الثورة | أحمد المالكي
مما لا شك فيه أن كل السياسات التآمرية الامريكية والغربية والخليجية اصطدمت بواقع ثوري تحرري إيماني يماني صلب وحديد لا يعرف الخضوع والخنوع والارتهان للخارج حيث انفجرت الثورة الشعبية العارمة في وجه المبادرة الخليجية والسفراء الأجانب في الرابع من شهر أغسطس 2014م حين دعا السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي أبناء الشعب اليمني إلى الخروج الثوري الواسع في مختلف المحافظات لتحقيق ثلاثة أهداف رئيسية أولها إسقاط الجرعة وإسقاط الحكومة ثم تنفيذ مخرجات الحوار الوطني، وتوالت الأحداث تصاعداً في الميادين والساحات الثورية خلال اقل من شهرين من دعوة قائد الثورة حتى تساقطت أركان النفوذ والفساد المتوغلة في أركان ومفاصل الدولة اليمنية القبلي والعسكري والديني بدءاً بالحصبة ومرواً بالتلفزيون ن ثم الفرقة الأولى مدرع يوم الهروب والسقوط الأكبر في الـ 21 من سبتمبر 2014م.. بعضاً من هذه المحطات الثورية نتناولها في السياق التالي:
من المعروف أن اليمن كانت مجرد ملحق أو حديقة خلفية لبعض الدول الإقليمية التي توفر هي الأخرى الأرضية المناسبة للتدخلات الأمريكية في الشؤون اليمنية ..
والواقع اليمني خلال العقود الماضية يشهد بذلك فقد ظلت الأنظمة التي تعاقبت بعد ثورة 26 سبتمبر 1962 م مجرد تابع وملحق لقوى إقليمية حرصت على شراء الولاءات وإفساد الذمم ومنح الميزانيات الخاصة للمشائخ والنافذين ليكونوا دولة داخل الدولة التابعة لهم فتغول النافذون وسيطروا على كل شيء وتحولت الدولة ومؤسساتها الى اقطاعيات لذوي النفوذ والمشائخ، فيما ظل الشعب اليمني بغالبيته خارج دائرة الاهتمام والرعاية يعاني ويلات الفقر والجهل والمرض والصراعات المفتعلة والمنظمة ..
وإزاء تنامي المد الثوري الحقيقي لأنصار الله خارج سيطرة الاخوان إبان ما يسمى بثورة فبراير 2011م بدأت الدول الإقليمية تقلق وذهبت نحو إقرار المبادرة الخليجية التي هدفت في حقيقتها الى ملء الفراغ الذي خلفه انقسام النظام على نفسه آنذاك خوفا من نفاذ الثورة الشعبية الحقيقية من شرخ الانقسام الحاصل في جسد السلطة المرتهنة بطرفيها .. وكان هدف المبادرة الخليجية تسليم الاخوان المسلمين السلطة في اليمن بشكل تدريجي بالتوازي مع الحفاظ على الرئيس السابق علي عبد الله صالح ومنحه الحصانة كخط رجعة في حال لم ينجحوا في تحقيق الأهداف المرسومة.
وما كشفته الاحداث في اليمن خاصة بعد 11 فبراير هو أن الامريكان لم يعودوا مقتنعين بالوصاية والتدخلات التي كانوا يمارسونها في عهد علي صالح.. والذي اتضح لاحقا ان الامريكان كانوا يبحثون عن حضور عسكري وامني وسياسي في اليمن اقوى من ذي قبل، وهذا لا يتأتى من دون مفهوم الفوضى الخلاقة التي وفرها لهم صراع النظام المنقسم على نفسه فصار السفير الأمريكي هو الحاكم الحقيقي في صنعاء وطائرات أمريكا تجوب سماء اليمن طولا وعرضا تقتل من تشاء متى تشاء بمزاعم ملاحقة القاعدة وشرعت في انشاء قواعد عسكرية في بعض المحافظات الجنوبية كما حولت منطقة شيراتون التي تتواجد فيها السفارة الامريكية بصنعاء إلى ما يشبه القاعدة العسكرية واستقدمت المزيد من جنود المارينز بمزاعم حماية السفارة ..
ووفقاً للكتاب والمحللين السياسيين فإنه وفي ظل نظام المبادرة الخليجية وحكومة الوفاق او ما يسمى بسلطة التقاسم والمحاصصة والتي استمرت زهاء ثلاثة أعوام (تشكلت في نهاية 2011 واستمرت حتى 21 من سبتمبر 2014 م ) تدهورت كل مجالات الحياة في اليمن وبدت الأمور كأنها (تركبت بهذه الطريقة ) من اجل الذهاب نحو الأسوأ وليس العكس وبدت اليمن وكأنها تتجه نحو السيناريو الليبي او الصومالي .
الاغتيالات كانت تطال قيادات سياسية وعسكرية بارزة في ظل حكومة المبادرة الخليجية بشكل شبه يومي جلهم من الكفاءات والشخصيات الوطنية لا سيما في المجال العسكري والأمني .
