سكان الجراحي في الحديدة والجهات ذات العلاقة يدقون ناقوس الخطر
تفشي وباء حمى الضنك في مديرية الجراحي في ظل انعدام حاد للأدوية ونقص التجهيزات المختبرية
آهالي المديرية يناشدون عبر »ٹ« وزير الصحة والقائم بأعمال المحافظ والمنظمات الدولية العمل على انتشال المدينة من الوضع الحالي الذي ينذر بكارثة صحية
– وفاة 20 حالة بالضنك وإصابة أكثر من 899 بحميات وبائية مختلفة والعدد في ازدياد
مدير مكتب الصحة: الإهمال والتقصير من مدير مكتب الصحة ونائبه في المديرية استدعى توقيفهما وإحالتهما للتحقيق
تشهد مديرية الجراحي في محافظة الحديدة منذ أسبوعين تفشاً كبيراً في الإصابة بحمى الضنك والملاريا بين أوساط الآسر القاطنة في عموم مناطق وعزل المديرية.
وبحسب مختصين فإن هذا الوباء الذي حل بالمديرية ومواطنيها يأتي في ظل اهمال وتقصير من قبل القائمين على السلطة المحلية ومكتب الصحة ، ونقص حاد في الأدوية والتجهيزات والتعامل السريع مع المياه الراكدة التي تجمعت منذ أسابيع في العديد من المناطق والأحياء بعد هطول الأمطار الغزيرة واختلاطها بمياه المجاري.
20 حالة قضت نحبها في المديرية بسبب المرض، آخر تلك الحالات قبل يوم لشاب في مقتبل العمر تم إيصاله إلى مستشفى الجراحي الريفي لتلقي العلاج لكنه فارق الحياة على الفور .
لم يعد هناك وقت لتلافي المرض الذي بلغ أخطر مراحله – الحالات النزفية – التي إن لم تعالج و يعتنى بها من قبل الأطباء فما بعدها إلا الوفاة، وقد وصل عدد الحالات النزفية الخطيرة حتى الآن إلى أكثر من 75 حالة، وفقا للتقرير الرسمي لمكتب الصحة في المديرية، مؤكدين أن الوباء انتشر بالتزامن مع هطول الأمطار على المديرية ونقص الأدوية وانتشار كثيف للبعوض.
وقال مصدر طبي في مديرية الجراحي – خلال نزول ميداني لصحيفة الثورة أمس لتقصي الوضع الصحي بمرافقة قيادة مكتب الصحة بالمحافظة وفريق من منظمة الصحة العالمية – إنه تم تأكيد أكثر من 75حالة إصابة بمرض «حمى الضنك» من اكثر من 899 حالة مشتبه بإصابتها بحميات وبائية مختلفة.
وأضاف إن عشرات الحالات وصلت المستشفى الحكومي في المديرية، فيما وصلت مثلها مستشفيات ومراكز صحية خاصة وأخرى ريفية خارج المدينة :
الثورة/ أحمد كنفاني
بحسب المخبري محمد هندي – القائم بعمل مدير مستشفى الجراحي الريفي – فإن حمى مرض الضنك يعد أشد فتكا بالإنسان من الملاريا مؤكدا أن مدينة الجراحي – التي تعد من اكبر المديريات التابعة لمحافظة الحديدة من حيث المساحة والكثافة السكانية – تتعرض للملاريا مرارا ومؤخرا يتعرض سكانها لحمى الضنك بعد مواسم الأمطار الغزيرة، وهي ظاهرة تحتاج إلى دراسة وتسببت في خوف كبير بين أوساط السكان والجميع يعيش حالة من القلق والضيق، مشيرا إلى أن أعراض المرض تظهر على المريض بعد فترة تتراوح بين ثلاثة وستة أيام من لسع البعوضة الحاملة للمرض ضحيتها ، ويظهر الطفح الجلدي في اليوم الخامس من المرض وتتراجع الحمى عادة ثم ترتفع ثانية وغالبا تشبه أعراضها أعراض الأنفلونزا « ارتفاع درجة الحرارة ، صداع حاد ، ألم خلف العينين وفي العضلات والمفاصل ، طفح جلدي».
