
– شهرتها سبقتها إلى القاهرة وعبدالناصر يمنحها” ملازم اول”
– تخلصت من الحجاب وحلقت شعرها” زيرو” وتمنطقت البندقية
– أسقطت هيلوكبتر فأعلن المستعمر جائزة لمن يدل على مكانها
– حكايتها تتسلل إلى مجالس وتجمعات الجنود وبريطانيا تعتبرها” إرهابية”
امرأة فولاذية ومقاتلة عنيدة لبست ملابس الرجال وعشقت هواية زراعة القنابل والألغام فأقلقت المستعمر الأجنبي. فسبقها اسمها إلى القاهرة فما كان من الزعيم العربي جمال عبدالناصر إلا أن يكرمها بمنحها رتبة ملازم أول إنها المناضلة مريم سعيد الشهيرة بـ” دعرة”. إنها ليست مجرد امرأة بل مناضلة عنيفة غامضة كل همها هو طرد المستعمر الأجنبي من بلادها. فسطع نجمها المستوى المحلي والعربي حتى غدت نجما وقائدا أسطوريا تتسابق الصحافة العربية في تناول قصة نضالها فقالت عنها إحدى الصحف المصرية في ستينيات القرن الماضي: “ضربت بتقاليد بلدها عرض الحائط تخلصت من الحجاب الذي كان يخفي وجهها.. حلقت شعرها «زيرو» وارتدت ملابس الرجال ووضعت في وسطها الخنجر وعلقت على كتفها البندقية وقبل أن تخرج من باب بيتها في ردفان سألتها أمها إلى أين..¿فأجابت وهي تصوب طلقة في الفضاء.. سأنضم إلى الثوار.. سأحارب الانجليز”.
وبحسب كتاب وثائقي عن المناضلة دعرة فإن الأخيرة ولدت في العام 1928م بمنطقة شعب الديوان بمديرية ردفان / لحج وسميت مريم وهي تنتمي لأسرة معدمة ولها من الإخوة شقيقان وشقيقتان وكانت هي بكر والديها وبوفاة والدها في عام 57م كان على دعرة أن تتحمل مسؤولية رعاية والدتها وإخوانها ما جعلها تخرج للحياة الصعبة القاسية فعملت في الأرض وتجارة الفحم على أمل أن يساعدها كل هذا في توفير ادنى مستويات المعيشة لأسرتها.وفي ظل هذه النشأة الصعبة والواقع المفعم بالمرارة تكونت شخصية هذه المرأة كامرأة فولاذية صهرتها الحياة وصنعت منها المعيشة القاسية ثائرة متمردة ضد واقعها وظروفها.. وضد العدو الجاثم على صدر وطنها.
دعرة وجمال عبدالناصر
قبل أن تطأ قدماها أرض مصر كان قد سبقها إلى هناك اسمها بما يحتضنه من قصة كفاح وشجاعة أسطورية أشادت به الصحف المصرية. وهو ما يدلل على عمق معنى التكريم الذي حظيت بها من قبل الزعيم العربي جمال عبدالناصر حيث منحها رتبة ملازم أول وذلك ضمن عدد من زملاء القتال من جبهة التحرير الذين خضعوا لدورة تدريبية في مصر. فقد حظيت دعرة بمقابلة الزعيم ناصر الذي أشاد بشجاعتها وبسالتها وروحها النضالية الرافضة للاستعمار.