هذا بالإضافة إلى زيادة الأسعار وتراجع مستوى الحياة المعيشية للغالبية من المواطنين والعودة الى سياسة إقرار الجرع السعرية المفروضة من قبل البنك الدولي بنسب مرتفعة وجائرة بل وقاتلة للقطاعات الفقيرة ومتوسطة الدخل، يترافق ذلك مع اختلاق وافتعال المزيد من الأزمات المعيشية والاقتصادية والخدماتية مثل غياب وضرب الكهرباء واعدام او إخفاء المشتقات النفطية في سياق سياسة عقابية مدروسة هدفها كسر إرادة الرفض للفساد والتي تمثلت في المسيرات الثورية السلمية التي استمرت في عدد من المحافظات حتى انتصار ثورة 21 سبتمبر 2014 م .
في ظل حكومة المحاصصة والمبادرة الخليجية تزايد حجم الفساد الذي أصبح مؤسسيا يلتهم كل مقدرات البلد عن طريق تقاسم المناصب بدءا بالوظائف الكبيرة نزولا الى المستوى الأدنى بين الشركاء الفاسدين وتغييب الشعب وهمومه بشكل كامل .ناهيك عن توسع تنظيم القاعدة حتى أصبح يسيطر على بعض المحافظات وكان العجز الحكومي او التظاهر بالعجز هو سيد الموقف.
فتح السيادة اليمنية لكل اشكال التدخلات الخارجية حتى أصبح اليمني غريبا في وطنه مقابل الحرية التامة لأجهزة المخابرات العابرة للحدود لتعمل وترتكب في اليمن والمواطنين اليمنيين ما تشاء ومتى تشاء .
ومن المؤكد بحسب المحللين السياسيين أن ثورة الـ 21 من سبتمبر 2014م انفجرت في وجه كل تلك السياسات التآمرية المدروسة والمنظمة من قبل السفارات الامريكية والغربية التي أوجدت نظام المبادرة الخليجية في الرابع من شهر أغسطس 2014 م حين دعا السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي أبناء الشعب اليمني الى الخروج الثوري الواسع في مختلف المحافظات لتحقيق ثلاثة اهداف رئيسية تتمثل بإسقاط الجرعة وإسقاط الحكومة وتنفيذ مخرجات مؤتمر الحوار الوطني .
وبنجاح ثورة 21 سبتمبر وسقوط قوى النفوذ التي كانت مسيطرة على المشهد السياسي والميداني تحقق لليمن وشعب اليمن جملة من الأهداف أهمها سقوط مشاريع الوصاية التي عملت على تنفيذ مشاريع التفتيت والتدمير والتمزيق وتغذية الكراهية واستحضار الورقة المذهبية والطائفية بهدف إحداث شرخ للنسيج الاجتماعي في أوساط الشعب اليمني المحافظ والمتماسك بالتزامن مع العمل على استهداف وإضعاف المؤسسة العسكرية والأمنية بشتى الطرق والوسائل.
وبانتصار ثورة 21 سبتمبر وسقوط حكومة المقاسمة التي تنص عليها المبادرة الخليجية سقطت عمليا القدرة الكاملة الامريكية الإقليمية لتجزئة اليمن وتدمير شعبه بواسطة رعاية الفساد والفلتان الأمني وتغذية الصراعات والاغتيالات وغيرها ولم يستطع الفصل السابع ولا مجلس الامن او أمريكا حماية حكومة التحاصص التي عصفت بها ثورة 21 سبتمبر وجاءت على انقاضه بوثيقة السلم والشراكة التي تنص على تشكيل حكومة كفاءات وشراكة وطنية بالإضافة الى محاربة الفساد واستعادة موارد البلاد من ايدي العابثين والناهبين .
ويحسب لثورة وثوار 21 سبتمبر أنهم عند إحكامهم السيطرة على العاصمة صنعاء ومؤسسات الدولة تصرفوا بكل نبل وأخلاق قيمية عالية فلم يسارعوا إلى تصفية حساباتهم مع خصومهم السياسيين سواء من الأحزاب او من قيادات النظام السابق الذين كانت أكبر رؤوسهم متواجدين داخل العاصمة صنعاء برغم كل الظلم والاضطهاد الذي تعرض له أنصار الله المتصدرون للمشهد في قيادة ثورة 21 سبتمبر خلال سبع حروب شنها النظام السابق ضدهم وتعرضوا فيها للقتل والسجن والتعذيب والتخوين وغير ذلك من أساليب التنكيل، بل تناسوا كل ذلك وسارعوا إلى مد أيديهم إلى أولئك الخصوم وقاموا بإبرام اتفاق السلم والشراكة برعاية أممية مع مختلف الأحزاب والمكونات السياسية بما فيها أركان النظام السابق المؤتمر والإصلاح حتى تم الالتفاف على ذلك الاتفاق بتوجيه من السفارات الأمريكية والسعودية التي كانت قد أبرمت ودبرت أمراً بليل لتنفيذ العدوان الجاري على اليمن منذ خمسة أعوام بعد أن أدركت أن مقاليد الأمور قد خرجت من تحت سيطرتها وظناً منها أنها ستعيد الوصاية على البلد عن طريق القوة العسكرية فكان المستحيل بذاته.