وقد رفع مواطنو المديرية مناشدات للجهات المختصة في المحافظة والمنظمات المحلية والدولية بالتدخل العاجل لانقاد ابناء المديرية من المرض والحد من انتشاره بين اوساط المواطنين، واصفين المرض بالكارثة الوبائية التي تجتاح المديرية ولم يسبق الاصابة بها من قبل سيما مع استنفاد الادوية من المخازن التابعة لمكتب الصحة بالمديرية، مؤكدين أن المديرية تعاني من عدم وجود شبكتي مياه نقية وصرف صحي كما توجد عدد من البرك والمستنقعات والمياه الراكدة والمجاري التي تشكل مكانا مناسبا لتكاثر البعوض خاصة في مواسم الأمطار، مشيرين إلى أن غالبية الأسر في المديرية أصيبت بالوباء في ظل غياب تام للرعاية الصحية ونقص في الادوية.. ودعا مواطنو المديرية السلطة المحلية والجهات ذات العلاقة الى تدارك الوضع الصحي المتردي والعمل على إزالة وردم كل المياه الراكدة من شوارع المدينة وأحيائها والتعامل مع البرك الآسنة في المناطق الموبوءة برشها بمادة الديزل ومبيد كيمائي قوي يخلط مع 500 لتر من مادة الديزل تقريبا مع 5 لترات من المبيد الحشري ويرش بعدة طرق بما تسمى مادة المبيد دلتامترين 2 % للقضاء على يرقات البعوض التي تعيش على سطح الماء وتعمل مادة الديزل على قتلها بسبب منع وصول الهواء إليها.
المستشفى الريفي الحكومي الوحيد في مديرية الجراحي تتوافد الحالات المرضية إليه في الأوقات العادية فما بالك في حالة وباء كارثي كحمى الضنك وكيف يستطيع المستشفى الذي قدرته الاستيعابية 22 سريراً نساء ورجال – أن يتحمل خلال اسبوعين اكثر من 899 مريضاً بحمى الضنك وغيرها.
وبحسب الإحصائيات التي حصلنا عليها من المستشفى فقد اتضح أن المستشفى استقبل في يوم واحد فقط 150 حالة مرضية مصابة بالضنك، وأن اقل حالات استقبلها في اليوم الواحد كانت خلال الأسبوع الماضي ما بين 10 –20 حالة ، إلا أن الكارثة هي أن أعداد الحالات المرضية زادت في الأيام القليلة الماضية بعد أن كادت تختفي وهذا مؤشر خطير يستدعى التحرك الجاد والمسؤول من قبل الجهات الرسمية في وزارة الصحة والمنظمات الدولية المانحة.
وبحسب الأرقام التي زودنا بها مكتب الصحة في المديرية في الثالث من نوفمبر الجاري كان أجمالي الحالات المصابة بالحمى نحو75 حالة «62منها استقبلها المستشفى الحكومي و13حالة في المستوصفات الخاصة».
وفي أواخر اكتوبر الماضي بلغ إجمالي الحالات المصابة 32 حالة منها 21 في المستشفى الحكومي و11حالة في المستوصفات والعيادات الخاصة، وهو رقم كبير رغم أن المختصين أكدوا أن حالات مصابة ايضا لم تسجل في كشوفات المرضى في المستشفيات الخاصة.
وفي عزل مديرية الجراحي المعاصلة والعيادية السفلى والركب هناك حالات اصابة بمرض حمى الضنك لم تسجل ما يعني أن الحالات المصابة كثيرة جدا وأن الأرقام الرسمية من المستشفى الحكومي الوحيد ليست كل شيء، وأفاد مدير مكتب الصحة الدكتور عادل واصل انه مع بداية ظهور المرض كان مكتب الصحة يوزع للمستوصفات والعيادات استمارات للحالات التي تصلهم وبعض تلك المستوصفات لم تلتزم بذلك، وأكد واصل أن هناك حالات كثيرة لم تذهب إلى المستشفى الحكومي لأن الأعداد فوق طاقته الاستيعابية وقد اضطرت إدارة المستشفى إلى معالجة مئات الحالات في المنازل وترقيدها هناك بعد إعطائها العلاج وجرى الإشراف عليها من قبل طاقم المستشفى الطبي، مشيرا إلى أن حالات الاصابة في ازدياد بموجب كشف الوفيات الذي أطلعنا عليه حتى الخميس 13 اكتوبر الماضي صلت 14 حالة وفاة، وقد زادت حالات الوفاة حتى يوم أمس الى 20 حالة كان آخرها 6 وفيات أهملت في البيت حتى نزفت وماتت مباشرة قبل اسعافها للمستشفى.