عندما عشقت السلاح
تجمع معظم الكتابات والشهادات على ميلاد علاقة حميمية نمت وترعرعت بين مناضلة اليمن” دعرة” والسلاح. وهي علاقة أدهشت الكثيرين في الداخل والخارج كما عملت في نفس الوقت على إزعاج البعض وأفراح البعض الآخر. في العام 1940 كان ميلاد هذه العلاقة أما المكان فكان واقعة” انتفاضة الحمراء” وهنا سطع نجم المقاتلة العنيدة حيث شاركت في انتفاضة الحمراء وبدأ الكثيرون يتحدثون اندهاشا عما وجدوه من شجاعة غريبة لدعرة إعجاب وصل أيضا إلى مسامع والدها الذي لم يكن يعلم عن مشاركتها في هذه الانتفاضة. فما كان منه إلا أن أهداها بندقية نوع” فرنساوي” لتكون أول علاقة لها مع السلاح. تلي ذلك مشاركتها في العديد من الانتفاضات لتكون أهمها انتفاضة 56م وهنا صنعت دعرة” المعجزة” من خلال نجاحها بإسقاط طائرة هيلوكبتر تابعة للقوات البريطانية في الحبيلين . حادثة خلطت كل أوراق المستعمر الذي ذهب للتفتيش عنها في كل مكان بل أنه أعلن عن جائزة قدرها 100 ألف شلن لمن يدل على مكانها ولاسيما بعد أن لمع نجمها وأصبحت حديث الساعة لجنود الاحتلال فقد رأى فيها المستعمر بأنها تعد أخطر إرهابية تحولت إلى أسطورة بطولية غزت حكايتها جلسات وتجمعات ضباط وجنود المستعمر الأجنبي الذين راحوا يرددون قصص بطولاتها وشجاعتها النادرة. فقد كانت المقاتلة دعرة تضع الألغام في طريق السيارات البريطانية وتتربص بالدوريات وتنقض على الجنود بالرصاص والقنابل اليدوية , وهو ما جعلها مفخرة المرأة العربية , وبسبب شجاعتها أنضمت الكثيرات من النساء إلى صفوف المناضلين ليحاربن الاستعمار جنبا” الى جنب مع المقاتلين ,فسجلت الكثيرات بطولات خارقة , واستشهدت في المعركة المناضلة (( هند بنت أحمد)) تلتها في الاستشهاد المناضلة البطلة “بنت الحاج عبدالكريم” وغيرهما كثيرات.
خاضت دعرة عشرات المعارك في الشمال والجنوب والهدف هو التخلص من الحكم الإمامي وطرد المستعمر الأجنبي. فاشتركت في معارك صرواح الشهيرة, ومكثت تشارك ببسالة وشجاعة انتحارية في جميع المعارك التي خاضها الرجال البواسل فوق جبال ردفان دفاعا” عن الثورة . ولما قضي على التسلل الرجعي الاستعماري نقلت المناضلة البطلة مع كتيبتها إلى منطقة ((المحابشة)) , وبقيت هناك ستة أشهر متوالية ترتدي ملابس الرجال وتخوض أعنف المعارك . وفوق جبال ردفان كانت المناضلة تقف في الصفوف الأولى جنبا” إلى جنب مع الشهيد البطل راجح بن غالب لبوزة والمسؤول عن منطقة ردفان , واول شهيد يسقط على طريق الحرية والكرامة.
وبتفجير ثورة 26سبتمبر كانت دعرة ضمن مجموعة من أبناء ردفان من أوائل الملبين لنداء الدفاع عن الثورة قاطعة بذلك المسافات الطويلة سيراٍ على الإقدام من ردفان وحتى جبال المحابشة بحجة وفي جبهات المحابشة شاركت دعرة في عدد من المعارك ضد الملكيين وأبرزها معركة بلاد بني هجر كما شاركت في الدفاع عن صنعاء أثناء حصار السبعين حتى انتصار الثورة لتعود بعدها دعرة أكثر حماساٍ ورغبة في تحرير الجزء الجنوبي من وطنها العزيز على قلبها كثيراٍ كما كانت تردد دائماٍ. رحلت الفقيدة دعرة عن الحياة عام 2002م فبكى الجميع عليها فقد الوطن برحيلها مناضلة جسورة من الطراز الأول. ليسدل الستار عن أقوى إمرأة عربية شغلت العدو وأزعجته وسببت له قلقا وكابوسا.