كما يحسب لثورة وثوار 21 سبتمبر أنهم استلموا مؤسسات الدولة وحافظوا عليها من السلب والنهب والتدمير والتخريب بعكس ما كان يتوقع حصوله من قبل خصومهم في الداخل والخارج ثم أداروا مؤسسات الدولة بحنكة واقتدار بعد الفراغ الموجه الذي أحدثته استقالة اركان السلطة التنفيذية العليا بدءاً برئيس الوزراء آنذاك خالد بحاح ثم استقالة رئيس الجمهورية حينها عبدربه منصور هادي.
كما أن أبرز ما يحسب لثورة وثوار 21 سبتمبر المتمثلة بأنصار الله وقيادتها الثورية أنهم حافظوا على الامن والاستقرار والسكينة المجتمعية برغم الاحداث الإرهابية المؤلمة التي حدثت خلال هذه المراحل الثورية والتي ركزت على استهداف قيادات أنصار وثوار 21 سبتمبر من قبل بعض بؤر التكفيرية التي كانت ما زالت تنشط آنذاك والمدعومة من المخابرات الأمريكية والسعودية ومع كل ذلك إلا أن الوضع في مجمله الأمني والمجتمعي ظل مستقراً فلم يحدث اقتتال داخلي ولم يسل الدم إلى الركب كما كان يتوقع وعمل الثوار بكل جهدهم على الحفاظ على ممتلكات المواطنين من السلب والنهب وتم منع الفوضى والاختلالات التي تم التخطيط لها لإحداث الفراغ الأمني وتهيئة الوضع لإشعال الفوضى ونشر الخوف والقلق في أوساط المواطنين لكن كل ذلك لم يحدث بفضل حكمة وحنكة قيادة الثورة وأخلاق ثوارها الشباب الذين أبهروا العدو والصديق والقريب قبل البعيد بقدراتهم المذهلة في إدارة المراحل الثورية السياسية والعسكرية والأمنية والثقافية حتى الاقتصادية بتمكن وإبداع منقطع النظير بقيادة السيد العلم الصادق المؤمن عبدالملك بدرالدين الحوثي والقيادات الشابة الذين لمعوا خلال مراحل ثورة الـ 21 من سبتمبر وحتى الآن.
ويمكن القول إنه برغم العدوان والحصار الكوني الغاشم الذي أعقب ثورة الـ 21 من سبتمبر والذي تعرض فيه الشعب اليمني واليمن بكله لكل أنواع التآمر والقتل والقهر والتخريب والاستهداف العسكري والاقتصادي والثقافي الممنهج طيلة خمسة أعوام إلا أنه يمكن الجزم بالقول كواقع وحقيقة ملموسة نعيشها الآن أن اليمن تحرر من كل أنواع التبعية والوصاية برغم ما آلت إليه الأوضاع في المناطق والمحافظات الواقعة تحت سيطرة مراكز النفوذ التي فرت عند قيام هذه الثورة والتي تحولت إلى أدوات جلبت العدوان الخارجي وهيأت للغزاة والمحتلين بالسيطرة على مقدرات وثروات اليمن الاستراتيجية والطبيعية والاقتصادية.. ومع ذلك كله فالثورة مستمرة والقيادة الثورية والسياسية والشعب اليمني سائرون في ثورتهم ضد الجبروت والطغيان حتى نيل كامل حريتهم واستقلال قرارهم السيادي والسياسي والاقتصادي وتحرير كل شبر من أرض اليمن من دنس الغزاة والمحتلين في الشمال والجنوب.
وقياساً بالأحداث الأخيرة التي واكبت الذكرى الخامسة لثورة 21 سبتمبر بعد تنفيذ عملية توازن الردع الثانية والتي استهدفت عصب الاقتصاد السعودي والعالمي في معامل بقيق وهجرة خريص التابعة لشركة أرامكو وما تبعها من ضجة عالمية كبيرة نتيجة اختلال أسواق وإمدادات النفط والغاز الدولية والعالمية.. ما يعكس الإنجاز الثوري والقيادي الصادق في الإصرار والتحدي والوقوف بكل حزم وثبات لكسر موازين القوى العسكرية الهائلة التي تتمتع بها قوى العدوان والمضي باليمن ليحتل مكانة متقدمة إقليمياً ودولياً وعالمياً.. يمكن القول أن قيادة الثورة استطاعت أن تدفع بالقدرات اليمنية تصنيع الصواريخ والطائرات العابرة للحدود والكاسرة لكل موازين القوى وماضون بكل عزم وإصرار على بناء جيش عظيم، اقتصاد عظيم، دولة يمنية عظمى، وموقنون بالنصر المبين الذي نراه بلا شك قريباً يلوح في الأفق.