وفيما نحن بصدد استكمال تحقيقنا الصحفي نود التوضيح بأن أعداد الوفيات اكبر مما أوردناه سلفا، فقد توفي ايضا 7 أشخاص أصيبوا بحمى الضنك في المعامرة بعد أن تم إسعافهم الى مستشفيات العاصمة صنعاء وتوفي آخرون في مستشفيات تهامة بمديرية بيت الفقية والأمل والأقصى بعد نقلهم وهم مصابون بالمرض من مديرية الجراحي ، بحسب مواطنين من آهالي المديرية وليس جهات رسمية.
وبحسب عدد من المختصين العاملين في مجال الرصد الوبائي ومكافحة الملاريا في المديرية فإنه وبعد النزول إلى عدد من المواقع والأماكن كحي الاشعت وغيره اتضح وجود حفر وبرك لمياه الصرف الصحي ومستنقعات مياه راكدة من الأمطار وجد فيها – بعد أخذ عينات منها – الآلاف من حشرات البعوض التي تنقل المرض للآلاف من السكان وهذا ما يدلل على وصول 9 حالات إلى المستشفى الحكومي مصابة بالمرض من أسرة واحدة فالبعوض ناقل للعدوى وتضع البعوضة الواحدة في اليوم الواحد أكثر من 20 بويضة ، والبعض يذهب إلى أنها تضع 100 بويضة وهنا تكمن المشكلة.
ووفقا لإدارة المستشفى والجهات الصحية في المحافظة فإن البعوض المتواجد في المنازل بحاجة إلى تمشيط دقيق ورش بالمرشات المحمولة لكي يتم القضاء عليه بالتزامن مع رش ضبابي للوديان والشوارع، كما يجب أن تكون العملية قائمة على معلومات دقيقة من الترصد الوبائي وترافقها حملات توعية ، وعدم توفر المرشات والمبيد مشكلة كبيرة.
وساهمت عدد من المستشفيات الخاصة في المحافظات المجاورة بعمل مخيمات طبية في المديرية لكن ذلك يظل محدودا ولا يفي بالمطلوب، فالوباء ينتشر والبعوض ينتقل من مكان إلى آخر وبإمكان بعوض أو حالة مصابة أن تنقل العدوى للمئات من السكان في ظل وجود مستشفى حكومي لا يجد اي دعم سوى من منظمة الصحة العالمية التي بدورها لبت المناشدة التي رفعها مواطنو المديرية وتعاملت مع الموضوع بجدية وتدخل سريع ، حيث قامت مشكورة بإعداد خطة طارئة بالتعاون مع مكتب الصحة تشمل مكافحة النواقل المسببة للمرض والقضاء عليها عبر تنفيذ حملات رش ضبابي وتقديم العلاجات للمرضى المصابين بالحميات وفعاليات توعوية بين اوساط المجتمع وإنشاء فرق استجابة سريعة ميدانية وتوفير متطلبات الفحوصات السريعة الخاصة بمرض حمى الضنك وتدريب ميداني للعاملين في القطاع الصحي.
وحسب مدير مكتب الصحة في المديرية فقد وصلت الجمعة الماضي إلى مخازن المكتب ثلاث شاحنات محملة بالأدوية والمستلزمات الطبية ودعم فني وسوائل وريدية والمواد اللازمة للمختبر الخاصة بفحوصات الحميات من مكتب منظمة الصحة العالمية في المحافظة.
وأفادت ادارة مكافحة الملاريا في تهامة عن الإعداد والتجهيز لتدشين حملات رش ضبابي في كافة احياء ومناطق المديرية بدءا من اليوم الاثنين وعلى مدى اسبوع بدعم وتمويل من منظمة الصحة العالمية.
مستشفى الجراحي الريفي أول مستشفى يستقبل الحالات المصابة بهذا المرض الفتاك ، لذلك فإن المعاناة كبيرة وكبيرة جدا، وذلك ما جعل إدارة المستشفى توجه نداء استغاثة لوزارة الصحة والمنظمات فالعلاج نفد من المستشفى.
المعاناة كبيرة خاصة أن الآمال في القضاء على البعوض ليست كبيرة فالحالات التي تصل إلى المستشفى خفت بعض الشيء في أحياء سكنية لكن المفاجأة أن حالات جديدة مصابة تصل من مناطق أخرى، وهو الأمر الذي استدعى انتقال المسؤولين في مكتب الصحة بالمحافظة إلى المستشفى ومدير الصحة بالمديرية ومدير عام المديرية للاطلاع على معاناة المديرية من تفشي الوباء وعدم القدرة على السيطرة عليه.
