتفاء بغالبية اثنين من ثلاثة قضاة لتنفيذ حكم الإعدام.. ومن التبعات القانونية الأخرى لهذا القانوني منع استبدال الإعدام بعقوبة أخرى، وكذلك السماح بتطبيق العقوبة من غير طلبها من المدعي العام العسكري كما هو الحال اليوم، أي أنّه يسمح بتطبيقها في محاكم الاحتلال المدنية وليس في المحاكم العسكرية فقط.
بالعودة إلى كلام ليبرمان هناك من وضع مطالباته السابقة في إطار الدعاية الانتخابية، في حين يرجح كثيرون وقوف عنصرية ليبرمان خلف هذا المشروع، وهنا تجدر الإشارة إلى التالي:
أوّلاً: رغم إقراره في الكنيست، من غير المتوقع اقراره بالقراءات الثلاث في الكنيست والتي يحتاجها المشروع كي يصبح نافذاً في المحاكم العسكرية.. إن عدم الاقرار هذا لا يرتبط بحقوق الانسان الفلسطيني بل هو على النقيض تماماً ،حيث أن إقرار مثل هذا القانون سيظهر حقيقة الكيان الإسرائيلي أمام العالم أجمع، ولطالما حاول الكيان الإسرائيلي إظهار نفسه بصورة ديمقراطية في محيط عربي ديكتاتوري، وبالتالي فإن إقرار ممثل هذا القانون سيثير المزيد من الضجة تجاه الكيان الإسرائيلي.. إذا كان يذبح يومياً آلاف الفلسطينيين بصمت، فلماذا سنّ مثل هذه القانونين؟ يقول عضو الكنيست عن القائمة المشتركة جمال زحالقة إن الحكومة الإسرائيلية تدعم مشروع القانون للفوز بشعبية الشارع الإسرائيلي، وإشباع مشاعره العنصرية من خلال قتل الفلسطينيين، لكن الجهاز القضائي لا يتحمس لتنفيذ حكم الإعدام، لأنه سيظهر إسرائيل بصورة أكثر بشاعة مما هي عليه اليوم، مؤكدا أنه في حال إقرار القانون والشروع في تنفيذه ستكون النتيجة عكسية “لن يردع الإعدام الفلسطينيين بل سيدفعهم للقيام بعمليات أكثر على عكس ما يعتقد القائمون على مشروع القانون”.
ثانياً: سؤال آخر يطرح نفسه: لماذا يُعدم المنفّذ إذا كان فلسطينياً في حين يسجن بضعة أشهر كان المنفذ إسرائيلياً؟ ماذا عن الذين حرقوا الرضيع علي الدوابشة؟ إذاً إقرار هذا القانون العنصريي سيؤكد للجميع أن الكيان الإسرائيلي هو دولة “ابارتهايد” ..هناك توجه واضح في المجتمع الدولي لإلغاء عقوبة الإعدام باعتبارها مخالفة لحقوق الإنسان، وبالتالي لن تقدم المحاكم العسكرية الإسرائيلي على تطبيق مثل هذه القوانين.
ثالثاً: ربّما يعتقد ليبرمان أن مثل هذه القوانين تحدّ من تصعيد المقاومين، لكن الواقع يشي بالعكس، فكلّما زاد الكيان الإسرائيلي من همجيّته كلما زادت العمليات الفردية سواء الدهس، أو الطعن بالسكاكين، لذلك لن تقدم القيادة الأمنية الإسرائيلية على مثل هذه الخطوة حتى لو تمّ إقرارها بالقراءات الثلاث كونها ستلحق الضرر بالأمن الإسرائيلي وستزيد من زخم المقاومة.. لقد أثبتت تجربة هدم منازل المقاومين وأهاليهم أنها أساليب غير ناجعة مع الشعب الفلسطيني الأعزل، فالكيان الإسرائيلي قد يهدّد أحداً ما لديه ما يخسره، لكن هذه القاعدة لا تسري على سكان الضفّة الشجعان.
رابعاً: طرح ليبرمان لا يعكس حقيقة العقلية الإجرامية والانتقامية للحكومة الإسرائيلية فحسب، بل يؤكد أن مثل هذه القوانين تزيد شعبية الشخصية السياسية التي تطرحها، لذلك وضع كثيرون مطالبات ليبرمان سابقاً في الإطار الانتخابي لا العنصري، إلا أن هذا الإطار بحدّ ذاته عنصري، لاسيّما أن مثل هذه القوانين تجلب عشرات الآلاف وربّما مئات الآلاف من الأصوات.
خامساً: من تبعات هذا الطرح ارتكاب المزيد من الجرائم من قبل المستوطنين الإسرائيليين بحق الشعب الفلسطيني، كذلك يعدّ طرح ليبرمان العنصري تحريضاً واضحاً للعاملين في المؤسسة الأمنية لارتكاب مزيد من عمليات إطلاق النار تجاه الفلسطينيين بهدف القتل والتصفية الجسدية لمجرد الاشتباه، وهذا أحد أبرز أسباب ارتفاع عمليات القتل الميداني، وهو السبب في إحراق علي الدوابشة وقتل الكثير من الفلسطينيين العزّل، حيث رُصدت مئات الجرائم منذ أن طرح القانون للنقاش قبل قرابة أربع سنوات.
ختاماً.. في حين تكشف مطالبات ليبرمان عن وجهه العنصري والإجرامي، تؤكد في الوقت عينه وجود شعبية لمثل هذا القرار في الشارع الإسرائيلي، شارع واسع يعمد إلى إشباع مشاعره العنصرية من خلال قتل الفلسطينيين.. باختصار: لطالما استخدمت قوات الاحتلال سياسة ممنهجة في إعدام الفلسطينيين ميدانيا خارج إطار القانون في حال أقدموا على تنفيذ عمليات ضد الإسرائيليين، فلماذا سنّ مثل هذه القوانين التي تكشف حقيقة العدوانية الإسرائيلية؟.