وتبعاً لذلك فقد تفقد مدير مكتب الصحة العامة والسكان في المحافظة الدكتور عبد الرحمن جار الله ونائبه الدكتور محمد قطقط بمعية منسقة مكتب الصحة العامة بمكتب منظمة الصحة العالمية الدكتورة رزق باشا وخبير الوبائيات بمكتب منظمة الصحة العالمية الدكتور محمد أبكر حشيبري أمس الوضع الصحي وخدمات الرعاية الصحية في المستشفى الريفي بمديرية الجراحي بعد تلقي بلاغات عن انتشار حالات الحميات فيها.
واستمع الدكتور جارالله خلال زيارته مستشفى الجراحي من القائم بأعمال مدير المستشفى محمد هندي والكادر الطبي إلى تقرير عن حجم المشكلة الصحية والحالات المصابة والمتوفية جراء تفشي مرض حمى الضنك والملاريا في عدد من مناطق المديرية، والإجراءات الصحية المتخذة من قبل إدارة المستشفى للحد من خطورة المرض وحماية المواطنين.
وناقش اجتماع موسع الوضع الصحي في المديرية وتقييم الوضع الوبائي على ضوء ظهور عدد من حالات الحميات ومنها مرض حمى الضنك والملاريا في بعض مناطق المديرية، والإجراءات المزمع اتخاذها لمواجهتها.
ووقف الاجتماع – الذي ضم مدير المديرية طه المعيطي ومنسق البرنامج الوطني لمكافحة الملاريا الدكتور عارف شمسان ومدير الإعلام والتثقيف الصحي بالمحافظة يحيى الجنيد ومدير الصحة في المديرية الدكتور عادل واصل وفريق الاستجابة الطارئة – وقف على نتائج الفحوصات الطبية المتعلقة بهذا الوباء والتي أكدت وجود نسب من الإصابة في أوساط المواطنين.
وأكد المجتمعون ضرورة اتخاذ عدد من الخطوات العملية لمواجهة ذلك من خلال تكثيف حملات فرق الرش لمكافحة النواقل للأمراض وإرسال الفرق الطبية للتوعية والتثقيف بالوقاية من الأمراض وعلاج المرضى وتنفيذ حملات نظافة شاملة.
وكلف الاجتماع فريقاً فنياً من المختصين في الوبائيات بتقييم الوضع الصحي في المديرية ورفع تقرير بذلك مرفقا بالتوصيات والاحتياجات الضرورية لمواجهة انتشار حالات الحميات.
كما زار مدير مكتب الصحة ومدير المديرية وفريق الاستجابة الطارئة وعدد من الفنيين المختصين بمكتب الصحة في المحافظة ومنسق برنامج الملاريا ومشرف المربع الجنوبي وممثلي مكتب منظمة الصحة العالمية في المحافظة.. زاروا عدداً من المواقع التي تنتشر فيها بؤر تكاثر البعوض والناتجة عن تجمع مياه الأمطار.
وأكد الدكتور جارالله أهمية ردم تلك البؤر ومكافحة انتشار نواقل الأمراض ومضاعفة الجهود لمواجهة انتشار حالات الحميات، مبينا أن المكتب سيعمل بالتنسيق مع مكتب منظمة الصحة العالمية في المحافظة على تشكيل فريق استجابة طارئة إضافي في المديريات لمساندة الفريق المتواجد حاليا لمواجهة تفشي هذه الوبائيات والحد منها.
وأكد أن الوضع الصحي في المديرية مطمئن، مشيرا إلى أن فريق الترصد يتابع الحالات لاكتشافها مبكرا والإبلاغ عنها، في حين يقوم فريق الاستجابة الطارئة بمعالجتها.
وأوضح أنه تم تزويد مكتب الصحة والمرافق الصحية في المديرية بكميات كبيرة من المحاليل والأدوية الكافية لمعالجة الحالات المكتشفة بدعم من منظمة الصحة العالمية، مشيرا إلى أنه سيتم خلال اليومين القادمين تنفيذ حملة رش ضبابي لمكافحة البعوض في كافة مديريات المحافظة إضافة إلى حملة رش بالأثر الباقي في 13 مديرية مستهدفة بدعم من منظمة الصحة العالمية.
وكان مدير عام مكتب الصحة في المحافظة قد وجه بإيقاف مدير مكتب الصحة في المديرية ونائبه عن العمل وإحالتهما للتحقيق بسبب اهمالهما وتقصيرهما في العمل وتكليف آخرين بالقيام بمهامهما، إلا أن ذلك يظل غير كاف امام الوضع الكارثي الذي تمر به المديرية بحسب إفادة المواطنين.